المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٣

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

-

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌مفهوم الزكاة:

- ‌فائدة الزكاة:

- ‌متى فرضت الزكاة

- ‌حكم الزكاة:

- ‌مسألة: هل تُؤخذ الزكاة قهرًا

- ‌مسألة: هل يمنع الدَّين وجوب الزكاة

- ‌زكاة بهيمة الأنعام:

- ‌أحكام مهمة في السوم:

- ‌زكاة الفضة والمعتبر فيها:

- ‌حكم الخلطة في السائمة وغيرها:

- ‌زكاة البقر ونصابها:

- ‌مشروعية بعث السُّعاة لقبض الزكاة:

- ‌لا زكاة على المسلم في عبيده وخيله:

- ‌للإمام أن يأخذ الزكاة قهرًا ويعاقب المانع:

- ‌شروط الزكاة:

- ‌حكم زكاة البقر العوامل:

- ‌فائدة فيما لا يشترط فيه الحول:

- ‌الزكاة في مال الصبي:

- ‌الدعاء لمخرج الزكاة:

- ‌حكم لتعجيل الزكاة:

- ‌زكاة الحبوب والثمار:

- ‌مسألة: اختلاف العلماء في نصاب الفضة

- ‌أنواع الحبوب التي تجب فيها الزكاة:

- ‌خرص الثمر قبل نضوجه:

- ‌حكم زكاة الحلي:

- ‌فائدة في جواز لبس الذهب المحلق:

- ‌زكاة عروض التجارة:

- ‌كيف نؤدي زكاة عروض التجارة

- ‌زكاة الركاز:

- ‌زكاة الكنز والمعادن:

- ‌1 - باب صدقة الفطر

- ‌صدقة الفطر من تجب

- ‌فائدة: الواجبات تسقط بالعجز:

- ‌الحكمة من صدقة الفطر

- ‌مقدار صدقة الفطر ومما تكون

- ‌وقت صدقة الفطر وفائدتها:

- ‌2 - باب صدقة التَّطوُّع

- ‌مفهوم صدقة التطوع وفائدتها:

- ‌استحباب إخفاء الصدقة:

- ‌فضل صدقة التطوع:

- ‌اليد العليا خير من اليد السفلى:

- ‌أفضل الصدقة جهد المقل:

- ‌فضل الصدقة على الزوجة والأولاد:

- ‌حكم صدقة المرأة من مال زوجها:

- ‌جواز تصدق المرأة على زوجها:

- ‌كراهية سؤال الناس لغير ضرورة:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌3 - باب قسم الصدقات

- ‌أقسام أهل الزكاة:

- ‌متى تحل الزكاة للغني

- ‌من اللذين تتجل لهم الصدقة:

- ‌فائدة في أقسام البيئات:

- ‌الصدقة لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لآله:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌آل النبي الذين لا تحل لهم الصدقة:

- ‌حكم أخذ موالي آل الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقة

- ‌جواز الأخذ لمن أعطي بغير مسألة:

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌مفهوم الصيام وحكمه:

- ‌فوائد الصيام:

- ‌النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين:

- ‌كيف يثبت دخول رمضان

- ‌يقبل خبر الواحد في إثبات الهلال:

- ‌حكم تبييت النية في الصيام:

- ‌مسألة: ما الحكم إذا تعارض الرفع والوقف

- ‌حكم قطع الصوم

- ‌فضل تعجيل الفطر:

- ‌فضل السُّحور:

- ‌النهي عن الوصال:

- ‌حكمة مشروعية الصيام:

- ‌هل تبطل الغيبة الصيام

- ‌حكم القبلة للصائم:

- ‌حكم الحجامة للصائم

- ‌فائدة في ثبوت النسخ في الأحكام:

- ‌حكم الفصد والشرط للصائم:

- ‌حكم الاكتحال للصائم:

- ‌حكم من أكل أو شرب ناسيًا وهو صائم:

- ‌حكم من استقاء وهو صائم:

- ‌حكم الصيام في السفر:

- ‌جواز فطر الكبير والمريض:

- ‌حكم من جامع في رمضان:

- ‌مسألة: هل المرأة زوجة الرجل عليها كفارة

- ‌هل على من تعمد الفطر كفارة

- ‌حكم الصائم إذا أصبح جنبًا:

- ‌حكم من مات وعليه صوم:

- ‌1 - باب صوم التَّطوُّع وما نهي عن صومه

- ‌فضل صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء:

- ‌فائدة: حكم الاحتفال بالمولد النبوي:

- ‌فضل صيام ستة أيام من شوال:

- ‌فضل الصوم في شعبان:

- ‌حكم صوم المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌فائدة: حكم سفر المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌النهي عن صيام يوم الفطر ويوم النحر:

- ‌النهي عن صيام أيام التشريق:

- ‌فائدة في حقيقة الذكر:

- ‌حكم صيام يوم الجمعة:

- ‌حكم صيام يوم السبت والأحد تطوعًا:

- ‌حكم الصيام إذا انتصف شعبان:

- ‌النهي عن صوم يوم عرفة للحاج:

- ‌النهي عن صوم الدهر:

- ‌2 - باب الاعتكاف وقيام رمضان

- ‌مفهوم الاعتكاف وحكمه:

- ‌فضل العشر الأواخر من رمضان:

- ‌فائدة في ذكر أقسام أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌آداب الاعتكاف وأحكامه:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌ليلة القدر

- ‌فضل المساجد الثلاثة:

- ‌فائدة:

-

- ‌كتاب الحج

- ‌تعريف الحج لغةً واصطلاحًا:

- ‌متى فرض الحج

- ‌1 - باب فضله وبيان من فرض عليه

- ‌شروط الحج المبرور:

- ‌جهاد النساء: الحج والعمرة:

- ‌حكم العمرة:

- ‌حكم حج الصبي:

- ‌حكم الحج عن الغير:

- ‌حكم سفر المرأة بغير محرم للحج والخلوة:

- ‌حكم من حج عن غيره قبل الحج عن نفسه:

- ‌فرض الحج في العمر مرة واحدة:

- ‌2 - باب المواقيت

- ‌المواقيت: تعريفها وبيان أقسامها:

- ‌3 - باب وجوه الإحرام وصفته

- ‌4 - باب الإحرام وما يتعلق به

- ‌استحباب رفع الصوت بالتلبية:

- ‌جواز استعمال الطيب عند الإحرام:

- ‌النهي عن النكاح والخطبة للمحرم:

- ‌من محظورات الإحرام قتل الصيد:

- ‌ما يجوز للمحرم قتله:

- ‌فائدة: أقسام الدواب من حيث القتل وعدمه:

- ‌حكم الحجامة للمحرم:

- ‌تحريم مكة:

- ‌تحريم المدينة:

- ‌5 - باب صفة الحج ودخول مكة

- ‌صفة دخول مكة:

- ‌صفة الطواف:

- ‌وقت رمي جمرة العقبة والوقوف بعرفة والمزدلفة:

- ‌متى تقطع التلبية

- ‌صفة رمي الجمرات ووقته:

- ‌وقت الحلق أو التقصير:

- ‌صفة التحلل عند الحصر وبعض أحكامه:

- ‌التحلل الأصغر:

- ‌عدم جواز الحلق النساء:

- ‌مسألة حكم قص المرأة لشعر رأسها

- ‌استحباب الخطبة يوم النحر:

- ‌حكم طواف الوداع في الحج والعمرة:

- ‌فضل الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي:

- ‌6 - باب الفوات والإحصار

- ‌الاشتراط عن الإحرام وأحكامه:

- ‌أسئلة مهمة على الحج:

- ‌كتاب البيوع

- ‌1 - باب شروطه وما نهي عنه

- ‌أطيب الكسب:

- ‌تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام:

- ‌تحريم بيع الميتة مثل الدخان والدم:

- ‌تحريم بيع الأصنام وما يلحق بها من الكتب المضلة والمجلات الخليعة:

- ‌النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن:

- ‌جواز اشتراط منفعة المبيع للبائع:

- ‌جواز بيع المدبَّر إذا كان على صاحبه دين:

- ‌حكم أكل وبيع السمن الذي تقع فيه فأرة:

- ‌بطلان مخالفة الشرع:

- ‌حكم أمهات الأولاد:

- ‌النهي عن بيع فضل الماء وعسب الفحل:

- ‌النهى عن بيع الولاء وهبته:

- ‌النهي عن بيع الحصاة وبيع الغرر:

- ‌مسألة: هل يجوز بيع المسك في فأرته

- ‌بيع الجهالة:

- ‌النهى عن بيعتين في بيعة:

- ‌السلف والبيع:

- ‌بيع العُربان:

- ‌حكم بيع السلع حيث تُبتاع:

- ‌مسألة بيع الدَّين:

- ‌بيع النَّجش:

- ‌النهي عن المحاقلة والمزابنة وما أشبهها:

- ‌النهى عن تلقِّي الرُّكبان:

- ‌بيع الرجل على بيع أخيه المسلم:

- ‌حكم التفريق بين ذوي الرحم في البيع:

- ‌حكم التسعيرة:

- ‌ الاحتكار

- ‌بيع الإبل والغنم المصرَّاة:

- ‌تحريم الغش في البيع:

- ‌جواز التوكيل في البيع والشراء:

- ‌بيع الغرر:

- ‌بيع المضامين:

الفصل: ‌تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام:

زاد فيها الطيب، مثل: لو كانت تجارة الإنسان في سلاح للمجاهدين في سبيل الله يحصل على فائدة وأجر، لو كانت في كتب ينتفع بها طلاب العلم ازداد أجرًا وصار تجارة دنيوية وأخروية، لو كان في أشياء تعين على البر ازداد أيضًا طيبًا، المهم أن وجوه الفضل كثيرة جدًا لا حصر لها.

ومن فوائد الحديث: عمل الرجل بيده، والمرأة داخلة في ذلك؛ لأن الأصل ما ثبت في حق الرجل يثبت في حق المرأة، وما ثبت في حق المرأة ثبت في حق الرجل إلا ما خص بدليل.

ومن فوائد الحديث: أن البيوع منها: بيع مبرور، ومنها: بيع غير مبرور لقوله: "وكل بيع مبرور".

‌تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام:

749 -

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح، وهو بمكَّة:"إنَّ الله ورسوله حرَّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام. فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنَّها تطلى بها السُّفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها النَّاس؟ فقال: لا، هو حرام، ثمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود، إن الله تعالى لمَّا حرَّم عليهم شحومها جملوه، ثمَّ باعوه، فأكلوا ثمنه". متَّفق عليه.

هذا الحديث داخل في قول المؤلف: "وما نهي عنه"، فيكون في كلام المؤلف أو في سياق المؤلف للحديث وبين الترجمة لفٍّ ونشر غير مرتب؛ لأنه بدأ بالشروط وثنى بما نهي عنه ولكنه بدأ بما نهي عنه إلا أن يدعي مدَّع أن قوله:"كل بيع مبرور" يتضمن الشروط إجمالًا، لا لأننا قلنا: ما وافق الشرع واشتمل على الصدق والبيان إن كان كذلك فالتركيب مرتب.

يقول: "سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح

إلخ"، ذكر جابر رضي الله عنه الزمان والمكان فقال: "عام الفتح" هذا الزمان، "وهو بمكة" هذا المكان، وكان عما الفتح في السَّنة الثامنة من الهجرة في رمضان، وإنما قال: "وهو بمكة"؛ لأنه قد يقول هذا القول عام الفتح وهو في المدينة يقول: "إن الله حرم بيع الخمر

إلخ"، "حرَّم" التحريم في اللغة: المنع، ومنه حريم البئر؛ لأنه يحميها ويمنع من العدوان عليها، "حرم بيع الخمر والخمر"، كل ما خامر العقل قاله عمر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم ذكره بلفظ أوضح، فقال: "كل مسكر خمر".

فالخمر إذن كل مسكر من أي شيء كان سواء من العنب أو التمر أو البر أو من أي نوع كان، فما أسكر فهو خمر، ولكن ما هو السُّكر؟ السُّكر: تغطية العقل على وجه اللذة والطرب،

ص: 461

وليس تغطية العقل على وجه الخمور والغيبوبة، بل على وجه اللذة والطرب هذا السَّكر، فالإسكار لا يجعل الإنسان في غيبة لكن يجعله في نشوة وفرح كأنما يريد أن يطير لكنه لا ينضبط من شدة الفرح، وتعلمون أن الإنسان من شدة الفرح ربما يتكلم بكلام لا يمكن أن يتكلم به في حال ركود الذهن، فها هو الرجل قال:"اللهم أنت عبدي وأنا ربك" أخطأ من شدة الفرح، الخمر - والعياذ بالله - يغطي العقل حتى يجعل الإنسان يشعر بأنه ملك وشجاع وربما شعر بأنه ملك فوق البشر ولهذا تجده يتكلم بكلام يتخبط فيه، مرّ بحمزة بن عبد المطلب ناضحان لعلي بن أبي طالب، أي: بعيران ينضح بهما الماء، وكان عنده جارية تغنيه فغنته وأغرته بالإبل، فقام وأخذ السيف فجب أسنمتهما وبقر بطونهما وأكل من كبدهما، كل هذا فعله وهو سكران لا يدري ماذا يفعل، لكن هيجته حتى قام وفعل هذا الفعل، فجاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول صلى الله عليه وسلم يشكو عمه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليه فلما أقبل عليه وجده ثمل - سكران - إلى الآن فكلمه فقال له حمزة: وهل أنتم إلا عبيد أبي يعني: جعل المسألة تحدث نفسه حتى أبوه صار الآن سيدًا للرسول صلى الله عليه وسلم، فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رأى الرجل لم يصح بعد، وهذا كان قبل أن تحرم الخمر؛ لأن حمزة استشهد في أحد في السَّنة الثالثة، والخمر حرمت في السَّنة السادسة.

المهم: أن الخمر يصل بصاحبه إلى هذا الحد وله أحكام كثيرة مذكورة في الفقه لا نطيل بذكرها، لكن لأجل مضرته العقلية والاجتماعية حرّمه الشارع، فبيعه حرام لا يستثنى منه شيء حتى في حال إباحة الخمر لا يستثنى منه شيء، لكن يباح شرب الخمر لدفع لقمة غص بها ولا حضره غيره، نقول: يجب عليك أن تشرب هذه لدفع الغصة، مثال آخر: بدأت النار تحرق بيتك وليس حوله إلا صفيحة من الخمر وذهب لصاحبه فقال: أعطني إياها فقال: لا إلا بمائة ريال، فهو لا يجوز، لكن هنا يدفع المحتاج الدراهم لطلبها لا على أن بيع لكن لأجل أن ينقذ نفسه من الحريق.

وعلى كل حال: الخمر لا تجوز حتى في حال إباحتها استعمالًا أو شربًا لا يجوز، لماذا؟ لأن إباحتها على وجه نادر، والعبرة بالأكثر.

"الميتة" يقول: حرم الرسول بيع الميتة، ما هي الميتة أولًا؟ نقول: كل ما لم يمت بذكاة شرعية هذا الضابط لا يتحرم، فشمل ما مات بغير ذكاة، وشمل ما مات بذكاة غير شرعية، إما لعدم أهلية المذكي أو لخلل في الذكاة، وشمل ما لا تبيحه الذكاة كميتة الحمار، فشمل كم

ص: 462

صورة؟ ثلاث صور: ما مات حتف أنفه بدون ذكاة، وما مات بذكاة غير شرعية، وما لا تحله الذكاة وإن ذكي، فلو أن شخصًا عنده حمار وأضجعه وقال: باسم الله، والله أكبر، وقطع الحلقوم والمريء هذا ليس بذكاة ولا تنفع؛ لأن الذكاة لا تبيحه، هذه كلها حرام بيعها حتى في حال الحل، ولو كان هذا الرجل مما يحل له أكل الميتة للضرورة فلا يجوز أن يشتريها، لكن إن لم يتوصل إليها إلا بدفع شيء فليدفع ويكون الإثم على البائع، وهذه صورة بيع وليست بيعًا شرعًا، وهل الميتة هنا على العموم؟ لا، المراد بالميتة: الميتة المحرَّمة احترازًا من الميتة الحلال كميتة السمك والجراد هذه يجوز بيعها؛ لأنها حلال تؤكل بكل حال وبدون ضرورة، وهل يستثنى من الميتة شيء؟ سيأتي - إن شاء الله - في الفوائد أنه يستثنى شيء منها.

قال: "والخنزير" وهو حيوان معروف خبيث يأكل الأنتان والعذرة، معروف بعدم الغيرة، ربما يمسك أنثاه لذكر آخر، ثم هو نفسه خبيث لقوله تعالى:{فإنه رجس} [الأنعام: 145]. فلا يحل بيعه حتى في الحال التي يباح أكله وحتى في حال الضرورة، إذا أبيح للإنسان أن يأكله لا يجوز له بيعه، فإن اضطر إليه ولم يحصل عليه إلا بدفع عوض دفعه، ولكنه ليس بيعًا شرعيًّا.

قال: "والأصنام" وهي جمع صنم، وهو ما عبد من دون الله كالشجرة والحجر وغير ذلك وهي ليست لذاتها، ولكن لما يراد بها من الشرك، والشرك أعظم الذنوب، فلو كان الإنسان في مكان تعبد فيه شجرة معينة عنده وجاء واحد يمشي في السوق ويقول: من يشتري هذا الصنم فلا يجوز أن يشتريه أبدًا، اللهم إلا إذا لم تتوصل إلى إتلافه إلا بذلك فهذا جائز، لكنه بيع صوري؛ لأنه لا ثمن له شرعًا، ومثل الصنم أيضًا التمثال الذي يعبد من دون الله، والتمثال صنم لكنه أخرس؛ لأن الصنم: كل ما عبد من دون الله من أشجار وأحجار وتماثيل وغير ذلك، والتمثال: ما صنع على هيئة معينة كأن يصنع على شكل عالم أو عابد أو سلطان أو ما أشبه ذلك، فإن كان الشيء يعبد من دون الله وأكثر الناس لا يعبدونه كالبقرة فهي عند قوم تعبد من دون الله هل نقول: إذا كنا في أرض يعبد أهلها البقر لا يجوز أن نبيع البقرة؟ لا، بل نقول: يجوز بيعها إلا من اشتراها لهذا الغرض.

هذه أربعة أشياء: الخمر والميتة والخنزير والأصنام، والحكمة من ذلك: أما الخمر فلأنها مفسدة للعقل مفسدة للمجتمع، وأما الميتة والخنزير فلأنهما طعام خبيث لا ينال المرء منهما إلا المضرة والمرض، وأما الأصنام فلأنها مفسدة للأديان، فصارت الحكمة من تحريم بيع هذه الأشياء حماية العقول والأبدان والأديان، وإن شئت فقل: والفطرة، وهذا يتحقق في الخنزير؛ لأن الخنزير إذا كان كما يقولون: ليس له غيرة فهو ديوث، وعليه فالذي يتغذى به يكون مثله، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير لئلا يتغذى بها

ص: 463

الإنسان فيتكسب من سبعيتها وعدوانها، الخنزير هذا إذا صح انه لا غيرة له ففيه إفساد الفطرة والأخلاق فيكون الحكمة من تحريم هذه الأشياء: حماية العقول والأبدان والأديان والفطرة، والدين الإسلامي جاء بحماية هذه الأشياء، ولو شئنا لقلنا: من مجموع هذه الأشياء يكون في ذلك حماية الأموال، كيف ذلك؟ لأن بذل الأموال في مثل هذه الأشياء بذلك ما لا فائدة فيه، بل بما فيه مضرة فيكن إضاعة للمال، إذن للعقول والأديان والأبدان والفطرة والأموال خمسة، حماية لهذه الخمسة حرم الله عز وجل بيع هذه الأشياء وإن كان فيها مكسب، كما قال الله تعالى في الخمر:{يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيما إثم كبير ومنافع للنَّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} [البقرة: 219]. والله عز وجل لا يمنع عباده الشيء إلا لأن ضرره أكثر، وذلك لأن العطاء أحب إليه من المنع ورحمته سبقت غضبه.

قوله: "فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنه تطلى بها السفن؟ " أولًا: قولهم: "قيل: يا رسول الله"، القائل مبهم ولا يعنينا أن نعرف عين القائل، لأن المهم هو الحكم، أما عين الشخص فالغالب ألَّا نحتاج إليه، فلهذا دائمًا تأتي مثل هذه الصيغة فقيل: يا رسول الله؛ لأنه لا يهتم بالقائل أهم شيء معرفة القضية والحكم، وقولهم:"يا رسول الله" هذا النداء الذي أرشدهم الله إليه في قوله: {لّا تجعلوا دعاء الرسول

} [النور: 63]. يعني: لا تقولوا: يا محمد، بل صفوه بما كلَّفه الله به وبما يختص به من الوصف وهو "رسول الله"، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكنى أحد بكنيته لئلا يشاركه أحد عند المناداة فيقال مثلًا: يا أبا القاسم، فيظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا خص كثير من أهل العلم النهي بالتكني بكنيته بما كان في حياته فقط لئلا يشاركه أحد، فإذا نودي بين الناس: يا أبا القاسم يظن من لا يعرفه أن هذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم، إذن هذا من أدب الصحابة ولا أحد يناديه باسمه إلّا من كان جاهلًا كأعرابي يأتي إلى المدينة يقول: يا محمد.

يقول: "أرأيت شحوم الميت؟ " هذا التركيب يوجد كثيرًا في القرآن، ومعناه على سبيل الإجمال: أخبرني؛ لأن التقدير: أرأيت كذا وكذا، فأرني ما رأيت، أي: أخبرني، أما من حيث الإعراب فنقول: إن "رأى" هنا علمية، و"شحوم" مفعولها الأول، ومفعولها الثاني محذوف ويكون غالبًا جملة استفهامية، هنا نقول:"شحومها" مفعولها الأول، ومفعولها الثاني محذوف:"قال: أيحل"، ثم ماذا نقدر الفاعل؟ قال بعض العلماء: التقدير أن نقول: أيحل هذا فيها؟ يعني: أن تطلى بها السفن ويستصبح بها الناس وتدهن بها الجلود، أو يكون التقدير أحيل بيعها؟ فقد اختلف العلماء رحمهم الله ماذا يقدر الفاعل؟ أو البيع أو هذه المنافع؟ الصحيح: أنه البيع؛ لأن السياق في البيع وهي أن هذه الأشياء التي تعلوها ما تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقال:

ص: 464

أرأيت هذا هل يحل؟ وهو لم يتحدث عن تحريم المنافع إطلاقًا، إنما كان يتحدث عن البيع، لكن لما رأوا هذه المنافع ظنوا أن هذه المنافع تقتضي حل بيعها كما أن المنافع في الإذخر اقتضت حل حشَّه في الحرم لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا يحش حشيشها" قال العباس: "إلا الإذخر

إلخ"، فظنوا رضي الله عنهم أن هذه المنافع تقتضي حل البيع كما اقتضت المنافع في الإذخر حل حشه، وكما نعلم الآن كل هذه الأحاديث ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في تحريم مكة، وهذا الحديث ذكره في أيام الفتح، فالصحابة كأنهم استذكروا ما رخص فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من جواز حش الإذخر من أجل منافعه فظنوا أن هذه المنافع تقتضي حل البيع، وأن هذا يكون مخصّصًا لعموم تحريم الميتة، هذا هو الصواب المتعين في الحديث أن المسئول عنه ليست هذه المنافع وإنما هو بيعها الذي تقتضي هذه المنافع حلَّه.

وقول: "شحوم" جمع شحم، قال بعضهم: الشحم هو اللحم الأبيض، وقال بعضهم: الشحم معروف أيهما أصرح؟ الثاني أصرح؛ لأنك إذا قلت: الشحم هو اللحم الأبيض؛ ذهب السامع يبحث ما هو اللحم الأبيض؟

وعلى كل حال: يقال الشحم معروف، أما الميتة فهي الميتة التي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:"إن الله حرم بيع الميتة".

ثم علل فقال: "فإنها - أي: الشحوم - تطلى بها السفن"، أي: المراكب البحرية تدهن بالشحم، لماذا؟ من أجل ألا يتشرب الخشب الماء؛ لأن الخشب إذا تشرب الماء ثقل وغرقت السفينة، وإذا كان على جدران السفينة هذا الطلاء من الشحم منع تشرُّب الخشب للماء فتبقى السفينة محمية بهذا الطلاء من أن تتشرب الماء.

قال: "وتدهن بها الجلود"، أي جلود؟ الجلود التي تدبغ؛ لأن الدهن يلينها.

قال: "ويستصبح بها الناس""يستصبح" يعني: يجعلونها مصابيح، أي: سرجًا، يضعون في الشحم إذا ذوبوه خرقة ثم يشبونه في رأسهم ثم تأخذ بالإضاءة ما دام هذا الشحم أو الدهن باقيًا، وهذا نسمع الناس يتحدثون عنه وإن كنا ما أدركناه لكن على عهد قريب والناس يستعملونه، حتى إنه في بعض الوصايا عندنا أوصى بأن يوقد سراج المسجد ولو وصل الصاع - صاع الودك - ريالًا وكان في ذلك الوقت الريال عندهم أكثر من ألف ريال، على كل حال: هذا الاستصباح يوضع الشحم المذوب في إناء ويوضع فيه فتيلة وتوقد النار في رأسها وتكون مصباحًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا" يعني: لا يحل؛ لأن السؤال عن الحل، وما الذي لا يحل؟ قلنا:

ص: 465

قولان لأهل العلم: قول لا يحل هذا العمل طلي السفن والاستصباح ودهن الجلود، وقيل: بل البيع وه والصواب، بل إن السياق يعينه.

ثم قال: "هو حرام"، أي: البيع، لماذا يكون حرامًا؟ لأن الميتة حرام، وجواز بيعها لهذه الأغراض يستلزم تداولها بين الناس والاستهانة بها؛ لأنه - كما يقال - إذا كثر الإمساس قلَّ الإحساس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك:"قاتل الله اليهود"، "قاتل" بمعنى: أهلك، وقيل بمعنى: لعن، واللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وكون المقاتلة بمعنى: اللعن بعيد من الاشتقاق؛ لأن قاتل مشتقة من قتل وليس فيها شيء من حروف اللعن إلا اللام وليس بينهما اشتقاق لا أكبر ولا أصغر ولا أوسط، ولكن نقول: إن معنى "قاتل": أهلك؛ لأن من قتله الله فهو هالك قطعًا فيكون الدعاء بالمقاتلة، أي: قتال الله لهؤلاء معناه الدعاء بالهلاك وهذا هو المناسب لمادة هذه الكلمة، وإن كان كثير من المفسرين يفسرون القتل باللعن كقوله تعالى:{قتل الخراصون} [الذاريات: 10] أي: لعنوا، لكن الأظهر أن المراد بالمقاتلة: الإهلاك؛ لأن تفسير الشيء بما يطابق مادته أولى من تفسيره بأمر بعيد.

ثم قال: "قاتل الله اليهود" وهم الذين يدَّعون أنهم يتبعون موسى عليه الصلاة والسلام -وهم من بني إسرائيل، ولكن لماذا وصفوا أو لقِّبوا بهذا اللقب؟ قيل" إنه نسبة إلى أبيهم جدهم يهوذا أحد أبناء يعقوب عليه السلام وأنه مع التعريب تحول إلى يهود بالدال، وقيل: إنه من "هاد يهود" لقولهم: {إنا هدنا إليك} [الأعراف: 156]. أي: رجعنا، وعلى كل حال: سواء هذا أو هذا فإن اليهود معروفون بالمكر والخداع، كما فعلوا في الحيتان حين حرم عليهم صيد السمك في يوم السبت فابتلاهم الله عز وجل وصارت الحيتان تأتي يوم السبت على ظاهر الماء شرَّعًا وفي غير السبت لا تأتيهم فتحيَّلوا ووضعوا شبكًا في يوم الجمعة فيأتي الحيتان يوم السبت ويدخل في الشبك ثم إذا كان يوم الأحد جاءوا وأخذوها وقالوا: نحن ما صدنا يوم السبت، فعاقبهم الله تعالى عقوبة تناسب ذنبهم قلبهم الله قردة؛ لأن القردة أقرب ما يكون إلى الإنسان كما أن عملهم هذا قريب من الصحة، يعني: ظاهره أنه ليس فيه صيد، وهذا القرد قريب من الإنسان فهو في صورة إنسان لكن معناه حيوان.

إذن المهم: اليهود لما حرم الله عليهم شحومها، وفي لفظ الشحوم، والشحوم أعم؛ لأنه يشمل شحوم الميتة وغير شحوم الميتة، ومن المعلوم أن الله عز وجل حرم عليهم الشحوم:{وعلى الذين هادوا حرَّمنا كلَّ ذي ظفر ومن البقر والغنم حرَّمنا عليهم شحومها} [الأنعام: 146].

ص: 466

حرم الله عليهم شحوم البقر والغنم إلا ما حملت ظهورها أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، لكن ماذا فعلوا؟ يقول:"جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه"، جملوه، أي: أذابوه، وقالوا: لا نأكله لكن ذوَّبه وبعه واشتر بثمنه ما تأكله، فهذه حيلة على محارم الله عز وجل، ودعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بان الله يقاتلهم تحذيرًا من فعلهم وتنفيرًا عنه؛ لأن من فعل كفعلهم استحق ما يستحقون؛ إذ إن البشر عند الله على حد سواء:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]. فالعاصي من هذه الأمة بما عصت به بنو إسرائيل يوشك أن يلحقه من العقوبة ما لحق بني إسرائيل.

وهذا الحديث -كما نشاهد -فيه فوائد كثيرة منها: أولًا: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إبلاغ الأمة في المناسبات، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح مكة أرشد الأمة إلى أحكام كثير تتعلق بمكة وإلى أحكام كثيرة كان المشركون قد تعلقوا بها، ففيه: مراعاة المناسبات في الخطب والتوجيهات والمواعظ، ويتفرع على هذا: أنه ينبغي للداعية والخطيب أن يتحرى المناسبات اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائد هذا -أي: مراعاة المناسبات -: أن الشيء إذا جاء والناس يتشوفون إليه كان أوقع في نفوسهم وأشد تأثيرًا، ولهذا لو أن أحدًا في هذا اليوم قام يخطب الناس أو يعظ الناس فيما يتعلق بالصيام أو بالحج هل يكون له تأثير كما لو فعل ذلك في أيام الصيام أو الحج؟ الجواب: لا، وإنما كل شيء في مناسبته له تأثير أكثر وأبلغ.

ومن فوائد هذا الحديث: عظم هذا البيع الذي بين الرسول تحريمه؛ لأن نسبة التحريم إلى الله يدل على العناية به، ولأن نسبة التحريم إلى الله أشد وقعًا على المؤمن مما لو قيل لا تبع كذا لو قال لا تبع الخمر والخنزير والأصنام لا شك أن المؤمن يتأثر بهذا ولكن لو قال:"إن الله حرم" هذا يكون أشد وأبلغ في النفس.

ومنها أيضًا: هذه الصيغة كما أنها أبلغ من حيث إنها نسبت إلى الله عز وجل فهي أبلغ من حيث إنه صرح فيها بالتحريم: "إن الله حرم"، لو كان نهيًا هكذا "لا تبيعوا" لادعى مدي أن النهي للكراهة لكن بعد أن قال:"إن الله حرم" لا يمكن دعوى الكراهة بل هي نص في التحريم.

ومن فوائد الحديث: تحريم الخمر والميتة والخنزير والأصنام؛ لأن ما حرم بيعه فهو محرم ثمنه، أي: ثمنه المقابل لهذا الشيء المحرّم، فانتبهوا لهذا القيد لأجل ألَّا يرد علينا أن الحمار حرام وبيعه حلال بالإجماع، لكن لو اشترى الحمار ليأكله صار حرامًا، ولهذا نقول: إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه إذا كان الثمن مقابل هذا الشيء المحرم.

ص: 467

ومن فوائد الحديث: حرص الشرع على حماية العقول والأبدان والأخلاق والأديان والأموال، وكما قال بعض الإخوان: الفرد والمجتمع لأن هذه الأشياء حرام حتى وإن لم يكن في المكان إلا رجل واحد فهي حرام.

وظاهر الحديث: أن الخمر بيعه حرام مطلقًا، فهل يستثنى من ذلك شيء؟ لا يستثنى من ذلك شيء حتى وإن كان بيع خمر من مسلم لكافر فإنه لا يجوز من كافر لمسلم من باب أولى، أمَّا من كافر لكافر فيصح بناء على ما يعتقدونه، ولهذا لما ذكر لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنهم كانوا يأخذون الخراج من الخمر ثم يبيعونه عليهم نهاهم عن ذلك وقال:"ولُّوهم بيعها وخذوا أثمانها"، يعني: اجعلوهم هم يبيعونها وهذا يدل على أن بيعها صحيح، ولولا ذلك ما صحَّ أن نأخذ ثمنه؛ لأن ثمن ما كان بيعه محرمًا محرم وفيه - أي: في قول عمر - فائدة عظيمة وهي أن من عامل بمعاملة يعتقد حلها وأنت تعتقد تحريمها فإن ما تأخذه منه حلال وجائز، لو اشترى شيئًا تعتقد أن هذا الشراء حرام وأن الملك لم ينتقل به يجوز أن تشتري منه أنت، لماذا؟ لأنه يعتقد حلَّه، وهكذا كل الأشياء الخلافية إذا وقعت ممن يعتقد حلها وليس هناك نص في التحريم بحيث لا يسوغ له أن يجتهد، فإن كل إنسان يعامل بما يقتضيه رأيه مثلًا لو وجدنا واحدًا يشرب الدخان وهو يعتقد حل شرب الدخان فلا يسوغ لي أن أنكر عليه ما دام يعتقد أنه حلال، لو رأيت رجلًا أكل لحم إبل وملأ بطنه ثم قام يصلي بلا وضوء وهو يعتقد أنه لا يجب الوضوء من لحم الإبل فلا أنكر عليه، والصلاة بغير وضوء أعظم من شرب الدخان، حتى إن أبا حنيفة رحمه الله في مذهبه أنَّ من صلى محدثًا فهو كافر؛ لأنه مستهزئ بآيات الله، ومع ذلك إذا كان هو يرى أنه لا ينقض الوضوء فلا ننكر عليه، وأثر عمر هذا رضي الله عنه هو الأصل في هذا، فلو أكلت لحمًا أنا ورجل من الشافعية وهم يرون أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء وقمنا للصلاة فتوضأت وهو لم يتوضأ هل أقول له: يا أخي، اتق الله هذا حرام، وأنكر عليه؟ لا، ما رأيكم فيمن يصلي بغير وضوء فهذا ينكر عليه، لماذا لا أنكر على هذا؟ لأنه يعتقد أنه على وضوء وأنه ليس حرامًا عليه أن يصلي، نفس الأشياء الأخرى الشيء الذي فيه الخلاف وليس فيه نص يمنع الإنسان من الاجتهاد فيما يذهب إليه لا ينكر عليه، لأنه يقول: أنت تعتقد أنه حرام، وأنا لا أعتقد أنه حرام، فقولك ليس حجة علي وقولي ليس حجة عليك.

ص: 468