الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم حيث أجاب عثمان وجبيرًا بجواب يقتنعان به، وهو قوله:"إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد"؛ وإلا ففي إمكانه أن يقول: لا حق لكما فيه وينصرفان، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بين العلة في إعطاء بني المطلب وأنهم مع بني هاشم شيء واحد.
ومنها- على ظاهر صنيع المصنف رحمة الله-: أن بني المطلب لا يعطون من الزكاة كما أنهم يعطون من الخمس، وهذا أحد القولين في المسألة، ولكن الراجح خلاف ذلك.
هل يفهم منه أيضًا جواز التوسل بفعل شيء إلى أن يفعل الفاعل مثله؛ بمعنى: يجوز أن أقول لشخص: أنت أعطيت فلانًا فأعطني مثله؟ نعم؛ لأنه قال: أعطيت بنى المطلب، وهذا معناه كالإلزام بأن يعطي عثمان وجبيرة أو كالتوسل: يعني: مثلما أعطيت فلانًا وأنا وإياه حاجتنا واحدة فأعطني مثله، وهذا أيضًا أمر جبلت عليه النفوس أن الإنسان يتوسل بفعل الإنسان على أن يفعل به مثل ما فعل.
حكم أخذ موالي آل الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقة
617 -
وعن أبي رافع رضي الله عنه: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على الصدقةٍ من بني مخزوم، فقال لأبي رافع: اصحبني فإنك تصيب منها، قال: لا، حتى آتي النبيّ صلى الله عليه وسلم فأسأله، فأتاه فسأله، فقال: مول القوم من أنفسهم، وإنها لا تحل لنا الصدقة". رواه احمد، والثلاثة، وابن خزيمة، وابن حبان.
وأبو رافع، كان مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ملكه من قبل العباس بن عبد المطلب، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فبشره بإسلام العباس، فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم فصار مولى للرسول صلى الله عليه وسلم مولى من أسفل وليس مولَّى من أسفل باعتبار المعنى، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعلى منه بلا شك، لكن أقول لكم: إن المعتق يسمى مولى من فوق أو من أعلى، والعتيق يسمَّى مولَّى من أسفل فكل منهما مولَّى للآخر، لكن ذاك هو المعتق فهو الأعلى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يد المعطي هي العليا"، والثاني مولى من أسفل.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مولى القوم من أنفسهم يعني: وأنت مولى لي فيكون حكمك حكمي ولهذا قال: "وإنها لا تحل لنا الصدقة"، يعني: فإذا كانت لا تحل لنا وأنت مولى فإنها لا تحل لك، إذن أضيفوا إلى المسألة السابقة- وهي أن الصدقة لا تحل إلى آل محمد-: ولا لموالي آل محمد، وإذا قلنا بأن المطلبيين لا تحل لهم الصدقة فكذلك مواليهم.
ففي هذا الحديث من الفوائد أولًا: جواز استعمال الرجل على الصدقة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث هذا الرجل، ولكن يشترط في الرجل الذي يستعمل على الصدقة شرطان: القوة، والأمانة. القوة بماذا؟ بأحكام الزكاة أخذًا وإعطاء، فيعرف الأموال الزكوية، ويعرف مقدار الأنصبة، ويعرف مقدار الواجب، ويعرف المستحق إذا كان قد وكل إليه الصرف، ويشترط أيضًا أن يكون أمينًا، وهذان الشرطان- القوة والأمانة- يشترطان في كل عمل، وقد ذكر هذا في موضعين من كتاب الله فقالت إحدى البنتين لأبيها صاحب مدين:{استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} [القصص: 26]. {قال عفريت من الجن أنا أتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين} [النمل: 40]. فكل عمل لا بد فيه من القوة عليه ومن الأمانة، قويًّا يعني: أنه يعلم الزكاة أنصبتها مقدار الواجب ومستحقها حتى يصرفها إذا وكل إليه الصرف، وأمينًا بحيث لا يخون، فإن كان خائنًا أو يخاف من الخيانة فإنه لا يجوز أن يولَّى.
ومن فوائد الحديث: جواز إخبار الإنسان بما ينتفع به انتفاعًا دنيويًّا، أو بعبارة أخرى جواز طلب المشاركة من شخص لينتفع بما يشارك فيه انتفاعًا دنيويًا، الدليل:"اصحبني فإنك تصيب منها".
ومن فوائد الحديث: ورع الصحابة- رضي الله عنهم، فإن أبا رافع رضي الله عنه مع كون هذا الرجل شجعه على الذهاب معه امتنع قال:"حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم"، وهذا يدل على كمال الورع في الصحابة- رضي الله عنهم، وهناك شيء يسمَّى ورعًا وشيء يسمى زهدًا وبينهما فرق: قال ابن تيمية: الورع ترك ما يضره في الآخرة، والزهد ترك ما لا ينفعه في الآخرة. يتبين الفرق في مباشرة شيء لا نفع فيه ولا ضرر، فمباشرته لا تنافي الورع ولكنها تنافي الزهد؛ لأن الزاهد هو الذي يفعل ما فيه المنفعة والمصلحة، وأما ما لا منفعة فيه في الآخرة فيتركه.
ومن فوائد الحديث: أن مولى بني هاشم لا تحل له الصدقة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مولى القوم من أنفسهم، ، وهل يستدل بعمومه على أن مولى القوم وارث؟ أما جمهور العلماء فيقولون: إن المولى من أسفل لا يرث، وإنما الوارث المولى من أعلى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق"، وأما المعتق فإن مولى سيده إذا لم يوجد له عاصب يذهب إلى بيت المال ولا يعطي العتيق، ولكن بعض العلماء قال: إن المولى من أسفل يرث إذا لم يوجد عاصب سواه ولا صاحب فرض وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وفيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة أنها ترث لقيطها وعتيقها وولدها الذي لاعنت عليه.
وفيه أيضًا: جواز إطلاق المولى على بني آدم، وأن تقول: هذا فلان مولاي، وما أشبه ذلك، وهو كذلك، وقد قال الله تعالى:{وإن تظهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} [التحريم: 4]. فالمولى تطلق على الله عز وجل، وتطلق على المخلوق لكن إطلاقها على المخلوق ليس كإطلاقها على الله؛ لأن الله- سبحانه وتعالى له الولاية المطلقة، وأما الإنسان فولايته مقيدة.
ومن فوائد الحديث أيضًا: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم وإقناعه؛ لأنه قال للرجل: "مولى القوم من أنفسهم"، وبيَّن له أنه لا تحل لهم الصدقة.
ومنها أيضًا: أنه يجوز الاقتصار على المقدمات إن لم تذكر النتيجة إذا فهمت من السياق؛ لأن ذكر النتيجة- وقد فهمت من السياق- لا يفيد إلا التطويل، كيف ذلك؟ قال:"إن مولى القوم من أنفسهم" هذه مقدمة أولى، و"إنها لا تحل لنا الصدقة" هذه مقدمة ثانية، والنتيجة:"فلا تحل لك الصدقة"، لا حاجة لذكرها إذا كانت معلومة من المقدمات؛ لأن ذكر النتيجة بعد العلم يعتبر تطويلًا لا فائدة منه؛ فلهذا نقول: إن ما يزعزع به المنطقيون من تلك المقدمات والنتائج الطويلة العريضة أكثرها لا حاجة إليه.
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: كنت أعلم دائمًا أن المنطق اليوناني لا ينتفع به البليد، ولا يحتاج إليه الذكي، إذن فهو تطويل بلا فائدة.
ومن فوائد الحديث: وجوب التصريح بالحق ولو على النفس؛ لقوله: "إنها لا تحل لنا الصدقة"، وهكذا يجب أن يذكر الإنسان ما له وما عليه قائمًا لله تعالى بذلك بالقسط:{* يأيها الَّذين ءامنوا كونوا قوَّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} [النساء: 135]. وبعض الناس تجده مع الطمع ومع الجشع يحاول أن يأخذ ما لا يستحق بالطرق الملتوية، ولكن العاقل على خلاف ذلك، ما تقولون هل يوجد أحد من آل الرسول اليوم؟ الذي يقول ذلك سنلزمه بأن يذكر سندًا من الآن إلى المنتهى، أنا قرأت في "فتح الباري"، وكتب أخرى أنه لا يوجد أحد يعلم من آل البيت إلَّا ملوك اليمن فقط، والباقي كله فيه شك.
ومن فوائد الحديث: الجواب بـ"لا" كافٍ عن إعادة السؤال كالجواب بـ"نعم"، فإذا قيل: أعندك لزيد كذا؟ قال: لا، هذا إنكار كأنه قال: ليس عندي له شيء، وإذا قيل: ألك عنده شيء؟ فقال: نعم فهو كافٍ. الجواب: كأنه قال: نعم، ولهذا لو قيل للرجل: أزوجت ابنتك فلانًا؟ فقال: نعم، صح، ولو قبلت؟ قال: نعم، صح أيضًا، وهل الإشارة تقوم مقام اللفظ؟ نعم، إذا كان اللفظ ممتنعًا حسًّا أو شرعًا فإن الإشارة تقوم مقامه، والممتنع حسًّا كالأخرس، وهناك الممتنع شرعًا كالمصلي فإنه لا يتكلم شرعًا، فإن كان قادرًا على النطق فالصحيح أيضًا أن الإشارة تقوم مقام العبارة، وأنه يكتفي بذلك، وهكذا الكتابة.