الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقوله تعالى في دم المتعة والقرآن: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} [البقرة: 196]. ويوم النحر هو يوم الحج الأكبر، فهل يصوم الإنسان ذلك اليوم ويقول: لأن الله يقول: {ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} ؟ نقول: لا تصم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم هذين اليومين فهما ليسا وقتًا للصوم، ما نظيرهما في الصلاة؟ أوقات النهي التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها.
النهي عن صيام أيام التشريق:
653 -
وَعَن نُبَيشَةَ الهُذَلِيَّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَيَّامُ التَّشرِيِقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ، وَذِكرٍ لله عز وجل". رَوَاهُ مُسلِمٌ.
قوله: "أيام التشريق" هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وسميت أيام تشريق؛ لأن الناس يشَرَّقُون اللحم، أي: يضعونه في الشمس بعد أن يُشرَّحوه لم يكن عندهم ثلاجات يحفظون بها اللحم، فطريقتهم هذه يشرحون اللحم ثم يُشَرَّقه في الشمس حتى يَيبَس، وهذه الأيام الثلاثة أيام تشريق، لأن الناس يذبحون فيها الأضاحي والهدايا.
وقوله: "أيام أكل وشرب" أما كونها أيام أكل واضح لحوم الهدايا والأضاحي، لكن "شرب" ما المراد به: أنها أيام وضعت لهذا الأمر للأكل والشرب، يعني: ليس فيها صيام، والله عز وجل يقول:{وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود م الفجر} [البقرة: 187]. فالمعنى: أن هذه الأيام وضعت شرعًا لأن تكون أيام أكل وشرب لا صوم.
وقوله: "وذكر لله" نعم هي أيام ذكر؛ لأنها الأيام المعدودات التي قال الله تعالى فيها: {واذكروا الله في أيام معدودات} [البقرة: 203]. فهي أيام ذكر، ما هي نوع هذا الذكر؟ نوعه التكبير "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد"، أو على ثنتين "الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد"، وربما يقال: إن هذا هو الذكر الخاص المشروع، وأما الذكر على سبيل العموم فينبغي فيها الإكثار من ذكر الله عز وجل فهنا يقول: إن هذه الأيام كانت لهذا الغرض أو وضعت لهذا الغرض، فلا ينبغي للإنسان أن يغفل فيها عن ذكر الله؛ لأنها أيام ذكر، وقوله: عز وجل" "عزَّ" بمعنى: قهر وغلب، "وجل" بمعنى: عظم، أما "عزَّ" فإنه- أعني: هذا الفعل- له نظير في الأسماء، ما هو؟ العزيز، وأما "جلَّ" فلا يحضرني أن له نظيرًا في الأسماء- الجليل- لكنه يوصف بأنه الجليل، ولا يسمى به إلا إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من أسماء الله الجليل.
نعود إلى فوائد الحديث فمنها: أنه ينبغي للإنسان أن يتمتع بنعم الله من الأكل والشرب
حتى في أيام الأعياد من باب أولى، ولهذا رُخص للناس في أيام الأعياد في شيء من الفرح لا يرخص لهم في غيره، الجاريتان اللتان تغنيان في يوم بعاث بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم في أيام منى لما انتهرهما أبو بكر قال له النبي صلى لله عليه وسلم:"دعهما فإنها أيام عيد".
فيستفاد من هذا: أنه ينبغي للإنسان في أيام الأعياد أن ينبسط وأن يفرح بنعمة الله تعالى بإكمال الصوم لا للتخلص منه، ولكن للتخلص به من الذنوب، لأن من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، في يوم النحر عرفه الواقف بها يقال لهم: ارجعوا مغفورًا لكم فلهذا صار عيدًا يفرح به الإنسان بالتخلص من الذنوب بسبب هذا العيد.
ومن فوائد الحديث أيضًا: تحريم صيام أيام التشريق؛ لأنه خروج بها عما أراد الشارع بها من أن تكون أيام أكل وشرب.
ومنها: أنه ينبغي للإنسان ألا يلهيه الأكل والشرب الذي هو غذاء البدن عن ذكر الله الذي هو غذاء الروح، فإن الإنسان إذا أكل وشرب حصل له من الأشر والبطر ما لا يحصل للجائع، فأعرض عن ذكر الله فقال الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر حتى لا يغفل الإنسان بالأكل والشرب عن ذكر الله.
ومن فوائد الحديث: حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في تربية الخلق؛ لأنه لما ذكر هذا الأكل والشرب الذي يكون مظنة للغفلة نبههم على ذكر الله قال: "وذكر لله عز وجل".
ومنها: أنه ربما يستدل بعموم كلمة "ذكر" على مشروعية التسمية على الذبائح؛ لأنه لا شك أن من ذِكر الله في هذه الأيام التسمية على الذبائح، والتسمية على الذبائح شرط لحل الذبيحة، فمن ذبح ذبيحة لم يُسم الله عليها حَرُم أكلها حتى وإن كان الذابح ناسيًا، لكن لو أكلها ناسيًا فلا إثم عليه لقوله تعالى:{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286]. ولا يصح أن يستدل بهذه الآية على حل ذبح من نسي التسمية، لماذا؟ لاختلاف الفعلين الذابح له فعله فلا يؤاخذ إذا نسي إلا يُسمي، وأما الأكل فله حكم فِعلي، والله تعالى يقول:{ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121]. ولهذا لما جاء قوم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله، إن قومًا من أهل الكتاب يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا، فقال لهم:"سموا أنتم وكلوا"، ففرق الرسول بين الفعلين: فعل أولئك عليهم مسئوليته، أما فعلكم أنتم وهو الأكل فعليكم مسئوليته.
ومن فوائد الحديث: وصف الله عز وجل بالعزة والجلال لقوله: "عز وجل".
هل يؤخذ من هذا الحديث: إباحة الأكل والشرب؟ لا يؤخذ، لكن يؤخذ من الأدلة الأخرى.