الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
} يقبض {، } ويبصط {، أما الرازق فجاءت في قوله تعالى: } والله خير الرزقين {[الجمعة: 11]. لكن الرزاق هنا غير الرزاق لأنه قال: } خير الرزقين {، والمفضل غير المفضل عليه، لكن جاءت في القرآن اسمًا بلفظ:"الرزاق"، وفرق بين الرازق والرزاق؛ لأن الرزاق نسبة وصيغة مبالغة بخلاف الرازق.
ومن فوائد الحديث: تحريم التسعير لقوله: "وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة"، وهذا يدل على أن التسعير ظلم؛ لأن فيه احتكار للسلعة، فإذا سعَّر ولي الأمر، وقال: لا يباع إلا بكذا، هذا لا شك أن فيه احتكار؛ لأن الأشياء قد ترتفع مؤنتها، ويحتاج البائعون إلى زيادة الثمن، وهذا كله بيد الله، ولكن في هذا تفصيل، فإن كان سبب الغلاء احتكار الناس وطمعهم فإن الواجب على ولي الأمر أن يسعر، وإن كان سبب الغلاء زيادة النمو أو قلة المحصول فهذا ليس بفعل الإنسان فلا يجوز لولي الأمر أن يسعر، وإنما عليه أن يوفر ما يحتاجه الناس إذا أمكنه ذلك.
إذ قال قائل: ما دليلكم على أنه إذا كان سبب الغلاء احتكار الناس فإنه يجوز التسعير؟
قلنا: دليلنا الحديث الذي بعده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحتكر إلا خاطئ"، وإذا كان لا يحتكر إلا خاطئ دلّ هذا على أن
الاحتكار
حرام، لأن الخاطئ مرتكب الإثم عن عمد، والمخطئ مرتكب الإثم عن غير عمد؛ ولهذا يعفى عن المخطئ ويعاقب الخاطئ، قال الله تعالى في سورة العلق: } ناصية كذبة خاطئة {[العلق: 16]. وقال تعالى: } ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا {[البقرة: 286]. واسم الفاعل من} أخطأنا {: مخطئ؛ لأنه رباعي، واسم الفاعل من خطئ: خاطئ، فالخاطئ آثم، والمخطئ غير آثم، إذن المحتكر خاطئ آثم، وإذا كان آثمًا وجب أن ترفع هذا الربح، فإذا كان سبب الغلاء احتكار الأغنياء وجب أن يسعّر عليهم ولا يجوز أن تطلق لهم الحرية في الاحتكار، إذن التسعير فيه تفصيل إذا كان سببه احتكار الأغنياء وجب التسعير، وإذا كان سببه كثرة النماء أو قلة المحصول فإنه يحرم التسعير؛ لأن هذا ليس بفعل أحد بل هو بفعل الله عز وجل.
الاحتكار:
780 -
وعن معمر بن عبد الله رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحتكر إلا خاطئ". رواه مسلم.
"الاحتكار" بمعنى: حبس الشيء وإمساكه، والمراد "لا يحتكر" يعني: لا يحوز الشيء ويمنعه عن البيع "إلا خاطئ" والاحتكار نوعان: احتكار بمعنى الحبس حبسًا مطلقًا بحيث لا يبيع كل من
جاءه يطلب منه السلعة أبى أن يبيع، والثاني: احتكار مقيد؛ أي: أنه يحتكر السلع إلا بثمن يرضاه هو وإن كان فوق ثمن العادة، وكلاهما خطأ.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ" و "الخاطئ" هو مرتكب الخطأ عمدًا وقصدًا، وعكسه المخطئ فإنه مرتكب الخطأ من غير عمدٍ؛ إذن المحتكر خاطئ؛ أي: مرتكب للخطأ عن عمد، وإذا كان خاطئا، فإن الواجب ردّه إلى الصواب، وذلك بأن يسَّر عليه، فإن كان منع بالكلية أجبر على البيع، وإن كان قد منع من أجل السِّعر الذي يرضاه هو أجبر على البيع بسعر المثل، ثم إنَّ ظاهر الحديث عموم الاحتكار في كل شيء، وقيّده بعض أهل العلم بالأشياء التي تكون ضرورية يضر الناس احتكارها، أما الأشياء التي ليست ضرورية فإن للإنسان أن يحتكرها كالأمور الكمالية، والصواب: العموم، لأن الكماليات والضروريات أمرها نسبي، فقد يكون هذا الشيء كماليًا عند قوم، ضروريًا عن آخرين، ولا يمكن انضباط هذا الشيء.
فنقول: كل شيء يحتكره الإنسان مما يباع في الأسواق، فإنه يعتبر خاطئًا:"لا يحتكر إلا خاطئ" ثم إن ظاهر الحديث: أنه لا فرق بين أن يكون المحتكر واحدًا يشتري كل ما في السوق، ثم يحتكره أو جماعة تحتكر هذا الشيء وتتفق على أنها لا تبيعه إلا بسعر معين وهو لا يوجد عند غيرهم. كالخبازين والجزارين، قال الخبازون: سنتفق على أن نبيع الخبز ثلاثًا بالريال، ولكنهم يربحون إذا باعوا أربعًا بالريال، قال الجزارون: سنتفق على أن نبيع الكيلو بعشرين ريالًا، وهم يربحون إذا باعوا بخمسة عشر ريالًا، هؤلاء محتكرين يجب على ولي الأمر أن يجبرهم على البيع كما يبيع الناس.
فإذا قال قائل: لا يوجد أحد يبيع هذه السلع إلا هؤلاء الناس؟
قلنا: حينئذ يقدِّر ولي الأمر رأس المال ويقدر الربح ويقدر المؤنة والنفقة التي تترتب على إصلاح هذا الشيء، ثم يضيف إليها نسبة معينة تكفي في الربح غالبًا، مثلًا يقول: نقدِّر قيمة الدقيق، قيمة العمال، قيمة الوقود، قيمة أجرة المكان، ثم نقدر نسبة أخرى تضاعف إلى هذه القيمة تكون مقاربة، ويجبر الناس على البيع، على هذه الصفة من ذلك الآن ما يوجد بالصيدليات حيث قدِّرت قيمة الأدوية صار الناس لا يتلاعبون، ولهذا نجد الشيء الذي لم تقدر قيمته نجد فيه تلاعبًا كثيرًا، تدخل على صاحب المحل وتقول: بكم هذه السلعة؟ فيقول: بمائة، وتدخل على جاره تقول: بكم السلع هذه؟ يقول: بخمسين إلى هذا الحد، يعني: الفرق النصف والسلع واحدة، والسوق واحد ..... كل هذا بسبب الاحتكار، وغالب المشترين لا يعرفون الأسعار، فيشترون كيفما استقر، بل إنه من العّجب العجاب أن بعض الناس يشتري السلعة بثمن زهيد، ثم يعرضها للبيع ويقول: إن ذكرت ثمنها وربحها معتادًا، قال الناس: هذه سلعة بائرة، وإن رفعته وقلت: سعر الثمن كذا وكذا، قالوا: هذه سلعة جيدة، يقولون: إنهم يشترون هذه السلعة من البلد الآخر بعشرة ويبيعونها في هذا السوق