المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌جواز الأخذ لمن أعطي بغير مسألة: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٣

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

-

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌مفهوم الزكاة:

- ‌فائدة الزكاة:

- ‌متى فرضت الزكاة

- ‌حكم الزكاة:

- ‌مسألة: هل تُؤخذ الزكاة قهرًا

- ‌مسألة: هل يمنع الدَّين وجوب الزكاة

- ‌زكاة بهيمة الأنعام:

- ‌أحكام مهمة في السوم:

- ‌زكاة الفضة والمعتبر فيها:

- ‌حكم الخلطة في السائمة وغيرها:

- ‌زكاة البقر ونصابها:

- ‌مشروعية بعث السُّعاة لقبض الزكاة:

- ‌لا زكاة على المسلم في عبيده وخيله:

- ‌للإمام أن يأخذ الزكاة قهرًا ويعاقب المانع:

- ‌شروط الزكاة:

- ‌حكم زكاة البقر العوامل:

- ‌فائدة فيما لا يشترط فيه الحول:

- ‌الزكاة في مال الصبي:

- ‌الدعاء لمخرج الزكاة:

- ‌حكم لتعجيل الزكاة:

- ‌زكاة الحبوب والثمار:

- ‌مسألة: اختلاف العلماء في نصاب الفضة

- ‌أنواع الحبوب التي تجب فيها الزكاة:

- ‌خرص الثمر قبل نضوجه:

- ‌حكم زكاة الحلي:

- ‌فائدة في جواز لبس الذهب المحلق:

- ‌زكاة عروض التجارة:

- ‌كيف نؤدي زكاة عروض التجارة

- ‌زكاة الركاز:

- ‌زكاة الكنز والمعادن:

- ‌1 - باب صدقة الفطر

- ‌صدقة الفطر من تجب

- ‌فائدة: الواجبات تسقط بالعجز:

- ‌الحكمة من صدقة الفطر

- ‌مقدار صدقة الفطر ومما تكون

- ‌وقت صدقة الفطر وفائدتها:

- ‌2 - باب صدقة التَّطوُّع

- ‌مفهوم صدقة التطوع وفائدتها:

- ‌استحباب إخفاء الصدقة:

- ‌فضل صدقة التطوع:

- ‌اليد العليا خير من اليد السفلى:

- ‌أفضل الصدقة جهد المقل:

- ‌فضل الصدقة على الزوجة والأولاد:

- ‌حكم صدقة المرأة من مال زوجها:

- ‌جواز تصدق المرأة على زوجها:

- ‌كراهية سؤال الناس لغير ضرورة:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌3 - باب قسم الصدقات

- ‌أقسام أهل الزكاة:

- ‌متى تحل الزكاة للغني

- ‌من اللذين تتجل لهم الصدقة:

- ‌فائدة في أقسام البيئات:

- ‌الصدقة لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لآله:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌آل النبي الذين لا تحل لهم الصدقة:

- ‌حكم أخذ موالي آل الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقة

- ‌جواز الأخذ لمن أعطي بغير مسألة:

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌مفهوم الصيام وحكمه:

- ‌فوائد الصيام:

- ‌النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين:

- ‌كيف يثبت دخول رمضان

- ‌يقبل خبر الواحد في إثبات الهلال:

- ‌حكم تبييت النية في الصيام:

- ‌مسألة: ما الحكم إذا تعارض الرفع والوقف

- ‌حكم قطع الصوم

- ‌فضل تعجيل الفطر:

- ‌فضل السُّحور:

- ‌النهي عن الوصال:

- ‌حكمة مشروعية الصيام:

- ‌هل تبطل الغيبة الصيام

- ‌حكم القبلة للصائم:

- ‌حكم الحجامة للصائم

- ‌فائدة في ثبوت النسخ في الأحكام:

- ‌حكم الفصد والشرط للصائم:

- ‌حكم الاكتحال للصائم:

- ‌حكم من أكل أو شرب ناسيًا وهو صائم:

- ‌حكم من استقاء وهو صائم:

- ‌حكم الصيام في السفر:

- ‌جواز فطر الكبير والمريض:

- ‌حكم من جامع في رمضان:

- ‌مسألة: هل المرأة زوجة الرجل عليها كفارة

- ‌هل على من تعمد الفطر كفارة

- ‌حكم الصائم إذا أصبح جنبًا:

- ‌حكم من مات وعليه صوم:

- ‌1 - باب صوم التَّطوُّع وما نهي عن صومه

- ‌فضل صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء:

- ‌فائدة: حكم الاحتفال بالمولد النبوي:

- ‌فضل صيام ستة أيام من شوال:

- ‌فضل الصوم في شعبان:

- ‌حكم صوم المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌فائدة: حكم سفر المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌النهي عن صيام يوم الفطر ويوم النحر:

- ‌النهي عن صيام أيام التشريق:

- ‌فائدة في حقيقة الذكر:

- ‌حكم صيام يوم الجمعة:

- ‌حكم صيام يوم السبت والأحد تطوعًا:

- ‌حكم الصيام إذا انتصف شعبان:

- ‌النهي عن صوم يوم عرفة للحاج:

- ‌النهي عن صوم الدهر:

- ‌2 - باب الاعتكاف وقيام رمضان

- ‌مفهوم الاعتكاف وحكمه:

- ‌فضل العشر الأواخر من رمضان:

- ‌فائدة في ذكر أقسام أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌آداب الاعتكاف وأحكامه:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌ليلة القدر

- ‌فضل المساجد الثلاثة:

- ‌فائدة:

-

- ‌كتاب الحج

- ‌تعريف الحج لغةً واصطلاحًا:

- ‌متى فرض الحج

- ‌1 - باب فضله وبيان من فرض عليه

- ‌شروط الحج المبرور:

- ‌جهاد النساء: الحج والعمرة:

- ‌حكم العمرة:

- ‌حكم حج الصبي:

- ‌حكم الحج عن الغير:

- ‌حكم سفر المرأة بغير محرم للحج والخلوة:

- ‌حكم من حج عن غيره قبل الحج عن نفسه:

- ‌فرض الحج في العمر مرة واحدة:

- ‌2 - باب المواقيت

- ‌المواقيت: تعريفها وبيان أقسامها:

- ‌3 - باب وجوه الإحرام وصفته

- ‌4 - باب الإحرام وما يتعلق به

- ‌استحباب رفع الصوت بالتلبية:

- ‌جواز استعمال الطيب عند الإحرام:

- ‌النهي عن النكاح والخطبة للمحرم:

- ‌من محظورات الإحرام قتل الصيد:

- ‌ما يجوز للمحرم قتله:

- ‌فائدة: أقسام الدواب من حيث القتل وعدمه:

- ‌حكم الحجامة للمحرم:

- ‌تحريم مكة:

- ‌تحريم المدينة:

- ‌5 - باب صفة الحج ودخول مكة

- ‌صفة دخول مكة:

- ‌صفة الطواف:

- ‌وقت رمي جمرة العقبة والوقوف بعرفة والمزدلفة:

- ‌متى تقطع التلبية

- ‌صفة رمي الجمرات ووقته:

- ‌وقت الحلق أو التقصير:

- ‌صفة التحلل عند الحصر وبعض أحكامه:

- ‌التحلل الأصغر:

- ‌عدم جواز الحلق النساء:

- ‌مسألة حكم قص المرأة لشعر رأسها

- ‌استحباب الخطبة يوم النحر:

- ‌حكم طواف الوداع في الحج والعمرة:

- ‌فضل الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي:

- ‌6 - باب الفوات والإحصار

- ‌الاشتراط عن الإحرام وأحكامه:

- ‌أسئلة مهمة على الحج:

- ‌كتاب البيوع

- ‌1 - باب شروطه وما نهي عنه

- ‌أطيب الكسب:

- ‌تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام:

- ‌تحريم بيع الميتة مثل الدخان والدم:

- ‌تحريم بيع الأصنام وما يلحق بها من الكتب المضلة والمجلات الخليعة:

- ‌النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن:

- ‌جواز اشتراط منفعة المبيع للبائع:

- ‌جواز بيع المدبَّر إذا كان على صاحبه دين:

- ‌حكم أكل وبيع السمن الذي تقع فيه فأرة:

- ‌بطلان مخالفة الشرع:

- ‌حكم أمهات الأولاد:

- ‌النهي عن بيع فضل الماء وعسب الفحل:

- ‌النهى عن بيع الولاء وهبته:

- ‌النهي عن بيع الحصاة وبيع الغرر:

- ‌مسألة: هل يجوز بيع المسك في فأرته

- ‌بيع الجهالة:

- ‌النهى عن بيعتين في بيعة:

- ‌السلف والبيع:

- ‌بيع العُربان:

- ‌حكم بيع السلع حيث تُبتاع:

- ‌مسألة بيع الدَّين:

- ‌بيع النَّجش:

- ‌النهي عن المحاقلة والمزابنة وما أشبهها:

- ‌النهى عن تلقِّي الرُّكبان:

- ‌بيع الرجل على بيع أخيه المسلم:

- ‌حكم التفريق بين ذوي الرحم في البيع:

- ‌حكم التسعيرة:

- ‌ الاحتكار

- ‌بيع الإبل والغنم المصرَّاة:

- ‌تحريم الغش في البيع:

- ‌جواز التوكيل في البيع والشراء:

- ‌بيع الغرر:

- ‌بيع المضامين:

الفصل: ‌جواز الأخذ لمن أعطي بغير مسألة:

وفيه أيضًا مما سبق من الأحاديث: أن الصدقة لا تحل لآل النبي صلى الله عليه وسلم، فسبق أن العلماء اختلفوا في صدقة التطوع هل تحل لهم أو لا؟ واختلفوا فيما إذا منعوا الخمس هل تحلُّ لهم الزكاة أم لا؟

‌جواز الأخذ لمن أعطي بغير مسألة:

618 -

وعن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه رضي الله عنه:"أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر بن الخطَّاب العطاء، فيقول: أعطه أفقر منِّي، فيقول: خذه فتموَّله أو تصدَّق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرفٍ ولا سائلٍ فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك". رواه مسلم.

قوله: "كان يعطي عمر بن الخطاب" ما هذا العطاء؟ هذا العطاء هو العمالة على الصدقة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث عمر على الصدقة فلما رجع أعطاه منها سهم العاملين عليها، فكان عمر يقول:"أعطه أفقر مني"، وهذا من زهده رضي الله عنه حيث طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعطيها أفقر منه.

وقوله: "أعطه أفقر مني" ليس أمرًا فيما يظهر؛ لأن مثل عمر لا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وليس التماسًا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلى من عمر، إذن فما هو؟ سؤال لكنه أشد أدبًا من الالتماس، الالتماس نحو: أن يسألك قرينك وهو يشعر بأنك مثله في المرتبة لكن السؤال يسألك السائل وهو يرى أنك أعلى منه، فإن رأى أنك دونه فهو أمر، وقوله:"أفقر مني" إشارة إلى أن الناس يختلفون في الغنى والفقر، وأن الأفقر أحق بالعطاء من الأغنى.

وقوله: "فتموله أو تصدق به"، "تموله" أي: اجعله مالًا لك تنتفع به في حياتك، "أو تصدق"؛ به يعني: اصرفه إلى الفقير الذي قلت: إنه أفقر منك تقربًا إلى الله، فالفرق بين الصدقة والهدية: الصدقة ما أعطي تقربًا إلى الله.

ثم قال: "ما جاءك من هذا المال"، قوله:"هذا" لا شك أنه إشارة، و"المال" هل المراد بها: الجنس، أو المراد بها: العهد؛ يعني هل المراد بالمال هنا: مال الزكاة، أو المراد: جنس المال؟ يحتمل، وقد يرجح أن المراد به: الزكاة، اسم الإشارة هذا المال؛ لأن عمر كان عاملًا على الصدقة، فهذا يرجح أن يكون المراد به: مال للزكاة، ولكن حتى وإن كان اللفظ لا يشمل سواه من الأموال من حيث اللفظ فهو يشمله من حيث المعنى بالقياس؛ لأن الشمول المعنوي هو ما شمل الأشياء بالقياس، والشمول اللفظي: هو ما شمل بمقتضى دلالة اللفظ.

وقوله: "وأنت غير مشرف" الواو حالية، والجملة الاسمية في محل نصب حال من الفاعل في "جاءك"، أو من المفعول؟ من المفعول فهي حال من الكاف. وقوله:"غير مشرف"، المشرف

ص: 158

للشيء: هو المتطلع إليه، ومنه تطلع إلى الشيء يعني: أشرف عليه من بعد، فمعنى "غير مشرف" أي: غير متطلع لهذا المال يعني: أن نفسك لا تتشوف له.

وقوله: "ولا سائل" أي: طالب. "فخذه" الفاء رابطة للجزاء، أين الشرط الذي هي رابطة له؟ في قوله:"ما جاءك" ففعل الشرط؛ أي: فعل جاءك، "ومن هذا المال" بيان لـ"ما"، والفاعل مستتر عائد على "ما" الشرطية، "ما" شرطية وجاء فعل الشرط وفاعلها يعود على "ما" الشرطية، "ومن هذا المال" بيان لـ"ما" الشرطية، و"خذه" جواب الشرط، وقوله "فخذه" يعني: لا ترده؛ لأنه رزق ساقه الله إليك.

"وما لا فلا""ما" شرطية، و"لا" نافية، وفعل الشرط محذوف، يعني: وما لا يأتك إلا وأنت مشرف أو سائل فلا أو ما لا يأتك مطلقًا فلا تتبعه نفسك وهذا أولى، يعني: هذا إذا جعلنا "ما" شرطية، أما إذا جعلناها موصولة فمعناه:"والذي لا يأتك" صار المقدر: والذي لا يأتيك مقدر الفعل مرفوعًا.

على كل حال: "ما" يصلح أن تكون موصولة أو شرطية؛ فإن كانت موصولة فالمحذوف صلة الموصول، أو فالمحذوف جزء من الصلة؛ لأن "لا" داخلة في الصلة، وإن كانت شرطية فالمحذوف فعل الشرط.

وقوله: "فلا تتبعه نفسك" أي: فلا تجعل نفسك تابعة له، أي: متعلقة به؛ فالمال إذا أتاك لا ترده، إذا لم يأتك لا تتبعه نفسك، لا تجعل نفسك تتبعه وتتعلق به، ومعلوم أن الرسول إذا نهى عن اتباع النفس للمال فنهيه عن الاستشراف والسؤال من باب أولى؛ لأن المستشرف والسائل قد أتبع نفسه المال.

في هذا الحديث عدة فوائد؛ أولًا: زهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ حيث طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطي المال من هو أفقر منه.

ثانيًا: أن الناس يتفاضلون في الغنى والفقر، وتفاضلهم في الغنى والفقر له حكم عظيمة بالغة، ولولا هذا التفاضل ما قام للدنيا عمل ولا للآخرة أيضًا، قال الله تعالى:{أهم يقسمون رحمت ربِّك نحن قسمنا بينهم مَّعيشتهم في الحيوة الدُّنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجتٍ} . لماذا {ليتَّخذ بعضهم بعضًا سخريًا ورحمت ربك خيرٌ ممَّا يجمعون} [الزخرف: 32]. لولا فقر العامل ما صار يعمل له، لو كان العامل مثلك وألزمته أو طلبت منه أن يبني لك جدارًا لقال لك: أنا مثلك، ابنه أنت، إذن نحن يسخر بعضنا بعضًا ويذلل بعضنا بعضًا؛ لأن الله تعالى:{ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجتٍ} ، أيضًا من الحكم أننا نتدرج لهذا التفاضل إلى التفاضل في الآخرة:{انظر كيف فضَّلنا بعضهم على بعض وللأخرة أكبر درجتٍ وأكبر تفضيلًا} [الإسراء: 21]. الأن نقول: هذا الرجل غني عنده سيارات

ص: 159

وقصور وبنون ونساء، ونحن ما عندنا شيء! نقول: هذا لا شك أنه تفضيل، ولكن الفضل في الآخرة أعظم وأعظم؛ ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة يتراءون أصحاب الغرف- يعني: المنازل العالية- كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق، وهذا تفضيل عظيم أهذا هو الأفضل أم الأفضل أن يكون للإنسان قصور وخدم وحشم؟ لا، سواء، ولهذا قال:{وللأخرة أكبر درجتٍ وأكبر تفضيلًا} . كما من إنسان مهين في هذه الدنيا لا يساوي نعلة لكنه في الآخرة من أصحاب الغرف، هذا هو الفخر في الحقيقة، أما أن يكون تفاضلًا في هذه الدنيا الزائلة التي أشرنا من قبل أن صفوها منغص بكدر ثم هو ليس بدائم حتى لو صفت للإنسان غاية الصفاء، فإنه كما قال الشاعر:[البسيط]

لا طيب للعيش ما دامت منغَّصةً

لذَّاته بادِّكار الموت والهرم

على كل حال: الناس في هذه الدنيا يختلفون كما قال عمر بن الخطاب: "أعطه أفقر مني".

وفي الحديث: دليل على مشروعية أخذ المعطي من الزكاة إذا كان أهلًا؛ لقوله: "خذه" وهل هو على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب؟ قال بعض أهل العلم: إنه على سبيل الوجوب، وأن الإنسان إذا أهدي إليه، أو تصدق عليه بشيء وهو أهل له، ولم تستشرف نفسه، ولم يسأل فإنه يجب عليه أن يقبل، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، والأصل في الأمر الوجوب، لاسيما والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن في الناس من هو أحرج من عمر رضي الله عنه؛ فكونه يصرفها لهذا الرجل ويأمره بأخذها يدل على الوجوب.

وقال بعضهم: بل هو على الاستحباب؛ لأن الأمر هنا في مقابل الامتناع لما امتنع كأنه يقول خذه فهو مباح لك، وهذا هو الأقرب، وعلى كلا القولين إذا خفت مضرة عليك في قبول هذه الهدية فلا يلزك القبول؛ لأن بعض الناس إذا أهدى هدية صار يمنُّ بها، كلما حصلت مناسبة قال: أعطيتك كذا وكذا، ثم صار يوبخ هذا الرجل ويمن عليه، فإذا كنت تخشى من هذا فلا شك أنه لا يجب عليك القبول في هذه الحال حتى على القول بوجوب القبول؛ لأن في ذلك ضررًا عليك.

وفي هذا الحديث: دليل على كراهة التطلع لما في أيدي الناس أو سؤالهم؛ لقوله: "وأنت غير مشرف ولا سائل"، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون زاهدًا فيما في أيدي الناس لا يتطلع له، قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل قال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، هذا الرجل كيَّس يطلب عملًا يحبه الله ويحبه الناس، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ازهد في الدنيا يحبك الله،

ص: 160

وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس"، لا تتشرف لما في أيدي الناس ولا تسألهم، الناس يحبونك؛ لأنك لم تضايقهم في دنياهم، "ازهد في الدنيا"؛ لأن من زهد في الدنيا رغب في ضرتها وهي الآخرة فيحبه الله عز وجل.

وفي هذا الحديث: دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يتبع نفسه المال، إن فاته فلا يهمه وإن حصل له بطريق مشروع فهذا رزق الله لا يحرمه نفسه لكن لا يتبع نفسه المال؛ لأنه إذا أتبعته نفسه المال فإنه لا يمكن أن يشبع أبدًا، لكن إذا زهد فيه جعله- كما قال ابن تيمية- بمنزلة الحمار يركبه أو بيت الخلاء يقضي حاجته فيه، الناس الآن يجعلون الأموال تيجانًا يلبسونها؛ هذا في الحقيقة خطأ، ونحن لا نقول: إن المال لا ينفع المال الصالح عند الرجل الصالح من أفضل الأعمال حتى جعله الرسول صلى الله عليه وسلم قرينًا للعلم قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الحكمة فهو يعلمها الناس ويعمل بها، والثاني: آتاه الله المال فسلطه على هلكته في الحق". لا ننكر أن المال نافع، ولكنا نقول: لا تتبعه نفسك؛ لأنك إن أتبعته نفسك ما شبعت منه أبدًا، اجعله مركوبًا تركبه تقض به حاجتك، وهو في الحقيقة وسيلة؛ لأن أعلى ما تنتفع به في مالك ما تأكله هذا أعلى ما يكون، وأين تضع ما تأكله وتشربه؟ في الأماكن القذرة، أعتقد أن الإنسان إذا أتاه البول والغائط يقول: اذهب إلى غرفة النوم أو إلى أين يذهب؟ دلوني على المرحاض

رائحة منتنة وكريهة، ومكان غير مرغوب ليضع المال الذي أكله، هذا أعلى ما يصل إليه في الانتفاع به، لذلك لا ينبغي أن يكون شغل الإنسان الشاغل، لا تأخذوا عني أني أقول: اتركوا الدنيا، لكن اتركوا أن تتعلق بها قلوبكم، اجعلوا الدنيا في أيديكم لا في قلوبكم، بعض الناس يضع الدنيا في قلبه ويده خالية منها، وبعض الناس يجعلها في قلبه ويده ملأى منها، وبعض الناس يجعلها في يده وقلبه خالٍ منها، أسال الله أن يجعلني وإيَّاكم منهم، هؤلاء هم الذين وفِّقوا عرفوا قدر المال، إذن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"وما لا فلا تتبعه نفسك"، وهذه كلمة في الحقيقة لو أننا اعتبرنا بها لزهدنا في المال زهدًا تامًا، ولم نأخذ منه إلا ما ينفعنا في الآخرة.

- هل في هذا الحديث دليل على أن ما يأخذه عامل الزكاة يرجع إلى نظر الإمام، يعني: أن ما يأخذه العامل ليس مقدرًا شرعًا، بمعنى: أننا لا نقول لك من الزكاة العشر نصف العشر كذا وكذا؟ هذا هو الظاهر؛ لأن الحديث ليس فيه أنه أعطاه شيئًا يعتبر نسبة إلى الزكاة، ولكن سبق لنا أن عامل الزكاة يعطى بمقدار عمله؛ يعني: بمقدار أجرته.

- هل في الحديث ما يدل على أن عمر رضي الله عنه من الفقراء؟ نعم، الدليل قوله:"أفقر مني"،

ص: 161

فهذا اسم تفضيل يدل على اشتراك المفضل والمفضل عليه في الوصف مع زيادة المفضل، هذا هو الأصل، وقد يختل الأصل:{ءالله خير أمَّا يشركون} [النمل: 59]. وآلهتهم ليس فيها خير: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرًا وأحسن مقيلًا} [الفرقان: 24].

وفي الحديث: من مناقب عمر رضي الله عنه: إيثار غيره على نفسه؛ لأنه لم يقل: أعطه غيري فأنا لا أستحق، إنما قال:"أعطه أفقر مني"، فهذا من إيثاره رضي الله عنه.

* * *

ص: 162

كتاب الصيام

ويشتمل على:

1 -

باب صوم التطوع وما نهي عن صومه.

2 -

باب الاعتكاف وقيام رمضان.

ص: 163