الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"من أسلف في شيء فلا يُسلفه إلى غيره"، والحديث ضعيف، ولو صحّ فليس معناه الذي ذهب إليه هذا الدال، لو أنني اشتريت منك سيارة وبقيت السيارة عندك ثم بعتها عليك قبل أن أحوزها إلى رّحلي هل يجوز؟ لا يجوز إلا على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، لكن ذكرنا أن ظاهر الحديث العموم.
مسألة بيع الدَّين:
-هل يجوز بيع الدَّين على غير من هو عليه؟
في هذا خلاف بين أهل العلم، أما المذهب فإنه لا يجوز أن يُباع على غير من هو عليه، مثال ذلك: في ذمتك لشخص مائة صاع بُرّ فباعها الذي هي له على زيد وأحاله عليه، هل يجوز أو لا؟ المذهب لا يجوز، وذلك لأن هذا المشتري قد يقدر على استلام هذا الدّين وقد لا يقدر، فيكون في البيع نوع غرّر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، وقال بعض أهل العلم إنه يجوز بيع الدّين على غير من هو عليه بشرط أن يكون معلومًا جنسه وقدره وأجله، إذا كان مؤجلًا وأن يكون مقدورًا على أخذه، وقال: إنه ما دام صاحب الدّين مقرًا به وثقة يمكن أخذ الدّين منه والأجل معلوم والجنس معلوم، والنوع معلوم والقدر معلوم، فإن هذا لا يدخل في بيع الغرر الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو الصحيح، ويدل على ذلك أن العلماء رحمهم الله-الذين منعوا بيع الدّين على من هو عليه قالوا: لو باع مغصوبًا بيد الغاصب والمشتري قادر على أخذه فإن ذلك جائز وصحيح، فنقول: المغصوب عين باعها من هو له، والدّين دّين باعه من هو له، ولا فرق بين الدّين والعين، لأن العلة هي القدرة على التسليم، وما دام المشتري قادرًا على تسلم المبيع ممن هو عنده أو في ذمته فلا محظور في ذلك، وهذا القول هو الصحيح، لكن يُشترط ألا يبيعه بما يزيد فيه الربا بأن يكون في ذمة المدِين دراهم ويبيعها الطالب لي شخص ثالث بدنانير، لماذا يشترط؟ لأنه ينتفي التقابض، ولابد من التقابض قبل التفرق، والشرط الثاني: ألا يربح البائع فيها، فإن ربح فهو حرام، لأنه ربح فيما لم يدخل في ضمانه، مثل أن يكون الدّين الذي في ذمة المطلوب مائة صاع بُرّ، الصاع يساوي عشرة فبعته بأحد عشر فلا يجوز؛ لأنني ربحت في شيء لم يدخل في ضماني.
*إذن بيع الدّين على غير من هو عليه جائز بشروط:
الشرط الأول: أن يكون مقدروًا على أخذه.
والشرط الثاني: أن يكون معلومًا جنسه وقدره ووصفه وأجله.
والشرط الثالث: ألا يجري فيه ربا النسيئة مع ما باعه به.
والشرط الرابع: ألا يربح فيه، فإن ربح فيه فإنه لا يجوز؛ لأنه ربح فيما لم يضمن، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وإذا تمت هذه الشروط فما المانع ألا نشترط شرطًا خامسًا: بأن يكون المدين مستعدًا للتسليم، هنا قد يكون المشتري في نفسه ظانًا أنه قادر وأن صاحبه سهل الانقياد فيخلف الظن ويكون داخلًا على خطر، بخلاف ما إذا قال المدّين: أنا مستعد للتسليم، يعني: لو قيل بهذا الشرط لأجل قطع الاختلاف لكان هذا القول جيدًا، فتكون الشروط على هذا خمسة، فإن كان هذا الدّين على الغير غير ثابت ما يثبت، جاءنا واحد وقال: أنا أطلب فلانًا مائة صاع، فقال أحد الحاضرين: بعها علي، هذا لا يصح.
إذن ممكن أن تضيف هذا الشرط السادس: وهو أن يكون الدّين ثابتًا ببينة أو بإقرار؛ لأنه إذا لم يثبت كيف يبيع عليه شيء لم يثبت.
من فوائد هذا الحديث: أنه لا يحل أن يأخذ عِوضًا بأكثر من سعر اليوم لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها".
ومن فوائده: اشتراط التقابض فيما يُشترط فيه القبض، أي: فيما يجري فيه ربا النسيئة، وأما ما لا يجري فيه ربا النسيئة فلا يُشترط فيه القبض. هل نأخذ من الحديث: أنه لا يلزم المستفتي أن يسأل عن الموانع؟ نعم، وهو كذلك، يعني: لا يُشترط لجواز الفتوى أن نسأل المستفتي عن الموانع، فإذا استفتاك في رجل مات عن أبيه وأمه وابنه، فقلت: للأب السدس، وللأم السدس، والباقي للابن، هل يُشترط أن تقول قبل أن تُفتي هل أحدهما مخالف للميت في الدّين؟ لا، ولا يُشترط أن تقول: هل أحدهما قاتل الميت، هل أحدهما رقيق، كل هذا لا يجب، فالسؤال عن الموانع عند الفتوى لا يجب، اللهم إلا إذا كان قد بلغ المفتي خبر فأراد أن يتحقق منه، يعني: خبر يمنع من نفوذ الحكم فأراد أن يستفهم، فهذا لا بأس.