الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يؤكل، ولكن مع ذلك ذهب بعض العلماء إلى أنه تجب الزكاة فيه وإن لم يكن زبيبًا؛ لأن هذا يعتبر نادرا، فإن أكثر الأعناب- ولا سيما الأعناب الخارجية- تكون زبيبًا، وبناء على ذلك يوجد من الرطب ما لا يصلح لو جعل تمرًا.
فهل نقول: إن هذا يقاس على العنب الذي لا يتأتى منه زبيب فلا تجب فيه الزكاة؟
الجواب: لا؛ لأن هذا نادر جلا، والتمر حتى وإن كان لا يؤكل إلا رطبًا، فإنه لو بقي ويبس انتفع به بخلاف العنب الذي لا يزبب، ووجوب الزكاة في العنب الذي لا يزبب عندي فيه نظر، والأقرب عندي أن الزكاة لا تجب فيه، وأنه من جنس الخضروات والفواكه، فكما أن البرتقال والتفاح والمشمش وما إلى ذلك لا زكاة فيه فهذا أيضًا لا زكاة فيه.
- هل تجب الزكاة في التين؟
قال بعض العلماء: لا تجب في التين، لأنه إنما يؤكل طريا على أنه فاكهة، وقال آخرون- وهو اختيار شيخ الإسلام-: بل تجب الزكاة فيه؛ لأن التين يؤكل طريا ويدخر، وقد حدثنا من سابقنا في السن أنهم كانوا فيما سبق يدخرون التين ويكنزونه كما يكنز التمر تماما
587 -
وللدارقطني عن معاذ رضي الله عنه قال: "فأما القثاء، والبطيخ، والرمان، والقصب، فقد عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإسناده ضعيف.
ولكن هذا النفي قد يستفاد من قوله: "لا تأخذ الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة"؛ لأن هذه الأصناف الأخيرة القثاء- هو عبارة عن الخيار أو يشبهه-، وأما البطيخ فهو عام يشمل كل ما يؤكل خضرا، وأما الرمان فواضح معروف، والقصب هو قصب السكر، هذا ليس فيه شيء؛ لأنه لا يكال ولا يدخر.
خرص الثمر قبل نضوجه:
588 -
وعن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرصتم فخذوا، ودعوا الثلث، فإن لم تدّعوا الثلث، فدعوا الربع". رواه الخمسًة إلا ابن ماجه، وصححه ابن جبان والحاكم.
قوله: "إذا خرصتم" هو تقدير الشيء على سبيل التخمين والتحري؛ لأن تقدير الشيء إما أن يكون بالمكيال، أو الميزان، أو العد، أو الذرع، وهذا يكون تقديرا متيقنًا، مثل أن تذرع هذا
الحبل فيبلغ عشرة أمتار، تزن هذا الشيء فيبلغ عشرة كيلوات، تكيل هذا الشيء فيبلغ عشرة آصع، هذا يكون تقديرا متيقنًا إذا لم تفعل هكذا، ولكن قدرته فيسمى هذا خرصًا، والخرص معتبر فيما يتعذر فيه اليقين، أو يتعسر، بناء على القاعدة المعروفة عند أهل العلم، والتي دل عليها الشرع:"أنه إذا تعذر اليقين عملنا بغلبة الظن".
"إذا خرصتم" معناه: قدرتم الشيء على سبيل التحري والتخمين، وما الذي يخرص؟ هو الثمار كالعنب والتمر؛ لأن الثمرة فيها ظاهرة بارزة فيخرص، وأما الزروع فقال العلماء: إنها لا تخرص لأن الحب المقصود مستتر بالسنابل، فلا تمكن الإحاطة به، فخرصه لا يكون على سبيل التحري؛ لأن التحري فيه متعذر، أو متعسر؛ ولهذا قالوا: لا تخرص الزروع، حتى إن بعض أهل العلم حكى الإجماع على أن الزرع لا يخرص، والعمل الآن على خلاف ذلك فإن الناس يخرصون الزروع، ويقولون: إن أهل الخبرة يقدرون ذلك بالتحري والتخمين كما يقدرون ذلك بالثمار، ولا شك أن التقدير في الثمار أقرب إلى اليقين؛ لأن الثمرة مشاهدة في العنب أو في التمر بخلاف هذا، إذن الذي يخرص الثمار فقط من التمور والأعناب.
وقوله: "فخذوا ودعوا الثلث"، "خذوا" أي: خذوا ما يجب فيها من الزكاة، ففي ألف كيلو فيما يسقى بمؤنة نصف العشر خمسمائة كيلو، وفيما يسقى بلا مؤنة العشر مائة كيلو، لكن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"دعوا الثلث" هل المراد: دعوا الثلث من أصل المال فلا تأخذوا عنه زكاة، أو دعوا الثلث أي: مما يؤخذ حتى يؤديه صاحبه؟ فيه احتمالان في الحديث، وهما قولان لأهل العلم؛ لأن كلمة:"إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث" ظاهر الحديث يقول: "دعوا الثلث" من الواجب، لماذا؟ يبقيها للمالك، لأنه ربما يكون لديه أناس من أقاربه من أهل الزكاة فيعطيهم، أو أناس من أصحابه من أهل الزكاة فيعطيهم، فجعل الشارع ثلث الواجب باقيا للمالك يتصرف فيه كما يشاء يعطيه لمستحقه؛ لأننا لو أخذنا منه الكل، وكان له أقارب أو جيران أو أصدقاء ينظرون إلى ملكه في ثماره، ثم يحرمهم من زكاته كان في نفوسهم شيء من ذلك، فجعل الشرع له الثلث، وهذا الذي فسرنا به الحديث هو الذي يوافق ما سبق في الأحاديث في قوله:"فيما سقت السماء العشر"، لأننا لو فسرنا الحديث على الاحتمال الثاني الذي هو أن ندع ثلث الزكاة فلا تجب عليه لكان فيما سقت السماء ثلثا العشر، وفيما سقي بالنضح ثلث العشر، فجمعًا بين الأحاديث نقول إن المراد بقوله:"دعوا الثلث" أي: دعوا الثلث من الواجب يؤديه المالك حتى تبقى عموم الأحاديث على ما هي عليه، ويكون هذا له وجه من النظر، وهو تفسير يحتمله الحديث:"دعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربعة".
قوله: "فإن لم تدعوا الثلث" هل هذا على سبيل الخيار المطلق للسعاة الذين يأخذون الزكاة
ويخرصونها؟ يعني: إن لم تختاروا ترك الثلث فدعوا الربع، نقول: لدينا قاعدة وهي أن كل ما جعل فيه الخيار لشخص عن طريق الولاية أو التصرف لغيره فالواجب عليه اتباع الأصلح، بخلاف ما جعل فيه الخيار مما يتصرف لنفسه فهذا يتبع ما يراه أسهل على ما يرى، أما ما جعل له الخيار فيه عن طريق الولاية أو التصرف للغير فالواجب عليه أن يتبع الأصلح.
"إن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع" يعني: إن رأيتم المصلحة في عدم ترك الثلث فاتركوا الربع، فما هي المصلحة؟ أما على الاحتمال الأول الذي يقول:"دعوا الثلث" يعني: لا يجب عليه بذله، فيقولون: إن السعاة ينظرون إلى هذا الرجل، إذا كان هذا الرجل مضيافا كريما يبذل كثيرًا من ماله للضيوف فهنا يترك له الثلث، وإن كان بالعكس فيترك له الربع، كذلك لو كان النخل قد أصيب بجوائح، أو كان هناك أتعاب أكثر في هذه السنة على سقيه ونحو ذلك فيترك له الثلث وإلا ترك له الربع.
والاحتمال الثاني، نقول: إذا كان هذا الرجل حوله أناس كثيرون فقراء من أهل الزكاة فإننا نترك له الثلث، وإلا تركنا له الربع، فأيا كان، فإن هذه مرجعة إلى ما تقتضيه المصلحة.
يستفاد من هذا الحديث: ثبوت الخرص في الثمار لقوله: "إذا خرصتم فدعوا"، ووجه ثبوته: أنه لما علق على الخرص أحكامًا كان ذلك دليلًا على نفوذها؛ لأن غير النافذ لا يترتب عليه أحكام لأنه يلغى من الأصل، فلما رتب عليه الأحكام علم أنه نافذ وصحيح.
ومن فوائد الحديث: تيسير الشرع على العباد؛ لأن الخرص أسهل من التقدير بالكيل، إذ أنا لو اعتبرنا التقدير بالكيل لزم من ذلك أن يجزه صاحب المال- يعني: صاحب الثمرة-، ثم ييبس، ثم يكيل، ثم يعرف الواجب، وهذا فيه صعوبة ومشقة، فالخرص لا شك أنه من التيسير.
ويستفاد منه: أنه إذا تعذر اليقين أو تعسر رجعنا إلى غلبة الظن، وهذا له نظائر في الشرع منها ما سبق في حديث ابن مسعود في الشك في الصلاة يقول:"فليتحر الصواب ثم يبني عليه" هذا أصل يشهد لهذا الحديث.
والأمر بالخرص كاستعمال القرعة عند الحاجة إليها، فإن القرعة بلا شك فيها تعيين المستحق على سبيل التحري، فإنه لو اجتمع شخصان فأكثر في حق من الحقوق واستويا ولم يمكن التمييز بينهما فإننا نجري القرعة، وقد ذكرت القرعة في القرآن مرتين في قصة يونس:{فساهم فكان من المدحضين فألتقمه الحوت وهو مليم} [الصافات: 141، 142]. وفى قصة مريم: {وما كنت لديهم إذ يختصمون} [آل عمران: 44].
أما في السنة فقد وردت أيضًا في عدة مواضع تبلغ حوالي ستة مواضع، لماذا رجعنا إلى القرعة وفيها نوع من الميسر؛ لأن الإنسان قد يكون فيها غارمًا؟
نقول: لأنه لما تعذر التمييز على سبيل اليقين رجعنا إلى غلبة الظن، هذا الحديث يمكن أن يكون من جملة الأصول التي تدل على أنه إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن.
ومن فوائد الحديث: أنه يجب أن يترك لرب المال الثلث أو الربع على حسب ما تقتضيه المصلحة ويقتضيه نظر الساعي؛ لقوله: "فخذوا ودعوا".
ومنها: وجوب أخذ الزكاة من أهل الثمار، وهذه الفائدة قد يكون فيها مناقشة، إذا قلنا:"وجوب"، من أين يؤخذ؟ من قوله:"فخذوا" هذا أمر، ولكن قد يقول قائل: إن المراد بذلك الإباحة، يعني: بيان ما يؤخذ، وليس على سبيل الإلزام، وأن الساعي لو رأى من المصلحة ألا يأخذ الزكاة من هؤلاء بل يبين المقدار ويدع الأمر إلى إيمانهم لكان ذلك جائزًا، ولكن على كل حال إبقاء الحديث على ظاهره وأنه يؤمر بأن يأخذ أولى، لأنه لو لم يأخذ لكان بعث السعاة وتعبهم وعملهم مشقة بدون فائدة.
ومن فوائد الحديث: أن ترك الثلث أو الربع موكول إلى الساعي فيجب عليه أن ينظر نحو الأصلح.
ومن فوائد الحديث: مراعاة الأحوال أنه من الحكمة أن تراعى الأحوال، وهذا شيء مستقر في النفوس، وأن الشرع يراعي الأحوال حتى إنه ليجب على الشخص ما لا يجب على غيره ويحرم عليه ما لا يحرم على غيره، ويلزم بما لا يلزم به غيره حسب ما تقتضيه العلل الشرعية.
ومن فوائد الحديث الأول: "لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف": أن الزكاة لا تجب إلا في هذا الأصناف الأربعة، لأنه قال:"لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف"، وهذا مذهب كثير من أهل العلم أنها لا تجب إلا في هذه الأصناف، ولكن هل هذا الحصر حصر عين أو حصر وصف؟ إن قلنا: إنه حصر عين، فمعناه: أنها لا تجب الزكاة في غير هذه الأربعة فقط فلا تجب في الرز، ولا في الدرة، ولا في الدخن، ولا في غيرها، وإن قلنا: إنها حصر وصف صار ما يماثلها ملحقا بها تجب فيه الزكاة مثل الرز والذرة والدخن وغيرها من الحبوب التي تقتات وتدخر، وذكرنا أن القول الراجح والأحوط هو أن هذا المذكور حصر- وصف لا حصر عين.
ويرى بعض العلماء أنه حصر عين ويقول: إنه لا يجب أن نلزم الناس ونغرمهم في أموالهم بشيء ليس فيه دليل بيان؛ لأن اخذ المال كإسقاط المال، يعني: أخذ المال من الأغنياء وهو لا
يجب عليهم، كإسقاطه عنهم وحرمانه الفقراء، والأصل براءة الذمة؛ لأن هنا هل الاحتياط أن تلزم بالزكاة احتياطا لأهل الزكاة أو لا نلزم احتياطا لحماية أموال الناس؟
فقد تعارض الاحتياطان، قالوا: وإذا تعارض الاحتياطان تساقطا ورجعنا إلى الأصل، وهو أن الأصل براءة الذمة، هذا وجه من رجح القول بأن هذا الحصر حصر أعيان، لكن المشهور عند أكثر أهل العلم أنه حصر أوصاف.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإمام الموجه للسعاة أن يبين لهم ما تجب فيه الزكاة مما لا يجب حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم لقوله: "لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأصناف"، وهكذا شأن كل من ولى أحد على ولاية أن يبين له ما يجب عليه فيها حتى تقوم عليه الحجة وتبرأ ذمة المولى.
589 -
وعن عتاب بن أسيد رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيبًا"". رواه الخمسة، وفيه انقطاع.
قوله: "كما يخرص النخل" يعني: ثمر النخل، والعنب ثمر العنب، وسبق لنا أن معنى الخرص هو الظن والتخمين، وأنه عمل به لدعوة الحاجة إليه كما أمر بالقرعة لدعوة الحاجة إليها.
وقوله: "كما يخرص النخل" هذه تشبيه للأصل بالأصل، وإلا فمعلوم أن خرص العنب في الغالب أشق من خرص النخل؛ لأن بروز ثمرة النخل واضح، لكن العنب خفي يختفي بالأوراق فهو يحتاج إلى عناية أكثر وإلى ضبط أكثر.
وقوله: "تؤخذ زكاته زبيبًا" يعني: لا عتبا؛ لأن الزبيب هو الذي يدخر، أما العنب فإنه يفسد.
وظاهر الحديث: أن العنب الذي تجب زكاته هو ما يكون زبيبًا، وأما العنب الذي لا يزبب فإن العلماء اختلفوا فيه؛ فمنهم من ألحقه بالفاكهة والخضروات، ومنهم من ألحقه بالذي يزبب، وقال: إنه يقدر زبيبًا، لم يذكر في الحديث نصاب الزبيب، ولكنه ملحق بثمر النخل، وقد يشعر قوله:"كما يخرص النخل" بذلك، وأن نصابه كنصاب النخل، وهو هكذا يقينا فيما عدا ثمار النخل، وثمار العنب هل يخرص أو لا مثل الزروع؟ تقدم لنا أن في المسألة خلافًا، وأن أكثر أهل العلم، بل حكي إجماعا أن الزرع لا يخرص، وعللوا ذلك بأن المقصود منه مستتر بقشوره فلا تمكن الإحاطة به، بخلاف النخل والزبيب فإن المقصود منه ظاهر بارز.
وقلنا: إن عمل الناس اليوم على خلاف ذلك، وأن أهل الخبرة يعرفونه ويقدرونه تقديرا قد يكون منضبطا، وهذا هو الذي عليه العمل.