الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصومها في أول الشهر ووسطه وآخره.
ويُستفاد منه أيضًا: استحباب تعيين الصوم "ثلاثة أيام من كل شهر"، فما في هذه الأيام الثلاثة؟ ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر.
ويُستفاد منه أيضًا: حكمة الشرع باختياره العبادة في الوقت الذي يكون أنسب وأنفع، حيث أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تكون الأيام الثلاثة في هذه الأيام أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر؛ لأن هذه الأيام خُصمت بزمن وهي في ذاتها في الأصل مستحبة.
* * *
حكم صوم المرأة بغير إذن زوجها:
651 -
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا يَحِلُّ لِلمَرأَةِ أَن تَصُومَ وَزَوجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذنِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَاللَّفظُ لِلبُخَاِريَّ.
- زَادَ أَبُو َاوُدَ: "غَيرَ رَمَضَانَ".
الحديث فيه إشكال من حيث صناعة التخريج، لأن المؤلف قال:"متفق عليه" واللفظ للبخاري، ثم قال:"زاد أبو داود"، وأبو داود لا يدخل في المتفق عليه؛ لأن المتفق عليه هو الذي رواه البخاري ومسلم، لكن المؤلف رحمه الله طوى ذكر رواية أبي داود بذكر الزيادة كأنه قال: أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وزاد كذا وكذا، وهذا من باب طي الذكر المعلوم، وله أمثلة كثيرة ذكرها أهل البلاغة في كلامهم عن الإيجاز الذي قالوا: إنه نوعان: إيجاز قصر، وإيجاز حذف.
أما لفظ الحديث فقال: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد""أن تصوم" هذه مؤولة بمصدر فاعل "يحل" يعني: الصوم، وقوله:"وزوجها شاهد" جملة حالية، و"الشاهد" بمعنى: الحاضر.
وهذا الحديث كما يدل عليه رواية أبي داود يُراد به غير رمضان؛ أي: يُراد به النفي، بل ظاهر النفل والواجب بالنذر؛ لأنه لم يستثن إلا رمضان، ففيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد"؛ وذلك لأن المرأة عند الوج كالأسير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم" والعوان: جمع عانية بمعنى: أسيرة، ووصف الله تعالى
الزوج في القرآن بأنه سيد، فقال:{وألفيا سيدها لدا الباب} [يوسف: 25]. أي: زوجها، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الزوج راعٍ على أهله فقال:"والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته"، والزوج له حقوق على زوجته، فإذا صامت نفلًا وهو حاضر بلا إذنه فإنه سيقع في حرج؛ لأنه بين أمرين: إما أن يمتنع من الاستمتاع بها مع كونه مشتهيًا لذلك، وإما أن يُفسد صومها، وكلا الأمرين فيهما حرج، أما الأول: ففيه إشفاق على نفسه، وأما الثاني: ففيه إشفاق على غيره مع الأثر النفسي الذي يتركه هذا الأمر إذا أفسد صومها، لهذا قطع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الذي يكون فيه إحراج الزوج، فقال:"لا يحل .. " إلخ، وقوله:"لا يحل" نفي الحل إثبات للتحريم، هذا هو الظاهر، وإن كان نفي الحلّ لا يمنع الكراهة بمعنى: أن يُقال: إن المكروه أيضًا غير حلال، ولكن الغالب أنه إذا في الحل أو الجواز فالمراد: التحريم؛ لأن التحريم هو المقابل للجواز كما قال الله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلل وهذا حرام} [النحل: 116]. فجعل الله تعالى الحلال قسيمًا للحرام ومقابل له، فإذا قلنا: لا يحل، فالمعنى: يحرم، فإذا قال قائل: لماذا لا تقولون: المعنى يُكره، لأن الأصل عدم التأثيم بمعنى: أنه يُكره للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، لأنك إذا قلت: يحرم لزم من قولك تأثيمها بالفعل، والأصل عدم التأثيم، وما دام نفي الحل صالحًا للكراهة وصالحًا للتحريم، فلماذا لا تحمله على أدنى الاحتمالين الذي تسلم فيه المرأة من التأثيم؛ لأن الأصل براءة الذمة.
زيادة توضيح:
كلمة "لا يحل" قلنا: معناه: يّحرمُ، لكن لو قلنا: معناها: يُكره، هل يستقيم الكلام؟ نعم، لماذا؟ لأن المكروه لا يحل ليس بحلال، إذ إن الحلال ما تساوى طرفاه، والمكروه لا يتساوى طرفاه، فنفي الحل لا يستلزم التحريم؛ لأنه يجوز أن يكون المراد: الكراهة، لكن قلت لكم: الأصل أن نفي الحلَّ للتحريم؛ لأنه- أي: التحريم- هو المقابل للحلَّ والقسيم له، بدليل قوله تعالى:{ولا تقولوا لما تصفُ .. } وما زال العلماء- رحمهم الله يعبرون بقولهم: "ولا يجوز كذا" يعني: يحرم، وأما تعبيرهم "لا يحرم كذا" فلا يقتضي الحلُّ قد يجب، إذن نقول هنا:"لا يحل" أي: يحرم، فإن قال قائل: ما دُمت تقول: إن نفي الحل يحتمل الكراهة، ويحتمل التحريم، فلماذا لا تحمله على الكراهة؟ لأن الكراهة لا يحصل فيها إثم المرأة، فيحمل الحديث على أدنى الاحتمالين حتى تسلم المرأة من الإثم، لماذا؟ لأن التأثيم إشغال لذمتها وإلزام لها بأكثر مما يحتمله اللفظ، فالجواب: أن العادة المضطردة: أن نفي الحل، يعني: التحريم، وحينئذٍ