الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام، أما من تركه تهاونًا فقد اختلف العلماء في كفره، والصحيح أنه لا يكفر، وعن الإمام أحمد رواية أنه يكفر قال: لأنه ركن من أركان الإسلام، والركن هو جانب الشيء الأقوى، وإذا سقط الركن سقط البيت، لكن الصحيح- كما سبق تقريره- أنه لا يكفر بشيء من الأعمال إلا الصلاة كما قال عبد الله بن شقيق عن الصحابة- رضي الله عنهم.
فوائد الصيام:
وتكليف المسلمين بالصيام تظهر فيه حكمة الله عز وجل؛ لأن الله- سبحانه وتعالى جعل العبادات متنوعة: بذل محبوب وكف عن محبوب وعمل فيه شيء من التعب لكن بدون مشقة، فالزكاة مثلًا بذل محبوب قال تعالى:{وتحبُّون المال حبًّا جمًّا} [الفجر: 20]. ولهذا تجد بعض الناس يحاول- بقدر ما يستطيع- أن يقلل من زكاته أو أن يسقطها، أو أن يصرفها في شيء واجب عليه عرفا، الصيام:"كف عن محبوب"، وانظر ما يحصل فيه من المشقة- مشقة المألوف- فيما إذا كان اليوم شديد الحر طويلًا تجد الإنسان يشتاق اشتياقًا كبيرًا إلى الماء، لكن يعتاد الإنسان على كف النفس بتذكره أنه فرضه الله، أما العمل فمثل الصلاة والوضوء والحج، مع أن الحج فيه أحيانًا بذل محبوب.
الحكمة من هذا التنويع: لأن من الناس من يسهل عليه العمل دون بذل المال، ومن الناس من يسهل عليه بذل المال دون العمل، ومن الناس من يصعب عليه الكف عن المحبوب عن الأكل والشرب والأهل، فلهذا نوَّع الله العبادات ليعلم من يكون عابدًا لله ممن يكون عابدًا لهواه، هذه هي الحكمة في فرضيه الصيام، وإلا فقد يقول قائل: هذا إمساك ما الفائدة هذا ما عمل عملًا؟ فنقول له: أنه ترك محبوبًا قد يكون العمل عليه أهون من ترك هذا المحبوب، فهذه هي الحكمة في إيجاب الصيام على العباد، ثم إن للصيام حكمًا كثيرة أهمها التقوى وهي التي أشار الله إليها بقوله:{يأيها الَّذين ءامنوا كتب عليكم الصِّيام كما كتب على الَّذين من قبلكم لعلَّكم تتَّقون} [البقرة: 183].
ثانيًا: معرفة قدر نعمة الله على العباد بتناول ما يشتهيه من الأكل والشرب والنكاح؛ لأن قدر النعم لا يعرف إلا بضدها كما قيل: "وبضدها تتبين الأشياء"؛ لأن الإنسان إذا كان دائمًا شبعان وريان، ويتمتع بأهله، لا يعرف قدر هذه النعمة، لكن إذا حجب عنها شرعًا أو قدرًا عرف قدر هذه النعمة، إذن ليعرف الإنسان بذلك قدر نعمة الله عليه بتناول الأكل والشرب والنكاح؛ لأنه يفقدها في هذا اليوم فيشكر الله- سبحانه وتعالى على التيسير.
ثالثًا من فوائده وحكمه: تعويد النفس على الصبر والتحمل حتى لا يكون الإنسان مسرفًا، فإن الإنسان قد يأتيه يوم يجوع فيه ويعطش فيكون هذا الصوم تمرينًا له على الصبر والتحمل على فقد المحبوب، وهذه تربية نفسية.
رابعًا: من الحكم أن يعرف الغني حاجة الفقير فيرق له ويرحمه، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، والإنسان لا يعرف حاجة المضطر إذا كان هو شبعان، لكن إذا جاع عرف قدر الجوع وألمه فيرحم بذلك إخوانه الفقراء.
خامسًا: أن فيه تضييقًا لمجاري الشيطان؛ لأنه بكثرة الغذاء تمتلئ العروق دمًا وترتفع وبقلته تضيق المجاري، ومجاري الدم هي: مسالك الشيطان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"، ولهذا أمر الإنسان الذي لا يستطيع الباءة أن يصوم لتضيق مجاري الدم وليقل الشَّبق.
سادسًا: أن فيه حمية عن كثرة الفضولات والرطوبات في البدن، ولهذا بعض الناس يزداد صحة بالصوم؛ لأن الرطوبات التي تلبدت على البدن تتسرب وتزول، حيث إن البدن يضمر وييبس فتتسرب تلك الرطوبات فيكون في ذلك فائدة عظيمة للبدن، وهذا أمر مشاهد.
سابعًا: ما يحصل بين يديه وخلفه من عبادة الله عز وجل، فبين يديه السَّحور، فإن السُّحور عبادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"تسحروا فإن في السحور بركة"، وما يحصل من الإفطار؛ لأن أحب عباد الله إليه أعجلهم فطرًا، فالإنسان يتناول ما يشتهي عبادة عند الإفطار.
ومنها أيضًا: الفائدة الثامنة: أن الغالب على الصائمين التفرغ للعبادة، ولهذا تجد الإنسان في حال الصيام تزداد عبادته وليس يوم فطره ويوم صومه سواء إلا الغافل فله شأن، آخر، لكن الإنسان اليقظ الحازم الفطن الكيِّس يجعل يوم صومه غير يوم فطره.
فلهذه الفوائد ولغيرها مما لم نذكره أوجب الله الصيام على العباد، وليس إيجابه خاصًّا بهذه الأمة، بل هو عام للأمم كلها:{كما كتب على الَّذين من قبلكم} . وقت الصيام.
ثم اعلم أن الصيام خص بشهر معين من السِّنة أشار الله- تبارك وتعالى إلى الحكمة في تخصيصه بقوله: {شهر رمضان الَّذي أنزل فيه القرءان} [البقرة: 185]. وقد احتج بهذه المناسبة أصحاب أعياد الميلاد وقالوا: هذا دليل على أن المناسبات الدينية يجعل لها خصائص؛ لأن الله