الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يضمنه البائع، بل يكون ضمانه على المشتري، أي: يهلك على نصيب المشتري، إلا إذا ثبت أن البائع خادع له وكاتم للعيب فضمانه حينئذٍ على البائع، لأنه معتد ظالم.
والمستأجر المنفعة له وعليه الأجرة، كل المنافع التي تفوت في زمن الإجارة لمن؟ للمستأجر؛ يعني: لو أنه استأجر البيت لمدة سنة، ولكنه ما سكنه بل سافر ولم يسكنه حتى تمت السنة، وقال صاحب البيت: أعطني الأجرة، فقال: لا ما أعطيك شيئًا لأني ما سكنت البيت، ماذا نقول؟ نقول: إن المنافع فاتت على المستأجر؛ أي: أن المستأجر يدفع الأجرة كاملة؛ لأن المؤجر يقول له: هل منعتك، المفتاح معك وأنت الذي فوّت المنفعة على نفسك فأنت ضامن؛ لأن الخراج لك، المنفعة لك وليست لي، وأنت الذي فوتها على نفسك، فعليك ضمانها.
رجل وجد شاة وصار ينشد عنها سنة كاملة وفي هذه السنة ولدت الشاة، يعني: نشأ بها ولد حمل وولدت، وبعد السنة نشأ فيها ولد حمل فولدت، فلمن يكون الولد الأول، ولمن يكون الولد الثاني؟ الولد الأول لصاحبها، والثاني للمنشد، يعني: لواجد اللقطة؛ لأن الأول وجد في حال ليس فيها الملتقط ضامنًا؛ لأنها تفوت على ملك صاحبها بعد السنة يملكها، فيكون نماؤها للملتقط، ومثل ذلك إناء، وجد إناء وصار ينشد عنه لمدة سنة كاملة فلم يجد صاحبه لما تمت السنة صار ملكًا للواجد، أجّره بعد السنة فلمن تكون الأجرة؟
تكون له؛ لأنه لو تلف تلف على ملكه فصار خراجه بضمانه، وهذا الحديث بنى عليه العلماء فروعًا كثيرة، وجعلوه قاعدة فقهية، فقالوا: من كان له الغنم فعليه الغرم، وأحيانًا يعللون بنفس الحديث فيقولون: لأن الخراج بالضمان.
ساق المؤلف هذا الحديث في باب البيع ليتبين به أن الملك مدّة الخيارين بل مدة الخيار مطلقًا للمشتري حتى لو ردّه بخياره، فإن الملك مدة الخيارين له النماء وله الكسب.
مرّ علينا في الشفعة أن النماء المتصل إذا أخذ الشفيع بالشفعة يكون لمن؟ على المذهب يكون للشفيع، ورجّحنا أنه للمشتري، هذا الحديث يدل على الراجح، لأن المشتري له الخراج فعليه الضمان، المشتري لو أنه تلف في هذه الحال من يضمنه؟ يكون على ملكه، وإذا فات عليه فله غنمه، فالقول الراجح كما سبق أنه، -أي: النماء المتصل - يكون للمشتري كالنماء المنفصل.
جواز التوكيل في البيع والشراء:
- وعن عروة البارقيِّ رضي الله عنه: "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارًا ليشتري به أضحيةً أو شاةً، فاشترى به شاتين، فباع إحداهما بدينارٍ، فأتاه بشاةٍ ودينارٍ، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى ترابًا لربح فيه". رواه الخمسة إلا النَّسائيَّ.
-وقد أخرجه البخاريُّ في ضمن حديثٍ، ولم يسق لفظه.
يقول: "ليشتري به أضحية أو شاة"، لا منافاة بين اللفظين؛ فإنه أعطاه ليشتري به شاة لأضحية، فيكون بعض الرواة اقتصر على أحد اللفظين، فاشترى رضي الله عنه شاتين بالدينار الواحد، ثم باع إحداهما بدينار، فرجع بشاة ودينار، فربح النبي صلى الله عليه وسلم شاة ولم يخسر شيئًا فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة في بيعه مكافأة له على إحسانه؛ لأن هذا الرجل أحسن التصرف، اشترى شاتين بدينار وباع شاة واحدة بدينار، فدعا له بالبركة مكافأة له على إحسانه، فقبل الله دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، "فكان -هذا الرجل- لو اشترى ترابًا لربح فيه"، وقوله:"ترابًا"، يعني: لو اشترى شيئًا لا قيمة له، وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر المؤلف هذا الحديث في كتاب البيع؛ لأنه يتضمن بيعًا وتوكيلًا في البيع، ويتضمن أشياء عديدة من البيوع تذكر في الفوائد إن شاء الله، وأظن هذا الحديث واضح المعنى، ولكن فيه فوائد، الأولى: جواز التوكيل في البيع والشراء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكَّل عروة البارقي، ويتفرع على هذه الفائدة: أن التوكيل لا ينافي الإخلاص ولا التوحيد مع أن الموكل في قلبه نوع من الاعتماد على الوكيل، لكن هذا الاعتماد ليس اعتماد افتقار، وإنما هو اعتماد سلطة، إذا كان الوكيل يتوكل بالأجرة لأن المعروف والفضل فيما إذا كان الوكيل يتوكل بالأجرة للموكل على الوكيل، فهو يرى أنه معه ذو سلطة لا يرى أنه يعتمد عليه اعتماد افتقار، وإن كان محسنًا -أعني: الوكيل- متبرعًا فإن الموكِّل لا يعتمد عليه اعتماد افتقار ولا اعتماد سبب مستقل، وحينئذ لا ينافي التوكل على الله، ولا يمكن أن ينافي التوكل، وقد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم سيد المخلصين عليه الصلاة والسلام.
ومن فوائد الحديث: جواز التوكيل في شراء الأضحية، من أين يؤخذ؟ من أنه وكله لشراء أضحية، وهل يجوز التوكيل في ذبح الأضحية؟ الجواب: نعم، يجوز أن يوكِّل شخصًا ليذبح الأضحية كما وكل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يذبح له هديه.
ومن فوائد الحديث: جواز تصرف الوكيل فيما فيه نفع للموكل.
فإذا قال قائل: هل هاتان الشاتان في مقابلة الشاة لأنهما ضعيفتان؟ الجواب: هذا بعيد، والظاهر أن عروة رضي الله عنه يسَّر الله له شخصًا محتاجًا فباع عليه هاتين الشاتين مع أن كل واحدة
منهما تساوي دينارًا بدليل أنه باع واحدة بدينار هذا هو الأقرب، وليس في هذا غبنًا حتى يقال: إن في ذلك دليلًا على جواز غبن الإنسان بنفس القيمة أو أكثر؛ لأن الظاهر أنه اشتراها من شخص يحب أن يمشي وأن يبيع بأي ثمن.
ومن فوائد الحديث: جواز تصرف الفضولي، فما هو تصرف الفضولي؟ تصرف الإنسان في ملك غيره بدون إذنه فإذا أجازه صحّ التصرف، يؤخذ: من أن عروة تصرف واشترى شاتين وباع واحدة، فخالف في الشراء وخالف في البيع، إنما كان عليه في الشراء أن يشتري شاة واحدة بنصف دينار ما دام وجد شاتين بدينار، إذ الواحدة تساوي نصف دينار، فلو تقيد بالوكالة لاشترى واحدة بنصف دينار، لكنه رضي الله عنه ترخصهما ورآهما رخيصتين فاشترى شاتين، فالظاهر أن من نيته أن يبيع إحدى الشاتين، إذن فيه تصرف الفضولي، وأنه نافذ إذا أجير، ومعنى أجيز يعني: وافق من تصرف له على هذا التصرف، فإن لم يوافق لم يصح، فلو أن شخصًا باع سيارة شخص على آخر اعتبارًا بالمصلحة وانتهازًا للفرصة، ثم أخبر صاحب السيارة بأنه باع سيارته فقال: جزاك الله خيرًا أنا موافق، فالبيع صحيح، ودليله هذا الحديث، فإن قال: لا آذن ولا أرضى، فالبيع غير صحيح وترد السيارة ويأخذ المشتري ثمنها، فإذا أدعى المشتري أن صاحب السيارة قد وكَّل البائع، فإننا نقول له: أقم بينة، وإلا فالأصل أنه لم يأذن له وهذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم أن تصرف الفضولي نافذ إذا أجيز، فإن لم يجز فسد، وقال بعض العلماء: إن تصرف الفضولي فاسد لا يصح حتى لو أجيز: لأن العبرة بالعقد وهو حين العقد ليس وكيلًا ولا مأذونًا له، فإذا لم يكن وكيلًا ولا مأذونًا له فقد وقع التصرف من غير أهله؛ لأنه ليس من مالك ولا من يقوم مقام المالك، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، ولا يجيزون تصرف الفضولي إلا في بعض الأحوال للضرورة، كالتصرف في مال المفقود فيتبين بعد ذلك أنه حي، ولكن أيهما أولى أن نقدم الأثر أو نقدم النظر؟
الأثر؛ لأن الأثر حاكم على النظر ولا عكس، على أنه يمكن أن نقول: إن النظر يؤيد الأثر، كيف ذلك؟ لأن منع الإنسان من التصرف في مال غيره إنما هو حماية لحقوق الغير ومنعًا للفوضى، فإذا أذن فقد زالت هذه العلة، وحينئذ يكون النظر مطابقًا للأثر، وهذا هو المعلوم في جميع الأحكام الشرعية أنها موافقة، للنظر لكن للنظر الصحيح المبني على التروي والتأني دون النظر السطحي، فإن النظر السطحي قد يتوهم الإنسان به مخالفة الحكم الشرعي للمعقول ولهذا روي عن علي بن أبي طالب أنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من
أعلاه، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخفين، كيف؟ لأن بادئ الرأي ذا بدء أن يكون الأسفل أولى من التطهير من الأعلى، لأن الأسفل هو الذي يلاقي النجاسة والأوساخ، ولكن نحن نقول إن الرأي الصحيح المبني على التأني موافق للحكم الشرعي ويدل على صحة الحكم الشرعي، ويشهد له بالاعتبار، كيف ذلك؟ لأن هذا المسح لا يعطي تنظيفًا، وإنما هو مجرد تعبد لله عز وجل ولو أننا مسحنا أسفل الخف لزدناه تلويثًا بهذا المسح؛ لأنه لن يتطهر به وتلوثت اليد، وبهذا نعرف أن الدين موافق للرأي، لكن الرأي الصحيح المبني على التأني، وحينئذٍ نقول: إن تنفيذ تصرف الفضولي عند الإجازة جائز موافق للنظر الصحيح والقياس، وقول هؤلاء: إن التصرف وقع من غير أهله لأنه ليس بمالك ولا قائم مقام مالك، نقول: نعم، هو كذلك، لكن المالك أجازه، والأصل في منع صحة التصرف من غير مالك أو من يقوم مقامه، أن ذلك لحماية أموال الناس، وعدم الاعتداء عليهم، فإذا وافق صاحب المال فما المانع؟ إذن هذا الحديث يدل على تصرف الفضولي وهو الصحيح.
ومن فوائد الحديث: جواز بيع الأضحية بعد التعيين، هكذا الذي ذكره بعض العلماء، ولكن هل فيه دليل؟ ليس فيه دليل؛ لأن عروة رضي الله عنه إن كان عالمًا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يريدها أضحية فليس له حق التعيين.
ثم نقول: إن عروة لم يعيِّن تلك الشاتين؛ لماذا؟ لأنه يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يضحي بواحدة، فلا يمكن أن يعيِّن تلك الشاتين بل هو عيَّن واحدة قطعًا إن كان قد عيّن، هو لم يعيّن، وإن فرض أنه عيَّن فلن يعيِّن أكثر من واحدة، ومن المعلوم أنه إذا عين واحدة من هاتين الشاتين لتكون أضحية واختارها، فلن يبيع الذي عيِّن وسيبيع غير المعينة، وحينئذ لا يكون في هذا الحديث دليل على جواز بيع الأضحية المعينة؛ إذن نفهم أن الأضحية المعينة لا يجوز بيعها وهو كذلك، فإذا قال: هذه أضحية عني وعن أهل بيتي صارت كالمنذور ويجب ذبحها ولا يجوز أن يبيعها، وهل يجوز أن يبدلها بخير منها؟ الصحيح: أنه يجوز أن يبدلها بخير منها، ودليل ذلك: أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فقال: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي ركعتين في بيت المقدس فقال: صلِّ هاهنا، فأعاد عليه فقال: صل هاهنا، فأعاد عليه فقال: شأنك إذن، فأباح له الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدع المعيَّن بالنّذر إلى ما هو أفضل منه، فدلّ ذلك على أن نقل الإنسان الشيء الذي أخرجه لله إلى ما هو أنفع وأفضل
جائز، وينبني على هذا ما ذكرناه من إبدال الشاة المعينة أضحية بخير منها، وكذلك أيضًا ينبني عليه جواز إبدال الوقف الشيء الموقوف بخير منه، فلو أني وقفت مسجدًا وصلى الناس فيه أذن المؤذن وأقاموا وصلى الناس، ثم إننا رأينا موقعًا أحسن منه وأنفع للحي فنقلناه إليه، فهل يجوز؟ نعم يجوز المسجد الأول، ماذا يكون بعد نقله؟ يصير ملكًا لنا يجوز أن نقطعه حجرًا نسكن فيه أو دكاكين نؤجِّرها أو نهدمه ونجعله مواقف؛ لأنه الآن لما أبدل بغيره انتقل الحكم من هذا المكان الجديد.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان مكافأة من أحسن إليه، وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لهذا الرجل أن يبارك الله له في بيعه، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من صنع إليكم معروفًا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم كافأتموه"، وهذا كما أنه من أوامر الشرع فهو من الأخلاق النبيلة الفاضلة، كثير من الناس تحسن إليه ولا تجد منهم مكافأة ولا بطلاقة الوجه، بل يمكن أن يعبس في وجهك لا تسمعه يقول: جزاك الله خيرًا ولا ينشرح صدره لإحسانك، والإنسان المحسن -وإن كان مخلصًا لله- لا يريد منهم جزاء ولا شكورًا، لكن لا شك أن من الأدب أن تكافئ من صنع إليك معروفًا، لو أن رجلًا تصدق على فقير جاءه ويقول: أنا عليّ دين كثر فأعطاه مائة ريال، قال: لا تعطني غير مائة، الله لا يكثر خيرك، ثم اكفهر في وجهه وألقى بالمائة، هل هذا موافق للشرع أم مخالف؟ مخالف، كان الذي ينبغي له أن يقول جزاك الله خيرًا ويأخذ المائة ينتفع بها إن كان عليه عشرة ملايين ريال الآن صار عليه عشرة إلا مائة إذا كان صادقًا، والعامة يقولون: القطر مع القطر يأتي غدير، والشاعر يقول:
لا تحقرنَّ صغيرة***إنَّ الجبال من الحصى
لكن أقول: إن بعض الناس حرم هذا الأدب، والخلق النبيل الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله، "من صنع إليكم معروفًا فكافئوه" هذا قوله، وكونه دعا لعروة هذا فعله.
ومن فوائد الحديث: حدوث آية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي إجابة الدعاء، حتى إن هذا الرجل لو اشترى ترابًا لربح فيه، ومواضع إجابة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة، وكلها تأييد لرسالته صلى الله عليه وسلم، وإذا وقع مثل هذا لمتبع الرسول صلى الله عليه وسلم سميناه كرامة لمن وقع له، ومعجزة أو آية للرسول صلى الله عليه وسلم وهو المتبوع؛ لأن إظهار هذه الكرامة لمتبع الرسول صلى الله عليه وسلم شهادة من الله أن هذا على حق، فيكون متبوعة أيضًا على حق.
ومن فوائد الحديث: أن المكافأة تكون من جنس المكافأ عليه، من أين يؤخذ؟ دعا له بالبركة في بيعه؛ لأن الذي وقع منه إسداء معروف في بيعه، فينبغي أن تكون المكافأة من جنس الإحسان، إلا إذا رأى الإنسان أنه لا يليق أن يعطيه من جنس إحسانه أو أن يخشى أو خشي أن يظن الفاعل المعروف أن هذا ردُّ لمعروفه، فهنا ينبغي أن يكافئه من جنس آخر، مثال ذلك: رجل أهدى إلي بمناسبة ظهور أول الرطب فصل من الرُّطب فأهديت أنت إليه كافأته بفصل من الرطب مثل رطبه هذا أشبه أن يكون ردَّا، لكن أهدى عليه مثلًا فصلًا من العنب، المهم: ينبغي للإنسان في مثل هذه الأحوال أن يحرص غاية الحرص على ألَّا يخدش المحسن إليه بحيث يشعر أن هذا ردٌّ لجميله.
ومن فوائد الحديث: أن الربح لا يحدد، فيجوز للإنسان أن يربح الربع أو الخمس أو العشر أو الأكثر، لكن بشرط ألا يكون في ذلك غبن، فإن كان عن طريق الغبن، فإنه يحرم ما زاد على العادة، وأما إذا كان عن طريق الكسب؛ أي: أن السوق زادت قيمة السلع فيه أو أن البائع الأول قد حاباه، أو أن المشتري الثاني قد حاباه فإن هذا لا بأس به وقد يكون البائع الأول يعرف أن هذه السلعة تساوي عشرين، فباع عليك بعشرة، إذا بعت بثمن المثل فبكم تبيعها؟ بعشرين أو أكثر هذا لا يضر؛ لأن الأول حاباك، أو أن يكون المشتري الثاني يعلم أن قيمتها عشرة لكن أراد أن ينفعك فاشتراه بعشرين، هذا لا بأس به، وإن كانت السلع في الأسواق لم يحصل منها زيادة.
الحاصل لنا: أن في هذا الحديث دليلًا على أنه لا تحديد للربح.
فإذا قال قائل: إذن لو اتفق أهل السوق على أن يجعلوا ما يساوي مائة بثلاثمائة.
قلنا: هذا لا يجوز؛ لأنه احتكار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يحتكر إلا خاطئ".
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان لو أعطاك مالًا تشتري به حاجة معينة واشتريتها بأقل مما أعطاك وجب عليك أن ترد الباقي، ولو قال: خذ هذه السلعة بعها بمائة فبعتها بمائة وعشرين فهل يجب عليك أن تعطيه مائة وعشرين، أو تقول: هو قال: بعها بمائة والعشرين لي؟ الأول؛ لماذا؟ لأنه قد يكون البائع يحدد الثمن ظنًا من أنها لن تزيد عليه فيكون السوق قد أخلف، أو يأتي إنسان محتاج ولا يهمه أن يزيد عليه الثمن، ولكن لو قال: بع هذه بمائة وما زاد فلك؛ فهذا جائز، ولا يقال: إن هذا مجهول، نقول: لأن المالك قد علم الثمن الذي قدره فلا يريد أكثر من ذلك.
وقوله: وأورد التِّرمذيُّ له شاهدًا من حديث حكيم بن حزام.
"الشاهد" هو ما يدل على معنى الحديث، وللعلماء حول هذا الموضوع ثلاثة أشياء: اعتبار