المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌متى تحل الزكاة للغني - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٣

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

-

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌مفهوم الزكاة:

- ‌فائدة الزكاة:

- ‌متى فرضت الزكاة

- ‌حكم الزكاة:

- ‌مسألة: هل تُؤخذ الزكاة قهرًا

- ‌مسألة: هل يمنع الدَّين وجوب الزكاة

- ‌زكاة بهيمة الأنعام:

- ‌أحكام مهمة في السوم:

- ‌زكاة الفضة والمعتبر فيها:

- ‌حكم الخلطة في السائمة وغيرها:

- ‌زكاة البقر ونصابها:

- ‌مشروعية بعث السُّعاة لقبض الزكاة:

- ‌لا زكاة على المسلم في عبيده وخيله:

- ‌للإمام أن يأخذ الزكاة قهرًا ويعاقب المانع:

- ‌شروط الزكاة:

- ‌حكم زكاة البقر العوامل:

- ‌فائدة فيما لا يشترط فيه الحول:

- ‌الزكاة في مال الصبي:

- ‌الدعاء لمخرج الزكاة:

- ‌حكم لتعجيل الزكاة:

- ‌زكاة الحبوب والثمار:

- ‌مسألة: اختلاف العلماء في نصاب الفضة

- ‌أنواع الحبوب التي تجب فيها الزكاة:

- ‌خرص الثمر قبل نضوجه:

- ‌حكم زكاة الحلي:

- ‌فائدة في جواز لبس الذهب المحلق:

- ‌زكاة عروض التجارة:

- ‌كيف نؤدي زكاة عروض التجارة

- ‌زكاة الركاز:

- ‌زكاة الكنز والمعادن:

- ‌1 - باب صدقة الفطر

- ‌صدقة الفطر من تجب

- ‌فائدة: الواجبات تسقط بالعجز:

- ‌الحكمة من صدقة الفطر

- ‌مقدار صدقة الفطر ومما تكون

- ‌وقت صدقة الفطر وفائدتها:

- ‌2 - باب صدقة التَّطوُّع

- ‌مفهوم صدقة التطوع وفائدتها:

- ‌استحباب إخفاء الصدقة:

- ‌فضل صدقة التطوع:

- ‌اليد العليا خير من اليد السفلى:

- ‌أفضل الصدقة جهد المقل:

- ‌فضل الصدقة على الزوجة والأولاد:

- ‌حكم صدقة المرأة من مال زوجها:

- ‌جواز تصدق المرأة على زوجها:

- ‌كراهية سؤال الناس لغير ضرورة:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌3 - باب قسم الصدقات

- ‌أقسام أهل الزكاة:

- ‌متى تحل الزكاة للغني

- ‌من اللذين تتجل لهم الصدقة:

- ‌فائدة في أقسام البيئات:

- ‌الصدقة لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لآله:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌آل النبي الذين لا تحل لهم الصدقة:

- ‌حكم أخذ موالي آل الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقة

- ‌جواز الأخذ لمن أعطي بغير مسألة:

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌مفهوم الصيام وحكمه:

- ‌فوائد الصيام:

- ‌النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين:

- ‌كيف يثبت دخول رمضان

- ‌يقبل خبر الواحد في إثبات الهلال:

- ‌حكم تبييت النية في الصيام:

- ‌مسألة: ما الحكم إذا تعارض الرفع والوقف

- ‌حكم قطع الصوم

- ‌فضل تعجيل الفطر:

- ‌فضل السُّحور:

- ‌النهي عن الوصال:

- ‌حكمة مشروعية الصيام:

- ‌هل تبطل الغيبة الصيام

- ‌حكم القبلة للصائم:

- ‌حكم الحجامة للصائم

- ‌فائدة في ثبوت النسخ في الأحكام:

- ‌حكم الفصد والشرط للصائم:

- ‌حكم الاكتحال للصائم:

- ‌حكم من أكل أو شرب ناسيًا وهو صائم:

- ‌حكم من استقاء وهو صائم:

- ‌حكم الصيام في السفر:

- ‌جواز فطر الكبير والمريض:

- ‌حكم من جامع في رمضان:

- ‌مسألة: هل المرأة زوجة الرجل عليها كفارة

- ‌هل على من تعمد الفطر كفارة

- ‌حكم الصائم إذا أصبح جنبًا:

- ‌حكم من مات وعليه صوم:

- ‌1 - باب صوم التَّطوُّع وما نهي عن صومه

- ‌فضل صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء:

- ‌فائدة: حكم الاحتفال بالمولد النبوي:

- ‌فضل صيام ستة أيام من شوال:

- ‌فضل الصوم في شعبان:

- ‌حكم صوم المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌فائدة: حكم سفر المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌النهي عن صيام يوم الفطر ويوم النحر:

- ‌النهي عن صيام أيام التشريق:

- ‌فائدة في حقيقة الذكر:

- ‌حكم صيام يوم الجمعة:

- ‌حكم صيام يوم السبت والأحد تطوعًا:

- ‌حكم الصيام إذا انتصف شعبان:

- ‌النهي عن صوم يوم عرفة للحاج:

- ‌النهي عن صوم الدهر:

- ‌2 - باب الاعتكاف وقيام رمضان

- ‌مفهوم الاعتكاف وحكمه:

- ‌فضل العشر الأواخر من رمضان:

- ‌فائدة في ذكر أقسام أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌آداب الاعتكاف وأحكامه:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌ليلة القدر

- ‌فضل المساجد الثلاثة:

- ‌فائدة:

-

- ‌كتاب الحج

- ‌تعريف الحج لغةً واصطلاحًا:

- ‌متى فرض الحج

- ‌1 - باب فضله وبيان من فرض عليه

- ‌شروط الحج المبرور:

- ‌جهاد النساء: الحج والعمرة:

- ‌حكم العمرة:

- ‌حكم حج الصبي:

- ‌حكم الحج عن الغير:

- ‌حكم سفر المرأة بغير محرم للحج والخلوة:

- ‌حكم من حج عن غيره قبل الحج عن نفسه:

- ‌فرض الحج في العمر مرة واحدة:

- ‌2 - باب المواقيت

- ‌المواقيت: تعريفها وبيان أقسامها:

- ‌3 - باب وجوه الإحرام وصفته

- ‌4 - باب الإحرام وما يتعلق به

- ‌استحباب رفع الصوت بالتلبية:

- ‌جواز استعمال الطيب عند الإحرام:

- ‌النهي عن النكاح والخطبة للمحرم:

- ‌من محظورات الإحرام قتل الصيد:

- ‌ما يجوز للمحرم قتله:

- ‌فائدة: أقسام الدواب من حيث القتل وعدمه:

- ‌حكم الحجامة للمحرم:

- ‌تحريم مكة:

- ‌تحريم المدينة:

- ‌5 - باب صفة الحج ودخول مكة

- ‌صفة دخول مكة:

- ‌صفة الطواف:

- ‌وقت رمي جمرة العقبة والوقوف بعرفة والمزدلفة:

- ‌متى تقطع التلبية

- ‌صفة رمي الجمرات ووقته:

- ‌وقت الحلق أو التقصير:

- ‌صفة التحلل عند الحصر وبعض أحكامه:

- ‌التحلل الأصغر:

- ‌عدم جواز الحلق النساء:

- ‌مسألة حكم قص المرأة لشعر رأسها

- ‌استحباب الخطبة يوم النحر:

- ‌حكم طواف الوداع في الحج والعمرة:

- ‌فضل الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي:

- ‌6 - باب الفوات والإحصار

- ‌الاشتراط عن الإحرام وأحكامه:

- ‌أسئلة مهمة على الحج:

- ‌كتاب البيوع

- ‌1 - باب شروطه وما نهي عنه

- ‌أطيب الكسب:

- ‌تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام:

- ‌تحريم بيع الميتة مثل الدخان والدم:

- ‌تحريم بيع الأصنام وما يلحق بها من الكتب المضلة والمجلات الخليعة:

- ‌النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن:

- ‌جواز اشتراط منفعة المبيع للبائع:

- ‌جواز بيع المدبَّر إذا كان على صاحبه دين:

- ‌حكم أكل وبيع السمن الذي تقع فيه فأرة:

- ‌بطلان مخالفة الشرع:

- ‌حكم أمهات الأولاد:

- ‌النهي عن بيع فضل الماء وعسب الفحل:

- ‌النهى عن بيع الولاء وهبته:

- ‌النهي عن بيع الحصاة وبيع الغرر:

- ‌مسألة: هل يجوز بيع المسك في فأرته

- ‌بيع الجهالة:

- ‌النهى عن بيعتين في بيعة:

- ‌السلف والبيع:

- ‌بيع العُربان:

- ‌حكم بيع السلع حيث تُبتاع:

- ‌مسألة بيع الدَّين:

- ‌بيع النَّجش:

- ‌النهي عن المحاقلة والمزابنة وما أشبهها:

- ‌النهى عن تلقِّي الرُّكبان:

- ‌بيع الرجل على بيع أخيه المسلم:

- ‌حكم التفريق بين ذوي الرحم في البيع:

- ‌حكم التسعيرة:

- ‌ الاحتكار

- ‌بيع الإبل والغنم المصرَّاة:

- ‌تحريم الغش في البيع:

- ‌جواز التوكيل في البيع والشراء:

- ‌بيع الغرر:

- ‌بيع المضامين:

الفصل: ‌متى تحل الزكاة للغني

ويدل على هذا أيضًا حديث قبيصة: "أقم عندنا حتى تأتي الصدقة فنأمر لك بها". وهذا واحد، والصواب أنه يجزئ من كل صنف صنفَ ومن كل صنف واحد، ولكن الأفضل أن يراعي الإنسان الحال، فإذا كان عنده عدة فقراء وكلهم في حاجة سواء فينبغي ألا يخص أحدًا، بل ينفع هذا وهذا لأنه أحسن. هذا هو ما يتعلق في قول المؤلف:"باب قسم الصدقات"، أي: توزيعها مقسومة، ثم ذكر المؤلف الأحاديث الواردة في ذلك.

‌متى تحل الزكاة للغني

؟

612 -

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه منها، فأهدى منها لغني". رواه أحمدٌ، وأبو داود، وابن ماجه، وصححه الحاكم، وأعل بالإرسال.

"لا تحل" يعني: تحرم وقوله: "الصدقة" ظاهره العموم، والصدقة: كل ما بذله الإنسان يريد به وجه الله فهو صدقة، فإن بذله يريد به التودد والإكرام سمى هدية، وإن بذله يريد بذلك مجرد نفع المعطى صار هبة وعطية، فهو على حسب النية، إذا قصد به التودد والإكرام فهو هدية، إذا قصد به وجه الله فهو صدقة، إذا قصد به نفع المعطى فهو هبة وعطية، إذا قصد به دفع الشر عنه فهو فدية يفدي بها الإنسان نفسه أو عرضه أو ما أشبه ذلك، والأخير حرام على المعطى، والذي يعطي للتوصل به إلى باطل يسمى رشوة، فهذه خمسة أقسام: صدقة، هدية، هبة، فدية، رشوة.

قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل"، ما معنى:"أعل"، أي: ضعِّف؛ لأن العلة ولا سيما إذا قال: "أعل بالإرسال"، الإرسال علة قادحة، فمعناه: أنه ضعِّف حيث ذكر أنه مرسل

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل لغني"، من هو الغني؟ قال بعضهم: الغني: هو الذي تجب عليه الزكاة.

وقال بعضهم: من ملك قوت يومه وليلته فهو غني.

وقال بعضهم: من ملك خمسين درهما فهو غني.

وقال بعضهم: من وجد كفايته، وعائلته سنة فهو غني، وهذا الأخير أقربها.

أما الأول وهو يقول: من وجبت عليه الزكاة فهو غني، فإننا نقول: نعم هو غني من حيث

ص: 139

وجوب الزكاة عليه، لكن قد يكون غنيًا من حيث جواز دفع الزكاة إليه، قد يكون عند الإنسان مائتا درهم لكن مائتي درهم لا تكفيه وعائلته ولو لمدة يومين، فهل تقول: هذا غني؟ لا، كيف تجب عليه الزكاة، وتجوز له الزكاة؟ نقول: لا منافاة، فالزكاة تجب عليه لوجود سبب الوجوب، ويستحق من الزكاة لوجود شرط الاستحقاق، ولا مانع. وأصبح الأقوال في هذا: أن الغني هو الذي يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إلا لخمسة، ثم عدَّهم، وذكر العدد والتثنية بالمعدود هذا من حسن التعليم بأن يحصر الإنسان الأشياء ثم يفصلها؛ لأنك إذا حصرتها، وقلت: خمسة مثلًا، ثم نسيت تقول: الباقي واحد، لكن لو تعد لك بدون عدد يمكن أن تنسى ولا تشعر أنك نسيت، فإذا بقى في ذهنك أن هذا الشيء عدده خمسة أو عشرة أو عشرين أو مائة ثم نقص عرفت أنك ناس قد نقص شيئًا، لكن إذا ذكر مرسلًا فإنه قد يسقط ولا تشعر انك أسقطته، فهذا من حسن التعليم أن نحصر الأشياء بالعدد.

قال: "لعامل عليها"، وسبق معنى العامل عليها، وإنما جاز له الأخذ مع الغني، لأنه يأخذ للحاجة إليه، فنحن محتاجون إليه لقيامه على الصدقة فأعطيناه لحاجتنا نحن إليه، ولهذا يعطى كما مرا مقدار آجرته.

الثاني: "أو لرجل اشتراها بماله" وهذا في الحقيقة ما أخذها من جهة الزكاة، لكن هي عين الصدقة، مثال ذلك: أعطى هذا الفقير حقة من الإبل، وهي التي عندها ثلاث سنوات، فجاء فباعها على غني حلت له هذه الحقة للغني، لماذا؟ لأنه أخذها بجهة غير استحقاق الزكاة، وهى الشراء؛ ولهذا قال: اشتراها بماله، لكن هي حقيقة عين الصدقة، إنما الفقير أخذها بجهة الصدقة، وهذا أخذها بجهة الشراء، فلمَّا اختلفت الجهة جاز. ونظير ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل ذات يوم بيته وطلب طعامًا فقالوا: ليس عندنا شيءً. قال: "ألم أر البرمة على النار؟ "- البرمة: إناء من خزف أو نحوه- قالوا: يا رسول الله، ذاك لحم تصدق به على بريرة- يعني: وهو لا يأكل الصدقة- فقال: "هو عليها صدقة ولنا منها هدية". فهو طعام واحد، لكن أخذه التي صلى الله عليه وسلم من بريرة ليس على سبيل الصدقة، بل على سبيل الهدية فهو نظير هذا الحديث.

الثالث: "أو غارم" أي القسمين من الغارمين؟ الغارم لإصلاح ذات البين: لأن الغارم لنفسه يشترط لاستحقاقه ألا يجد ما يسدد دينه، أما الغارم لإصلاح ذات البين فيعطى ولو كان غنيًا، اللهم إلا أن يقال: إن الغارم هنا تشمل الصنفين من الغارمين، ويقال: إن الغارم لنفسه قد يكون عنده ما يكفيه من حيث الأكل والشرب واللباس والسكن، لكن ليس عنده ما يسدد دينه وهذا يعطى، فلو أن رجلًا له راتب وهذا الراتب يكفيه لأكله وشربه ولباسه وسكناه، لكن

ص: 140

يحتاج إلى قضاء الدَّين الذي كان عليه بسبب شراء بيت، بسبب شراء سيارة، بسبب زواج أو ما أشبه ذلك فهلا يعفى عنه. حينئذٍ نقول: هو غني من وجه، وفقير من وجه؛ يعني: لقائل أن يقول: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "غارم" يشمل الصنفين من الغارمين.

الرابع: "أو غازٍ في سبيل الله"، هذا يعطى حتى ولو كان غنيًّا، لأنه يعطى للحاجة إليه، فهو يحتاج إليه ولو كان غنيًّا فهو يعطى سلاحًا، أو يعطى دراهم يشتري بها سلاحًا، أو يشتري بها نفقة له.

الخامس: "أو مسكينًا تصدق عليه منها، فأهدى منها لغني"، هذا أيضًا ملك الزكاة لغير طريق الزكاة، بأي طريق؟ بالهدية، هذا إنسان فقير أخذ من شخص مائة كيلو بر زكاة وهو فقير فأهدى منها لإنسان غنى من هذا البر لو أن الغنى أخذ هذا البر ممن عليه الزكاة على أنه زكاة لا يجوز، لكن أخذه من الفقير على أنه هدية فجاز مع أنه زكاة. هذه خمسة أصناف بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنها تحل لهم الزكاة وهم أغنياء.

من فوائد الحديث: تحريم الصدقة على الغني، وظاهر الحديث يشمل الواجبة والمستحبة، ولكن ذكر بعض العلماء أن الصدقة غير الواجبة تحل للغني، لكن الأولى أن يتنزه عنها وأن يقول للمصدق: أعطها من هو أحوج مني.

ومن فوائد الحديث أيضًا: جواز الزكاة للعامل ولو كان غنيًا، لو أراد العامل أن يتبرع بعمله ولا يأخذ فهو محسن، لكن لو أراد أن يأخذ فلا حرج عليه، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم عمر حين عمل على الصدقة، فقال: يا رسول الله، أعطه أحوج مني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"خذ، ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك"، العامل عليها ولو كان واحدًا ولو كانوا جماعة، ولو كانوا جماعة من الآية:{والعاملين عليها} [التوبة: 60]. ولو كان واحدًا من هذا الحديث: "لعامل عليها".

ومن فوائده أيضًا: أن الرجل إذا اكتسب لجهة مباحة ثم صرفه إلى شخص يحرم عليه لو اكتسبه بهذه الجهة لكان أخذه جائزًا.

لو أن أحدًا اكتسب المال بطريق محرم وأعطاه لشخص بطريق مباح هل يحل لهذا الشخص؟ فيه تفصيل: إذا كان حرامًا لعينه فهو لا يحل لغيره مثل: خمر، خنزير، كلب وما أشبه ذلك، وكذلك لو علمت أن هذا مال فلان مغصوب، أمّا إذا كان حرامًا لكسبه فإن العلماء اختلفوا في ذلك، فمنهم من قال: كله لك غنمه وعلى كاسبه غرمه، لأنك إن أخذته بطريق مباح والمال نفسه حلال لم يحرم لعينه، لا لحق الله ولا لحق الآدميين، فقد أخذ بطيب نفس من الباذل، وليس حرامًا لعينه، ولكن الأولى التنزه عن ذلك إلا لمن احتاج، فإن احتاج الإنسان إليه فلا بأس.

ص: 141

مثال الحاجة: أن يكون ولد عند أبيه، وليس له كسب يكتسب به، وأبوه يتعامل بالربا أو كل تعامله بالربا، فهنا الابن في حاجة من أين يأكل؟ فيأكل ولا حرج عليه؛ لأن الحاجة تبيح المكروه، كما قال العلماء: كل مكروه يباح للحاجة، وكل محرم يباح للضرورة، أما إذا كنت محتاج فإنه لا ينبغي لك أن تأكل منها بل تنزه وتورع عن ذلك وإن كان قد دخل عليك بطريق مباح.

ومن فوائد الحديث: فضيلة الغزو، وأنه يعطى الغزاة من مال الزكاة، يتفرع على هذا: أن إعطاء الغزاة من الصدقة من باب أولى، وحينئذ] نقول: هل الأفضل أن تتصدق بالمال على فقير أو تعين به غازيًا في سبيل الله؟ إذا كان هذا الفقير يمكن أن يتضرر بالجوع أو بالعري في أيام الشتاء فلا شك أن دفع ضرره أولى، وكذلك أيضًا الجهاد يختلف قد يكون المجاهدون مضطرين إلى المال، وقد يكون المال من الكماليات السلاح كثير والأطعمة متوفرة وكل شيء متوفر، المهم أن ينظر الإنسان إلى المصلحة في هذا.

ومنه: الإشارة إلى الإخلاص في العمل لقوله: "غاز في سبيل الله"، وهذه أحوج من يكون إليها من الناس أولئك الجنود الذين يعملون في الجيش هؤلاء أحوج- من كل أحد- إلى أن تنفخ فيهم روح الإخلاص؛ لأن المقاتل يعرض رقبته لأعداء الله فإما أن يخسر الدنيا والآخرة، وإما أن يربح إحدى الحسنيين، متى يخسر الدنيا والآخرة؟ إذا لم يخلص لله، إذا كان ينوي بذلك الحمية والقومية وما أشبهها، فإن نية القومية هذه لم يفتحها على المسلمين إلا الكفار أرادوا بالقومية شيئين كما يقولون:"ارم عصفورين بحجر" أرادوا أن يفرقوا المسلمين؛ لأن المسلم غير العربي ما يكون لديه حماسة في معونة العرب المسلمين الذين فصلوا أنفسهم عنه.

وثانيًا: أن يذهب عن المسلمين الغيرة الإسلامية حتى يقاتل لا لدين الله، ولكن للقومية، وبذلك يدخل في هذه الكلمة المسلمون وغير المسلمين، فأخرجوا بها أكثر المسلمين وأدخلوا فيها من ليس بمسلم ممن يكون منغمرًا في القومية؛ ولذلك لم تقم لهم قائمة إلى الآن؛ لأن القتال الذي يمكن أن تقوم له قائمة هو الذي يكون في سبيل الله عز وجل؛ فلهذا يجب أن تبث في هؤلاء الجنود روح الإخلاص ليخلصوا لله عز وجل في قتالهم، فإذا أخلصوا لله في قتالهم أوشك أن ينصروا على أعدائهم.

ومن فوائد الحديث: جواز هدية الفقير، يؤخذ ذلك من قوله:"فأهدي منها لغني".

فإذا قال قائل: كيف يجوز للفقير أن يهدي إذا كان عنده فضل فلا يجوز أن يأخذ من الزكاة؟

نقول: يمكن أن يهدي الفقير، مثال ذلك: اشترى لحومًا زادت عليه، وخاف أن تفسد فأهدى منها، اشترى بطيخًا فخاف أن يفسد فأهدى منه، كان أخذ المال على أنه كفاية سنة، ولكن الأشياء رخصت فسوف يتوفر عنده شيء فيهدي منه، فالحاصل: أن الفقير له أن يهدي.

ص: 142

ومن فوائد الحديث: جواز قبول الغني هدية الفقيرة لأن الحديث صريح: "لا تحل إلا لكذا" فلا يقول الإنسان: لا أقبل هدية المسكين؛ لأن هذا يضره وهو أولى بها مني وما أشبه ذلك، تقول: لا؛ لأنه ربما يكون جبر خاطره أحب إليه من المال الذي يرد إليه، وما أكثر الفقراء الذين يفرحون إذا قبل الأغنياء هديتهم، وهذا الحديث وإن كان فيه علة لكن معناه صحيح منطبق على القواعد الشرعية.

613 -

وعن عبيد الله بن عديِّ بن الخيار رضي الله عنه: "أن رجلين حدثاه أنَّهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصَّدقة، فقلَّب فيهما النَّظر، قرآهما جلدين، فقال: إن شئتما أعطيتكما، ولاحظَّ فيها لغنيٍّ، ولا لقويٍّ مكتسب". رواه احمد وقوَّاه، وأبو داود والنسائيُّ.

قوله: "أن رجلين حدثاه أنهما أتنا رسول الله"، في هذا إشكال وهو جهالة هذين الرجلين، وهذا يجعل الحديث مردودًا؛ لأن جهالة الراوي قدح في الرواية، فما تقولون؟ جهالة الصحابة لا تضر.

قال: "يسألانه من الصدقة"، "السؤال" يطلق على طلب المال، ويطلق على الاستخبار والاستفهام عن الشيء، فإن كان للمعنى الأول تعدى إلى المفعول الثاني بنفسه، وإن كان للمعنى الثاني تعدى إلى المفعول الثاني بلفظ "عن"، فتقول:"سألت فلانًا مالًا" هذا سؤال العطاء، و"سألت فلانًا عن كذا" سؤال الاستفهام، ولهذا قال الله تعالى:{يسألونك ماذا أحل لهم} [المائدة: 4]. {ويسألونك عن الجبال} [طه: 105]. {ويسألونك عن اليتامى} [البقرة: 220]. وأمال سأل بمعنى طلب الإعطاء فإنه يتعدى بنفسه إلى المفعول الثاني، مثل:"سألت زيدًا مالًا"، وقد يتعدى بـ"من" مثل قوله تعالى:{وسئلوا الله من فضله} [النساء: 32]. إذا قلت: يراد بها بيان الجنس هنا "يسألانه من الصدقة" فمن أي النوعين؟ من سؤال العطاء المعدَّى بـ"من" مثل: {وسئلوا الله من فضله} [النساء: 32].

"يسألانه من الصدقة" أي: من الزكاة؛ لأن غالب ما يكون عند الرسول صلى الله عليه وسلم من الزكوات، "فقلب فيهما النظر" يعني: أنه جعل ينظر إليهما بإمعان ودقة، "فرآهما جلدين" أي: قويين، والجلد معناه: القوة والصبر ومنه تجلد على كذا، أي: تصبر عليه، فمعنى جلدين، أي: قويين، فقال:"إن شئتما أعطيتكما، ولاحظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب"، قال الإمام أحمد: ما أجوده من حديث يقول: "إن شئتما أعطيتكما"، يعني: أنه- عليه الصلاة والسلام لا يردُّ سائلًا، لكن أراد هنا أن يبين لهما الحكم، فإن كانا من أهل الصدقة أعطاهما، وإن لم يكونا من أهل الصدقة لم يعطهما، ولكنه بين فقال:"لاحظ فيها""الحظ" بمعنى: النصيب، ومنها قوله تعالى:

ص: 143

{وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} [فصلت: 35]. أي: نصيب عظيم. وقوله: "فيها" أي: في الصدقة، "لغني ولا لقوي مكتسب"، الغني هنا فسر بما فسرناه في الغني في الحديث الأول وهو الذي يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة، قال:"ولا لقوي مكتسب"، اشترط النبي صلى الله عليه وسلم شرطين: القوة، والاكتساب؛ فإن كان قويًّا ولا كسب له حلت له، وإن كان مكتسبًا لكن لا قوة له فإنها تحل له، كرجل ذي صنعة يعمل، ولكنه مريض لا يستطيع أن يعمل، فهذا تحل له الزكاة.

إذن هذان اثنان: الغني، والقوي المكتسب، فالغني: هو الغني بماله، والقوي المكتسب: هو القوي بصنعته واكتسابه.

هذا الحديث معناه الإجمالي ظاهر.

أما ما يؤخذ منه من الفوائد: فأولًا: أنه يجب على من أراد أن يعطي الصدقة أن ينظر السائل هل هو مستحقُّ أو لا؟ بدليل قوله: "نقلب فيهما النظر" لا سيما إذا وجدت قرائن تدل على أنه غير مستحق كما في هذا الحديث.

ثانيًا: أن الإنسان مقبول قوله في الفقر وعدم التكسب؛ لقوله: "إن شئتما أعطيتكما".

ثالثا: أنه ينبغي- إن لم نقل بالوجوب- لمن عنده زكاة وجاء سائل يسأله، وظن أنه ليس بأهل أن يقول له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهذين الرجلين:"إن شئت أعطيتك ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب"، أما إذا كان الإنسان يغلب على ظنه أن السائل صادق فإنه لا يلزمه أن يقول ذلك، بل قد يكره له هذا، لأنه يخجله ويكسر قلبه، إذا قال مثل هذا القول.

ومن فوائد الحديث أيضًا: تحريم الصدقة على الغني لقوله: "ولا حظ فيها لغني".

ومنها: تحريمها على القوي المكتسب لقوله: "ولا لقوي مكتسب".

ومنها: أن الغني ينقسم إلى قسمين: غني بالمال، وغني بالكسب والصنعة، لقوله:"لغني ولا لقوي"، ويتفرع على هذه القاعدة: أنه إذا كان لك قريب يستطيع أن يكتسب لقوته ووجود المكاسب فإنه لا يجب عليك الإنفاق عليه؛ كيف ذلك؟ لأن الرسول قارنه بالغني، وهذا يدل على أن الكسب غنى، والحقيقة أن الكسب قد يكون أضمن من المال؛ لأن المال ربما يسرق، ربما يتلف، لكن الكسب هو دائمًا مع صاحبه يتنقل معه لأنه يكسبه ببدنه.

ومن فوائد الحديث: أن الصدقة تحلُّ للفقير إذا لم يكن قويًّا مكتسبًا، يؤخذ هذا من مفهوم قوله:"لغني ولا لقوي مكتسب".

ومن فوائد الحديث: الرد على الجبرية لإثبات المشيئة للعبد في عدة جمل في الحديث كلها فيها الرد على الجبرية، ففي هذا الحديث: إثبات المشيئة للعبد وإثبات الفعل له؛ لأنه قال: "مكتسب"، و"قلَّب" وما أشبه ذلك.

ص: 144