المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أقسام أهل الزكاة: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٣

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

-

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌مفهوم الزكاة:

- ‌فائدة الزكاة:

- ‌متى فرضت الزكاة

- ‌حكم الزكاة:

- ‌مسألة: هل تُؤخذ الزكاة قهرًا

- ‌مسألة: هل يمنع الدَّين وجوب الزكاة

- ‌زكاة بهيمة الأنعام:

- ‌أحكام مهمة في السوم:

- ‌زكاة الفضة والمعتبر فيها:

- ‌حكم الخلطة في السائمة وغيرها:

- ‌زكاة البقر ونصابها:

- ‌مشروعية بعث السُّعاة لقبض الزكاة:

- ‌لا زكاة على المسلم في عبيده وخيله:

- ‌للإمام أن يأخذ الزكاة قهرًا ويعاقب المانع:

- ‌شروط الزكاة:

- ‌حكم زكاة البقر العوامل:

- ‌فائدة فيما لا يشترط فيه الحول:

- ‌الزكاة في مال الصبي:

- ‌الدعاء لمخرج الزكاة:

- ‌حكم لتعجيل الزكاة:

- ‌زكاة الحبوب والثمار:

- ‌مسألة: اختلاف العلماء في نصاب الفضة

- ‌أنواع الحبوب التي تجب فيها الزكاة:

- ‌خرص الثمر قبل نضوجه:

- ‌حكم زكاة الحلي:

- ‌فائدة في جواز لبس الذهب المحلق:

- ‌زكاة عروض التجارة:

- ‌كيف نؤدي زكاة عروض التجارة

- ‌زكاة الركاز:

- ‌زكاة الكنز والمعادن:

- ‌1 - باب صدقة الفطر

- ‌صدقة الفطر من تجب

- ‌فائدة: الواجبات تسقط بالعجز:

- ‌الحكمة من صدقة الفطر

- ‌مقدار صدقة الفطر ومما تكون

- ‌وقت صدقة الفطر وفائدتها:

- ‌2 - باب صدقة التَّطوُّع

- ‌مفهوم صدقة التطوع وفائدتها:

- ‌استحباب إخفاء الصدقة:

- ‌فضل صدقة التطوع:

- ‌اليد العليا خير من اليد السفلى:

- ‌أفضل الصدقة جهد المقل:

- ‌فضل الصدقة على الزوجة والأولاد:

- ‌حكم صدقة المرأة من مال زوجها:

- ‌جواز تصدق المرأة على زوجها:

- ‌كراهية سؤال الناس لغير ضرورة:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌3 - باب قسم الصدقات

- ‌أقسام أهل الزكاة:

- ‌متى تحل الزكاة للغني

- ‌من اللذين تتجل لهم الصدقة:

- ‌فائدة في أقسام البيئات:

- ‌الصدقة لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لآله:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌آل النبي الذين لا تحل لهم الصدقة:

- ‌حكم أخذ موالي آل الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقة

- ‌جواز الأخذ لمن أعطي بغير مسألة:

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌مفهوم الصيام وحكمه:

- ‌فوائد الصيام:

- ‌النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين:

- ‌كيف يثبت دخول رمضان

- ‌يقبل خبر الواحد في إثبات الهلال:

- ‌حكم تبييت النية في الصيام:

- ‌مسألة: ما الحكم إذا تعارض الرفع والوقف

- ‌حكم قطع الصوم

- ‌فضل تعجيل الفطر:

- ‌فضل السُّحور:

- ‌النهي عن الوصال:

- ‌حكمة مشروعية الصيام:

- ‌هل تبطل الغيبة الصيام

- ‌حكم القبلة للصائم:

- ‌حكم الحجامة للصائم

- ‌فائدة في ثبوت النسخ في الأحكام:

- ‌حكم الفصد والشرط للصائم:

- ‌حكم الاكتحال للصائم:

- ‌حكم من أكل أو شرب ناسيًا وهو صائم:

- ‌حكم من استقاء وهو صائم:

- ‌حكم الصيام في السفر:

- ‌جواز فطر الكبير والمريض:

- ‌حكم من جامع في رمضان:

- ‌مسألة: هل المرأة زوجة الرجل عليها كفارة

- ‌هل على من تعمد الفطر كفارة

- ‌حكم الصائم إذا أصبح جنبًا:

- ‌حكم من مات وعليه صوم:

- ‌1 - باب صوم التَّطوُّع وما نهي عن صومه

- ‌فضل صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء:

- ‌فائدة: حكم الاحتفال بالمولد النبوي:

- ‌فضل صيام ستة أيام من شوال:

- ‌فضل الصوم في شعبان:

- ‌حكم صوم المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌فائدة: حكم سفر المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌النهي عن صيام يوم الفطر ويوم النحر:

- ‌النهي عن صيام أيام التشريق:

- ‌فائدة في حقيقة الذكر:

- ‌حكم صيام يوم الجمعة:

- ‌حكم صيام يوم السبت والأحد تطوعًا:

- ‌حكم الصيام إذا انتصف شعبان:

- ‌النهي عن صوم يوم عرفة للحاج:

- ‌النهي عن صوم الدهر:

- ‌2 - باب الاعتكاف وقيام رمضان

- ‌مفهوم الاعتكاف وحكمه:

- ‌فضل العشر الأواخر من رمضان:

- ‌فائدة في ذكر أقسام أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌آداب الاعتكاف وأحكامه:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌ليلة القدر

- ‌فضل المساجد الثلاثة:

- ‌فائدة:

-

- ‌كتاب الحج

- ‌تعريف الحج لغةً واصطلاحًا:

- ‌متى فرض الحج

- ‌1 - باب فضله وبيان من فرض عليه

- ‌شروط الحج المبرور:

- ‌جهاد النساء: الحج والعمرة:

- ‌حكم العمرة:

- ‌حكم حج الصبي:

- ‌حكم الحج عن الغير:

- ‌حكم سفر المرأة بغير محرم للحج والخلوة:

- ‌حكم من حج عن غيره قبل الحج عن نفسه:

- ‌فرض الحج في العمر مرة واحدة:

- ‌2 - باب المواقيت

- ‌المواقيت: تعريفها وبيان أقسامها:

- ‌3 - باب وجوه الإحرام وصفته

- ‌4 - باب الإحرام وما يتعلق به

- ‌استحباب رفع الصوت بالتلبية:

- ‌جواز استعمال الطيب عند الإحرام:

- ‌النهي عن النكاح والخطبة للمحرم:

- ‌من محظورات الإحرام قتل الصيد:

- ‌ما يجوز للمحرم قتله:

- ‌فائدة: أقسام الدواب من حيث القتل وعدمه:

- ‌حكم الحجامة للمحرم:

- ‌تحريم مكة:

- ‌تحريم المدينة:

- ‌5 - باب صفة الحج ودخول مكة

- ‌صفة دخول مكة:

- ‌صفة الطواف:

- ‌وقت رمي جمرة العقبة والوقوف بعرفة والمزدلفة:

- ‌متى تقطع التلبية

- ‌صفة رمي الجمرات ووقته:

- ‌وقت الحلق أو التقصير:

- ‌صفة التحلل عند الحصر وبعض أحكامه:

- ‌التحلل الأصغر:

- ‌عدم جواز الحلق النساء:

- ‌مسألة حكم قص المرأة لشعر رأسها

- ‌استحباب الخطبة يوم النحر:

- ‌حكم طواف الوداع في الحج والعمرة:

- ‌فضل الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي:

- ‌6 - باب الفوات والإحصار

- ‌الاشتراط عن الإحرام وأحكامه:

- ‌أسئلة مهمة على الحج:

- ‌كتاب البيوع

- ‌1 - باب شروطه وما نهي عنه

- ‌أطيب الكسب:

- ‌تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام:

- ‌تحريم بيع الميتة مثل الدخان والدم:

- ‌تحريم بيع الأصنام وما يلحق بها من الكتب المضلة والمجلات الخليعة:

- ‌النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن:

- ‌جواز اشتراط منفعة المبيع للبائع:

- ‌جواز بيع المدبَّر إذا كان على صاحبه دين:

- ‌حكم أكل وبيع السمن الذي تقع فيه فأرة:

- ‌بطلان مخالفة الشرع:

- ‌حكم أمهات الأولاد:

- ‌النهي عن بيع فضل الماء وعسب الفحل:

- ‌النهى عن بيع الولاء وهبته:

- ‌النهي عن بيع الحصاة وبيع الغرر:

- ‌مسألة: هل يجوز بيع المسك في فأرته

- ‌بيع الجهالة:

- ‌النهى عن بيعتين في بيعة:

- ‌السلف والبيع:

- ‌بيع العُربان:

- ‌حكم بيع السلع حيث تُبتاع:

- ‌مسألة بيع الدَّين:

- ‌بيع النَّجش:

- ‌النهي عن المحاقلة والمزابنة وما أشبهها:

- ‌النهى عن تلقِّي الرُّكبان:

- ‌بيع الرجل على بيع أخيه المسلم:

- ‌حكم التفريق بين ذوي الرحم في البيع:

- ‌حكم التسعيرة:

- ‌ الاحتكار

- ‌بيع الإبل والغنم المصرَّاة:

- ‌تحريم الغش في البيع:

- ‌جواز التوكيل في البيع والشراء:

- ‌بيع الغرر:

- ‌بيع المضامين:

الفصل: ‌أقسام أهل الزكاة:

‌أقسام أهل الزكاة:

فالله عز وجل يقول: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} . و"إنما" تفيد الحصر؛ يعني: الصدقات لا تكون إلا في هؤلاء الأصناف: {للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغامرين وفى سبيل الله وابن السبيل} .

قال العلماء: والفقراء أحوج من المساكين؛ لأن الله تعالى بدأ بهم، وإنما يبدأ بالأهم فالأهم.

ثم قالوا: إن الفقير هو الذي يجد دون نصف الكفاية، أو لا يجد شيئًا أبدًا، وأصله موافقة القفر وهي الأرض الخالية، فالقفر والفقر يتفقان في الاشتقاق الأكبر وهو الاتفاق في الحروف دون الترتيب، فالأرض القفر معناها: الأرض الخالية، والفقر هو: الخلو، فالفقير إذن من يجد دون نصف الكفاية، أو لا يجد شيئًا. والكفاية إلى متى؟ قال العلماء تحدد الكفاية بسنة لأن السِّنة هي الزمن الذي تجب فيه زكوات الأموال فتعطي هذا الرجل ما يكفيه سنة؛ لأنه بعد السنة تأتى زكاة جديدة فيعطى إلى سنة، ثم تأتي سنة جديدة فيعطى إلى سنة وهلمَّ جرًّا. إذن قدرنا الكفاية بالسنة ووجه ما ذكرنا.

الثاني: "المسكين" هو المحتاج، وسمي المحتاج مسكينًا؛ لأن الحاجة أسكنته؛ لأن العادة أن الإنسان الغني يكون عنده رفعة رأي وسلطة في القول والفعل، ويتصدر المجالس بخلاف الفقير المحتاج فإنه قد أسكنته الحاجة، لكنه أحسن حالًا من الفقير؛ لأنه يجد نصف الكفاية ودون الكفاية هذان يأخذان لحاجتهما.

الثالث: وقوله: {والعاملين عليها} هم الذين ينصبهم السلطان لقبض الزكاة وقسمها وتفريقها فهم جهة ولاية وليس جهة وكالة ولهذا قال: {والعاملين عليها} ، وأتى بـ"على" الدالة على أن لهم سلطة في الولاية؛ لأن "على" تفيد العلو، بخلاف الوكيل وكيل شخصي يؤدي زكاته ليس من العاملين عليها، فأنا إذا وكلتك تحصي زكاة مالي وتخرجها فلست من العاملين عليها بخلاف الذين ينصبهم السلطان الإمام فإنهم عاملين عليها؛ لأن لهم نوع ولاية وهؤلاء يعطون بقدر أجرتهم، أي: بقدر العمل الذي قاموا به؛ لأنهم استحقوها بوصف، ومن استحق بوصف كان له من الحق بمقدار ماله من ذلك الوصف فيعطون قدر أجورهم، وهؤلاء يعطون للحاجة إليهم لا لحاجتهم ولهذا يعطون ولو كانوا أغنياء، لأنهم يعطون على عمل للحاجة إليهم فنعطيهم بقدر عملهم.

أما الرابع: فـ"المؤلفة قلوبهم"، "المؤلفة" هذه اسم مفعول، و"قلوب" نائب فاعل، {والمؤلفة قلوبهم}: هم الذين نفرت قلوبهم واشمأزت من الإسلام وكرهت الإسلام وكرهت المسلمين، فهم يودون العدوان على المسلمين وعلى الإسلام، فيعطون ما يحصل به التأليف؛ لأنهم استحقوا

ص: 131

بوصف، فاستحقوا بمقدار ما يحصل به ذلك الوصف؛ يعني: لهم شيء معين أم لا؟ لا ما يحصل به التأليف، والناس يختلفون فيما يحصل به التأليف منهم من نفسه كبيرة لا يؤلفها إلا مال كثير، ومنهم من دون ذلك يؤلفه المال القليل المهم أن تعطي من الزكاة ما يحصل به التأليف.

ذكرت أن التأليف إنما يكون لمن كان في نفرة عن الإسلام أو عن المسلمين، وعلى هذا فيعطى المؤلف ما يقوى به إيمانه ويحبب الإسلام إليه، ويعطى من ليس في قلبه إيمان، ولكن يخشى من شره، يعطى ما يدفع به شره حتى لو كان كافرًا يخشى من شره على المسلمين، فإننا نعطيه من الزكاة ليس من بيت المال فقط من الزكاة ما تدفع به شره. انتبهوا لأن بعض الناس يعترض يقول: لماذا نعطي الكفار من أموال المسلمين؟ نقول: نعم، إذا كان هؤلاء الكفار يخشى من شرهم، وهم فعلًا لهم شر، وإذا أعطيناهم ألفناهم ودفعنا شرهم، فإننا نعطيهم تأليفًا لقلوبهم لا على الإسلام، لأنهم مستكبرون، ولكن لدفع شرهم عن المسلمين.

ثم قال سبحانه: {وفي الرقاب} ، وأنت ترى الآن أن حرف الجر اختلف، وتبيين ذلك "الرقاب" جمع رقبة. وذكر العلماء أنها ثلاثة أنواع:

مسلم أسير عند الكفار يعطى الكفار من الزكاة لفك رقبته، هذا من الرقاب.

الثاني: عبد عند سيده اشتريناه منه لنعتقه هذا أيضًا في الرقاب.

الثالث: مكاتب اشترى نفسه من سيدة فنعطيه ما يسدد به كتابته هذا أيضًا في الرقاب.

وهؤلاء يعطون لحاجتهم، لكن لا يعطون هم؛ ولهذا قال:"في" الدالة على الظرفية؛ لأن هذه جهة وليست تمليك. العبد لا نعطيه هو نعطي سيده الأسير عند الكفار لا نعطيه هو نعطي الكفار الذين أسروه، المكاتب نعطي سيده، وهذه هي النكتة في قوله:{وفي الرقاب والغارمين} {والغارمين} أيضًا تجدونها معطوفة على قوله: {وفي الرقاب} ، ولم يقل: للغارمين.

السادس: قال: {وفي الرقاب والغارمين} أي: في الغارمين، فالصرف إليهم صرف إلى جهة، والغارم: هو الذي لحقه الغرم وهو الضمان، وقسمهم أهل العلم إلى قسمين: غارم لنفسه، وغارم لإصلاح ذات البين، فالغارم لنفسه هو الذي لزمه الغرام لمصلحته الخاصمة، مثل رجال تداين ليشتري بيتًا، هذا غارم لكن لنفسه هذا غارم يستحق من الزكاة ما يوفى دينه ولو كثر، هل يلزم أن تعطيه المال ليوفي أو أن توفي نحن عنه؟ الثاني، لأنه قال:"في" جعله معطوفًا على المجرور بـ"في" فهي جهة ولا نحتاج إلى أن نملكه، ولكن إذا كان هذا الرجل إذا ذهبنا نحن نسدد دينه خجل وانكسر قلبه؛ لأنه رجل من قبيلة شريفة، ولا يحب أن يتبين للناس أنه مدين. في هذه الحال هل الأولى أن نذهب نحن لنسدد عنه، أو أن نعطيه ويسدد هو؟ الأفضل: الثاني، ويسدد لئلا يلاحقه الخجل والحياء، كما أنه يتأكد أن نسدد عن المدين إذا كنا نخشى إذا

ص: 132

أعطيناه ذهب يشتري ما لا ينفعه، ففي هذه الحال نسدد نحن عنه، فهذا الغارم لنفسه يشترط في الغارم لنفسه الَاّ يكون عنده ما يوفي به، فإن كان عنده ما يوفي به لم نعطه ولم نسدد عنه؛ لأن الذي عنده ما يوفي به ليس بغارم حقيقة إذا شاء أخذ المال الذي عنده ووفى ما عليه، إذن الغارم لنفسه يشترط لإعطائه من الزكاة ألا يوجد عنده ما يوفي به.

رجل عليه الغرام خمسمائة درهم فسألناه ما هذا الغرام؟ فقال: اشتريت به دخانًا، فهل نوفي عنه وهو قد تاب توبة نصوحًا؟ نقول: هذا نعطيه إذا غرم في شيء محرم ثم تاب، بل قد يتأكد أن نعطيه؛ لأن في ذلك تأليفًا له، فإذا رأى أن إخوانه المسلمين يعينونه إذا تاب من المحرم نشطت التوبة؛ لأن الإنسان بشر، كل شيء ينشطه وكل شيء يثبطه.

القسم الثاني من الغارمين: الغارم لإصلاح ذات البين، وهل يشترط أن يكون ذلك بين القبائل والجماعات التي يحصل فتنة كبيرة إذا لم يصطلحوا أو يكون حتى بين شخصين لذاتهما؟ المعروف عند أهل العلم أنه يكون بين القبائل التي يحصل بالتنافر بينها فتن، فهذا رجل يحب الخير رأى بين قبيلتين خصامًا ونزاعًا وأن الخصام والنزاع يشتد ويزداد، وخاف إن زاد أو إن ترك يصل إلى حد القتال، فجاء وذهب إلى رؤساء القبيلتين وغرم لهما مالًا، وقال: تعالوا أنتم أعطيكم عشرة آلاف وسامحوا إخوانكم، وقال للآخرين مثل ذلك كم غرام؟ عشرين ألفًا. فقالوا: لا بأس هذا يعطى من الزكاة؛ لأن هذا الرجل الطيب الخير قال لنا: أصلحت بين هاتين القبيلتين على أن أدفع لكل واحدة منهما عشرة آلاف ريال، نحن نشجعه ونقول: جزاك الله خيرًا، ونحن نعطيك من الزكاة؛ لأنك أصلحت ذات البين، وهذا الرجل غرم لإصلاح ذات البين لا لنفسه؛ ولهذا تعطيه من الزكاة ما يدفع به الغرام ولو كان غنيًا، هو عنده مئات الآلاف فيأخذ من الزكاة فإن سدَّد من عنده فهل نعطيه من الزكاة؟ لا، لا نعطيه من الزكاة، لماذا؟ لأنه الآن غير غارم، نعم إن استقرض وأوفى وليس عنده ما يسدده أعطيناه للغرم من جهة ثانية وهي الغرام لنفسه، والحاصل: أن للغارم لإصلاح ذات البين إن سلم المال من نفسه فإنه لا يستحق لماذا؟ لأنه ليس بغارم، اللهم إلا إذا كان مدفوعًا من جهة ولي الأمر، قال له: اذهب وأصلح بين هاتين الطائفتين ولو بمال، ونحن نضمنه لك، فذهب ودفع من ماله؛ فحينئذٍ يعطى لأنه نائب عن الإمام.

السابع: {وفي سبيل الله} أعاد قوله: "في""في سبيل الله" لزيادة تأكيد الظرفية، "سبيل الله" ما هو؟ في الأصل هو الطريق الموصل إلى الله، فيشمل كل عمل صالح لكن المراد به هنا: الجهاد في سبيل الله فقط، لأننا لو حملناه على كل العمل الصالح لفات مقصود الحصر في قوله:{إنما الصدقات للفقراء} ، ولأننا لو عممناه لأغلقت أبواب كثيرة من أبواب الخير واعتمد

ص: 133

الناس فيها على الزكاة، لو قلنا: نبني المدارس، والمساجد، ونصلح الطرق، ونطبع الكتب وما أشبه ذلك، انسدت أبواب الخير في هذه الجهات؛ لأن كل إنسان يقول: هذه للزكاة، ولكن المراد بـ"سبيل الله": أي الجهاد في سبيل الله خاصة.

وقوله: {وفي سبيل الله} هل يشمل المجاهد وعتاده، يعني: سلاحه ودرعه وما أشبه ذلك، أو يختصُّ بالمجاهد فقط؟ الصحيح: أنه يشمل المجاهد وأعتاده واستدل بعضهم لهذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أما خالد فإنكم تظلمون خالدًا فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله". قالوا: وسبيل الله مصارف من مصارف الزكاة، وخصَّ بعض العلماء في سبيل الله بالمجاهدين فقط، فقالوا: يعطى الغازي إذا لم يكن له مال يكفيه من الديوان العام للمسلمين- يعني: بيت المال-، ولا يشتري منها أسلحة، ولكن هذا القول ضعيف؛ لأن الله لم يقل: وفي المجاهدين، بل قال:{وفي سبيل الله} ، فيشمل العتاد والمجاهد، فيعطى المجاهد ما يكفيه من مؤنة، ويشتري له أسلحة أيضًا، وعلى هذا فصرف الزكاة في شراء الأسلحة للمجاهدين في سبيل الله صرف في وجهه ومحله.

ولكن ما هو الجهاد في سبيل الله؟ الجهاد في سيبل الله: هو أن يكون القتال لتكون كلمة الله هي العليا لا لشيء آخر، والذي جاء بهذا الميزان هو أعدل الناس وزنًا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سئل عن الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى مكانه أيُّ ذلك في سبيل الله؟ قال:"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"؛ ولهذا تجد هذا الرجل المجاهد لتكون كلمة الله هي العليا لا يمل ولا يفتر، بل هو دائمًا في عمل وإصلاح وتخطيط وتكتيك- كما يقولون-؛ أما الآخر الذي يقاتل لغير أن تكون كلمة الله هي العليا فتجده يكسل أحيانًا وينشط أحيانًا، وإذا حصل له ما يريد يقول: لا يهمني الباقي فالرجل الذي يقاتل ليحرر بلده لأنها بلده فقط هل هو في سبيل الله؟ لا، هذه قومية، والذي يقاتل لأنه شجاع يقاتل شجاعة، والإنسان الشجاع يجب أن يقاتل دائمًا؛ لأن طبيعته تملي عليه ذلك، هل هو في سبيل الله؟ لا، والذي يقاتل حمية على قومه فهذا أيضًا ليس في سبيل الله.

لكن إذا قال: أنا أقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، سواء في بلدي أو في غير بلدي، فهذا هو الذي في سبيل الله، وهو الذي يستحق من الزكاة.

أما الثامن: فهو ابن السبيل، ما هي السبيل؟ الطريق كما قال الله تعالى:{وأن هذا صراطى مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153]. هل المعنى ابن الطريق؟

ص: 134

لا، لكن يقال: ابن الشيء للملازم له كأنه ابن له؛ لأن الابن يلازم أباه غالبًا، فيقال: ابن السبيل، أي: الملازم للسفر الذي لا زال في سفره.

قالوا: كما يقال: ابن الماء للطير المعروف يسمَّى هكذا؛ لأنه دائمًا لا يقع إلا على الماء، ونحن نعرف- ونحن صغار- طائرًا يسمّى دجاجة الماء، عبارة عن طير صغير يأتي في الخريف، وقبل أن تكثر البنادق كان يوجد في البيت وتصيده.

على كل حال: ابن السبيل هو المسافر الذي انقطع به السفر فلم يجد ما يوصله إلى بلده ولو كان غنيًّا في بلده يعطى من الزكاة؛ لأن نفقته سرقت وانقطع، نعطيه ما يوصله إلى البلد ولو كان غنيًا في بلده، هل نشتري له شيئًا يعينه على سفره؟ نعم؛ لأن الله يقول:{وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله} [التوبة: 60]. فجعلها معطوفة على "في" الدالة على الظرفية، وعلي هذا فلا يشترط تمليك ابن السبيل، بل يجوز أن نشتري له راحلة يسافر عليها أو نشتري له متاعًا أو نعطيه هو بنفسه يشتري ولا حرج.

تأملوا معى هذه الآية نجد أن أهل الزكاة ينقسمون من وجه إلى من يأخذها لحاجته، وإلى من يأخذها للحاجة إليه، دعونا نعد الذين يأخذونها لحاجتهم: الفقراء، المساكين، المؤلفة قلوبهم في بعض الأحيان، الغارمين في بعض الأحيان، وابن السبيل، والرقاب، وأما العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم ممن نخشى شره، والغارم لإصلاح ذات البين، وفي سبيل الله فهؤلاء يأخذون للحاجة إليهم.

ثم تأملوها مرة ثانية تجدون أن من هؤلاء الأصناف من يملكها ملكًا مستقرًا، ومنهم من يملكها ملكًا مقيدًا، فالذين في مدخول اللام يملكونها ملكًا مستقرًا من هم؟ أربعة: الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، فهذا الفقير قدرنا أن نفقته لمدة سنة عشرة آلاف ريال فأعطيناه عشرة آلاف ريال، وفي أثناء السَّنة أغناه الله مات له قريب فورثه وبقي معه من الزكاة خمسة آلاف ريال هل يردها؟ لا يردها؛ لأنه ملكها ملكًا مستقرًّا، هذا غارم.

قال: إن عليه عشرة آلاف ريال فأعطيناه إياها فذهب إلى الذي يطلبه ورجع إلى الدفاتر وإذا المطلوب ثمانية آلاف ريال فقط، فبقي معه ألفان هل هي له أو يردها على أهل الزكاة؟ يردها على من أخذها منهم؛ لأن هذا لا يملكه إنما هي جهة تصرف إليه، وفي الرقاب، والغارمين فإذن يردها، لأنه لم يملكها ملكًا مستقرًّا، هذا الذي أعطيناه لغرمه هل يملك أن ينفق هذه الدراهم في حاجته الخاصة غير الغرم؟ لا، والذي أعطيناه لفقره هل يملك أن يصرفها في غرامه؟ نعم، الفرق أن الفقير ملكها ملكًا مستقرًّا يتصرف فيها كيف يشاء، وهذا إنما أخذها لجهة فلا يصرفها في غيرها، ولهذا لو وكَّلت إنسانًا وقلت: اقض عن فلان دينه من زكاتي

ص: 135

فذهب وأعطاه لفقره فإن ذلك حرام عليه، لماذا؟ لأن ما أعطي للغرام لا يصرف في غيره، ثم لما ذكر الله عزى وجل هؤلاء الأصناف الثمانية قال:{فريضة من الله} يعني: أن الله تعالى فرضها علينا فرضًا نؤديها إلى هذه الأصناف الثمانية {والله عليم حكيم} أي: عليم بمن يستحق، حكيم في وضعه الشيء في موضعه، فحكمته- جل وعلا- صادرة عن علم تام بالحق والمستحق، وعلى هذا فلو أننا صرفنا الزكاة في غير هذه الأصناف لكانت الزكاة غير مقبولة لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"، إلا أن الإنسان إذا صرفها في غير أهلها ظانًّا أنه من أهلها ثم تبين أن الأمر بخلافه فصدقته مقبولة سواء كان غنيُّا ظنه فقيرًا، أم مقيمًا ظنه مسافرًا، أو غير ذلك، ما دام قد غلب على ظنه أنه مستحق، ثم تبين عدم الاستحقاق فإنها تجزئ صدقته؛ لماذا؟ لأن غالب الأحكام الشرعية مبنية على غلبة الظن؛ ولهذا لو شك في الطواف أسبعة هو أم ستة؟ وغلب على ظنه أنه سبعة بنى على غالب ظنه، لكن إذا تبين أنه خلاف ما بنى عليه وجب عليه أن يعيده، أما الصدقة فلا يجب عليه إعادتها؛ لأنها متعلقة بطرفٍ ثان وهو القادر الذي تصدق عليه، ولعلكم تذكرون قصة الرجل الذي قال:"لأتصدِّقن الليلة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على غني، والغني ليس أهلاً للزكاة فقال: الحمد لله على غني- وهذا يدل على عدم ندمه-، ثم خرج الليلة الثانية بصدقته فوقعت في يد زانية بغي، فأصبح الناس يتحدثون تصدَّق الليلة على بغي، فقال: الحمد لله على بغي، ثم خرج في الليلة الثالثة فتصدق فوقعت صدقته في يد سارق يسرق الناس، فأصبح الناس يتحدثون تصدّق الليلة على سارق، فقال: الحمد لله على سارق، ثم أوتي هذا الرجل وقيل له: أما صدقتك فقد قبلت، ثم قيل له: الغني لعله أن يتصدق، والزانية لعلها أن تستعف، والسارق لعله أن يتوب ويكف عن سرقته". إذن متى غلب على ظنك أن المعطى من أهل الزكاة وأعطيته فالزكاة مقبولة.

نعود مرة ثانية لننظر في هذه الأوصاف، هل هي أوصاف علِّق الاستحقاق بها بدون تفصيل {للفقراء والمساكين} [التوبة: 60]. فمقتضى ذلك أن يحل دفع الزكاة لكل من اتصف بهذه الأوصاف كائنًا من كان، شخص له أب فقير فهل يجوز دفع الزكاة له؟ نعم زوج دفع. زكاته إلى زوجته وهي فقيرة هل تصبح؟ نعم، زوجة دفعت صادقتها إلى زوجها وهو فقير يصح؛ لأن عندنا عموم، المهم: أن الآية عامة، فكل من ادَّعى أن شيئًا خرج منها من قرابة أو زوجية أو غير ذلك فعليه بالدليل، رجل دفع زكاته إلى بني هاشم مقتضى الآية يجوز لكن فيه دليل. قال

ص: 136

النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس". إذن العموم الآن خصص، والعموم إذا خصص يكون كالجدار إذا حصل فيه ثلمة انهدم بعضه، إذا خصص العام هل يبقى عامًا فيما عدا التخصيص، أو تبطل دلالته على العموم للاحتمال؟

بعض العلماء يقول: إذا خصص العام انهدم، ولا يمكن أن يدل على العموم.

وبعضهم يقول- وهو الصحيح-: أنه إذا خصص بقي عامًّا فيما عدا صورة التخصيص، وهذا هو الحق، إذن العموم في الآية خصص بمقتضى النص، ما الذي خرج منه؟ آل محمد.

هذا رجل له زوجة وأراد أن يعطيها من زكاته، قلنا لكم قبل قليل: مقتضى الآية أنه يجوز، ويجب عليكم أن تقولوا بهذا إلا بدليل، الدليل هنا نقول: الزوجة ليست محلًا لصرف زكاة زوجها؛ لأن الله أمر بالإنفاق عليها نفقة خارجة عن الصدقة قال: {وعلى المولود له، رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة: 233]. فأنت إذا أعطيتها مثلًا مائة ريال من الزكاة وهي محتاجة إلى ثوب، الثوب يساوي مائة، لولا أنك أعطيتها مائة من الزكاة واشترت به الثوب لكنت تشتريه لها، إذن فإعطاؤك إياها من الزكاة معناه توفير ما يقابل ذلك من مالك الذي يجب عليك أن تنفقه عليها حينئٍذ لا يصح؛ لأن هذا الذي أخرج الزكاة كأنه لم يخرجها؛ إذ لولا استعطاؤها بالمائة ريال التي أعطاها لكان يشتري لها ثوبًا بمائة ريال فوفر بالزكاة ماله فلا يصح.

هذه المرأة كان عليها دّين سابق أو لاحق فقضى دينها من زكاته يجوز لأنها داخلة في الغارمين، وهو لا يلزمه قضاء دينها، فلذا قضي دينها لم يكن وفر شيئًا من ماله فيجزئ، وكذلك نقول: الزوجة إذا دفعت صدقتها لزوجها وهو فقير أجزأ بمقتضى دلالة الآية، ولا نقول: ما لم يكن في ذلك توفير لمالها؛ لماذا؟ لأن الزوج هو الذي يجب عليه الإنفاق، وهي لا يجب عليها أن تنفق على زوجها إلا على رأي ضعيف جدًا وهو رأي ابن حزم، إذن القاعدة عندنا: أن كل من كان قائمًا به هذا الوصف الذي هو سبب الاستحقاق، فإن دفع الزكاة إليه جائز مجزئ إلا ما قام الدليل على إخراجه، فإن ما قام الدليل على إخراجه يخرج كالذي قام الدليل على إدخاله.

أسئلة هامة:

أولاً: هل يجب أن تستوعب هذه الأصناف بأن نقسم الزكاة ثمانية أجزاء؟

ثانيًا: هل يجب أن نعطي من كل قسم ذكر بلفظ الجميع ثلاثة فأكثر؟

في هذا خلاف بين العلماء، أما الأول وهو استيعاب الأصناف الثمانية، فإن بعض العلماء

ص: 137

يقول: لا بد من استيعاب الأصناف الثمانية، إلا أن بعضهم يقول إن سهم المؤلفة قلوبهم ساقط، لأنه في قوة الإسلام زال التأليف، فلا حاجة أن نؤلف من أسلم وآمن وقوي إيمانه فهو منا، ومن لم يسلم فالسيف، ولكن الصحيح أن سهمهم لم ينقطع، وأنه باق، وأن ما ذكر عن عمر وغيره من الصحابة فمعناه: أن الناس في ذلك الوقت لا يحتاجون إلى التأليف لقوة الإسلام، وإلا فإن سهمهم باقٍ.

أمَّا هل يجب أن نعمم هذه الأصناف أو لا؟ ففيه خلاف، حجة من قال: يجب التعميم، أن الله سبحانه جعل الاستحقاق في هؤلاء الأصناف الثمانية مقرونًا بالواو، والقرن بالواو يقتضي الاشتراك، كما لو قلت: هذا المال لك ولزيد، ولعمرو، ولبكر، ولخالد فإنه يكون مالًا للجميع مشتركًا، ولا يجوز أن يخصص به واحدًا دون الآخر، وهنا قال الله تعالى:{للفقراء والمساكين} ، وهذا يدل على أنه لا بد أن نعطي هؤلاء كلهم، كما أننا قلنا في قوله تعالى {* وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} [الأنفال: 41]. كم هؤلاء؟ خمسة، ويجب أن نعمهم بالعطاء، فهذه الآية نظير تلك يجب أن نعمم فيها الأصناف.

وقال آخرون: بل لا يجب أن نعمم الأصناف، وأن الواو هنا أشركت الجميع في أصل الحكم، وأن مصرف الزكاة لهذه الجهات، ولا يلزم إذا اشتركت في الحكم أن تشترك في العطاء، وأيدوا قولهم هذا بحديث معاذ بن جبل:"أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ في فقرائهم". وبأن الظاهر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يذهب يبحث هل فيه مسافر انقطع به السفر؟ هل فيه غارم؟ هل فيه كذا من المستحقين؟ وإنما يعطى من وجده من هذه الأصناف. هذان دليلان.

الدليل الثالث: أن في مراعاة إعطاء الأصناف الثمانية مشقة شديدة؛ لأنه لا بد أن يبحث الإنسان عمن في البلد من هؤلاء الأصناف، وهذا قد يشق ويلحق الناس حرج، بخلاف خمس الفيء فإن الذي يتوله الإمام، والبحث عليه سهل، وأيضًا فهذه فيها دليل وتلك ليس فيها دليل، وهذا القول هو الراجح.

وإذا قلنا: إنه لا يجب استيعاب الثمانية، فهل يجب فيما ذكر مجموعا أن يعطى منه ثلاثة فأكثر، مثل: الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب والغارمين؟

فيها أيضًا خلاف، فمنهم من يقول: لا بد أن تجمع ثلاثة فأكثر من كل ما ذكر مجموعًا دون ابن السبيل مثلًا لأنه ذكر مفردًا.

ومنهم من قال: إنه لا يجب؛ لأن هذه أوصاف لا أعيان. نعم، لو قلت: المال لهؤلاء الرجال لا بد أن يعطى كل واحد، أما إذا كانت المسألة بالأوصاف فمن استحق هذا الوصف أخذه. لو قلت: أكرم المسلمين، ثم لم تجد إلا مسلمًا أكرمته هكذا أيضًا تقول في هذا.

ص: 138