الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويستفاد من الحديث: جواز التصريح بما يستحيا منه للحاجة والمصلحة لقول أمهات المؤمنين: "كان يصبح جنبًا من جماع"، لكن إذا دعت الحاجة إلى ذكر ما يستحيا منه فلا بأس؛ لأن الله لا يستحيي من الحق.
وفيه دليل أيضًا: على جواز صوم الحائض إذا طهرت قبل أن تغتسل من باب القياس؛ لأن كلًّا من الحائض الطاهر قبل أن تغتسل والجنب كلٌّ منهما يجب عليه الغسل، فإذا صح صوم الجنب صح صوم الحائض.
وفيه أيضًا دليل: على أن هذا شامل للفرض والنفل، وجهه: عدم التفصيل هذا من وجه، ووجه آخر قولها:"ولا يقضي"؛ لأن القضاء من خصائص الواجب.
وفيه أيضًا دليل: على جواز مجامعة الرجل زوجته قبيل الفجر بل كل الليل؛ لقوله سبحانه: {حتَّى يتبيَّن لكم} ، إن طلع الفجر عليه وهو يجامع المذهب أنه إن بقي وجبت عليه الكفارة، وإن نزع وجبت عليه الكفارة، إن بقي واضح للمعصية في قوله:{فالئن بشروهنَّ} إلى قوله: {حتَّى يتبيَّن لكم} ، وإن نزع فالنزع عندهم جماع؛ لأن الإنسان يتلذذ به، فيكون هذا واقعًا في الإثم وتلزمه الكفارة، والصحيح: أنه لا يلزمه شيء إذا نزع فورًا، وأن هذا النزع ليس بحرام بل هو واجب، وما كان واجبًا فإنه لا يؤثَّم به الإثم، وإذا لم يؤثَّر فلا كفارة، ولكن يجب عليه من حين يعلم أن الفجر طلع يجب عليه أن ينزع، فإن قلت: هل علم الفجر يكون بالأذان؟ ينظر بعض المؤذنين يؤذن قبل الفجر، لكن إذا علمت أن هذا المؤذن لا يؤذن حتى يرى الفجر أو يخبره عنه ثقة، وجب عليك أن تعمل به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وإن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر" هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، وبناء على ذلك فإن الإنسان إذا سمع المؤذن وكان يعرف أن هذا المؤذن ثقة راتب لا يؤذن إلا إذا رأى الفجر، أو أخبر به ثقة، فإنه يجب عليه العمل بالسماع، فإن شك فالأصل بقاء الليل، لكن ينبغي للإنسان ألَّا يعرض صومه للخطر.
حكم من مات وعليه صوم:
645 -
وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليُّه". متَّفقٌ عليه.
"من" اسم شرط، فعل الشرط "مات"، و"صام عنه وليه" جواب الشرط، وجملة "وعليه صيام" جملة في موضع نصب، يعني: من مات والحال أن عليه صيامًا فإنه يصوم عنه
وليه.
قوله: "وعليه صيام" هذا ظاهر في أن المراد به: الصوم الواجب؛ لأن صوم التطوع لا يقال "عليه"؛ لأن "على" إنما تفيد الوجوب، وقوله:"صام عنه وليه" هذا خبر بمعنى الأمر، والمعنى: فليصم، وهذا الأمر هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ نقول: إنه للاستحباب، إذ لو قلنا: إنه للوجوب لزم من تركه أن يأثم الولي، وقد قال الله عز وجل:{ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} [الأنعام: 164].
و"الوالي" هو الوارث لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر"، فدل ذلك على أن الأولياء هم الورثة وأن فيهم الأولى وغير الأولى، وقيل: إن الولي هو القريب مطلقًا فيشمل الوارث وغيره، فلو هلك هالك عن عم وابن عم صار ابن العم وليًّا كما أن العم ولي، وعلى القول الأول يكون الولي هو العم فقط.
وقوله: "من مات وعليه صيام"، كلمة "صيام" نكرة تشمل أي صيام واجب من كفارة أو نذر أو قضاء أو غير ذلك؛ لأنه عام مطلق، ولكن متى يكون عليه الصيام؟ يكون عليه الصيام إذا تمكن منه فلم يفعل، أما إذا لم يتمكن فليس عليه صيام، مثال ذلك: رجل نذر أن يصوم ثلاثة أيام ثم مات من يومه فهذا ليس عليه شيء، لماذا؟ لأنه لم يتمكن.
رجل كان عليه قضاء من رمضان ولكن مرض في يوم العيد واستمر به المرض حتى مات فليس عليه صيام فلا يصام عنه، لماذا؟ لأنه لم يتمكن من الفعل، وكان عليه عدة من أيام أخر ولم يدرك هذه الأيام الأخر، رجل كان مريضًا في رمضان مرضًا لا يرجى برؤه ثم مات هذا يطعم عنه؛ لأن الواجب عليه ليس هو الصيام بل الإطعام.
من فوائد هذا الحديث: أولًا: مشروعية الصيام للولي إذا مات مورِّثه قبل أن يصوم الواجب عليه، يؤخذ ذلك من قوله:"صام عنه وليه"، ولولا هذا لكان الصيام عنه بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ويستفاد منه: أن من مات وعليه صيام من رمضان، فإنه يصام عنه لعموم قوله:"وعليه صيام"، وهذا هو القول الراجح في هذا الحديث، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يصوم أحد عن أحد، وذهب آخرون إلى أنه يصام النذر ولا يصام قضاء رمضان، فالأقوال إذن ثلاثة، حجة القائلين بأنه لا يصام عن أحد حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد"، قالوا هذا عام فيكون هذا الحديث على رأيهم منسوخًا؛ لأنهم لا يقولون به،
ويقولون: لو قلنا: إنه يصوم عنه فإن أثَّمناه بعدم الصوم خالفنا قوله تعالى: {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} ، وإن لم نؤثمه فقد يكون مخالفًا لظاهر الحديث؛ لأن ظاهر الحديث:"صام عنه وليه" هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب، أما الذين قالوا: إن هذا في النذر دون الواجب بأصل الشرع فقالوا: لأن الواجب بأصل الشرع أوكد من حيث الفرض من الواجب بالنذر؛ لأن الواجب بأصل الشرع أوجبه الله على عباده عينًا، والواجب بأصل النذر أوجبه الإنسان على نفسه، فدخلته النيابة دون الواجب بأصل الشرع فهو كما لو التزم الإنسان بدينٍ عليه ثم مات، فإنه يقضي عنه، ولكن نقول: هذا تعليل عليل كالأول، الأول رددناه بأن الحديث ضعيف، والثاني لو فرض صحته لكان عامًّا يخصص بهذا الحديث، ويكون معنى:"لا يصوم أحد عن أحد"، يعني: لو كنا أحياء، وجاء شخص وقال: أنا أعرف أن الصوم يكلفك، ولكن أصوم عنك هذا لا يجوز، أما إذا مات فهي مسألة خاصة فتكون مخصصة للعموم على تقدير صحة الحديث، أما على رأي من قال: إنه خاصٌ بالنذر، فنقول لهم: هذا ضعيف أيضًا؛ لأننا لو نظرنا إلى الواجب بأصل الشرع والواجب بأصل النذر من الصيام لوجدنا أن الواجب بالنذر قليل بالنسبة إلى الواجب بأصل الشرع، متى يأتي رجل ينذر أن يصوم، لكن متى يكون على الرجل قضاء من رمضان؟ كثير، فكيف نحمل الحديث على الشيء النادر القليل وندع الشيء الكثير؟ هذا بعيد، إذا حملنا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم على شيء نادر وألغينا الشيء الكثير فهذا صرف للكلام عن ظاهره، وعلى هذا فنقول: الصواب بلا شك أنه يجوز أن يصام عن الميت ما كان واجبًا بأصل الشرع وما كان واجبًا بالنذر.
رجل مر به رمضان وهو مريض مرضًا معتادًا يرجى برؤه كالزكام مثلًا، استمر به المرض حتى مات في آخر شوال هل يقضى عنه؟ لا يقضى عنه، لماذا؟ لأنه لم يتمكن، والمريض عليه عدة من أيام أخر.
رجل آخر عليه قضاء من رمضان كان مسافرًا لمدة خمسة أيام وقدم من سفره، وبعد مدة مرض ومات هل يصام عنه؟ نعم، يصام عنه؛ لأن هذا قد وجب عليه الصوم وتمكن منه وفرط فيه.
هل يصام عنه متتابعًا أو متفرقًا؟ نقول: ظاهر الحديث "صام عنه وليه" أنه يجوز متتابعًا ويجوز متفرقًا، كما أن الأصل أن الميت الذي عليه الصوم لو صام متتابعًا أو متفرقًا جاز، فكذلك من يصوم عنه يجوز متتابعًا ومتفرقًا.
في الحديث دليل على أنه: لو اجتمع عدد من الأولياء وصام كل واحد منهم جزءًا مما عليه فهو جائز، يؤخذ من عموم قوله:"صام عنه وليه"، إلا إذا كان الصوم مما يشترط فيه التتابع فلا يجزئ مثل الكفارة فإنه لا يجزئ؛ لأن من ضرورة التتابع ألَاّ يصوم جماعة عن واحد، فمثلًا إذا