الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الحج
تعريف الحج لغةً واصطلاحًا:
"الحج"، في اللغة: القصد، يقال: حج كذا، بمعنى: قصد، وأما في الشرع: فهو التعبُّد لله تعالى بأداء المناسك على صفة مخصوصة في وقت مخصوص، والحج أحد أركان الإسلام، هذه منزلته من الدين، وهو فريضة بإجماع المسلمين، وفرضه معلوم بالضرورة من الإسلام، ولهذا من أنكر فرضيته وهو مسلم عائش بين المسلمين فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، ولكن من نعمة الله عز وجل أنه لم يفرضه على العباد إلا مرة واحدة وذلك لمشقة التكرار إليه كل عام من جهة، ولضيق المكان لو اجتمع العالم الإسلامي كلهم من جهة أخرى؛ لأنه لا يمكن أن يتسع المكان لهم.
متى فرض الحج
؟
فرض سنة تسمع أو عشر من الهجرة، ومن زعم من العلماء أنه فرض في السنة السادسة واستدل بقوله تعالى:{وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196]. فإن هذا ليس بصواب؛ لأن الله يقول في الآية: {وأتموا الحج} ، والإتمام لا يكون إلا بعد الشروع، وهي نزلت في غزوة الحديبية حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة معتمرًا ومعه من أصحابه ألف وأربعمائة تقريبًا وصدّهم الكفار عن الدخول، فقال الله:{وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم} يعني: منعتم من الوصول إلى المسجد الحرام {فما استيسر من الهدي} . فهي نازلة في وجوب الإتمام لا في فرضية الابتداء، أما فرض الحج ففي قوله تعالى:{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97] وهذه الآية في سورة آل عمران في عام الوفود في السنة التاسعة من الهجرة، ويؤيد ذلك من حيث المعنى: أن مكة قبل السنة الثامنة كانت تحت قبضة المشركين الذين كانوا يتحكمون فيها؛ ولهذا منعوا الرسول صلى الله عليه وسلم من الوصول إليها في السنة السادسة من الهجرة، ومن رحمة الله عز وجل وحكمته: إلا يفرض على عباده الوصول إلى شيء يشق عليهم الوصول إليه، أو لا يمكنهم الوصول إليه فكان من الحكمة والرحمة تأخير فرضه إلى السنة التاسعة أو العاشرة على خلاف بين العلماء.
ثم أعلم أن الله عز وجل جعل أركان الإسلام على نوعين: فعل وترك، والفعل عمل، وبذل الطهارة
عمل، فيه بذل المال أم لا؟ لا، الزكاة بذل مال ما فيها عمل، غاية ما فيها أن تخرج الدراهم من جيبك وتعطيها للفقير، وقد يكون فيها عمل إذا كان الفقير بعيدا لكن هذا العمل غير مقصود، يعني: العمل الذي لا يمكن إيصال الزكاة إلى الفقير إلا به هذا ليس مقصودًا لذاته، ولكنه مقصودٌ لغيره من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ هناك تزك محبوب وهذا في الصيام.
وإنما جعل الله أركان الإسلام تدور على هذا ليختبر العباد؛ لأن من العباد من يسهل عليه أن يقوم بالعمل البدني ولكنه يبخل بالبذل المالي، ومن الناس من يكون بالعكس، وفي الصيام كذلك من الناس من يقول: أن صيام يوم عندي أشد من عمل سنة؛ ولهذا استحسن بعض العلماء ما ليس بحسن، فقد روي أن أحد الخلفاء أو الولاة كان قد وجب عليه أن يعتق فاستفتى في ذلك فأفتاه بعض العلماء أن يصوم بدلًا من العتق، فقيل له: لماذا تأمره بالصوم وهو في المرتبة الثانية بعد العتق؟ فقال: لأن الصوم أشق عليه؛ فهو - المفتي - يرى أن هذا يسهل عليه أن يعتق مائة رقبة، فما رأيكم في هذه الفتوى؟ غير صحيحة؛ لأن الذي قال:{فمن لم يجد فصيام} هو الذي يعلم بحال عباده، وهو الذي شرع لهم، هذا استحسان في غير محله، لكنني أتيت به ليتبين أن من الناس من يهون عليه بذل المال وإتعاب البدن، ويشق عليه ترك المألوف من الأكل والشرب والنكاح، فلهذا جاءت الأركان على هذا النحو متنوعة كما يأتي: الأول: عمل بدني، والثاني: بذل مالي، والثالث: ترك.
يقول بعض الناس: هناك قسمٌ رابع وهو الجمع بين بذل المال وتعب البدن وهو الحجّ، ولكن هذا غير صحيح؛ لأن الإنسان يمكن أن يحج ولا يتكلف نقودًا إذن ليس الحج عبادة مالية، نعم يجب فيه الهذي أحيانًا تكميلًا له، لكن أصل العمل ليس ماليًّا، لكن الذي فيه الجمع بين المال والعمل والتزك والبذل هو الجهاد في سبيل الله فجاهد بالمال وأنت على فراشك إذن هو عبادة مالية تجاهد بنفسك ولا تنفق قرشًا واحدًا تخرج إلى الجهاد بنفسك، صار الآن بدنيًا محضًا وماليًّا محضًا ويمكن أن تجمع يمكن أن تكون الجيهة فتحتاج إلى شراء راجلة فتجمع بين بذل المال وجهد البدن، وفيه ترك للمألوف وهو ترك أهله، وفيه تعريض بترك الدنيا كلها؛ لأن الإنسان يعرض رقبته لمن يريد أن يقطعها يعرضها لعدوه الذي هو حريص غاية الحرص على أن يبين رأسه من جسمه، لكن قد تقولون لي: إن الإنسان المجاهد ليس يذهب إلى الجهاد ويقف أمام العدو ويدلي برأسه إليه ويقول: تفضل لكنه مظنَّة.
إذن ممكن أن نقول: الأعمال التكليفية: عمل بدن، بذل مال، ترك مألوف، جمع بين هذه الثلاثة، وهذه من حكمة الله عز وجل ليقوم الإنسان بجميع العبادات المطلوبة منه سواء هذه أو هذه أو هذه.