الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصلية؛ لأن الأصل عدم الوجوب وبراءة الدمة ما دمنا ليس عندنا ما يُرجح جانب السَّوم فإن الأصل الوجوب.
أحكام مهمة في السوم:
أما إذا كان السَّوم أكثر الحول أو كل الحول فالوجوب واضح، وإذا كان الإعلاف أكثر الحول أو كل الحول الحكم واضح في عدم وجوب الزكاة، إذا كان الرعي كل الحول أو أكثر الحول فالوجوب واضح، إذا كان الرعي والإعلاف سواء فقد تنازع في الحكم موجب ومانع؛ الموجب السّوم، والمانع عدم السَّوم. قالوا: فيرجّح المانع، لماذا؟ لأن الأصل براءة الذمة وعدم الوجوب، فلا نلزم المسلمين إلا بشيء ظاهر حتى يتحقق الشرط، ماذا قلنا في إعراب "سائمتها"؟ قلنا: إنها بدل اشتمال لإعادة العامل، وهي خبر مقدم.
قوله: "إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاةٍ شاةٌ"؛ "شاة" هذه مبتدأ مؤخر، في أربعين إلى عشرين ومائة شاة، ففي أربعين شاة، وفي خمسين شاة، وفي ستين شاة، وفي ثمانين شاة، وفي مائة شاة، وفي عشر ومائة شاة، وفي عشرين ومائة شاة.
كم الوقص؟ ثمانون، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان.
قوله: "فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاثة شياه، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة". تستقر الفريضة إذن في (201) ثلاث شياه، ومن (121) إلى (200) شاتان الوقص (80)، ومن (40) إلى (120) شاة الوقص (80)، (201) إلى (399) فيها ثلاث شياه.
إذن من (201) إلى (400) كله ثلاث شياه الوقص (199)، وذلك لان مثل هذه الامور مرجعها إلى الشرع، ومن أجل ذلك تقول: إننا لا نعلم الحكمة في هذا التفاوت العظيم في هذه الأوقاص.
الوقص الأول والثاني متساويان، والوقص الثالث هذا هو المتباعد، ثم من أربعمائة إلى خمسمائة يكتمل الوقص مائة في كل مائة شاة.
صدقة الغنم صارت أيسر من صدقة الإبل؛ لأن الإبل كبيرة وثمينة فلذلك كثرت أوقاصها وتجزئتها بخلاف الغنم.
قوله: "فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاةٍ شاةً واحدة"، "شاة واحدة" هذه مفعول ناقصة؛ لأن "نقص" تنصب مفعولين، قال الله تعالى:{ثم لم ينقصوكم شيئًا} [التوبة: 4]. فنصبت مفعولين إذا كانت ناقصة شاة.
"فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربُّها""إلا" هنا استثناء منقطع، فإذا كان عند الإنسان (39) من الغنم سائمة فليس عليه زكاة، ولكن إن يتصدق كان ذلك تطوعًا؛ لأن الصدقة إذا أضيفت إلى
المشيئة صار تطوعًا، إذ إن الواجب لا مشيئة فيه، أظن اتضح الآن صدقة الغنم في أربعين شاة، وفي ثمانين شاة، وفي عشرين ومائة شاة، وفي واحد وعشرين ومائة شاتان، وفي مائتين شاتان، وفي واحد ومائتين ثلاث شياه، وفي واحد وثلاثمائة ثلاث شياه، وفي تسعين وثلاثمائة ثلاث شياه، وفي أربعمائة أربع شياه، إذا كانت (39) فليس فيها شيء إلا إذا تصدق الإنسان فلا حرج عليه.
قوله: "ولا يُجمع بين متفرق ولا يُفرق بين مجتمع خشية الصدقة"، هذا الحديث أفادنا أن الاجتماع والافتراق يؤثر في الصدقة، وهذا خاصٌّ في السائمة، يعني: أنه لا يجوز للإنسان أن يجمع بين شيئين من أجل الصدقة، مثال ذلك: رجل عنده مال من الغنم أربعون شاة في الرياض وأربعون شاة في القصيم كم في كل واحد؟ شاة؛ يعني: عليه شاتان، فذهب وجمعهما في مكان واحد كم يصير عليه؟ شاة، إذن جمع بين متفرق خشية الصدقة هذا لا يجوز.
وكذلك لو كان رجلان عند كل واحد منهما أربعون فخلطاهما خشية الصدقة؛ فصار على الجميع شاة واحدة ومع التفريق شاتان. أقول: هذا لا يجوز؛ وذلك لأن التحيل على إسقاط الواجب لا أثر له، فإن التحيل على إسقاط الواجبات لا يُسقطها، إذ لو كان التَّحيل على إسقاط الواجبات مؤثرا لكان كل إنسان يتمكن من إسقاط الواجب عليه بنوع من الحيلة، وكذلك التحيل على المحرمات لا يبيحها، وإلا لكان جائزًا لكل إنسان يستطيع أن يفعل المحرم بنوع من الحيلة، إذن لا يُجمع بين متفرق خشية الصدقة، ولا يُفرق بين مجتمع خشية الصدقة، كيف يُفرق بين مجتمع؟ إنسان عنده أربعون شاة في مكان ماذا عليه؟ شاة واحدة، لكنه أخذ عشرين وأبعدها عن الأخرى، فأصبح كل منهما الآن ليس فيها شيء، ففرق بين المجتمع خشية الصدقة والعلة فيه ظاهرة؛ لأن كل حيلة على إسقاط واجب فلا أثر لها، وكل حيلة على فعل محرم فلا أثر لها، إذا لم يكن للحيلة أثر بقي الواجب على وجوبه والمحرم على تحريمه، بل إن عقوبة المتحايلين على محارم الله أشدُّ من عقوبة الفاعلين لها على سبيل الصراحة؛ ولهذا قلب الله أولئك اليهود الذين تحيلوا على السبت قردة وخنازير- والعياذ بالله-؛ لأن هذا من باب الاستهزاء بالله عز وجل والاستخفاف به والاستهانة بأحكامه؛ أفليس الله عز وجل عالمًا بما تريد؟ بلى، هو عالم عز وجل بما تريد كيف تخادعه، المنافقون أشدُّ إثمّا وعقوبة من الكافرين لماذا؟ لأنهم تحيَّلوا على الله عز وجل وخادعوه، أظهروا أنهم مسلمون وهم كافرون في الواقع، بخلاف الكافرين فإنهم صرحوا بذلك وهم على كفرهم.
مسألة: الاشتراك والخلطة في الماشية: هذه المسألة خاصة بالمواشي عند جمهور أهل العلم لأنها جاءت في سياقها، وعليه فإننا نستفيد منها أن خلطة الأوصاف تُؤثر في المواشي، بمعنى: أن يتميز ما لكل واحد من المالكين ويشتركا فيما يتعلق بشئون الماشية كما ستوضحه- إن شاء
الله- الاشتراك في الماشية، بل أقول بعبارة أعم: الماشية إما أن يكون المالك واحدًا، أو اثنين مشتركين فيها على الشيوع، أو أثنين مشتركين فيها شركة أوصاف، فهذه ثلاثة أقسام إذا كان واحدًا فوجوب الزكاة عليه معلوم ظاهر كما لو كان يملك أربعين شاة فعليه زكاتها.
الثاني: إذا كان اشتراك على سبيل الشيوع، بمعنى: أن هذا المال مشترك بين الشخصين أنصافًا؛ يعني: له نصف والثاني له نصف فيه الزكاة؛ لأنه الآن مال مجتمع ففيه الزكاة، وإن كان كل واحد منهما لو انفرد لم تجب عليه الزكاة؛ لأنه لا يملك إلا نصف نصاب.
الثالث: شركة الأوصاف أن يتميز مال كل واحد منهما، ولكن يشتركان في المرعى والمحلب والفحل والمسرح، ففي هذه الحال تجب الزكاة على هذا المال المختلط خلطة أوصاف، وإن كان كل منهما لو نظر إلى نصيبه لم يكن من أهل الزكاة هذا خاصٌّ بالماشية، أما ما عداها فإن كل واحد من المشتركين له حكم نصيبه ولا عبرة فيها بالجمع ولا بالتفريق، ولهذا لو قُدر أن أحدًا من الناس له مثلًا من المال نصف نصاب في هذا البلد ونصف نصاب في البلد الآخر فتجب عليه الزكاة وإن كان متفرقًا، لكن لو كان له نصف نصاب من الماشية هنا ونصف من الماشية في بلد آخر لم يجب عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجمع بين مُتفرق ولا يفرق بين مُجتمع خشية الصدقة، كذلك لو فرضنا أن رجلًا توفي وترك نصابًا من الذهب وورثه ابناه هل عليهما زكاة؟ لا؛ لأن كل واحد منهما لا يملك إلا تصف نصاب فلا زكاة عليهما، ولو ترك لهما أربعين من الغنم وبقيت طوال الحول لم تقسم فعليهما الزكاة، والسبب هو ما قلت من أن الجمع والتفريق في الماشية مؤثر وفي غيرها لا يؤثر، كل إنسان على حسب ملكه، فصارت الآن الماشية تختص عن غيرها بأمور منها هذه المسألة وهي: أن الجمع والتفريق يؤثران فيها بخلاف غيرها، وذكرنا أن للماشية بالنسبة للانفراد والاشتراك ثلاث حالات: إما أن ينفرد الإنسان بملكها، أو يشاركه غيره شركة مشاعة أو شائعة، أو يشاركه غير شركة أوصاف، والفرق بين شركة الأوصاف وشركة الشيوع: أن شركة الشيوع يشترك فيها الرجلان في هذا المال يكون بينهما، وشركة الأوصاف ينفرد كل واحد منهما بماله لكن يشتركان فيما يختص بالماشية من المرعى والمحلب والمسرح والفحل وما أشبه ذلك، جُمعت في قوله:
إن اشتراك فحل مسرح ومرعى
…
ومحلب ومراح خلطة قطعًا
قال: "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية"، "ما كان" هذه شرطية، "ما" شرطية و"كان" فعل الشرط، و"فإنهما يتراجعان" جواب الشرط، و"من خليطين"، "من" بيان لـ"ما" الشرطية؛ يعني: ما وجد من خليطين، و"خليطين" بمعنى شريكين، "فإنهما يتراجعان
بينهما بالسوية"، يعني: أن الزكاة تجب عليهما مع الاختلاط ويتراجعان بالسوية، والمراد بالسوية؛ أي: بالقسط وليست السوية سوية الواجب؛ لأن سوية الواجب تختلف، ولكن المراد بالسوية أي: بالقسط بحيث لا يزاد أحدهما عن نصيب حقه، فإذا كان رجلان لهما غنم مختلطة لأحدهما أربعون، وللثاني عشرون، كم الجميع؟ ستون تجب فيها شاة على صاحب الأربعين ثلثا القيمة أو ثلثا الشاة، وعلى الثاني ثلثها. هذا معنى قوله: "فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية".
وفي قوله: "وما كان من خليطين" دليل على ثبوت الخلطة في الماشية، وهي كما قلت: خلطة اشتراك على سبيل الشيوع، وخلطة أوصاف.
ثم قال: "ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المُصدق"، "ولا يخرج في الصدقة" أي: صدقة الإبل أو الغنم؟ الجميع، والإبل سبق لنا أنه يجب فيها شاة فيما دون الخمس وعشرين، ومن الإبل فيما بلغت الخمس والعشرين، وما زاد لا يخرج.
"هرمة": يعني كبيرة السن؛ لأن كبيرة السن قد فسد لحمها وربما وقفت عن الإنتاج ففيها ظلم لأهل الزكاة، فلا يجوز أن يخرج المالك هرمة، ولا يجوز للمصدق أن يقبلها أيضًا.
"ولا ذات عوار": أي: عيب؛ لأنها معيبة، والعور في اللغة: العيب.
"ولا تيس" أي: ذكر المعز فلا يخرج، إلا أن العلماء استثنوا "تيس الزِّراب"- أي: الذي ينزو على الغنم- أي: الذي يزرب شرط أن يرضى ربه؛ لأن في ذلك مصلحة، ولكننا نزيد شرطًا آخر وهو: أن يكون عند المصدّق معز تنتفع بهذا التيس، التيس لا يخرج.
يقول: "إلا أن يشاء المصدق". قوله: "إلا أن يشاء" هذه عائدة على الجملة الأخيرة وهي "ولا تيس"، أما الأول فلا يجوز، السبب: لأن الأول لو فرض أن المصدق أراد أن يُحابي صاحب المال ويأخذ منه معيبة أو هرمة هل يجوز؟ لا يجوز؛ لأن ما عاد إلى المشيئة في باب الولايات يجب أن يُراعى فيه الأصلح، وهذه قاعدة سبق لنا تقريرها، ومعلوم أن المصدق- وهو الذي يبعثه الإمام لقبض الزكاة- لو أراد أن يقبل المعيبة لكان هذا خيانة ولا يحل له ذلك، لكن في التيس لو رأى المصلحة في أخذه فيجوز والمصلحة فيما ذكره الفقهاء- رحمهم الله وهو تيس الزراب يعني: الذي يُجرع الغنم، وعللوا ذلك بأن نقصه في الذكورة يجبر بكماله في الزراب، فإذا رأى المصدق أنه يأخذ التيس لأن عنده غنمًا تحتاج إلى تيس فرأى أن من المصلحة أخذه فله ذلك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إلا أن يشاء المصدِّق".
بقي أن نقول: إذا كان لا يخرج ذات عوار ولا هرمة ولا تيس إلا بمشيئة المصدِّق، فهل يخرج الطَّيب الأعلى؟ نقول: أما إذا رضي صاحب المال فلا حرج، وأما بدون رضاه فلا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل:"إياك وكرائم أموالهم". فقوله: "لا يخرج في الصدقة هرمة