الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عدد أيام الدهر، فبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يحصل له ذلك.
يستفاد من هذا الحديث: كراهة صوم الدهر، وقال بعض العلماء: بل يستفاد منه: تحريم صوم الدهر؛ لأنه إذا انتفت شرعيته فيكون بدعة غير مشروع، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم منع القوم الذين قال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال:"من رغب عن سنتي فليس مني"، ولأنه منع عبد الله بن عمرو بن العاص أن يصوم الدهر، وآخر مرتبة له أن يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولأنه إذا صام الدهر كله فإنه لا يخلو- غالبًا- من التقصير في الواجبات الأخر، والدين الإسلامي متكامل يجعل للنفس حظها، وللأهل حظهم، وللزائرين حظهم، وللناس عامة حظهم، وللبدن أيضًا أعمال أخرى بدنية، يجعل لها حظها، ومعلوم أن الصيام يعوق الإنسان عن مسائل كثيرة بدنية يحتاج الإنسان إلى أن يقوم بها لا سيما في أيام الصيف الطويلة الحارة، فالأقرب عندي أن صوم الدهر منهي عنه على سبيل التحريم لهذه الأدلة السمعية والنظرية التي تمنع من أن يصوم الإنسان على سبيل التأييد.
* * *
2 - باب الاعتكاف وقيام رمضان
قوله: "باب الاعتكاف" هو مناسب لأن يأتي بعد الصيام، وأما القيام فالمناسبة فيه واضحة، فإن الصيام أوجب ما فيه صيام رمضان والقيام قيام رمضان، لكن الصيام فريضة والقيام مندوب، ولقيام رمضان مناسبة أخرى وهي صلاة التطوع، فإن الفقهاء- رحمهم الله ذكروا التراويح وقيام رمضان هنا، وذكروا هنا قيام ليلة القدر، على كل حال: هذه المسألة فنية كما يقولون ولا تهم.
مفهوم الاعتكاف وحكمه:
أما الاعتكاف في اللغة فهو: لزوم الشيء، ومن قوله تعالى:{يعكفون على أصنام لَّهم} [الأعراف: 138]. يعني: يديمون ملازمتها ويبقون عندها، {ما هذه التَّماثيل الَّتي أنتم لها عاكفون} [الأنبياء: 52].} وانظر إلى إلهك الَّذي ظلت عليه عاكفًا {[طه: 97]. أي: ملازمًا ثابتًا.
أما في الشرع فهو: لزوم التعبد لله بلزوم المسجد للتخلي لطاعة الله عز وجل، إذن الغرض منه أن ينقطع الإنسان عن الدنيا ولذاتها وزهرتها، ويتخلى في هذا المسجد لطاعة الله عز وجل، فهو عبارة عن رياضة نفسية بمعنى: أن يروض الإنسان نفسه فيه عليها.
وحكمه: أنه مسنون وقد غالى الإمام أحمد رحمه الله فقال: لا أعلم خلافًا بين العلماء أنه مسنون ولكنه يجب بالنذر لحديث عمر رضي الله عن أنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك"، ولأنه طاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من نذر أن يطيع الله فليطعه" أما "قيام رمضان" فهو الصلاة في رمضان، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة كما قالت ذلك عائشة لمن سألها كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان، ولكنه أحيانًا يصلي ثلاثة عشرة ركعة.
فضل قيام رمضان إيمانًا واحتسابًا:
663 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدَّم من ذنبه". متَّفقٌ عليه.
"من" شرطية، وفعل الشرط "قام"، وجوابه "غفر له"، وحذف الفاعل في "غفر له" للعلم به، وهو الله عز وجل كما قال تعالى:{ومن يغفر الذُّنوب إلَّا الله} [آل عمران: 135]. كما حذف الفاعل للعلم به في قوله: {وخلق الإنسان ضعيفًا} [النساء: 28]. لأن الخالق هو الله- سبحانه وتعالى قال: "من قام رمضان" يعني: شهر رمضان، وهو يشمل كل الشهر من أوله إلى آخره، وقوله:"إيمانًا" هذه مفعول من أجله، وعامله "قام" وهو وصف للقائم، هذا المفعول من أجله هو الباعث أو هو الغاية؟ هو الباعث، يعني: يبعثه على ذلك الإيمان، يعني: لإيمانه، وقوله:"احتسابًا" هذا أيضًا مفعول من أجله، يحتمل أن يكون علة باعثة أو علة غائية، يعني: الغاية من قيامه احتساب الأجر، إيمانًا بالله عز وجل؛ أي: بوعد الله وتصديقًا به واحتسابًا للأجر، يعني: يحتسب الأجر من الله الأجر الذي رتب على هذا القيام، وهو مغفرة الذنوب، وقوله:"غفر له ما تقدم""ما" اسم موصول تفيد العموم، وقوله:"ما تقدم من ذنبه"، الذنب: المعصية، وهي مفرد مضاف فيكون عامًا لكل ذنب؛ لأنه سبق لنا قاعدة عدة مرات أن المفرد إذا كان مضافًا فإنه يفيد العموم.
في هذا الحديث فوائد كثيرة منها: الحث على قيام رمضان، وجهه؟ قوله:"من قام"، "غفر له"، فإن هذا يحمل الإنسان على أن يقوم رمضان.
ومن فوائده أيضًا: الإشارة إلى إخلاص النية لقوله: "إيمانًا"، وكذلك الإشارة إلى التصديق بوعد الله عز وجل لقوله:"واحتسابًا"، فإن الإنسان لا يحتسب الشيء لا إذا آمن به.
ومن فوائده أيضًا: أن من قام رمضان على هذا الوصف حصل على مغفرة الذنوب السابقة؛ لقوله: "غفر له ما تقدم من ذنبه"، وظاهر الحديث شمول الذنب للصغائر والكبائر، وأن كل ما سبق يغفر له، ولكن جمهور أهل العلم يرون أن هذا العموم مخصوص بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"، فقالوا: إن هذا الحديث وأمثاله مخصص بذلك، ويكون المراد بالذنب: الصغائر فقط، فإذا اجتنب الكبائر غفرت الصغائر، ويوجهون كلامهم بأنه: إذا كانت الصلوات الخمس- وهي أعظم أركان الإسلام- لا تقوى على تكفير الكبائر فما دونها من باب أولى؛ لأنه لا شك أن الفرض أحب إلى الله تعالى وأعظم أثرًا في قلب المؤمن وأعظم أجرًا، فإذا كانت الفرائض العظيمة لا تكفر بها الكبائر فهذا من باب أولى، وهذا أقرب.
ومن فوائد الحديث: أن من قام رمضان على العادة فإنه لا يحصل له مغفرة الذنب كما هو شأن كثير من الناس اليوم يقومون رمضان لأنهم يعتادون قيامه، ولهذا تجد غالبهم لا يحصل عنده خشوع في صلاته ولا طمأنينة بل ينقرها نقر غراب، وحدثني رجل أثق به قال: إنه دخل على مسجد وهم يصلون التراويح وينقرونها هذا النقر المعروف يقول: فلما نام رأى المنام كأنه دخل على أهل هذا المسجد وهم يرقصون، يعني: كأن صلاتهم صارت لعبًا ولا شك أن بعض الأئمة- نسأل الله لنا ولهم الهداية- يصلون التراويح صلاة لعب لا يتمكن الإنسان من التسبيح في الركوع ولا من التحميد بعده، ولا من التسبيح في السجود حتى في التشهد تشك هل أكملوا التشهد الأول أم لم يكملوه، وهذا نقص في الإيمان، لأن المؤمن المحتسب لا يمكن أن يصلي هذه الصلاة.
ومن فوائد الحديث أيضًا: أن الإنسان إذا قصد بعمله الثواب عليه، فإن ذلك لا يعد مثلبة في حقه بل هو منقبة، لقوله:"واحتسابًا"، ففيه رد على من يقول: إن أكمل عبادة لله أن تعبد الله تقصد الله، فإن قصدت الله مع الثواب فهذا نقص، ولا شك أن هذا القول خطأ؛ لأن الله وصف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم خير الأمة بلا شك بأنهم يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا فقال:{مُّحمدٌ رَّسول الله والَّذين معه أشدَّاء على الكفَّار رحماء بينهم تراهم ركَّعًا سجَّدًا يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا} [الفتح: 29]. فوصفهم بأنهم يبتغون الأمرين الفضل والرضوان، وقال تعالى: {ولا تطرد الَّذين يدعون