الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن بالنسبة لمن وقع عليه النَّجش فهل شراؤه صحيح؟ نعم صحيح، ولكن هل له الخيار؟ الجواب: نعم، إذا زاد الثمن عن العادة فله الخيار، مثاله: نجش زيد على عمرو، كانت السلعة لولا النَّجش تساوي عشرة، وبالنجش لم يأخذها عمرو إلا بخمسة عشر، نقول: البيع صحيح، ولكن إذا تبين أن فيه نجشًا فإن للمشتري - وهو عمرو - الخيار بين أن يرد السلعة ويأخذ الثمن أو يبقيها بثمنها الذي استقر عليه العقد، لان البائع يقول: ما ذنبي ليس لي ذنب، إما أن تعطوني سلعتي أو الدراهم كلها، لو أن إنسانًا زاد في السلعة رغبة فيها بناء على أن ثمنها قليل وأنه يُؤمل الربح، لكن لما ارتفع تركها، فهل هذا من النَّجش؟ ليس هذا بنجش؛ لأنه ما قصد إضرار غيره ولا نفع البائع على حساب المشتري، وإنما رأى أن هذه السلعة رخيصة، فلما ارتفع ثمنها تركها فهذا ليس من النَّجش، وهذا يقع كثيرًا تجد إنسانًا يسُوم السلعة ويزيد فيها بناء على أنها رخيصة، فإذا ارتفعت قيمتها تركها فهذا لا بأس به.
هل من النَّجش أن يزيد الشريك فيما هو شريك فيه وهو يريد نصيب صاحبه؟ ليس من النَّجش، فإذا قال قائل: هو يزيد لنفسه، فالجواب: ليس يزيد لنفسه، بل هو يزيد على نفسه بالنسبة لنصيب شريكه، أما بالنسبة لنصيبه فهو ملكه لا يحتاج أن يقع عليه العقد، فحينئذ لا يصح أن نقول: إنه زاد لنفسه، وعلى هذا فيجوز لأحد الشركاء أن يزيد في السلعة المشتركة، ولا يُعد هذا من النًّجش.
النهي عن المحاقلة والمزابنة وما أشبهها:
772 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، وعن الثُنيا إلا أن تُعلم ".رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وصححه الترمذي.
قال: "نهى عن المحاقلة" النهي قال العلماء: هو طلب الكف على وجه الاستعلاء، يعني: أن يطلب منك الناهي شيئًا لتكف عنه على وجه الاستعلاء، فإن كان على وجه الاستجداء فهو سؤال ودعاء، وإن كان على وجه الالتماس، فهو التماس، ولهذا قالوا: إن كان من أعلى إلى أدنى فهو نهي، ومن أدنى إلى أعلى فهو سؤال، ومن مماثل لمماثل فهو التماس، "نهى"، النهي هنا طلب الكف على وجه الاستعلاء، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منا أن نكف عن هذه الأشياء.
أولًا: "المحاقلة" مفاعلة من الحقل وهو الزرع أو مكان الزرع، كما قال رافع بن خديج: كنا أكثر الأنصار حقلًا، فهو الزرع أو مكان الزرع، وكما تعلمون أن المحاقلة مفاعلة تدل على اشتراك
في الفعل، لأن كلمة مفاعل تدل على المشاركة، فما هي المحاقلة؟ قلنا: إنها من الحقل وهو الزرع أو مكان الزرع، نقول:"أل" في قوله: "المحاقلة" وفيما بعدها للعهد الذهني، يعني: أن المحاقلة أمر معهود عندهم، يأتي الإنسان فيبيع حقله على الآخر بحقله، مثاله: عندي مزرعة وعندك مزرعة فبعتها عليك بمزرعتك وكلتاهما بُرّ، فهذا لا يجوز، لماذا؟ لأن بيع البُرّ بالبر يُشترط فيه التماثل كيلًا، والتماثل هنا - والسنبل على رءوس سُوقه - لا يمكن فهو متعذر، إذن هذا فيه ملاحظة الربا، أما الجهالة فليس فيه جهالة؛ لأنه معلوم، ولهذا لو باع الزرع بدراهم جاز، فهو من باب الربا؛ لأن بيع البُرّ بالبُرّ لا يجوز إلا مع التساوي كيلًا والتقابض، مع أن هنا قد حصل التقابض، لأنه أعطاني المزرعة وأعطيته المزرعة، ولكن فات شيء آخر وهو التساوي أو التماثل.
صورة أخرى للمحاقلة: يبيع الزرع على شهر في بُرّ محصود يابس هذا أيضًا لا يجوز، لماذا؟ لتعذر العلم، فإذا فرضنا أن البُرّ المحصود معلوم فإن الزرع غير معلوم فيكون قد باع بُرًا غير معلوم ببُر معلوم فلا يجوز.
الثاني: "المزابنة" من الزبن، وهو الدفع بشدة، كأن كل واحد من المتبايعين يدفع العِوض للآخر دفعًا بشدة، أي: بسرعة.
وما هي المزابنة نقول: "أل" فيها للعهد، أي عهد؟ الذهني، وهي بيع معلوم عندهم، وفُسر بأن يبيع العنب بالزبيب، مثاله رجل عنده شجر أعناب، وآخر عنده أكياس من الزبيب، فقال أحدهما لآخر: نتبايع هذه الأشجار من الأعناب بهذه الأكياس من الزبيب، نقول: هذا نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ملاحظًا فيه الربا؛ لأن بيع العنب بالزبيب لا يجوز، إذ إنه يُشترط التماثل، والتماثل هذا معدوم، لأنه لو فرضنا ان اكياس الزبيب معلومة المقدار، لكن اشجار العنب غير معلومة المقدار، فلو قال: نخرص هذه العنب بمثل ما يئول إليه، قلنا: الخرص في هذا الباب لا يجوز إلا العرايا، ومثل ذلك أيضًا في المزابنة مثلها: إذا باع رطبًا على رءوس النخل بتمر من الزنابيل والأواني فإنه لا يجوز، لأن بيع التمر بالتمر يُشترط فيه التماثل، والتماثل بين الرُطب والتمر متعذر غير معلوم، فيكون هذا حرامًا ملاحظًا فيه جانب الربا.
الثالث: "المخابرة" وهي مأخوذة من الخبر، يعني: الزرع، والخبير الزارع مأخوذ من الخيارة، وهي في الأصل: الأرض الرخوة يزرع فيها الحب، والمخابرة "أل" فيها أيضًا للعهد، والمراد بها: المزارعة الفاسدة، ولها صور: الأولى: أن يقول: زراعتك على أن يكون لك البر ولي الشعير، هذا لا يجوز لماذا؟ لأن فيه غررًا قد يكون بالعكس.
الصورة الثانية: أن يقول: زراعتك على أن يكون لي شرقي الأرض ولك غريبها، هذا أيضًا لا يجوز لماذا؟ للجهالة والغرر؛ لأنه قد يكون المحصول كثيرًا من الشرق دون الغرب أو بالعكس، والمشاركات مبناها على المساواة، وهنا لا تسوية.
الصورة الثالثة: أن يقول: زراعتك على أن يكون لي مائة صاع من المحصول والباقي لك هذا أيضًا لا يجوز لماذا؟ للجهالة أيضًا؛ لأن هذا الزرع ربما لا يأتي منه إلا مائة صاع، وحينئذ يكون صاحب المائة صاغ غانمًا، والثاني غارمًا، وربما يكون في تقديرنا أنه يأتي ألفًا من الأصواع، فتكون نسبة المائة إلى الألف العُشر، ثم يأتي عشرة آلاف صاع فتكون نسبة المائة عُشر العُشر، وحينئذ يكون الذي اشترط المائة صاع غارمًا، وهذا لا يجوز في باب المشاركات.
الصورة الرابعة: أن يقول: زراعتك على هذه الأرض خمس سنين، على أن تكون السنة الأولى لي والثانية لك، والثالثة لي، والرابعة لك، والخامسة بيننا، فهذا لا يجوز لماذا؟ للجهالة والغرر؛ لأنها قد تكون خمس سنوات؟ لا، لو قال: لك سنة ولي سنة لا يجوز، لكن ذكرناه على سبيل المثال.
الخامس من صور المخابرة الممنوعة: أن يقول: لك ثمرة النخل الذي على البِركة، والباقي لي، أو لك ثمر النخل الذي على السواقي، والباقي لي، فهذا أيضًا لا يجوز لماذا؟ للجهالة. إذن ما هي المخابرة الجائزة؟ المخابرة الجائزة: أن تكون بجزء معلوم مُشاع يعني: شائعًا في كل أجزاء المحصول مثل العُشر، الربع، النصف، ثلاثة أرباع، واحد من مائة، عُشر العُشر، يعني: هذا لا بأس به، لأننا إذا اشترطنا ذلك اشترك الجميع في المغنم والمغرم، فصارت المخابرة المنهي عنها خمسة أقسام تدور كلها على الغرر والجهالة، وأن أحد الشريكين يكون غانمًا والآخر يكون غارمًا، فإن أجّره الأرض بدارهم وقال: خُذ هذه الأرض كل سنة تعطيني عشرة آلاف ريال، فهل يجوز او لا؟ يجوز؛ لأن هذا من باب الإجارة، والزارع يزرع ويحصل قليلًا أو كثيرًا ما علينا، حتى لو لم يزرع فأجرتي ثابتة؛ لأن هذا من باب الإجارة ولهذا قال رافع بن خديج:"فأما الورق فلم ينهنا"، يعني: تأجير الأرض بالفضة، "فلم ينهنا" يعني: رسول صلى الله عليه وسلم.
قال: "وعن الثُنيا" على وزن صُغرى أو كبرى وليست على وزن ثريا كما في شرح سبل السلام (1)، قال: إنه عن الثُنيا على وزن ثريا، وهذا ليس بصحيح، ولا ادري من أين جاء هذا الضبط المعروف في القاموس وغيره أنها بالضم ثم السكون على وزن صُغرى يعني: عن الثُنيا، المراد بالثُنيا: الاستثناء، "إلا أن تعلم" يعني: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم في البيع عن الثُنيا إلا أن يكون.
الاستثناء معلومًا؛ وذلك لأنه إذا لم يكن الاستثناء معلومًا دخل الغرر المنهي عنه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر.
كيف الثنيا المعلومة والثنيا غير المعلومة؟ الثنيا المعلومة أن يقول: بعتك هذا الشيء إلا نصفه فهذا معلوم، إلا ربعه معلوم، فإذا قال: بعتك هذا البيت إلا ربعه، هذا البستان إلا ربعه معلوم، بعتك هذه العشر نخلات إلا عشرها معلوم، كل جزء مشاع يعين فهو معلوم، بعتك هذه النخلات العشر إلا واحدة مجهول لا يصح؛ لأن هذه الواحدة لا ندري ما هي أهي الطويلة وعينتها يصح؛ لأن هذا معلوم، بعتك هذا البيت إلا جزءًا منه لا يجوز هذا لأنه مجهول، فكان لابد من علم المستثنى، بعتك الشاة إلا رأسها معلوم، لو فرض أن هناك شاة لها رأسان وقال: إلا أحد رأسيها، إذا كان رأساها متساويين فهذا معلوم، لكن إذا كان واحد صغيرًا وواحد كبيرًا فهذا مجهول، إذا قال: بعتك هذه الشاة إلا حملها، هذا مجهول، ولهذا قال الفقهاء: إنه لا يصح؛ لأن الحمل مجهول، ولكن الصحيح في هذه المسألة أنه يصح؛ لأنه وإن كان استثناء لكنه في الحقيقة استبقاء، فإن الحمل جزء منفصل عن الأم، وكما أنه يصح أن أبيع عليك الحائل يصح أن أبيع عليك هذه الحامل إلا جنينها لأني إذا بعتها عليك إلا الجنين كأني بعت عليك حائلاً، إذ أن الجنين جزء منفصل مستقل قائم بنفسه، بعتك هذه الشاة إلا قلبها، مجهول، ولهذا قال العلماء: إنه مجهول، وكذلك بعتك هذه الشاة إلا كبدها يقولون: إنه مجهول فلا يصح، ولو قيل بالصحة لم يكن بعيدًا؛ لأن هذين العضوين يكادان يكونان معلومين، والاختلاف قريب يسير.
القاعدة الآن في باب الاستثناء أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم، بعتك هذه الكومة من البر إلا ثلاثة أصواع؟ في خلاف المذهب يقول: لا يصح، وعللوا ذلك بأن الثنيا معلومة، لكن الباقي بعدها مجهول غير معلوم، واستثناء المعلوم من المجهول يصيره مجهولاً، بعتك هذه الكومة إلا نصفها هذا يجوز؛ لأنه مشاع، لكن إلا ثلاثة أصواع فهذا لا يجوز؛ لأن ذلك يؤدي إلى جهالة المبيع، وهو الباقي بعد ثلاثة الأصواع، قد أتصور أنه سيبقى بعد ثلاثة أصواع ثلاثون صاعًا، ولا يبقى إلا سبعة وعشرون صاعًا فيقولون: هذا يختلف، ولكن الصحيح أن هذا من الثنيا المعلومة؛ لأن الرسول نهى عن الثنيا إلا أن تعلم، الذي يعلم ما هو؟ المستثنى، فإذا كان المستثنى معلومًا فلا بأس، وهنا نعلم أن هذه الكومة من الطعام تزيد عن
كتاب البيوع
المستثنى بكثير، نحن استثنيا ثلاثة أصواع وهي تأتي ثلاثمائة صاع، فالصحيح أن استثناء المعلوم من المجهول لا بأس به، كالمثال الذي ذكرنا، بعتك هذه الأرض إلا أربعين مترًا يصح، مثل هذه المسألة الحكم فيها كالحكم في السابقة، المهم إذا كانت تختلف سواء ذات الأرض أو جهات الأرض باعتبار الشوارع فإنه في هذه الحال يحتاج إلى أن يعين.
إذن يستفاد من هذا الحديث: النهي عن هذه الأشياء: المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، والثنيا إلا أن تعلم، وقد علمنا في أصول الفقه أن النهي يقتضي الفساد، وعليه فإذا جرت العقود على هذه العقود المنهي عنها فهي فاسدة؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها، والنهي يقتضي الفساد وإذا كان النهي يقتضي الفساد فإن التعامل بهذه الأشياء يكون فاسدًا.
إذن من فوائد الحديث: تحريم هذه المعاملات التي تفضي إلى النزاع والخصومة وحمل الأحقاد.
ومن فوائده: جواز الاستثناء في كل عقد من البيوع وغيرها بشرط أن يكون معلومًا، فإن كان مجهولًا فإنه لا يصح، وهذا في عقود المعاوضات واضح، وفي عقود التبرعات قد نقول بالجواز؛ لأن عقود التبرعات ليس فيها ما يثير العداوة والبغضاء، فلو قال الإنسان لشخص: وهبتك هذا الشيء إلا بعضه فيتوجه الجواز ويعين الواهب البعض الذي استثناه؛ لأن الموهوب لم يخسر شيئًا، إن سلم له الكل فذاك، وإن لم يسلم له إلا أقل القليل فهو رابح على كل حال.
773 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة، والمخاضرة، والملامسة، والمنابذة، والمزابنة"، رواه البخاري.
كل هذه أيضًا أنواع من البيع فيها غرر وجهالة أو احتمال ربا.
"المحاقلة" وهي مأخوذة من الحقل، وتفسر في هذا الحديث بما فسرت به في الحديث السابق.
"المخاضرة" مأخوذة من الخضار، وهي: أن يبيع الحب قبل أن يشتد، يعني وهو أخضر، فهذا لا يجوز، وذلك أنه يؤدي إلى الغرر، فقد يصاب هذا الحب بآفات، ويحصل في ذلك نزاع بين المشتري والبائع، مثاله: رجل عنده مزرعة قد خرجت السنابل وباعها قبل أن يشتد حبها، فهذا لا يجوز إلا إذ باعها على أنها علف بشرط القطع، فهذا يجوز لأنها معلومة وقد بيعت لغرض حاضر فصح البيع، أما إذا بيعت على أنها تكون حبًا قبل أن يشتد فالغرض منها مؤجل، ولهذا إذا باع الزرع وقصده أن يكون علفًا وشرط القطع فلا بأس بذلك، أما إذا باعه على أن يكون حبًا فهذا لا يجوز حتى يشتد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك.
"والملامسة": أن يقول: أي ثوب لمست فهو لك بكذا، أي شاة تلمس فهي لك بكذا، أي نخلة تلمس فهي لك بكذا، هذا مجهول، مثلًا يغطي عينيه ويقول: اذهب إلى قطيع الغنم أي شاة تلمسها فهي عليك بمائة، فذهب فأمسك شاة فإذا تساوى خمسمائة، يكون الغابن من؟ المشتري، لأنه يبعث عليه بمائة ريال وهي تساوي خمسمائة، ومرة أخرى غطى عينيه وقال: أي شاة تلمسها فهي عليك بمائتين، فوقعت يده على شاة تساوي خمسين، فمن الغابن؟ البائع، إذن لا يجوز للغرر والجهالة، وهذا يؤدي إلى النزاع والعداوة والبغضاء.
كذلك أيضًا لو قال: أي ثوب تلمسه ولو لم يغط عيناه فهو بكذا فإنه لا يجوز؛ لأن هذا وإن علم لدى المشتري فهو مجهول لدى البائع؛ لأن البائع لا يدري أي ثوب يلمس، هذا الإنسان عنده ثياب متنوعة بعضها بمائة وبعضها بألف وبعضها بعشرة ريالات، فقال: أي شيء تلمسه من هذه الثياب فهو لك بخمسين، أخبروني أي ثوب يختاره هذا المشتري؟ أغلى شيء، فيأخذ الثوب الذي يساوي ألفًا على كل حال فهذا مجهول.
"المنابذة": أن يقول أي ثوب أنبذه؛ لأن النبذ بمعنى: الطرح، أي ثوب أنبذه فهو عليك بكذا، ما الذي يختاره البائع؟ أدنى ثوب، والمشتري يكون مغبونًا، فلا يصح، أو يقول مثلًا: انبذ حصاة أو عودًا أو ما أشبه ذلك، فعلى أي ثوب يقع فهو لك بكذا، فهذا لا يجوز.
إذن للمنابذة صورتان:
الأولى: نبذ المبيع.
والثانية: أن ينبذ شيئًا على المبيع، وكلتاهما باطلة، المزابنة سبق تفسيرها.
هذه المعاملات هل إذا وقعت من إنسان تكون حرامًا ويصح العقد أو هي حرام ولا يصح العقد؟ الثاني: هي حرام ولا يصح العقد، حرام للنهي عنها، ولا يصح العقد؛ لأن النهي منصب على نفس الفعل، وإذا كان النهي موجه إلى نفس الفعل فإن ذلك يقتضي بطلانه؛ لئلا يحصل التفاضل والتناقض، إذ كيف يمكن أن يكون هذا الفعل منهيًا عنه مأذونًا فيه في وقت واحد، لو قلنا بذلك لقلنا بإمكان الجمع بين النقيضين، وهذا أمر مستحيل، فنقول الآن: لو أن إنسانًا باع ببيع محاقلة أو مزابنة أو مخابرة أو استثنى ما لم يعلم أو بيع ملامسة أو منابذة أو مخابرة لكان البيع فاسدًا لوقوع النهي عنه، كم هذه من أنواع؟ سبعة أنواع من البيع نهى عنها الشرع بعضها يومئ إلى الربا وبعضها يومئ إلى الجهالة والميسر.
من فوائد الحديث: النهي عن المحاقلة والمزابنة وقد سبق والنهي عن المخابرة وذلك أن الحب قبل أن يشتد يكون عرضة للتلف، ولأن الحب قبل الاشتداد لو أتى برد شديد هلك فهو عرضة للآفات، فيكون في ثمراته مخاطرة، والمخاطرة منهي عنها شرعًا.