الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذن أنا ربما أقول: إذا أنكرت عليّ فعله وقلت: إنه حرام - أنا أيضًا أنكر عليك أقول: لماذا تحرمه والأصل الحل؟ لماذا تمنع عباد الله مما خلق الله؟ فمشكلة هذه أننا نحن الآن هنا في السعودية لا أحد من علمائنا فيما أعلم يقول: إن الدخان حلال، وعلى هذا فلو جاء عاميّ يقول: أنا والله أقلد ناسًا آخرين خارج المملكة لا يحرمونه لا نقره على ذلك؛ لأن العامي ليس أهلًا للاجتهاد، لكن لو يأتي واحد طالب علم من بلاد أخرى يقول: أنا ما تبين لي التحريم فلا ننكر عليه؛ لأنه ليس عندنا نص يقول: إن الدُّخان حرام، تحريمه داخل في عمومات، والرسول صلى الله عليه وسلم لما نهى عن أكل البصل قال الصحابة: إنها حرَّمت أنها حرمت، فقال:"إنه ليس لي تحريم ما أحل الله"، عمر رضي الله عنه لما قالوا: إنهم يأخذون من أهل الذمة الخراج أو الجزية يأخذون خمرًا ويبيعونه ويدخلون ثمنه في بيت المال نهاهم قال: ولُّوهم بيعها وخذوا أثمانها، بيع الخمر بالنسبة للمسلمين حرام، أمَّا بالنسبة للذمي حلال، اجعلوهم يبيعون الخمر؛ لأنهم يعتقدون حلها وخذوا أثمانها منهم مع أني الآن أعلم أن هذا الرجل باع الخمر وأخذت الثمن -ثمن الخمر -وجعلته في بيت المال يقاس على الخمر ما يشبهه أو أشد ضررًا منه مثل الأفيون والحشيش والمخدرات، وهل يقاس عليه الدُّخان أو لا؟ هو لا يسكر وأظنه أيضًا لا يخدر لكنه يدخل فيما يأتي في بيع الميتة أو الخنزير لكنه في بيع الميتة ألصق.
تحريم بيع الميتة مثل الدخان والدم:
قال: "والميتة"، يعني: حرم بيع الميتة، وهذا كما نعلم لفظ عام؛ لأنه مفرد محلى بـ "أل"، والأصل في المفرد المحلى بـ "أل" أنه للاستغراق، عام لأنه لا يخرج عن الاستغراق إلا بدليل مثل أن يكون للعهد، أو لبيان الحقيقة.
إذن فكل ميتة فبيعها حرام، إذن لدينا عمومات عموم لجميع الميتات حيث قلنا "كل ميتة بيعها حرام" وعموم الميتة نفسها حيث قلنا:"كل الميتة بيعها حرام"، أما الأول وهو العموم في أعيان الميتات فهذا يستثنى منه شيء يستثنى منه ما كان ميتته حلالًا، مثل: السمك والجراد فإن بيعها حلال.
فإن قال قائل: أين الدليل على إخراج هذا من العموم؟
قلنا: الدليل: أولًا: السُّنة، وثانيًا: المعنى، أما السُّنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سياق هذا الحديث:"إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه"، فعلم من هذا التعليل أن الميتة التي يحرم بيعها هي
الميتة المحرمة؛ لقوله: "إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه"، أما المعنى: فنقول: إنما حرم بيع الميتة لأنه لا ينتفع بها، والميتة الحلال ينتفع بها، وما كان منتفعًا به على وجه حلال فإن الشرع لا يمكن أن يمنع بيعه لما في ذلك من الحجر على الناس في تعميم الانتفاع به؛ لأنَّا لو قلنا: هذا الشيء الحلال لا يجوز بيعه معناه: أننا حجرنا على الناس في تعميم الانتفاع به فصار لا ينتفع به إلا من كان بيده أو إذا ما أعطاه على سبيل الهدية والصدقة وما أشبه ذلك. صار يستثنى من هذا أي شيء؟ الميتة الحلال كالسمك والجراد، وقد عرفتم الدليل والتعليل في ذلك.
العموم الثاني: قولنا: "كل الميتة"، أي: كل أجزاء الميتة حرام بيعها هذا أيضًا ليس على عمومه؛ لأنه يستثنى منه ما لا تحله الحياة، فبيعه حلال بالاتفاق كالشعر والوبر والصوف والريش هذا بيعه حلال بالاتفاق؛ لأنه لا يدخل في مسمى الميتة، ولهذا يجزَّ وينتفع:{ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثًا ومتاعًا إلى حين} [النحل: 80]. ولو كان من الميتة لكان إذا جزّ لا ينتفع به؛ لأن ما أبين من حي فهو كميتته.
إذن يستثنى من الميتة ما لا تحله الحياة؛ كالشعر والوبر والصوف والريش، هذه الأربعة ما الفرق بينها؟ الصوف للضأن، والوبر للإبل، والشعر للمعز، والبقر والريش للطير، هذه يجوز بيعها فإذا ماتت البهيمة مثلًا وجز الإنسان صوفها أو شعرها أو وبرها فله بيعه، وكذلك لو قص ريشها فله بيعه بالاتفاق؛ لأن الحياة لا تحله، وهل تباع الأظلاف؟ الأظلاف للبهيمة التي بمنزلة الأظفار للإنسان هل تباع؟ الظاهر أنها من جنس الظفر بعضها تحله الحياة وتتألم به وبعضها لا، فما لا تحله الحياة كالظفر فإنه يجوز بيعه إن انتفع به، وإن لم ينتفع به منع من بيعه لا لأنه جزء ميتة، ولكن لأن في بذل المال فيه إضاعة للمال.
عظام الميتة تحل بيعها؛ لأنها تدخل في عموم قوله: "الميتة" واختار شيخ الإسلام رحمه الله جواز بيع العظام معللًا ذلك بأن الحياة لا تحل العظم، لأنه ليس فيه دم؛ ومدار تحريم الميتة على الدم، ولهذا إذا كان الحيوان مما لا دم فيه فعظم ميتته طاهرة وما ليس فيه دم فإن ميتته طاهرة.
قال: إذن فالعظام طاهرة، وإذا كانت طاهرة جاز بيعها، لكن جمهور أهل العلم على خلاف قوله وهو الأقرب من لفظ الحديث؛ لأن الميتة في الواقع إذا قيل "ميتة" فلا يتبادر إلى الذهن إلا أن لفظ شامل لكل الميتة، وقول شيخ الإسلام: إن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما حرم من الميتة أكلها والعظام لا تؤكل. جوابه أن يقال: بل قد تؤكل.
هل يشمل هذا الحكم الجلد - جلد الميتة - أو لا؟ نقول: الحديث يشمله؛ لأن الجلد جزء من الميتة تحله الحياة، إذن فلا يجوز بيع جلد الميتة وإن سلخ وانفصل منها؛ لأنه جزء منها،
فكما لا يجوز أن أبيع يدها أو رجلها إذا قطعتها فلا يجوز أن أبيع جلدها إذا سلختها، وهل يشمل هذا ما إذا دبغ الجلد؟ يقول بعض العلماء: إنه يشمل ما إذا دبغ، وهذا مبني على أنه لا يطهر بالدباغ وعلى أنه لا ينتفع به إلا في الشيء اليابس، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، والصحيح أنه يطهر بالدبغ، وأنه ينتفع به في اليابسات والمائعات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة يجرونها ميتة فقال:"هلَّا أخذتم إهابها فانتفعتم به". قالوا: إنها ميتة. قال: "يطهرها الماء والقرظ" وقال: "دباغ جلود الميتة ذكاتها"، وهذا يدل على أن الدبغ يطهرها ويجعلها حلًّا حيث شبهها بالذكاة، شبه الدباغ بالذكاة، وعلى هذا القول يجوز بيعه بعد الدبغ؛ لأنه عين مباحة النفع على وجه عام شامل فيباح بيعه بعد الدبغ.
هل يباح بيع جلود السباع بعد دبغها؟ هذا ينبني على أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" هل يشمل ما لا تبيحه الذكاة كالسباع أو يختص بما تبيحه الذكاة لقوله: "دباغ جلود الميتة ذكاتها" وفيه خلاف بين العلماء أيضًا، لكن إذا قلنا بان جلود السباع تطهر بالدبغ فإنه يجوز بيعه كجلود الميتة.
لو قال قائل: إذا قلتم إنه يطهر بالدبغ، فقولوا: يجوز بيعه قبل الدبغ كما تقولون بجواز بيعه؛ لأنه يمكن أن يطهر وينتفع به، فاجعلوا جلد الميتة قبل الدبغ كالثوب المتنجس، وقولوا: يجوز بيعه لمن يريد أن يدبغه ويطهره؛ لأنه قد يكون هذا صاحب الشاة التي ماتت وسلخ جلدها قد لا يكون عنده ما يدبغ به الجلد، ويأتي إنسان آخر يقول: أنا أشتريه وأدبغه فهل تجيزون ذلك؟
الجواب: لا، والقياس نقول: لا يصح القياس؛ لأن هذا الجلد جزء من الميتة فنجاسته عينية أصلية، فلا يمكن أن نجيز بيعه حتى يخرج عن حكم الميتة، أما الثوب المتنجس فالنجاسة طارئة عليه وأصله طاهر ليس جزءًا من ميتة أو جزءًا من نجس بل أصله طاهر، فلهذا أجزنا بيعه قبل غسله، إذن الميتة فيها عمومان من حيث الميتات وأنواعها، ومن حيث أجزاء الميتة، تقدير العموم الأول: أن نقول: بيع كل ميتة، وتقدير العموم الثاني: بيع كل الميتة، وعرفنا الآن ما الذي يستثنى من ذلك.
ولو قال قائل: لو اضطر إنسان إلى بيع ميتة هل يجوز بيعها عليه؟ الجواب: لا للعموم، ولأنه عند الضرورة يجب أن يبذل له ما يدفع ضرورته حتى وإن كانت مذكاة، فإن أبى صاحب الميتة أن يعطي المضطر إلا ببيع فليدفع له والإثم على البائع.