الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ربَّهم بالغداوة والعشىِّ يريدون وجهه} [الأنعام: 53]. فهؤلاء يريدون الله والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يريدون الفضل والرضوان، فكوننا نقول للإنسان: أكمل العبادة أن تعبد الله الله فقط، لا رجاء لثوابه هذا خطأ، فإننا نقول: إن رجاء ثوابه هو من إرادة الله؛ لأن ثواب الله تعالى فعله، وفعله من صفاته، فهذا هو القول الراجح في هذه المسألة.
ومن فوائد الحديث: إثبات الأسباب؛ لقوله: "من قام
…
غفر"، وهو كذلك، وإثبات الأسباب هو من الإيمان بحكمة الله، يعني: من تمام الإيمان بحكمة الله أن تثبت الأسباب لكن ما هي الأسباب التي ثبتها؟ هي الأسباب التي جعلها الله تعالى أسبابًا، وهي نوعان: شرعية وكونية، مثال ذلك في المرض- فللعلاج أسباب- وذلك بالأدوية، فمن تمام الإيمان بحكمة الله الإيمان بالأسباب؛ لأن ترتب الشيء على سببه دليل على حكمة الله- سبحانه وتعالى، ومن أنكر الأسباب وقال: إنه لا تأثير لها، فقد خالف المعقول والمحسوس، فهم يقولون: إنك لو أثبت الأسباب، وأنها- أي: الأسباب- تؤثر بنفسها كنت جعلت مع الله تعالى فاعلًا، ولهذا يقولون: إن الشيء إذا حصل بسببه فلا تقل: حصل به، بل قل: حصل عنده، فإذا حذفت زجاجة بحجر وانكسر لا تقل: إن الكسر حصل باصطدام الزجاجة بالحجر، ولكن عنده لا بها وهذا عقل يضحك منه- إن شئنا قلنا: - السفهاء، كيف نقول: حصل عنده؟ ضع الحجر على الزجاجة وضعًا رقيقًا، لا تنكسر إذن حصل به، لكننا نحن نقول: ما الذي جعل هذه الأسباب مؤثرة؟ هو الله عز وجل، بدليل أن الأسباب أحيانًا تتخلف عنها مسبباتها، لا نقول: إن مع الله خالقًا، فالنار ألقي فيها إبراهيم وقال الله لها:{كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} [الأنبياء: 69]. فكانت بردًا وسلامًا ولم يتأثر بها، وبهذا عرفنا أن تأثير الأسباب بمسبباتها من الله عز وجل.
في الحديث: رد على الجبرية لقوله: "من قام رمضان
…
" إلخ، ووجه ذلك: أنه أضاف الفعل إلى العبد، والأصل فيما يضاف أن يكون المضاف إليه متصفًا به، وعلى هذا فنقول: إن في الحديث ردًّا على الجبرية، وهل فيه رد على القدرية؟ لا.
فضل العشر الأواخر من رمضان:
664 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر- أي: العشر الأخير من رمضان- شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله". متَّفقٌ عليه.
"العشر" فسرت بأنها العشر الأخير من رمضان، "شد مئزره" المئزر معروف يعني: ما يأتزر به الإنسان، و"شده" بمعنى: ربطه.
وثانيًا: "أيقظ أهله" أي: للصلاة.
ثالثًا: "وأحيا ليله" بالقيام، هذه ثلاثة أمور يخصها النبي صلى الله عليه وسلم بدخول العشر، قوله:"شد مئزره" قيل: إن المراد به: ربطه وحزمه، يعني: فلا يجامع النساء، وقيل: إنه كناية عن التشمير للعمل؛ لأن الإنسان إذا أراد أن يعمل فإنه يرفع مئزره ويشده من أجل أن يتقوَّى على العمل، ويمكن أن يقال: إنه لا مانع أن يكون المراد به الأمرين، يعني: اعتزال النساء، والثاني: التشمير للعمل، وقوله:"أحيا ليله"، أي: سهر الليل فلم ينم لاشتغاله صلى الله عليه وسلم بالقيام، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه يقوم الليل كله إلا في العشر الأواخر من رمضان، فإنه كان يحيي الليل كله.
ولكن إذا قال قائل: كيف يتأتى ذلك مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يفطر ويصلي المغرب ويصلي العشاء ويتوضأ ويقضي حاجته؟
فالجواب: أن الاستعداد للعبادة من العبادة، فالمعنى: أنه يتهيأ للقيام من حين ما ينتهي من صلاة العشاء، وأما إيقاظ الأهل كان يوقظهم صلى الله عليه وسلم في هذه الليالي حتى يقوموا، في غير هذه الليالي ما كان يوقظهم، كان يقوم وعائشة رضي الله عنها نائمة فإذا أوتر أيقظها، ولا يوقظها قبل ذلك، لكن في العشر الأواخر من رمضان كان يوقظ أهله من أجل العمل من أجل هذه الليالي المباركة.
من فوائد الحديث: فضل العشر الأواخر من رمضان، وذلك لتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لها بإحياء الليل.
ومن فوائده: مشروعية إحياء الليل كله في العشر الأواخر من رمضان، وهل يقاس على ذلك بقية الليالي، بمعنى: أن نقول للإنسان: ينبغي أن تسهر الليل كله في القيام؟ لا، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك حين بلغه عن قوم قالوا كذا وكذا، ومما قالوا قول أحدهم: إني أقوم ولا أنام فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي استقبال هذه العشر والتهيؤ له في القوة لقوله: "شد مئزره".
ومنها: جواز تخلف الإنسان عن أهله في مثل هذه المدة، وبه يتبين ضعف قول من يقول: إنه يلزمه أن يبيت عند امرأته ليلة من أربع وينفرد في الباقي إن أراد؛ لأن هذا القول ليس عليه دليل، والإنسان يعاشر أهله بالمعروف، وليس من المعروف في غير مثل هذه الأوقات الفاضلة أن ينفرد إنسان عن زوجته ثلاث ليال من أربع، بل المعروف أن يبيت معها كل ليلة، إلا إذا دعت حاجة أو مصلحة كقيام رمضان كما في هذا الحديث.
ومن فوائده: مشروعية إيقاظ الأهل في الليالي الفاضلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله.
ومن فوائده أيضًا: أن إيقاظ الأهل لأمر ليس بواجب في الأيام الفاضلة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقال مثلًا: لماذا تحرمهم النوم فهذا ليس بواجب؟
يقال: إنه ليس بواجب، لكن هذه أوقات تعتبر مواسم للخير، فلا ينبغي للإنسان أن يضيعها.
هل يؤخذ منه: جواز تصرف الإنسان في أهله؛ بمعنى: أنه يوقظهم وإن لم يأمروه بذلك؟ نقول: نعم، أما في الواجب فواجب عليه أن يوقظهم وإن لم يأمروه بذلك، بل لو قالوا: لا توقظنا وجب عليه أن يوقظهم للواجب، بل يجب أن يوقظ للواجب حتى من هو ليس بأهله، ولهذا قال العلماء: يجب إعلام النائم بدخول وقت الصلاة إذا ضاق الوقت، أما غير الواجب فهذا للإنسان أن يوقظ أهله وإن لم يأمروه بذلك، لئلا تفوت هذه المصلحة العظيمة.
665 -
وعنها رضي الله عنها: "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتَّى توفَّاه الله عز وجل ثمَّ اعتكف أزواجه من بعده". متَّفقٌ عليه.
"كان" فعل ماض، قال العلماء: وإذا كان خبرها فعلًا مضارعًا دلت على الاستمرار غالبًا لا دائمًا، فنقول:"كان يفعل كذا"، ويجوز أن نقول:"وأحيانا لا يفعل"، وقوله:"يعتكف" تقدم لنا معنى الاعتكاف لغة وشرعًا، وقوله:"العشر الأواخر" لماذا خص الاعتكاف بالعشر الأواخر؟ طلبًا لليلة القدر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف أول ما اعتكف العشر الأول، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم أوتي فقيل له: إنها في العشر الأواخر فاستمر على اعتكاف العشر الأواخر فقط رجاء ليلة القدر، وقولها:"حتى توفاه الله" يعني: حتى قبضه، و"الوفاة" تطلق على وفاة الموت، وعلى وفاة النوم، قال الله تعالى:{الله يتوفَّى الأنفس حين موتها والَّتي لم تمت في منامها} [الزمر: 42]. وقال تعالى: {وهو الَّذي يتوفَّاكم بالَّيل
…
} [الأنعام: 60]. لكنها عند الإطلاق يراد بها وفاة الموت كما في هذا الحديث.
وفائدة قولها "حتى توفاه الله": بيان أن هذا الحكم لم ينسخ وأنه استمر إلى آخر حياته.
قالت: "ثم اعتكف أزواجه من بعده"، أي: من بعد موته، و"أزواجه" جمع زوج، وهو في اللغة يشمل الذكر والأنثى، فيقال: زوج للرجل، ويقال: زوج للمرأة، لكن فيه لغة قليلة قال بعضهم: لغة رديئة بالتاء للأنثى ويحذفها للذكر، إلا أن الفرضيين التزموا أن يجعلوها للأنثى بالتاء وللذكر مجردة من أجل تمييز المسائل الفرضية؛ لأنهم إذا وحدوا ذلك لأشكل على الطالب.
في هذا الحديث فوائد منها: مشروعية الاعتكاف، لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلته، والأصل فيما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم تعبدًا أنه مشروع، ولكن هل يكون للوجوب؟ لا، فإن الفعل المجرد لا يفيد الوجوب.