الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل التكليف، وسقوط الحج عنه ليس لمعنى في نفسه، ولكن لمعنى خارج وهو عدم القدرة عليه، فإذا تكلف وأذن له سيده وحج فنعم، لكن لو حج بغير إذن سيده فهل يجزئه؟ لا؛ لأن زمنه مغصوب، فإن زمنه كان مملوكًا لسيده، فإذا غصب نفسه فإنه لا يجزئه.
فإن قلت: ألم يقل: الفقهاء أن العبد الآبق من سيده تصح منه صلاة الفريضة ولا تصح منه صلاة الناقلة؟
فالجواب: أن بينهما فرقًا؛ لأن الحج في هذه الحال - قبل أن يعتق - نفل وليس بفريضة، بخلاف الصلاة الفريضة فإنها فريضة عليه حتى في حال رقِّه؛ فحصل الفرق.
حكم سفر المرأة بغير محرم للحج والخلوة:
684 -
وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: "لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرمٍ، ولا تسافر المرآة إلا مع ذي محرمٍ، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله، إنَّ امرأتي خرجت حاجَّةً، وإنِّي اكتتبت في عروة كذا وكذا، قال: انطلق، فحجَّ مع امرأتك"(). متَّفقٌ عليه، واللَّفظ لمسلمٍ.
كلمة "يخطب" يحتمل أن تكون هذه الخطبة على المنبر، ويحتمل أن تكون من سائر خطبه العوارض؛ لأن خطب النبي صلى الله عليه وسلم على قسمين: قسم عارض يخطبه النبي صلى الله عليه وسلم عند وجود حادثة تقتضيه، وقسم راتب كخطب الجمعة وخطب العيدين، وهذا محتمل، ولكنه لا يهمنا أن يكون هذا أو هذا؛ لأن المقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلن هذا الحكم على المنبر، وهذا يدل على أهمية هذا الحكم ووجوب العناية به.
وجملة: "يقول" حال من فاعل "يخطب"، وجملة "يخطب" حال من "رسول الله"؛ لأن كلمة "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بقول"، "سمع"، لا تنصب مفعولين؛ لأنها ليست من أفعال الظن ولا من أفعال اليقين.
وقوله: "يخلون"، هذا فعل مؤكد بنون التوكيد، فتكون الجملة التي هي نهي مؤكَّدة بالنون، "لا يخلون رجل"، "الرجل" هو: البالغ بخلاف الذكر، فإنه يطلق على البالغ والصغير، "بامرأة"، أي: لأنها - أي: بالغة؛ لأنها - أي: كلمة امرأة - تطلق على الأنثى إذا بلغت "إلا ومعها ذو محرم"، جملة "معها ذو محرم" مبتدأ وخبر وهي في محل نصب على الحال بدليل تقدم ذو محرم، "المحرم": زوجها وكل من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، وإن شئت فقال: بنسب أو رضاع أو مصاهرة هذا المحرم، والمحرمات من النسب سبع، ومن الرضاع مثلهن، ومن الصهر أربع،
المحرمات من النسب ذكرهن الله في قوله: {حرمت عليكم أمهتكم وبناتكم وأخوتكم وعمتكم وخالتكم وبنات الأخ وبنات الأخت} [النساء: 23]. هذه سبع، من الرِّضاع مثلهن لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"()، فتحرم الأم من الرضاع والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت هذه سبع، ومن الصهر أم الزوجة وإن علت، وبنتها وإن نزلت، وزوجة الابن وإن نزلت، وزوجة الأب وإن علا، أما أخت الزوجة فإن الزوج ليس محرما لها، لماذا؟ لأنها لا تحرم على التأبيد، وإنما يحرم الجمع بينها وبين أختها، الملاعنة على الملاعن على التأبيد ليس بسبب مباح فليس محرمًا.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل" كلمة "رجل" نكرة في سياق النهي، و"امرأة" نكرة في سياق النهي مع أنه يجوز أن تعول نفيًا؛ لأن الفعل هنا مبني لا يتغير سواء كانت "لا" ناهية أو نافية مبني الاتصال نون التوكيد به، على كلّ "رجل" عام يشمل الشاب والكهل والشيخ وذا الشهوة ومن لا شهوة له، وامرأة تشمل الشابة والكهلة والعجوز والقبيحة والحسناء.
إذا قال قائل: ما هي الحكمة من ذلك؟ الحكمة: لأن الشيطان يدخل بينهما في هذه الحال فيسوس لهما وتحصل الفاحشة، ولا تحقرن شيئا، لا تقل: هذه امرأة عجوز وهذا رجل شيخ كبير، لأن الشيطان قد يؤزهم، ولهذا يوجد بعض الناس مع أهله شهوته ضعيفة، لكن مع غير أهله شهوته قوية، يمكن لو تكلم مع امرأة أجنبية مجرد كلام تحركت شهوته لكن مع أهله كل شيء تفعل لا يتحرك، لأن الشيطان يحرك الإنسان، فالمرأة وإن كانت عجوزًا فإنه يقال: لكل ساقطة لاقطة، ثم أن هذه المسائل ينبغي فيها سد الباب؛ لأن الرابط فيها صعب وشاق، فمن التي لا تشتهي، وإلى أي حد يكون الكبر وإلى أي حد يكون انتفاء الفتنة أو الشهوة؟ قال شيخ الإسلام: العلة إذا كانت منتشرة فإنه يحكم بمظنتها؛ يعني: لا يمكن انضباطها؛ لأن كل واحد يقول: أنا حسب ما عندي لا أفعل هذا الشيء، وكذلك المرأة، ولكن عند الاختبار يكون البلاء والفتنة، فسد الباب أولى؛ ولهذا لم يستثن من هذا شيء حتى لو كانت ابنة العم وزوجة الأخ، لو كانت ابنة عمه زوجة أخيه فإنه لا يحل له أن يخلو بها.
قوله: "لا يخلون رجل بامرأة" النهي عن الخلوة فإذا كان معهما ثالث فالخلوة تزول، لكن هل الحكم يرتفع؟ إذا زالت العلة زال الحكم، لكن قد يحرم من ناحية ثانية وهو الفتنة، وإذا كان جاء في الحديث:"إلا كان الشيطان ثالثهما"(). ونقول: "إذا كان شيطان الإنس ثالثًا ثبت
الحكم، فإذا قدر أن المرأة لم تخل برجل لكن خلا بها رجلان فاجران فهذا أشد؛ لأن الفتنة هنا متحققة أكثر؛ ولهذا قال: من يأمن الذئبين على الشاة الواحدة، إذا كان الذئب الواحد لا يؤمن فالذئبان من باب أولى، أما إذا انتقت الفتنة وزال المحظور فهذا لا بأس به وإذا كان رجل مع امرأتين فالخلوة لا شك منتفية هل الحكم يزول؟ نعم يزول الحكم، لكنه أن خيفت الفتنة جاء الحكم من طريق آخر ولكن خلوة الرجل بامرأتين أهون من خلوة الرجلين بامرأة.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إلا ومعها ذو محرم"، كلمة "محرم" عامة تشمل الصغير والكبير، لكن أهل العلم قالوا: لابد أن يكون بالغا، ولابد أن يكون عاقلًا، وأخذوا هذا الشرط التماسًا من الحكمة في وجوب المحرم، الحكمة من وجوب المحرم: الحفاظ على المرأة وصيانتها وحمايتها، إذا كان كذلك فلابد أن تتوافر فيه الشروط، فيكون بالغًا عاقلًا، هل يشترط أن يكون بصيرًا؟ الفقهاء لم يشترطوا ذلك، ولعلهم يعللون هذا بأن الرجل الذي معها ومع محرمها قد يهاب المحرم وإن كان حماية هذا الأعمى لمحرمه ضعيفة بلا شك؛ إذ قد يشير أو يضحك أو يغمز وهذا المحرم لا يدري، لهذا نقول: ينبغي أن نشترط أن يكون بصيرًا حيث دعت الضرورة إلى كونه، هل يشترط أن يكون سميعًا؟ الظاهر أنه لا يشترط.
قال: "ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"، وهذه "لا"، ناهية، ولما كانت هنا جازمة للفعل صار قولنا - فيما سبق -:"لا يخلون" جملة نهي أصح أو أقرب؛ لأن هذه الجملة معطوفة على ما سبق، وقوله:"لا تسافر المرأة"، السفر مفارقة الإقامة سواء كنت في بلد أو كنت في مكان، ولنفرض أنه بدوي في البر ساكن بخيمته فسفره مفارقة محل الإقامة، فالسفر إذن هو مفارقة محل الإقامة، وسمي سفرًا؛ لأنه يسفر عن الإنسان حيث يبرز بعد الخفاء، وقال بعض الأدباء: إنما سمي السفر سفرًا؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، كم من إنسان لا تدري عن خلقه وعن صدقه وعن شهامته وعن رجولته إلا إذا سافرت معه، ولكن المراد: السفر المعروف سابقًا، أما سفر اليوم فإنك لا تعرف به أخلاق الرجال؛ لأن السفر اليوم يتم عبر الطائرات فأنت تسافر ويكون بجانبك رجل مسافر، ولا تدري عن هذا الرجل هل هو شهم كريم يخدم قومه يريحهم أو لا، صحيح أنك إذا جلست إليه وتحدثت إليه ربما تفهم شيئا من خلقه، لكن هذا يحصل حتى في القهوة، لكن في الزمن السابق لما كان الناس يسافرون على الإبل مسافات طويلة فيها تعب صار الناس يعرفون، قال أحدهم - أظنه نافعًا -:"صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني"().
وشاهدنا نحن لما كنا نسافر بالسيارات المسافات التي ليست في الطرق المزفلتة نجد بعض الناس إذا نزل من السيارة ذهب يحتطب ويسخن الماء في أيام الشتاء ويقرب الماء ويروى، وبعضهم إذا نزل أنزل الفراش ونام، أيهما الشهم؟ الأول، فإياكم أن تكونوا من القسم الثاني الذي إذا نزل ينزل بفراشه واصطحبه، فكل واحد منكم يخدم الثاني، وأيضًا لخدموا الناس بالتوجيه والإرشاد وحسن المعاملة والأخلاق؛ لأن الناس سيذكرونكم بالخير إذا أحسنتم، ويذكرونكم بعكسه إذا أسأتم، مع أن هذه الأماكن مقدسة، يعني: أماكن آمنة لا يوجد بقعة. على الأرض آمن من المسجد الحرام؛ لكن ليست أمنًا على النفوس فقط، بل "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام"، على كل شيء على الأموال والنفوس والأعراض، فإياكم أن - تؤذوا الناس في أموالهم أو أعراضهم أو أبدانهم، بل كونوا خير الناس للناس.
يقول: "لا تسافر المرأة"، إذن لا تفارق محل إقامتها بما يسمى سفرًا إلا مع ذي محرم، وهذا هو الموضع الذي قال فيه الفقهاء: إنه يشمل السفر الطويل والقصير، بينما الرخص الأخرى كالقصر والفطر والمسح ثلاثًا تكون خاصة بالسفر الطويل، أما هذا فهو عام للسفر الطويل والقصير، المهم أن يسمى سفرًا، "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"، وسبق معنى المحرم.
"فقام رجل"، هل يلزمنا أن نعرف اسمه؟ لا، المهم: القصة: "فقال: يا رسول الله، أن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: انطلق فحج مع امرأتك"، الرجل لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"، وقد علم أن زوجته ليس معها ذو محرم سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه اكتتب في غزوة كذا، يعني: كتب مع الغزاة وأن أمرأته خرجت حاجة فماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال عليه السلام: "انطلق فحجَّ مع امرأتك". "وانطلق"، هذه فعل أمر، و"حج" فعل أمر، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدع أمرًا مرغوبًا فيه هو ذروة سنام الإسلام وهو الجهاد ليحج مع أمرأته، وهذا يدل على وجوب اصطحاب المحرم، هل سأله النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل امرأتك كبيرة أو صغيرة؟ لا، اجعل هذا عمومًا أنه يشمل المرأة الكبيرة والصغيرة، هل سأله أهي آمنة أم غير آمنة؟ لا، خذ هذا عمومًا آخر، هل سأله هل هي حسناء أو قبيحة؟ لا، خذ هذا أيضًا عمومًا ثالثًا، فإذن نهي المرأة عن السفر بلا محرم شامل للمرأة، سواء كانت صغيرة أو بيرة، وسواء آمنة أو غير آمنة، وسواء كانت قبيحة أو لا، وهناك عموم: رابع سواء معها نساء، أو ليس معها نساء وهذا عام ولذلك كان هذا النص القولي واضحًا في أنه شامل لكل امرأة، وعلى كل حال يقول:"انطلق فحج مع امرأتك"، ففعل الرجل.
* يستفاد من هذا الحديث عدة فوائد:
الأولى: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إبلاغ الشريعة، وأنه صلى الله عليه وسلم يستعمل كل أسلوب يمكن أن يبلغ به الخلق لقوله: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب
…
" إلخ.
الفائدة الثانية: تحريم خلوة الرجل بالمرأة إلا مع ذي محرم، لقوله: "لا يخلون
…
" إلخ، والأصل في النهي التحريم، لاسيما أنه أكد بالنون: "لا يخلونَّ".
ثالثًا: عموم هذا النهي لكل رجل ولكل امرأة؛ لأنه نكرة في سياق النهي فيعم.
ومن فوائده: جواز خلوة الصغير بالمرأة لقوله: "لا يخلون رجل"، فالصغير الذي لا شهوة له لا تضر خلوته، لو خلت امرأة بامرأة يفهم من الحديث جواز خلوة المرأة بالمرأة لقوله:"لا يخلونَّ رجل"، لكن هنا لو خيفت الفتنة وجب منعها من طريق آخر؛ لأن بعض النساء - نسأل الله الحماية - يبتلى بمساحقة النساء، كما يبتلى بعض الرجال بالتعلق بالمرد، أيضًا هذه بعض النساء تتعلق بالنساء الجميلات وتفتتن أشد من افتتانها بالرجل.
ويؤخذ من الحديث: جواز خلوة القرد بالمرأة لقوله: "لا يخلون رجل"، لكن يقول شيخ الإسلام: إذا خيفت الفتنة - يعني: إذا كانت هذه المرأة تستعمل القرد كما يستعملها الرجل - فإنها تمنع؛ لأن بعض القرود يتعلق بالنساء، أنا حدثت أن النساء إذا ذهبن يتفرجن على القرود وصارت إحداهن جميلة صار القرد لا ينظر إلا إليها ولا يتبع إلا إياها، إذن إذا خيفت الفتنة تمنع.
ومن فوائد الحديث: جواز خلوة الرجلين بالمرأة وذلك لقوله: "لا يخلون رجل"، وإذا كان معه آخر فلا خلوة، ولكن كما قلنا إنه إذا خيفت الفتنة وجب المنع من باب ثانٍ.
من فوائد الحديث: عناية الشرع بالمرأة حيث حرص على حمايتها وحفظها باصطحاب المحرم، فيحفظها كالحارس كالجندي مع الأمير يحرسه ضامن له، إذن محرم المرأة لا شك أن اصطحابها إياه من مكرمتها وحمايتها وعناية الشرع بها.
ومن فوائد الحديث: أنه لابد أن يكون المحرم ممن يمكنه صيانتها بكونه بالغًا عاقلًا بصيرًا أن احتجنا إلى ذلك، فإن كان صغيرًا فليس بمحرم هو محرم، لكنه ليس كافيًا، العلة من ذلك: حماية المرأة وصيانتها وكرامتها، وعند العامة يقولون: أن العلة من أجل إذا ماتت يفك حزائم كفنها إذا نزلت في القبر، انظر العوام أولًا يقول: ماتت وهذا تشاؤم، وثانيًا: يفك الحزائم وهذا ليس بشرط؛ لأنه يمكن أن يفك الحزائم أي إنسان، ولعله مر عليكم حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم دفنت إحدى بناته وفيهم زوجها عثمان والنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أيكم لم يقارف الليلة؟ " فقال أبو طلحة: أنا. فقال: "انزل"، فنزل في قبرها ()، أبو طلحة ليس من محارمها، والنبي صلى الله عليه وسلم من محارمها وزوجها أيضًا من محارمها.