الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يبيعه، فهو لا يريد السلعة بعينها إنما يريد قيمتها وربحها، وهذا هو الدليل على وجوب زكاة العروض؛ لأن مالك العروض لا يريد إلا القيمة فقط، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"؛ ولهذا تجد الذي يشتري العروض، اذا اشترى بيتًا مشيدًا جميلًا من أحسن البيوت للتجارة وعرضه على الناس للبيع فقال له واحد من الناس: يا رجل، هذا لا تجد مثله لا تفرط فيه ماذا تكون نيته؟ يعتقد الآن أنه صار خاصًّا به، وليست نظرته الآن إليه كنظرته السابقة، ففرق بين عروض التجارة وبين الأشياء التي يختصها الإنسان لنفسه من الأعيان كالعبد والفرس، فالصواب: أنه ليس فيه دليل على سقوط الصدقة في عروض التجارة.
للإمام أن يأخذ الزكاة قهرًا ويعاقب المانع:
576 -
وعن بهز بن حكيمٍ، عن أبيه، عن جدِّه- رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في كلِّ سائمة إبلٍ: في أربعين بنت لبونٍ، لا تفرَّق إبلٌ عن حسابها، من أعطاها مؤتجراً بها فله أجرها، ومن منعها فإنَّا آخذوها وشطر ماله، عزمةً من عزمات ربِّنا، لا يحلُّ لآل محمدٍ منها شيءٌ". رواه أحمد، وأبو داود، والنسائيُّ، وصحَّحه الحاكم، وعلَّق الشَّافعيُّ القول به على ثبوته.
هذا الحديث- حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده- اختلف فيه المحدثون هل هي ترجمة مقبولة أو غير مقبولة؟ فمنهم من ضعفها، وسبب تضعيفهم إياها: حديثه هذا؛ لأنهم استنكروا العقوبة بالمال فمن أجل ذلك ضعفوه، وقالوا: لولا حديثه هذا لكان حديثه حسنا أو موثوقًا، لكن الإمام أحمد رحمه الله وإسحاق بن راهويه قبلوا حديثه وصححوه، وقالوا: إن هذا الحديث لا يوجب الطعن في الرَّجل؛ لأن هذا الحديث ليس منكرًا متنًا، إذ إن له نظائر في الشريعة، فلا يمكن أن يعلَّل الرجل أو أن يقدح في الرجل بسببه، قال ابن القيم: والقدح في هذا الرجل بسبب هذا الحديث معناه الدوران وهذا صحيح، والدَّور عند أهل العلم باطل؛ لأننا إذا أبطلنا الحديث بالرجل وأبطلنا الرجل بالحديث صار الدور، والصحيح ما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل أن الرجل لا مطعن فيه، وأن هذا الحديث جارٍ على قواعد الشريعة كما سيتبين- إن شاء الله-.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "في كل سائمة إبل"، وقد سبق لنا معنى السائمة وهي التي ترعى المباح
الحول أو أكثره والمراد بالمباح عند العلماء ليس ضد الحرام، ولكن المباح هو الذي لم يزرعه الآدمي، وإنما هو كلأ أنبته الله، وقد سبق لنا في السُّلوم أن له أربع حالات سائمة: كل الحول، أو أكثر الحول، أو نصف الحول، أو أقل من النصف، أي: ليست سائمة معلوفة، والتي فيها الزكاة هي السائمة أكثر الحول، أو كل الحول.
وقوله: "في كل سائمة إبل" هذا مقيد الحديث أنس السابق أو مخصص؛ لأن حديث أنس السابق ليس فيه اشتراط السموم بالنسبة للإبل، وإنما فيه اشتراط السوم بالنسبة للغنم.
وقوله: "في أربعين بنت لبون" لا يخالف حديث أنس؛ لأن حديث أنس: "في ست وثلاثين إلى خمس وأربعين فيها بنت لبون"؛ إذن فالأربعون داخلة فيما سبق، ففي ست وثلاثين بنت ليون، وفي أربعين بنت لبون، وفي خمس وأربعين بنت لبون فلا يخالف حديث أنس.
وقوله: "في كل سائمة إبل في أربعين" بالنسبة لما قبلها من حيث المعنى والإعراب أيضًا تعتبر بدلًا، أي: في السائمة في الأربعين منه، وهل هو بدل بعض من كل؟ نعم؛ لأن السائمة تشمل القليل والكثير، وأربعين تخص هذا العدد، وبتت اللبون هي التي تمَّ لها سنتان.
قال: "لا تفرق إبل عن حسابها" الذي تجب فيه الزكاة؛ أي: لا يفرق الإنسان الإبل المجتمعة عن حسابها لتسقط عنه الزكاة، وهذا كقوله في حديث أنس:"بين مجتمع خشية الصدقة"؛ لأن الإنسان مثلا إذا كان عنده أربعون من الغنم ففيها شاة، فإذا فرقها فليس فيها شيء، عنده خمس من الإبل فيها شاة، فإذا فرقها وجعل اثنتين هنا وثلاثًّا بعيدة سقطت الزكاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"لا تفرق إبل عن حسابها"؛ يعنى: عند العدد الذي بلغته خوفًا من الصدقة، أما إذا كان ليس خوفًا من الصدقة كما لو كان لغرض مقصود فانه لا نهي في، وعلى هذا فكون قوله:"لا تفرق إبل عن حسابها" مقيدًا بحديث أنس السابق؛ أي: لا تفرق خشية الصدقة.
ثم قال صلى الله عليه وسلم "من أعطاها" أي: من أعطى الزكاة الواجبة وهي بنت لبون في الأربعين، "مؤتجرًا بها فله أجرها"، "مؤتجرًا" أي: طالبًا الأجر، فهي مفتعل بمعنى: طالب للشيء، يعني: طالبًا لأجرها فله أجرها، ومن أعطاها غير مؤتجر بها ولكنه أعطاها رياء وسمعة أو أعطاها خوفًا من السلطان أن يكرهه على دفعها فهل له أجرها؟ لا، ليس له أجرها، لكنها تجزؤه ظاهرًا، بمعنى: أن السلطان لا يطالبه بها؛ لأنه أدَّاها، أما في الآخرة فلا ينتفع بها.
"ومن منعها" فلم يعطها "فإنا آخذوها وشطر ماله"، "فإن" الضمير يعود على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعود إليه باعتبار سعاته أو باعتبار نفسه هو؛ لأنه له السلطة، "فإنا آخذوها" كيف آخذوها ليس فيها نون؟ إعراب "آخذوها" خبر إن مرفوع والنون حذفت للإضافة كما يحذف التنوين؛ ولهذا
نقول في إعراب جمع المذكر السالم والتثنية: النون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والعوض يقوم مقام المعوَّض، يقول الشاعر في رجل لا يحب الاجتماع إليه:[الطويل]
كأنِّي تنوينٌ وأنت إضافةٌ
…
فأنا تراني لا تحلُّ مكاني
يعني: لا تحل معي.
المهم أن نقول: النون خذفت هنا للإضافة، "فإنا آخذوها وشطر ماله" الواو للمعية؛ يعني: فإنا آخذوها مع شطر ماله، وعلى هذا فتكون "شطر" منصوبة على أنها مفعول معه، ويجوز أن تكون الواو حرف عطف وتكون معطوفة على الهاء باعتبار محلها؛ لأن الهاء مفعول به في الواقع فمحلها في الأصل النصب، وقد أشار إلى ذلك ابن مالك في "الألفية" بأن المعطوف على هذا لمجرور الذي محله النصب لولا الإضافة يجوز في العطف على المحل والعطف على اللفظ؛ أي: أنه يجوز نصبه مراعاة للمحل، كما يجوز جره مراعاة للفظ.
قوله: "وشطر ماله" شطر هذه اسم، والشطر بمعنى: النصف، أي: آخذوا نصف ماله.
العجيب: أن بعض أهل العلم- سامحهم الله- قالوا: إن في الحديث تحريفًا وصوابه: "فإنا آخذوها وشطر ماله"، أي: جعل شطرين فيؤخذ الأعلى من الشطرين؛ يعنى: نأخذ زكاته ونأخذ أعلى ما يكون من الزكاة، لماذا ادَّعوا ذلك؟ فرارًا من أن يعاقب الإنسان بأخذ شيء من ماله، والعجب أنهم قالوا هكذا، وقالوا: نأخذ خيار ماله، الأخذ من خياره هل هو الواجب أو زائد عن الواجب؟ الثاني، إذن هذه عقوبة لكنها عقوبة بالوصف لا عقوبة بالعين والذات.
فقيل لهم: أنتم الآن حرفتم الحديث من أجل اعتقادكم بأن لا عقوبة في غرامة المال مثل ما قال ابن القيم رحمه الله هذا تحريف بلا شك، والحديث المحفوظ رواية وكتابة هو:"شطر ماله"، ثم إنه على زعمكم أن هذا هو الصواب وأن شطر ماله محرّف، نقول: إذا قلتم شطرين: واحد جيد وواحد رديء، فإن أخذت الجيل فهذه عقوبة، ودعواكم أن هذه عقوبة بالوصف لا بالعين دعوى باطلة، المهم أنه ثبت أصل العقوبة في المال، أنا سقته وإن كان ليس ذا أهمية ليتبين لكم خطورة اعتقاد الإنسان للشيء قبل أن يستدل عليه، ولذلك ينبغي لك أن تكون بين النصوص كالميت بين يدي الغاسل لا تتحرك إلا حيث حركت؛ لأنك مسئول عن هذه النصوص.
فانظر إلى هذا التحريف في هذا الحديث بناء على اعتقاد أنه لا غرامة في المال، يا جماعة ما دليلكم على أنه لا غرامة في المال؟ قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا". ومتى قالها؟ في
حجة الوداع. إذن كل العقوبات بالمال منسوخة بهذا الحديث؛ لأن هذا من آخر ما حدَّث به الرسول صلى الله عليه وسلم فلا عقوبة في المال. نقول لهم: سبحانك اللهم وبحمدك، ما تقولون في عقوبة الإنسان ببدنه أيهما أشدُّ: عقوبة البدن أو عقوبة المال؟ عقوبة البدن.
على كل حال نقول لهم: هذا الحديث في الحقيقة قد يكون حجة عليكم؛ لأنكم تقولون بجواز تعزير الإنسان بالضرب في بدنه والمخرج واحد والحديث واحد، والضرب على البدن قد يؤثر أكثر من أخذ المال، وكثير من الناس يحمون أبدانهم بأموالهم، وهذا شيء مشاهد، لو جاء لصوص ومعك مائة مليون ريال، بل مائة مليون دينار، وقالوا: نأخذ المال أو نقتلك ماذا تقول؟ ! تقول: خذوا المال ولا تقتلوني. إذن إذا كان الشارع بإقراركم يبيح التعزير بعقوبة البدن وليس ذلك منسوخًا عندكم كيف تقولون: التعزير بعقوبة المال منسوخ؟
لهذا أقول: إن هذا الحديث، يقول:"آخذوها وشطر ماله" عقوبة له، لكن ما المراد بـ"شطر المال"، هل هو المال كله، أو المال الذي منع زكاته فقط؟ فيه احتمال هذا، أو هذا، فتحن مثلًا نقول: هذا رجل عنده مليون درهم، وعنده أربعون شاة، فجاء الساعي فمنع الزكاة يجب عليه في أربعين شاة شاة واحدة، فلم يعطها للساعي، إذا قلنا:"آخذوها وشطر ماله، " المال الذي منع زكاته كم نأخذ منه؟ ((21)) شاة، وإذا قلنا: جميع المال كم نأخذ؟ خمسمائة ألف وواحد وعشرين درهمًا. بين الاحتمالين فرقًا عظيمًا فأيهما نأخذ به؟ نقول: الأصل في مال المسلم الحرمة، فلا تأخذ بالاحتمال الزائد مع إمكان حمل اللفظ على الاحتمال الأدون؛ لأننا نقول نصف المال الذي منع زكاته مستحق بكل تقدير، ونصف جميع المال مستحق باحتمال، والاحتمال شك، وحرمة مال المسلم يقين. إذن لا نقصر اليقين بالشلك، وحينئذٍ نقول: يخرج منه نصف المال الذي منع زكاته، لكن ما تقولون لو أن ولي الأمر رأى من المصلحة أن يؤخذ نصف ماله كله من أجل ردعه وأمثاله عن منع الزكاة هل يسوغ له ذلك ويقول: أنا أتشبث بهذا الاحتمال الواقع في هذا اللفظ أو نقول لا يحل لك؛ لأنها قد تكون القيمة كبيرة كما في المثال الذي ذكرنا؟ على كل حال الشيء المؤكد الآن أنه يؤخذ نصف المال الذي مع زكاته؛ لأنه هو المال الذي حصلت فيه المخالفة والمعارضة، فكانت الحكمة تقتضي ألا تتجاوز العقوبة على المال الذي منعت زكاته هذا من وجه، ومن وجه آخر: أن الأصل في المال الحرمة فلا نستبيح ما كان مشكوكًا فيه؛ لأن المشكوك فيه لا يقصر الشيء المتيقن.
ثم قال: "عزمة من عزمات ربنا"، "عزمة" فيها روايتان:"عزمةً"، و"عزمةٌ"، أمَّا على رواية "عزمةٌ" فهي خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هي عزمةٌ، أو هذه عزمةٌ، وأما على رواية النصب فهو مصدر مؤكِّد للجملة قبلها "فإنا آخذوها"، والأخذ عزيمة، والعزمة مصدر، فتكون مصدرًا
مؤكِّدًا للجملة قبله مثل قولك: "تبنى أنت حقًّا" فإن "حقًّا" مؤكد لمضمون الجملة السابقة هذا أيضًا مؤكِّدة لمضمون الجملة، ومعنى "عزمة" أي: أكيدة، يعني: نأخذها أخذا مؤكَّدًا مجزومًا به، "من عزمات ربنا" أي: من تأكيدات ربنا، وهنا إشكال وهو إنه قال:"عزمة من عزمات" ولم يقل عزمة من عزمات، يقول ابن مالك:
والسَّالم العين الثُّلاثي اسمًا أنل
…
إتباع عينٍ فاءه بما شكل
إن ساكن العين مؤنَّثًا بدا
…
مختتمًا بالتَّاء أو مجرَّدا
وسكِّن التَّالي غير الفتح أو
…
خفِّفه بالفتح فكلَّا قد رووا
فالفاء المفتوحة تكون العين فيها مفتوحة دائمًا، ولا يجوز التسكين، فهذه القاعدة "عزمة من عزمات ربنا".
قال: "لا يحل لآل محمد منها شيء"، "لا يحل" أي: يحرم. من الذي يدرينا أن "لا يحل" يعني: يحرم؟ لأن الحل المطلق يقابله التحريم المطلق، فإذا قلت:"لا يحل" فهو كما لو قلت: يحرم، ولهذا قال الله عز وجل:{ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لتفتروا على الله الكذب} [النحل: 116]. وهذا هو المفهوم من كلمة "لا يحل" أي: يحرم، وإن كان نفي الحل قد يراد به نفي أن يكون مستوي الطرفين فيتناول المكروه والمحرم، بمعنى أن نقول: ليس حرامًا، بل هو حلال، والحرام ليس حلالًا، ولكنه لا يصار إلى هذا إلا بدليل واضح، وإلا فالأصل أن نفي الحل إثبات للتحريم هذا الأصل. يقول:"لا يحل لآل محمد" من آل محمد؟ هم أقاربه وليس أتباعه هنا بالتأكيد؛ لأننا لو قلنا: لا يحل لأتباع الرسول الزكاة لا يستقيم؛ لأن معنى ذلك أنها لا تحل إلا إلى الكفارة؛ إذن آل محمل هم قرابته وهم بنو هاشم فقط، وقيل: بنو المطلب، والصحيح خلافه، وأن آل المطلب تحل لهم الزكاة، وإنما شاركوهم في الأخذ من الغنيمة لمساعدتهم إياهم؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في بني عبد المطلب:"إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام". لكن الآن هم بنو هاشم، وهل يدخل في ذلك زوجاته؟ فيه نقاش أو لا؟ ليس فيه نقاش؛ لأنه هل الآن تأتي إحدى زوجات الرسول وتقول: أعطوني من الزكاة؟ هذا غير واقع، وإذا كان غير واقع فالمناقشة فيه قد تكون من فضول العلم، ولكن لا شك أن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل البيت بنص القرآن قال الله تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلوة وءاتين الزكوة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرًا * واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءايات الله والحكمة} [الأحزاب: 33، 34]. وقد أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إلى نفسه حينما قال: "من يعذرني من رجل قال في أهلي؟ "، فأضاف الأهل إلى نفسه صلى الله عليه وسلم، لكن البحث في استحقاق نسائه من الزكاة في هذا الزمن ليس له داعٍ إنما يدخلن في أهله فيما إذا قلن: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد".
في هذا الحديث دليل على وجوب الزكاة في الإبل لقوله: "في كل سائمة إبل
…
" إلخ، وفيه دليل على اشتراط السوم في الإبل كما دل حديث أنس السابق على اشتراط السوم في الغنم لقوله: "في كل سائمة"، وفيه دليل على أن في أربعين من الإبل بنت لبون وهو ظاهر، ولكن هل يعارض ما تقدم في حديث أنس؟ لا؛ لأن حديث أنس من ((36)) إلى (45) بنت لبون، وهذا أربعون فهو داخل فيما سبق.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يجوز أن تفرق الإبل عن حسابها خشية الصدقة.
ومن فوائد هذا الحديث: الإشارة إلى إخلاص النية لقوله: "مؤتجرًا بها".
ومن فوائده: أنه لا ينافي الكمال أن ينوي الإنسان بعبادته الأجر لقوله: "مؤتجرا"، وأما من زعم أن من عبد الله لثواب الله فعبادته ناقصة ومن عبد الله لعبادة الله فعبادته كاملة، فقد أبعد النجعة وأخطأ؛ لأن الله- سبحانه وتعالى يقول في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه {محمّدٌ رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلًا من الله وروضوانًا} [الفتح: 29]. وهذا لا ينافي كمال الإخلاص.
ومن فوائد الحديث أيضًا: أن الله عز وجل على لسان رسوله تكفل لمن أخلص النية له أن يعطيه ما احتسب، يؤخذ من قوله:"فله أجرها".
ومن فوائل هذا الحديث: تحريم منع الصدقة الواجبة، يؤخذ من العقوبة على المنع.
ومنها: جواز التعزير بأخذ المال لقوله: "آخذوها وشطر ماله"، فإن قلت: هذا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام". قلنا: هذا صحيح، لكن إذا وجدت أسباب الإباحة صارت مباحة.
ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: إثبات وصف شرع الله بالعدل لقوله: "عزمةٌ من عزمات ربنا"، وله شاهد في الحديث:"إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه".- فلله تعالى- عزائم وهي ما أوجبها- سبحانه وتعالى على نفسه شرعًا أو كونًا، فما أوجبه على نفسه فهي عزيمة.
ومن فوائد هذا الحديث: إسناد التشريع من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله لقوله: "عزمة من عزمات ربنا"، فتشريع النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا يأتي بدون هذه النسبة وأحيانًا يأتي بهذه النسبة، والكل من عند الله.
فإن قلت: هل لهذا الحديث شاهد من جواز التعزير بالمال؟
فالجواب: نعم، تحريق رحل الغال ثابت بالسُّنة، وهو من التعزير بالمال؛ لأن الغال الذي يكتم شيئًا مما غنمه من الغنيمة يحرق رحله كله إلا ما استثنى الشرع.
ومنها أيضًا: إضافة قيمة الضالة على من كتمها يضاعف عليه ضعفين.
ومنها: إضعاف القيمة على من سرق الثمر، وكذلك هنا تضاعف القيمة على من منع الزكاة، وقد سبق لنا احتمال كلمة "ماله" هل يراد بها المال الزكوي الذي منع زكاته أو جميع المال.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الزكاة لا تحل لآل محمد لقوله: "لا يحل لآل محمد منها شيء".
ومنها: كرم أصل هذا النسب الشريف حيث حرِّمت عليهم الزكاة؛ لأنها أوساخ الناس كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي أخذ الزكاة من الإنسان نوع من الذل، فإن الإنسان إذا أخذ من شيء يوصف أنه صدقة تجده يتذلل أمام هذا الرجل الذي أعطاه، فمن أجل كرم هذا النسب ورفعته منع النبي صلى الله عليه وسلم من إعطاء هذا البيت الزكاة.
ومنها: أن نفي الحل يقتضي التحريم، يؤخذ من قوله:"لا يحل"، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم العباس من الزكاة لما طلب أن يعطيه، وقال:"إنها لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس"، وهذا هو الأصل في نفي الحل أن يراد به التحريم، وقد يراد بنفي الحل نفي الجواز فقط فلا يقتضي التحريم ويدخل فيه المكروه، ولكن هذا يحتاج إلى دليل، وإلا فالأصل أنه إذا نفي الحل فمقتضاه التحريم.
هل يستفاد من الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بلفظ التعظيم؟ نعم، يؤخذ من قوله:"فإنا آخذوها وشطر ماله"، وقد يقال: إن مثل هلا إذا قاله السلطان أو الولي فإنه يصح باعتبار أنه يتوصل إلى الأمر بجنوده وقوته، وعلى كل حال: فهذا التعبير سائغ بين أهل العلم إلى زماننا هذا.
فائدة:
ومن فوائد هذا الحديث- ولكنه ليس من فوائد الحديث في الواقع ولكنها فائدة مستقلة-: أنه يجوز للعالم أن يعلق القول بالشيء على ثبوت دليله، وقد علق الشافعي القول به على ثبوته، وهذا مسلك صحيح، لا يقال: إن العالم إذا قال هذا فإنه لم يعطنا شيئًا: "إن صح هذا