الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقيدة باجتناب الكبائر قياسًا على الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، قالوا: فإذا كانت هذه الفرائض التي هي أصول الإسلام لا يكفر بها إلا الصغائر فما دونها من باب أولى.
وقوله: "الحج المبرور ليس له جزاء
…
إلخ"، الفرق بين العمرة والحج هنا ظاهر جدًّا؛ لأن أقصى ما تفيده العمرة أن تكفِّر السيئة التي بين العمرة والعمرة الأخرى، أما هذا فيحصل به المطلوب، يعني: العمرة نجاة من المرغوب عنه وهو السيئات وآثارها، أما هذا ففيه حصول المطلوب وهو الجنة.
شروط الحج المبرور:
والنبي صلى الله عليه وسلم اشترط في الحجِّ أن يكون مبرورًا؛ أي: حج برّ، وهو الذي جمع أوصافًا نذكرها الآن:
أولًا: أن يكون خالصًا لله عز وجل بألّا يحمل الإنسان على الحج طلب مال أو جاء أو فرجة أو لقب أو ما أشبه ذلك، بل تكون نيته التقرب إلى الله عز وجل والوصول إلى دار كرامته، وهذا شرط في كل عبادة كما هو معروف.
الشرط الثاني: أن يكون بمال حلال، فإن كان بمال حرام فإنه ليس بمرور، حتى إن بعض العلماء يقول: إذا حج بمال حرام فإنه لا حج له، لأنه كالذي يصلي في أرض مغصوبة، وأنشدوا على ذلك:[البسيط]
إذا حججت بمالٍ أصله سحت
…
فما حججت ولكن حجَّت العير ()
الشرط الثالث: أن يقوم الإنسان فيه بفعل ما يجب ليكون عبادة، فأما إذا لم يقم فيه بفعل ما يجب فليس بمبرور، كما يفعل بعض الناس اليوم يذهب ليحج فيوكل من يرمي عنه ويبيت في مكة ويذبح هديًا عن المبيت في مكة ويخرج من مزدلفة من منتصف الليل أو من صلاة المغرب والعشاء، يتتبع الرخص، ثم يقول: إنني حججت، والذي يظهر - والعلم عند الله - أن حال مثل هؤلاء أن يقول: لعبت لا حججت، أين الحج من رجل لا يبيت إلا في مكة، ويوكل من يرمي عنه الجمار، ويقول: أذبح هذيا لترك المبيت، ويتقدم من مزدلفة مبكرًا؟ ! ! إذا كان لا يمكنك أن تحج إلا على هذا الوجه فخيرٌ لك ألا تحج.
المهم: من شرط كون الحج مبرورًا: أن يأتي فيه بما يجب، وليعلم أن الإنسان ليس بالخيار بين أن يقوم بالواجب أو يفدي عنه ليس بالخيار، ولكنه إذا ترك الواجب نقول له: اذبح فدية،
أما أن نقول: أنت بالخيار فمعناه أن الواحد يحج يقف بعرفة، ويطوف يسعى وانتهى، والباقي يقول: أذبح عن المبيت بالمزدلفة عن المبيت بمنى عن رمي الجمار وأمشي.
الشرط الرابع لكون الحج مبرورًا: أن يتجنب فيه المحظور لقوله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} [البقرة: 197]. ومن ذلك: إلا تحج المرأة إلا بمحرم، فإن حجت بغير محرم لم يكن حجها مبرورًا، بل قال بعض العلماء: لم يكن حجها مقبولًا؛ لأن هذا السفر سفر محرم، والمحرم لا يكون ظرفا لعبادة صحيحة، فهي كالزمن المغصوب بالنسبة لها.
هل يشترط أن يكون الإنسان فيه أشعث أغبر؟ لا يشترط، ولكن هل يشترط ألا يزيل الإنسان عنه الشعث والغبر لأن بين هذين فرقًا؟ ليس بشرط؛ ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يغتسل وهو محرم ()، ومعلوم أنه لم يغتسل من جنابة، وهذا يدل على أنه ليس من شرط المبرور أن يكون الإنسان أشعث أغبر، وأن الإنسان لو تنظف فلا حرج عليه.
هل يشترط للحج المبرور ألا يستعمل ما فيه الرَّفّه من مبردات وماء بارد وسيارة مريحة أو لا؟ الظاهر أنه لا يشترط، وأنه لا حرج على الإنسان أن يستعمل ما يريحه، وإن كان بعض الناس يقول: الأفضل إلا يتعرض لمثل هذه الرفاهية؛ لأنه قد يكون للشارع غرض بأن يكون الإنسان خشنًا، ولهذا يباهي الله بالواقفين بعرفة الملائكة يقول:"أتوني شعثًا غبرًا ضاجِّين"، إذن الشروط التي تتوفر لكون الحج مبرورًا أربعة.
فوائد الحديث: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" في هذا الحديث: الترغيب في العمرة والحج.
ومن فوائده: أن الحج أفضل من العمرة، وقد ثبت في حديث مرسل أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى العمرة حجًا أصغر، كما جاء ذلك في حديث عمرو بن حزم المشهور ().
ومن فوائد الحديث: الحثّ على إكثار العمرة، يؤخذ من قوله: "العمرة إلى العمرة
…
إلخ"، ولكن هل معنى ذلك أن الإنسان يتردد إلى الحل وهو في مكة ليأتي بعمرة؟ لا؛ لأن سنة النبي صلى الله عليه وسلم التَّركيَّة كسنته الفعلية، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك هو بنفسه مع تمكنه من هذا وتوفره له علم أنه ليس بمشروع، في غزوة الفتح متى دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا؟ في اليوم العشرين من رمضان وأنهى ما يتعلق بالفتح في خلال أربعة أيام، وبقي عليه ستة أيام وهو في مكة قبل
أن ينتهي شهر رمضان وبإمكانه بكل سهولة أن يخرج إلى التنعيم ويأتي بعمرة، فهل فعل؟ لا، ما فعل؛ إذن ليس من المشروع وأنا في مكة أن أخرج إلى التنعيم وآتي بعمرة حتى لو بقيت بعد قدومي إلى مكة شهرا أو شهرين فليس من المشروع أن أخرج إلى التنعيم، أو إلى غيره من الحلّ لآتي بعمرة، اعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة الطائف ونزل بالجعرانة ليقسم الغنائم، دخل مكة ليلا واعتمر وخرج من فوره ما بقي، ولهذا خفيت هذه العمرة على كثير من الناس فلم يعدوها في غمر النبي صلى الله عليه وسلم.
على كل حال أقول: "إن العمرة للعمرة"، لا تدل على أنه ينبغي للإنسان وهو في مكة أن يكثر من التردد إلى الحلّ ليأتي بعمرة، لماذا؟ لأن السنة التركية كالسنة الفعلية، فما دام النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك دل على أنه ليس بمشروع.
فإن قلت: أليس قد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة أن تخرج إلى التنعيم وتأتي بعمرة؟
نقول: من كان على مثل حالها استحببنا له أن يفعل، أو على الأقل أبحنا له أن يفعل، وإلا فلا، عائشة رضي الله عنها قصتها معلومة، قدمت مع النبي صلى الله عليه وسلم كسائر أمهات المؤمنين في حجة الوداع وأحرمت بعمرة، فلما وصلت "سرف"() حاضت، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج لتكون قارنة، ففعلت وحجت مع الناس لم تطف ولم تسع أول ما قدمت؛ لأنها ما طهرت إلا يوم عرفة أو يوم العيد، إذن بقيت في يوم العيد فعلت ما فعل الناس، طافت وسعت، ولما انتهوا من الحج - وكان ذلك في ليلة الرابع عشر - طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة وألحّت عليه وقالت: كيف يرجع الناس بعمرة وحج، وأرجع أنا بحج؟ ومرادها: أرجع بحج، تعني: بأفعال حج، وأما الأجر فقد كتب لها أجر عمرة وحجة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك"(). وهذا ثابت، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها إلى التنعيم، قال:"أخرج بأختك من الحرم فلتهلَّ بعمرة"، خرج بها وأهلّت بالعمرة ودخلت وطافت وسعت ومشت.
عبد الرحمن بن أبي بكر هل اعتمر؟ لا، فدل هذا على أنهم لا يرون أن هذا خير والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره أن يعتمر مع سهولة العمرة عليه، لأنه ذهب إلى الحلّ، فدل ذلك على أن الإتيان بالعمرة من مكة لمن اعتمر أو لمن حج أيضًا ليس بمشروع، أما ما يفعله العامة الآن من كونهم يترددون إلى الحل بحيث يصل الأمر إلى أن يأتي بعمرة في أول النهار وعمرة في آخر النهار فهذا ليس بصحيح، ولهذا يروى عن عطاء رحمه الله أنه قال:"أيؤجر هؤلاء أم يؤزرون"؟ يعني: أم