الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جعل مناسبة إنزال القرآن أن نصوم هذه المناسبة كل عام، فهذا دليل على أنه لا بأس باتخاذ الأعياد في المناسبات، ولكن هذا في الحقيقة دليل عليهم وليس لهم، لأن كون الشارع يخص هذه المناسبة بهذا الحكم دليل على أن ما لم يخصه لا يشرع فيه شيء؛ إذ لو كان الله يحب أن يخص بشيء لبيَّنه كما بيَّن هذا، وهذا مما يذكرنا بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: إن كل مبطل يحتج على باطله بدليل صحيح فإن دليله يكون عليه لا له، الصيام خص بشهر هلالي وهو شهر رمضان، وسمي رمضان قيل: لأن وقت التسمية كان في شدة الحر والرمضاء، فالعرب سموه في ذلك الوقت رمضان واستمر، وقيل: لأنه يحرق الذنوب كالرمضاء تحرق الأقدام، وقيل: إنه مجرد علم ليس له اشتقاق كما نقول: "ذئب" للحيوان المعروف بهذا الاسم، لماذا سمي ذئبًا؟ لأنه ذئب، وكذلك نقول في الحيوان المعروف بالأسد: إنه سمي بهذا الاسم؛ لأنه أسد، وعليه فرمضان سمي رمضان؛ لأنه رمضان، والذي يهمنا أن شهر رمضان من أفضل الشهور، ولكن هل هو من الأشهر الحرم؟ لا؛ لأن الأشهر الحرم أربعة ثلاثة متوالية وواحد منفرد.
المتوالية: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب منفرد.
النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين:
619 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقدَّموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين، إلا رجلٌ كان يصوم صومًا فليصمه". متَّفقٌ عليه.
"لا" ناهية، والدليل على أنها ناهية جزم الفعل بها حيث حذفت منه النون.
وقوله: "تقدموا" هي فعل مضارع حذفت منه إحدى التاءين، وأصلها: تتقدَّموا، وحذف إحدى التاءين كثير في اللغة العربية، ومنه قوله تعالى:{فأنذرتكم نارًا تلظَّى} [الليل: 14]. أي: تتلظى، ولولا أننا قلنا أنه محذوف فيه إحدى التاءين لكان {تلظَّى} فعلًا ماضيًا، وكذلك هنا "تقدَّموا" لولا أننا قلنا بحذف إحدى التاءين لكان فعلًا ماضيًا، نقول: جاء القوم فتقدموا.
"لا تقدموا رمضان": اسم للشهر، يعني: لا تقدموا هذا الشهر المسمَّى بهذا الاسم بصوم يوم ولا يومين، لكنه استثنى وقال:"إلا رجل كان يصوم صومًا" بعض الشُّراح يقول: إن رواية مسلم "إلا رجلًا" لو صحت النسخة فلا إشكال فيها؛ لأنها منصوبة على الاستثناء، لكن "إلا رجل" بالرفع قالوا: إنه مستثنى من الواو في "لا تقدموا"، والنهي كالنفي، فيكون الاستثناء من تام غير موجب فجاز أن يبدل من المستثنى منه، والمستثنى منه مرفوع.
قال: "إلا رجلٌ كان يصوم صومًا" يعني: اعتاد أن يصوم صومًا، "فليصمه"، الفاء رابطة،
واللام للأمر، المراد به: الإباحة، وليس المراد به: الاستحباب ولا الوجوب؛ لأنه في مقابلة النهي فكان للإباحة كما لو قلت: "زيد لا تكرمه وعمرًا أكرمه" أي: يباح لك أن تكرمه.
في هذا الحديث ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة أن يقدِّموا رمضان، والخطاب للصحابة خطاب للأمة جميعًا، والخطاب للواحد من الصحابة خطاب للصحابة جميعًا، وعليه فإذا وجِّه الخطاب إلى واحد من الصحابة فهو لجميع الأمة، فينهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين؛ لماذا؟ قيل: لأجل أن ينشطوا لاستقبال رمضان؛ لأن الإنسان إذا صام قبل رمضان بيوم أو يومين يأتي رمضان وهو كسلان وتعبان من الصوم السابق، وهذه العلة- كما ترون- عليلة؛ لأنه لو كان كذلك لكان الذي يصوم قبل رمضان بأربعة أيام أشد نهيًا مع أن الحديث يدل على الجواز، وقيل: إن العلة لأجل الفرق بين الفرض والنفل، وهذا قد يكون فيه نظر؛ لأنه لو كانت العلة هكذا لم يكن فرق بين من كان يصوم صومًا ومن لم يكن، ولكان النهي عامًا، وقيل: إن العلة لئلا يفعله الإنسان من باب الاحتياط، فيكون ذلك تنطعًا من باب الاحتياط، كيف؟ لرمضان فيكون هذا من باب التنطع.
وقيل: لئلا يظن الظان أن هذا الصوم من رمضان فيكون قدحًا في الحكم الشرعي الذي علق صوم رمضان برؤية الهلال، وهذا الأخير والذي قبله هو أقرب العلل، أما ما سبق فهي علة عليلة، وهنا علة لكل مؤمن وهي امتثال أمر الله ورسوله، العلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ولهذا لما سئلت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: "كان يصيبنا فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة".
ففي هذا الحديث من الفوائد أولًا: النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين؛ لقوله: "لا تقدموا" وهل هذا النهي للتحريم أو للكراهة؟ فيه قولان لأهل العلم، منهم من قال: إنه للتحريم، ومنهم من قال: بل للكراهة.
الذين قالوا: إنه للتحريم احتجوا بأن الأصل في النهي التحريم إلا بدليل، والذين قالوا إنه للكراهة قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم استثنى حيث قال: "إلا رجلًا كان يصوم صومًا فليصمه"، ولو كان للتحريم ما جاز أن يصام حتى في العادة بدليل أن أيام التشريق لما كانت حرامًا هل صار صيامها جائزًا إذا كان لعادة أو أنه يبقى حرامًا؟ لا شك في أنه يبقى حرامًا، أيام العيدين لما كان صومها حرامًا كان صوم العيد حرامًا ولو وافق العادة.
ومن فوائد الحديث أيضًا: جواز تقدم الصوم قبل رمضان بأكثر من يومين، لقوله:"يوم أو يومين"، ولكن هل إذا صام قبل رمضان بثلاثة أيام يستمر، أو نقول: إذا بقي يوم أو يومان فأمسك؟ الحديث يقول: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين" هل يصدق على هذه الصورة- صورة رجل صام في اليوم السابع والعشرين والثامن والعشرين والتاسع والعشرين- الظاهر أنه يصدق عليه، ونقول: إذا بقي يومان فأمسك إلا إذا كنت تصوم صومًا فصمه، مثل: لو كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وصام (27، 28، 29) فهذا لا بأس به، أو كان يصوم يوم الإثنين عادة فصادف يوم الإثنين التاسع والعشرين لا بأس، أو كان يصوم الخميس عادة فصام يوم الخميس التاسع والعشرين فلا بأس، أو كان بقي عليه من رمضان الماضي أيام فأكملها قبل رمضان بيوم أو يومين فلا بأس؛ لأن صومه حينئذ يكون واجبًا.
وقوله: "إلا رجل"، هل المرأة كالرجل؟ نعم؛ لأن الأصل في الأحكام تساوي الرجل والمرأة إلا بدليل يدل على التخصيص.
رجل يصوم يومًا ويفطر يومًا فصادف يوم صومه التاسع والعشرين فإنه يصومه لقوله: "إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه".
ومن فوائد الحديث أيضًا: الإشارة إلى النهي عن التنطع وتجاوز الحدود بناء على أن العلة هي خوف أن يلحق هذا برمضان.
ومنها: أن للعادات تأثيرًا في الأحكام الشرعية لقوله: "إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه"، ولكن ليس معنى ذلك أن العادات تؤثر على كل حال لكن لها تأثير، وقد رد الله عز وجل أشياء كثيرة إلى العرف، والعلماء أيضًا ذكروا أن بعض الأشياء تفعل أحيانًا لا اعتيادًا كما قالوا: يجوز أن يصلي الإنسان النفل جماعة، لكن أحيانًا لو أردت مثلًا أن تقوم صلاة الليل أنت وصاحبك جماعة فلا بأس به؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مع ابن عباس وحذيفة، أمَّا أن تتخذ ذلك سنة راتبة فلا.
فهذا دليل على أن للعادة تأثيرًا في الأحكام الشرعية سلبًا أو إيجابًا.
ومن فوائد الحديث: أن الأمر قد يأتي للإباحة لقوله: "فليصمه"، حيث قلنا: إنها للإباحة، وهل يأتي الأمر للإباحة في غير هذا الموضع؟ نعم، كثيرًا، وقد قالوا في الضابط لإتيان الأمر للإباحة أن يكون في مقابلة المنع شرعًا أو عرفًا:{وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2]. هذا في مقابلة المنع شرعًا، فإذا كنت محرمًا حرم عليك الصيد، إذا حللت حل لك الصيد، أو نقول: إذا حللت فخذ البندقية واذهب صد الطيور؟ ليس كذلك، لكنه مباح؛ لأنه في مقابلة المنع: {لا تحلُّوا شعائر الله ولا الشَّهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا ءامين البيت الحرام يبتغون فضلًا من رَّبهم
ورضوانًا وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2]. {فإذا قضيت الصَّلوة فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10]. للإباحة لأنها في مقابلة المنع. هذا الشرعي، العرف: استأذن عليك رجل فقلت: ادخل. هذا أمر للإباحة، ولهذا لو شئت ما دخلت ما أنَّبتك ولا يؤنِّب أحد شخصًا لم يدخله إلا رجلًا يعتبر أحمق، على كل حال: الأمر في مقابلة المنع يكون للإباحة سواء كان أمرًا شرعيًا أو عرفيًا؛ لأنه يقول: "فليصمه"، الضمير في قوله:"فليصمه" أي: فليصم الصوم الذي كان يصمه من قبل.
ومن فوائد الحديث أيضًا: الإشارة إلى ضعف ما يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه رواه أهل السنن-: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"، فإن هذا الحديث ضعيف أنكره الإمام أحمد، وإن كان بعض العلماء صححه أو حسنه وأخذ به، وقال: إنه يكره الصوم من السادس عشر من شعبان إلى أن يبقى يومان، فإذا بقي يومان صار الصوم حرامًا لهذا الحديث، والصواب: أن ما قبل اليومين ليس بمكروه، وأما اليومان فهو مكوره.
فائدة في التدرج في فرض الصيام:
فرض الصيام على ثلاثة أوجه وهي: أول ما فرض صوم عاشوراء، ثم فرض صوم رمضان على التخيير، ثم فرض صوم رمضان على التعيين، يعني: لا بد من الصوم، فهذه ثلاث مراحل.
أما المرحلة الأولى: فقد دلّ عليها أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يصوموا عاشوراء.
وأما المرحلة الثانية: فقوله- تبارك وتعالى: {وعلى الَّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ فمن تطوَّع خيرًا فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لَّكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 184].
وأما الثالثة: فهي قوله بعدها: {شهر رمضان الَّذي أنزل فيه القرءان هدًى للناس وبينتٍ من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشَّهر فليصمه} [البقرة: 185].
والحكمة من ذلك: أن الصوم فيه نوع من المشقة على النفوس فدرج التشريع شيئًا فشيئًا، لأن كل شيء يشق على النفوس، فالله عز وجل بحكمته ورحمته يلزم العباد به شيئًا فشيئًا، ونظير ذلك تحريم الخمر فإنه جاء على أربع مراحل:
المرحلة الأولى: الإباحة وإن كانت هذه لا تعد مرحلة؛ لأنها على الأصل، لكن الله نص على ذلك:{ومن ثمرات النَّخيل والأعناب تتَّخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا} [النحل: 67].
ثم الثانية: {* يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنَّاس وإثمهما أكبر من نَّفعهما} [البقرة: 219].
ثم الثالثة: {يأيُّها الَّذين ءامنوا لا تقربوا الصَّلوة وأنتم سكارى} [النساء: 43].
ثم الرابعة: {يأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة: 90].
ما منزلة الصيام من الدِّين؟ صام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات إجماعًا هذان إجماعان فرض في السَّنة الثانية وصام النبي تسع رمضانات بالإجماع.
620 -
وعن عمَّار بن ياسر رضي الله عنه قال: "من صام اليوم الَّذي يشكُّ فيه، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم". ذكره البخاريُّ تعليقًا، ووصله الخمسة، وصحَّحه ابن خزيمةً وابن حبَّان.
أولًا: هذا الحديث ذكر المؤلف رحمه الله أن البخاري رواه معلقًا وأن الخمسة- وهم: أحمد وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه- رووه موصولا، والبخاري إذا علَّق الخبر بصيغة الجزم كان عنده صحيحًا.
ثانيًا: هذا الحديث هل هو من المرفوع أو من الموقوف؟ هو من المرفوع حكمًا وليس من المرفوع صريحًا؛ لأن المرفوع صريحًا هو الذي ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقال فيه: قال رسول الله، أو فعل رسول الله، أو فعل كذا بحضرته، وأما إذا قال الصحابي: رخص لنا، أو أمرنا، أو نهينا، أو ما أشبه ذلك فهو مرفوع حكمًا، يعني: له حكم الرفع، ولكن ليس بصريح، يعني: أنه لا يجوز أن نقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وننسب النهي إليه على سبيل أنه هو الذي نهى صراحة، ولكن نقول: إن هذا في حكم النهي؛ ذلك لأن الصحابي إذا قال: "عصى" فمعناه: أنه فهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك سواء بصيغة النهي أو بصيغة ذكر العقوبة أو ما أشبه ذلك، ولهذا نحن نتحرز لا نقول:"نهي"؛ إذ يجوز أن الرسول- مثلًا- ذم من صام اليوم الذي يشك فيه ذمًّا، والذم لا يصلح أن نقول أنه نهي ويجوز أنه صلى الله عليه وسلم رغَّب في تركه مثلًا ترغيبًا بالغًا بحيث يفهم من هذا الترغيب النهي عن فعله.
قوله: ومن صام اليوم الذي يشك فيه"، ما هو اليوم الذي يشك فيه؟ اليوم الذي يشك فيه هو الذي لا يدرى أمن رمضان هو أم من شعبان؟ ما ندري، فما هو اليوم الذي يمكن أن يقع فيه الشك؟ هو يوم الثلاثين، لكن متى يكون شكًّا اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: يكون شكًّا إذا كانت السماء صحوا ولم ير الهلال، فهو شك لاحتمال أنه قد هلَّ ولم نره.
ومنهم من قال: إن يوم الشك هو يوم الثلاثين- وهذا بالاتفاق- إذا حال دون رؤية الهلال
حائل بأن كان بيننا وبين مطلعه سحب أو قتر أو جبال شاهقة لا نستطيع تسلقها أو ما أشبه ذلك، وهذا الأخير هو المتعين؛ لأن الأول ليس فيه شك إذا تراءينا الهلال ولم نره فاحتمال أن يكون قد هلَّ ولم نره هذا خلاف الأصل، الأصل أننا ما دمنا ننظر ولم نره فالأحكام الشرعية تجري على الظواهر، فهو ليس يوم شك شرعًا، وإن كان من حيث العقل قد يفرض العقل أن الهلال هلَّ ولكن لم نره لكن من الناحية الشرعية ليس هو يوم الشك؛ لأن أحكام الشرع تجري على الظواهر، اطلعنا في مطلع الهلال ولم نره وفينا أناس أقوياء في النظر ولم نره نقول: إذن لم يهل، فليس عندنا شك في هذا، وهذا القول هو الصحيح.
أما قول الذين قالوا: إن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا كانت السماء صحوا فقالوا: إذا كانت السماء غيما فإن الصوم واجب، كيف ذلك؟ قالوا: نعم، واجب احتياطًا حكمًا ظنيًّا لا حكمًا يقينيًّا.
إذن ننظر هذا التعليل "حكم ظني"، هل يجوز أن نلزم الناس بالأحكام الشرعية بمقتضى الظن؟ لا، الظن لا يجوز أن تثبت به الأحكام؛ لأنه ظن في وجود السبب، هل نقول: إن هذا احتياط، أو أن الاحتياط عدم الصوم؟ الواقع أن الاحتياط عدم الصوم؛ لأن الاحتياط كما يكون في الفعل يكون في الترك، فنحن نحتاط لأنفسنا، فلا نلزم عباد الله بما لا يلزمهم هذا هو الاحتياط، ولهذا لا تظن أن الاحتياط اتباع الأشد، بل الاحتياط اتباع ما يكون أقرب إلى الشرع، إذن فقد انتقض تعليلهم وسيأتي- إن شاء الله تعالى- من السُّنة ما ينقضه.
فالحاصل: أن اليوم الذي يُشك فيه هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال حائل، غيم أو قتر أو جبال شاهقة.
وقوله: "فقد عصى أبا القاسم"، المعصية: مخالفة الأمر، فتارك الواجب عاصٍ، وفاعل المحرم عاصٍ، أما إذا قيل: طاعة ومعصية، فالطاعة: فعل الأمر، والمعصية: فعل النهي، ولكن إذا أطلقت المعصية شملت ترك الواجب وفعل المحرم، وقوله:"أبا القاسم" هذه كنية الرسول صلى الله عليه وسلم، يسمى أبا القاسم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قاسم كما قال صلى الله عليه وسلم:"إنما أنا قاسم والله معطٍ"، والموصوف بالشيء قد يكنى به كما كنَّى الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب بـ"أبي تراب" وكنَّى أبا هريرة بـ"أبي هريرة"؛ لأنه كان يحمل هرة في كمه رضي الله عنه.
كنِّي بذلك لكونه صلى الله عليه وسلم قاسمًا يقسم بين الناس على ما أمر الله به، ولهذا قال: "أنا قاسم والله