الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون هذا الظاهر مُقَدَّم على الأصل الذي هو عدم التأثيم. إذن يحرم على المرأة أن تصوم وزوجها شاهد.
و"الزوج" معروف هو الذي تم العقد بينه وبين المرأة على الوجه الشرعي، وقوله:"إلا بإذنه"، الإذن بمعنى: الرخصة والإرادة يعني: إلا بإرادته، العلة في ذلك؟ لأن للزوج عليها حقًا وهو الاستمتاع، وإذا كانت صائمة فإن صيامها يمنعه من استمتاعه بها إلا على وجه فيه إحراج له، والإحراج هو أنه سيكون مترددًا بين أمرين: إن استمتع بها أفسد صومها، وإن تركها ونفسه تطلب ذلك وقع أيضًا في حرج، فلهذا لا يجوز أن تصومك نفلًا إلا بإذنه.
وأما رواية أبي داود يقول: "غير رمضان"، فأما رمضان فيجوز أن تصومه ولو كان زوجها شاهدًا ولو لم يأذن، وهذا مع ضيق الوقت- وقت القضاء- واضح، يعني: مثلًا لو لم يبق من شعبان إلا مقدار ما لعيها من رمضان فلها أن تصوم وإن كان زوجها شاهدًا وإن منعها، ولكن إذا كان في الوقت سعة بأن يكون قد بقي من شعبان أكثر مما عليها مثل أن تريد صوم القضاء في جُمادي، فهل لها أن تفعل ذلك بلا إذنه؟ إن نظرنا إلى الحديث "غير رمضان" قلنا: الظاهر أن لها ذلك ما لم ينهها، وحينئذٍ تكون المراتب ثلاثًا:
أولًا: النفل فلا تصوم حتى يأذن.
ثانيًا: القضاء إذا بقي من شعبان بمقدار ما عليها فهذه تصوم وإن منع؟
ثالثًا: القضاء مع سعة الوقت فهذه تصوم ما لم يمنع؛ لأن هذه فريضة، وظاهر الحديث: العموم، لكن الفرق بينه وبين الفرض الضيق: أن الضَّيِّق وإن منع فإنها تصوم، والفرق بينه وبين النفل، أن النفل لا تصوم إلا بإذنه، أما هذا فإنها تصوم بدون استئذان ما لم يمنعها ويقول لها: إن الوقت أمامك واسع، ولهذا كانت عائشة رضي الله عنها لا تصوم القضاء عليها إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم منها.
في هذا الحديث عدة فوائد الأولى: أن حق الزوج على الزوجة أعظم من حقها عليه، وجهه: أنها مُنعت من الصوم إلا بإذنه، وأما الزوج فله أن يصوم بدون إذنها، ويدل لهذه الفائدة قوله تعالى:{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} [البقرة: 228]. ولو تساوى الرجل والمرأة في هذا لم يكن له عليها درجة.
ومن فوائد الحديث: وجوب مُراعاة الزوجة لحقوق الزوج لقوله: "إلا بإذنه".
فائدة: حكم سفر المرأة بغير إذن زوجها:
ومن فوائد الحديث: أنه لا يحل لها أن تسافر إلا بإذنه، وهذا من باب أولى أن يمنعها؛ لأنه
إذا كان لا يجوز أن تصوم وهو شاهد مع أنها في الصوم أمامه يتمتع منها بالنظر واللمس والتقبيل وما أشبه ذلك وقضاء حاجاته، فمن باب أولى في السفر، فإن سافرت فهل يسقط حقها من النفقة أو لا؟ إن كان بغير إذنه فلا شك أن حقها من النفقة يسقط مع الإثم وعلى المذهب أيضًا لا تترخص برُخص السفر كالقصر والفطر في رمضان؛ لأن السفر سفر معصية إذا سافرت بإذنه فهل تسقط النفقة عنه؟ فعلى المذهب إن كانت الحاجة له لم تسقط، وإن كانت لها سقطت، والصحيح أنها لا تسقط ولو كانت الحاجة لها ما دامت سافرت بإذنه؛ لأنه هو الذي أذن لها والحق له وقد أسقطه وحقها لم يسقط.
ومن فوائد الحديث: هل نقول: فيه دليل على أن المرأة لا تصلي تطوعًا وزوجها حاضر إلا بإذنه؟
الظاهر: أنها ليس كالصوم؛ لأن الصوم مدته طويلة والصلاة غير طويلة، لكن مع ذلك نقول مثلًا: له أن يحللها من الصلاة، يعني: لو أرادها فله أن يقول: "اقطعي الصلاة" إلا إذا كان قد أذن.
ومن فوائد الحديث: جواز صوم المرأة بلا إذن زوجها إذا كان غائبًا لقوله: "وزوجها شاهد"، فإنما يدل على أنه إذا كان غائبًا فلا بأس، وظاهر الحديث لا بأس، وظاهر الحديث لا بأس وإن منعها، فإذا كان الغرض يتعلق به فله أن يمنعها مثل لو قال: أنا أمنعها شفقة عليها، لا من أجل مصلحتي أنا، ولا من أجل أنها تنقص بالصوم وما أشبه ذلك، فالظاهر: أنه لا يمنعها، وأن لها أن تصوم ما دام غائبًا؛ لأنه هنا ليس له مصلحة.
ومن فوائد الحديث: أنه لو كان الزوج غير عاقل فلها أن تصوم ولو كان شاهدًا، من أين يؤخذ؟ ألا نقول: إنه إذا كان مجنونًا فلا تصوم مطلقًا؛ لأننا لا نعلم أنه أذن أم لم يأذن وهو ممن لا إذن له.
وعلى هذا فنقول: صوم التطوع لا مرأة المجنون لا يمكن من رمضان إلى رمضان، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إلا بإذنه"، فإذا كان هذا مجنونًا ليس له إذن فإن إذنه متعذر وإذا تعذر الإذن الذي وقف الصيام عليه يتعذر الصوم، لأن "تعذر الشرط يستلزم تعذر المشروط" هذا هو ظاهر الأمر، ولكن قد يقول قائل: إن في هذا إضرارًا عليها، وقول الرسول:"إلا بإذنه" يدل على أن المراد بذلك: الزوج العاقل الذي له إرادة وتصرف، أما المجنون فلا يدخل في هذا، ولكن المجنون لو أرادها وهي صائمة وجب عليها التمكين من نفسها، وإلا فلها أن تصوم؛ لأنه لا يشعر أنها صائمة أو غير صائمة، كأن قائلًا يقول: لِمَ تبقى تحت المجنون؟ نقول: إذا أرادت أن تبقى قد يكون المجنون مجنونًا بدون حاجة، وقد يكون مهذريًّا، يكون كبير السن وقد يعتريه
حادث يُخل بفكره، المهم: أنه ليس له إذن، وقد يزوج وهو صغير، على كل حال الذي يظهر لي أن غير العاقل- الذي ليس له إذن معتبر- تصوم المرأة، فإن دعاها لحاجته المفسدة للصوم وجب عليها أن تمكنه لأنه زوج.
ويُستفاد من الحديث: مُراعاة الشارع البُعد عن الإحراج، وأنه لا ينبغي أن نفعل ما فيه إحراج على الغير؛ لأنه منع من صومها إلا بإذنه، ويتفرع على هذه الفائدة فائدة أخرى وهي: ألا نحرج غيرنا لا سيما في الأمور التي لا يجب أن يطلع عليها أحد، فإن بعض الناس يحرجك في أمور يقول: حصل كذا ويحرجك ويؤذيك فتقع في حرج حتى لو أردت أن تتأول بما تظهر المسألة وتكون عند هذا الرجل كاذبًا.
فالمهم: أن الحديث يشير إلى أنه ينبغي أن يتجنب الإنسان إحراج غيره، وهذا صحيح؛ لأني أرى أن الإحراج من الأذية يتأذى المُحرج، كما قال الله عز وجل:{خُذ العفو} [الأعراف: 199]. ما عفي من أخلاق الناس وأقوالهم وأفعالهم فخذ وما لا يأتي إلا بمشقة أتركه.
يُستفاد من هذا الحديث: أن المرأة لو صامت وزوجها شاهد بدون إذنه فصومها فاسد، لماذا؟ لأنه منهي عنه لذاته، فكما أن الإنسان لو صام يوم العيد فصومه غير صحيح، كذلك هذه المرأة، ولكن ننظر في الموضوع إذا قيل: إن التحريم هنا لحق الزوج وهو كذلك بدليل أنه رُتب على إذنه فهل نجزم بأن الصوم حرام، أو نقول: هو موقوف على إجازته إن أجازه صح، وإن لم يجزه فليس بصحيح؟ ربما نقول هذا ما دمنا نعرف أن العلة حق الزوج والزوج أسقط حقه، فإنه يكون صحيحًا، لكنه يُشكل على هذا أن العبادات ليس فيها تصرف فضولي عند أكثر العلماء، ما هو التصرف الفضولي؟ التصرف في حق الغير الذي يقف على إجازته مثل: الحقيبة هذه لي، فجاء واحد منكم وباعها بدون إذني، هل يصح البيع؟ لا؛ لكن لو أذنت يصح على الصحيح، والمذهب لا يصح، والتصرف الفضولي أيضًا يصح حتى في العبادات كما في حديث معن بن يزيد حين أعطى رجلًا دراهم يتصدق بها فوقعت في يد ابنه، فقال له الأب: أنا ما أمرتك أن تعطيها ابني، فرفع الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجازه، وقال للمُصدق عليه:"لك ما أخذت"، وللمتصدق:"لك ما أردت"، فهذا يدل أيضًا على أن تصرف الفضولي في العبادات جائز تنفيذه.
ومن ذلك أيضًا: حديث أبي هريرة حين جاءه الشيطان وأخذ من التمر الذي كان أبو هريرة أمينًا عليه أعطاه ثلاث ليال فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يضمن أبا هريرة.
الحاصل: أن الذي يظهر لي في هذا الحديث: أن المرأة لو صامت بدون إذن الزوج ثم