الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الذي معنا وأمثاله إنما يعني به من حيث الإطلاق، أما إذا وجدت توجب أن تفضل المفضول على الفاضل فهذه الأمور لها حكمها الخاص.
ومن فوائد الحديث: جواز إخبار الإنسان عما عنده من المال، لكن بشرط ألا يقصد بذلك المباهاة والمفاخرة، والدليل على ذلك قول الرجل:"عندي دينار""عتدي آخر"، "عندي آخر"، ولم يعنفه الرسول صلى الله عليه وسلم بل أقره، لكن ينبغي أن يكون هذا إذا لم يقصده على سبيل المفاخرة والمباهاة وإلا فلا إثم، ينبغي أيضًا ألا يخشى بذلك ضررًا، فإن خشي بذلك ضررًا فإنه لا ينبغي أن يخبر بذلك، مثال ذلك: لو كان عندك مال كثير وأخبرت زوجتك بأن عندك ملًا كبيرًا هذا قد يكون فيه ضرر، ما هو الضرر؟ كلما شاهدت عند الناس شيئًا قالت: أعطا مثله، فتفتح عليك بابًا، وكذلك أيضًا ضررًا آخر: حكي لي أن بعض الناس في زمن سبق كان معه كيس فيه تين صرصار، وكان معه صاحب له في السفر، فصاحبه في السفر ظن أن الذي معه دراهم أو دنانير فطمع فيه- والعياذ بالله- فحدثته نفسه أن يقتله، ويأخذ هذا الكيس، يقول: فلما كان ذات يوم ذهب بعيدًا، ثم جاء يقول: أعطني البندق إني رأيت أرنبًا، فكان هذا الرجل ذكيًّا ثم إنه أحس منه برائحة نتنة؛ لأن الإنسان إذا كان عنده شيء من الفتنة ظهرت رائحته، وهذا قد جرب في الأسفار، يقول: فلما قال: هات البندق، يقول: شممت رائحة خيانة، يقول: أخذت الكيس، وقلت: هنا ليس بدراهم هذا تين صرصار، قال: لا، أبدًا ما قصدت هذا. القصد من هذا: أنك لو خشيت ضررًا على نفسك فلا ينبغي، أمَّا إذا كانت المسألة مأمونة فلا بأس بذلك.
حكم صدقة المرأة من مال زوجها:
606 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة؛ كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئًا". متَّفقٌ عليه.
الحمد لله هذه نعمة كبيرة، هذا شيء واحد صار الأجر فيه لثلاثة: أولًا: المرأة. والثاني: الزوج. والثالث: الخادم. فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها"، كلمة "المرأة" هنا هل المراد بها: الزوجة أو ما هو به أعم؟ الثاني، يعنى: المرأة القائمة على البيت، سواء كانت الزوجة أو الأم، قد يكون الرجل ليس له زوجة، ولكن له أم وهو الذي يأتي بالمال، أو له أخته المهم ممكن أن نقول: إن المرأة هنا: ربة البيت، سواء كانت الزوجة أو غيرها.
وقوله: "من طعام بيتها" هذا الإمكان يمنعه ما في آخر الحديث، وهو قوله:"ولزوجها" وعلى هذا فيكون المراد بالمرأة بناء على القرينة في آخر الحديث: الزوج.
وقوله: "من طعام بيتها" الإضافة هنا إليها على سبيل التملك، أو الاختصاص؟ الثاني، وأن البيت ملك لزوجها، وليس لها.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "غير مفسدة" هذه حال من المرأة؛ يعني: أنفقت حال كونها غير مفسدة؛ يعني: لا تريد إلا الإصلاح، لا تريد إفساد المال وتبذيره على غير وجه مشروع، بل هي تنفق على فقير، على قريب وما أشبه ذلك. المهم: أنها غير مفسدة، وهذا شرط أساسي في كل ما يطلب به الأجر، فكل ما يطلب به الأجر إذا كان مقترن به الفساد فإن الله تعالى لا يرضاه لأن الله يقول:{والله لا يحب الفساد} [البقرة: 205]. {والله لا يحب المفسدين} [المائدة: 64].
وقوله: "كان لها أجرها بما أنفقت"، الباء هنا للسببية، أي: أجر إنفاقها وإعطائها، والثاني قال:"ولزوجها أجره بما اكتسب" الباء أيضًا هنا للسببية؛ لأن الزوج هو الذي اكتسب المال وأحضره إلى البيت، وهى التي أنفقت وتبرعت فلها أجر الإنفاق ولزوجها أجر الاكتساب، وهنا الجهة واحدة أو مختلفة؟ الطعام واحد، لكن الجهة مختلفة؛ لأن هذا اكتساب وذالك إنفاق، قال:"وللخازن" وهو بمعني: الخادم؛ لأن الذي يخزن الطعام ويضعه في مكانه هو خادم.
يقول: "وللخازن مثل ذلك" أي: مثل أجورهم، لكن له أجر الخزانة، لأنه لا اكتسب المال ولا أنفقه، لكن قائم على حفظه فله أجر الحفظ، وهذه- كما ترون- الأجور مختلفة الأسباب.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئًا"، وهذا من نعمة الله عز وجل لا يقال للخادم: أجرك ينقص؛ لأن المال من غيرك، ولا يقال للمرأة: أيضًا أجرك ينقص؛ لأن المال من غيرك، فإذا كان الزوج قد أمر بذلك فله أجر، الأمر أيضًا مع أجر الاكتساب؛ لأن الأجور إنما تصدر من الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى حكم عدل يعطي الإنسان أجره بقدر عمله مع الفضل في الحسنات لكن ما يعطي أحدًا حسنات غيره وإنما يعطي كل إنسان حسناته ويأجره بقدر أجره، هذا الحديث- كما ترون- فيه ثلاثة كلهم أجروا بقدر أعمالهم، وهذا هو حقيقة العمل.
فيستفاد منه عدة أمور أولًا جواز إنفاق المرأة من طعام البيت بشرط أن تكون غير مفسدة.
ثانيًا: أن لها أجرا في ذلك.
ثالثًا: ظاهر الحديث أن هذا ثابت وإن لم يأذن زوجها بذلك، ولكن يشترط أن يكون هذا داخلًا فيما يقتضيه العرّف أي: فيما جرت به العادة؛ لأن ما جرت به العادة مأذون فيه غرفًا، والقاعدة الشرعية أن ما أذن فيه عرفًا فهو كالذي أذن فيه نطقًا، فإن تصدَّقت بأكثر مما جرت به