الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: أنه لا يجب على الإنسان في اليوم والليلة أكثر من خمس صلوات، ويتفرع على هذه الفائدة أن الوتر ليس بواجب؛ لأن الوتر يومي، ولو كان واجبًا لكان المفروض في اليوم والليلة ست صلوات، أما ما يجب لسبب فإنه لا يمكن أن يستدل بهذا الحديث وأمثاله على انتفاء وجوبه؛ لأن ما يجب بسبب ليس دائرًا بدوران الأيام مثل صلاة الجنازة والكسوف وركعتي الطواف وتحية المسجد وصلاة العيد؛ لأن هذه واجبة بأسباب تحدث، فإيجابها طارئ بخلاف الصلوات اليومية.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الزكاة فرض، نذكر أولًا: لماذا لم يذكر المؤلف الصوم والحج؟ إن قلت: إنهما لم يفرضا، فالجواب: خطأ؛ لأن الصوم فرض في السَّنة الثانية، والحج فرض في السنة التاسعة، وبعث معاذ في السنة العاشرة، إذن ما هو الجواب؟ الجواب أن يقال: إن المسألة مسألة دعوة يدعون إلى الأهم فالأهم، وهو قد بعث إليهم في ربيع الأول بقي على الصوم خمسة شهور، فإذا استقر الإيمان في نفوسهم فإنهم حينئذٍ يؤمرون بالصوم، أي: أن الصوم لم تدع الحاجة إلى الدعوة إليه في ذلك الوقت، وكذلك نقول في الحج؛ لأن الحج باقٍ عليه ثمانية شهور، وهكذا نقول: إن الحكمة في عدم ذكرهما هو أن الوقت لم يحن بعد، فالدعوة إليهما غير مُلحة.
وفي الحديث أيضًا من الفوائد: أن الزكاة فرض لقوله: "افترض"، وأن المرجع في فرض الأشياء إلى الله عز وجل لقوله:"إن الله افترض".
وفيه أيضًا: إطلاق الصدقة على الزكاة خلافًا للعرف، وهذه الفائدة تؤخذ من قوله:"افترض عليهم صدقة"، وكذلك يدل على هذا قوله تعالى: {* إنما الصدقات
…
} الآية.
ومن فوائد الحديث: أن الزكاة واجبة في المال لقوله: "في أموالهم".
مسألة: هل يمنع الدَّين وجوب الزكاة
؟
ويتفرع على هذه الفائدة أن الدَّين لا يمنع وجوب الزكاة مطلقًا، مثال ذلك: رجل عنده ألف درهم وعليه دين مقداره ألف درهم، فهل نقول: إن المال الذي بيده- وهو ألف درهم- لا زكاة عليه لأنه مدين بمثله؟ هذه مسألة فيها خلاف بين العلماء، لكن هذا الحديث يدل على أن الزكاة تجب عليه، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الزكاة في المال، والدَّين الذي يجب على الإنسان واجب في ذمته وليس في ماله، ولهذا لو تلف ماله فهل يسقط دينه؟ لا يسقط؛ لأنه في ذمته، فالدَّين في الذمة والزكاة في المال، ويشهد لهذا الحديث ويؤيده قوله تعالى:{خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 103]. والآية عامة، وقوله:{والذين في أموالهم حقٌ معلومٌ} [المعارج: 24].
• وللعلماء في هذه المسألة- وهي مهمة ينبغي للإنسان أن يعرفها- ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا زكاة لمن عليه دين يُنقص النصاب؛ سواء كانت الزكاة واجبة في أموال ظاهرة أم في أموال باطنة، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة- رحمهم الله.
والقول الثاني: أن الزكاة واجبة في المال؛ سواء كان ظاهرًا أم باطنًا، ولو كان على صاحبه دين، وهذا القول هو القول الراجح الذي تؤيده الأدلة.
والقول الثالث: التفصيل؛ فإن كانت الزكاة واجبة في أموال ظاهرة لم يمنعها الدَّين، وإن كانت واجبة في أموال باطنة فالدَّين مانع لها، لكن ما هي الأموال الظاهرة والباطنة؟ الأموال الظاهرة هي التي تظهر ولا تُحاز في الصناديق مثل بهيمة الأنعام والحبوب والثمار، هذه تُسمى عند أهل العلم الأموال الظاهرة؛ لأنها ظاهرة للناس، كلٌّ يراها، فما حجة هذه الأقوال؟
أما الذين قالوا: إن الدَّين يمنع وجوب الزكاة مطلقًا، فقالوا: لأن الزكاة إنما تجب للمواساة، والذي عليه الدَّين ليس أهلًا للمواساة؛ لأنه هو نفسه يحتاج إلى من يواسيه، وعلى هذا فلا تجب عليه الزكاة، هذا هو تعليلهم مع أنهم يستدلون بآثار.
أما الذين قالوا: إنها لا تمنع وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السعاة لقبض الزكاة من الأموال الظاهرة ولم يكن يأمرهم أن يستفصلوا: هل عليكم دين أم لا؟ مع أن أصحاب الأموال الظاهرة- ولا سيما أصحاب الثمار- في الغالب أنهم مدينون، ولذلك كان السَّلم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم موجودًا، كانوا يسلفون بالثمار السَّنة والسنتين، وهذا يدل على أنهم يحتاجون للدراهم، فلما لم يأمرهم النبي صل الله عليه وسلم أن يستفصلوا دل هذا على أن الدَّين لا يمنع وجوب الزكاة، ولأن هذه أموال ظاهرة تتعلق بها أطماع الفقراء ويعرفونها، وإذا لم يوجب عليه الزكاة فإن ذلك قد يؤدي إلى فتنة، فإن الفقراء ربما يثورون على الأغنياء ويبدءون بالسرقة من هذه الأموال الظاهرة. هذا هو تعليل من فرق بين هذا وهذا.
وأما الأموال الباطنة فقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يبعث الناس لأخذها، وأيضًا ليست ظاهرة للفقراء بحيث لو لم تؤد زكاتها.
وأما الذين قالوا بوجوب الزكاة على من عليه دين فقالوا: إن لدينا نصوصًا عامة لم تفرق بين الأموال، وأما قولكم: إن الزكاة وجبت مواساة فنقول: نعم، نحن نوجب على هذا أن يزكي ونواسيهم في إعطائهم من الزكاة، فإذا كان عليه ألف درهم وبيده ألف درهم، قلنا: أخرج زكاة الدراهم خمسًا وعشرين، ونحن نعطيك من زكاتنا خمسًا وعشرين لتوفي ما عليك، وحينئذٍ هل
آتاه نقص؟ لا، فإن قلت: ما الفائدة من كونه يُخرج خمسة وعشرين ونحن نعطيه خمسة وعشرين يكمِّل بها الذي عليه؟ قلنا: الفائدة ليشعر أنه متعبد لله بإخراج الزكاة؛ ولأن هذا أحوط له وأبرأ لذمته، فعلى هذا يكون القول الراجح أنها- الزكاة- تجب في المال ولو كان صاحبه مدينًا، نقول له: زكِّ مالك ونحن نعطيك ما توفي به دينك.
وأما التعليل بأن الزكاة وجبت مواساة والمدين لا يتحملها؛ فإن التعليل في مقابلة النص عليل أو ميت مطروح، ثم نقول لهم: من الذي قال لكم إن الزكاة وجبت مواساة؟ أليست تصرف في الجهاد في سبيل الله؟ نعم، وهذا ليس بمواساة، تُصرف في الغارم في إصلاح ذات البين ولو كان غنيًّا، تُصرف لابن سبيل لكن الغالب أنه محتاج، لكن من الذي يقول إنها مواساة؟ نحن نتلمس علة ثم مع ذلك نبطل بها عموم النص! ! هذا لا يستقيم.
ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: جواز أخذ الولي الزكاة من الأغنياء.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الزكاة في فقراء البلد لقوله: "فترد في فقرائهم"، وهذا مبني على أن الضمير "في فقرائهم" يعود إلى أهل اليمن، أما إذا قلنا: تعود إلى فقراء المسلمين وأن الإضافة جنسية فليس فيه دليل، ومن ثم اختلف العلماء في ذلك.
ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: جواز صرف الزكاة إلى صنف واحد؛ لقوله: "في فقرائهم"، والفقراء هم أحد الأصناف الثمانية الذين قال الله فيهم:{إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} [التوبة: 60]. فيكون في هذا الحديث رد لقول من يقول: إنه لا بد أن تُصرف الزكاة على الأصناف الثمانية كلها وألا يقل العدد في كل صنف عن ثلاثة، وعلى هذا اضرب ثلاثة في ثمانية يساوي أربعة وعشرين، فلو كان عندك ألف ريال فزكاته خمس وعشرون ريالًا، تعطي الفقراء الثلاثة على ريال، وتعطي المساكين على ريال، وتعطي العاملين عليها على ريال، وتعطي المجاهدين في سبيل الله على ريال، ثلاثة من المجاهدين، وعلى هذا فقس، والصحيح أنه يجوز أن تُصرف الزكاة إلى صنف واحد، وأن المراد بالآية بيان المستحقين لا وجوب التوزيع على الجميع.
فيه أيضًا من الفوائد: دليل على بعث الدُعاة إلى الله عز وجل، وذكرت من قبل، وهل هو على سبيل الوجوب؟ نعم ولكنه وجوب كفائي، إنما يجب على ولاة أمور المسلمين أن يبعثوا الدُّعاة إلى دين الإسلام، لا يقولوا: من جاءنا دعوناه، يجب أن يبثوا الدعوة الإسلامية، وإذا نظرنا إلى حالنا نحن المسلمين اليوم وجدنا أن عندنا تقصيرًا عظيمًا، وأن النصارى- على باطلهم- أقوى في الدعوة إلى الضلال وإلى دين منسوخ محرف، ومع ذلك يبذلون النفس والنفيس في تنصير الناس، يذهبون يقطعون الفيافي والمخاطر والمفاوز لأجل الدعوة إلى هذا