الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحريم الطيب على المحرم، وهذا الحديث يدل على جواز استعمال الطيب عند الإحرام، ولازم ذلك أن يبقى الطيب في الإشارة بعد إحرامه، بل صريح ذلك كما جاء في حديث آخر قال:"كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم"، "ويص" بمعنى: البريف واللمعان وهو محرم.
فيستفاد من حديث عائشة: أن استدامة الطيب للمحرم ليست حرامًا وهذا صحيح، والعلماء أخذوا من هذا قاعدة وقالوا: إن الاستدامة أقوى من الابتداء، فالطيب للمحرم استدامته جائزة وابتداؤه لا تجوز، الرجعة للمحرم -يعني: إذا راجع زوجته وقد طلقها- جائزة وابتداء عقد النكاح لا يجوز، وهذه القاعدة صحيحة وسليمة.
وقول عائشة: "كنت أطيب" يستفاد منه: أنه يجوز للرجل أن يستخدم زوجته في حوائجه الخاصة كالتطيب.
وقولها: "ولحله قبل أن يطوف بالبيت" يستفاد منه: أن المحرم يحل في الحج قبل أن يطوف البيت، ولكن هذا الحل هو التحلل الأول أو الأصغر كما يعبر عنه بعض الناس، أما الثاني فلا يكون إلا بعد الطواف والسعي.
ويستفاد من الحديث: أنه لا حل قبل الطواف، وأنه لا يحل التحلل الأول برمي جمرة العقبة كما قال به كثير من أهل العلم، فالصواب أنه لا يحل إلا بالرمي والحلق أولًا؛ لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ذكر الحلق ضعيفًا، ولكن يؤيده حديث عائشة هذا فإنها قالت:"ولحله قبل أن يطوف"، ولو كان يحل قبل الحلق لقالت: ولحله قبل أن يحلق. ثانيًا: أننا إذا قلنا: لا تحل إلا بعد الحلق كان ذلك أحوط، فإنه لو أخر الحل إلى ما بعد الحلق لم يقل أحد: إنك آثم، ولو حل قبل أن يحلق لقال له كثير من العلماء: إنك آثم، فيكون هذا أحوط وأبرأ للذمة.
ويستفاد من هذا الحديث أيضًا: أنه ينبغي للإنسان أن يتطيب عند حله وهذه سنة، كثير من الناس إما أنه يجهلها أو يفرط فيها.
النهي عن النكاح والخطبة للمحرم:
698 -
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب". رواه مسلم.
"لا" نافية، لكن النفي هنا بمعنى النهي، ويقع النفي موقع النهي إثباتًا له كأنه قبل: إن هذا
أمر منتف لا جدال فيه، بخلاف ما لو جاء بصيغة فقد يمتثل وقد لا يمتثل، فإتيان الأمر بصيغة الخبر المنفي يكون أثبت وأبلغ.
قوله: "لا ينكح المحرم" هل هو الرجل أو المرأة؟ يشمل الرجل والمرأة، فالرجل لا يعقد على امرأة، والمرأة لا يعقد لها على رجل، "ولا ينكح" يعني: ولا ينكح غيره، وهذا يدل على أنه لا يكون وليًا في عقد النكاح، فلو أن الولي كان محرمًا والزوج والزوجة محلين فعقد الولي فهذا حرام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"ولا ينكح".
قال: "ولا يخطب"، الخطبة أن يخطب امرأة إلى نفسه فيتزوجها فلا يحل له أن يخطب، أما العقد فلأنه وسيلة قريبة إلى الجماع، وأما الخطبة فلأنها وسيلة إلى العقد فالخطبة وسيلة إلى العقد، والعقد وسيلة إلى الجماع، والجماع معروف أنه محرم، فحرمت هذه الأشياء الثلاثة سدًا للذريعة، وهما ذريعتان أولى وثانية: الخطبة ذريعة أولى، والعقد ذريعة ثانية.
ولهذا نقول: هذا الحديث يدل على تحريم هذه الأشياء الثلاثة: النكاح، والإنكاح، والخطبة في حال الإحرام؛ لأنها وسيلة إلى الجماع الذي هو أشد محظورات الإحرام إثمًا وأثرًا، هل نقول: إنه تحرم المباشرة من باب قياس الأولى، أو نقول: إنها حرام بالنص من باب قوله تعال: {فَلا رَفَثَ} ؟ الثاني: فالرفث الجماع ومقدمات الجماع، إذ الجماع من المحظورات، والجماع قبل التحلل الأول يترتب عليه خمسة أمور: الإثم، وفساد النسك، ووجوب الاستمرار فيه، والفدية وهي بدنة، والخامس: قضاؤه من العام القادم. هذه خمسة أمور تترتب على الجماع إذا كان قبل التحلل الأولى، وهذه كلها تثبت بآثار عن الصحابة رضي الله عنهم وبآثار مرفوعة فيها مقال، لكن يترتب عليه هذه الأمور الخمسة، المباشرة لاشك أنها دون الجماع، ولذلك لا يجب بها حد الزنا، ولا يحرم إنكاح من باشر امرأة بدون زنا فما الواجب فيها؟ قال بعض العلماء: إن أنزل فالواجب فدية ولكن لا تفسد النسك، فدية يعني: بدنة، والصحيح أنه لها يجب بها بدنة، وإنما هي كفدية الأذى بناء على ما قاله جمهور أهل العلم، الإنكاح والنكاح والخطبة هذه الثلاثة حرام؟ نقول: الأصل في النهي التحريم، وعليه فلو تزوج المحرم رجلًا كان أو امرأة فالعقد فاسد، لأن النهي عاد إلى ذات الشيء، والنهي إذا عاد إلى الشيء أو إلى شرطه يقتضي الفساد إذ إننا لو قلنا بصحة المنهي عنه لكان في ذلك مضادة لله ورسوله؛ لأن لازم التصريح النفوذ والنهي يقتضي التحريم، فالذين قالوا: إن الثلاثة حرام، قالوا: لأن مساق الحديث واحد، فلا يمكن أن نفرق بين ثلاثة أشياء جمع الشارع بينها، والذين قالوا: إن الخطبة مكروهة قالوا
إن كونها وسيلة أدنى من كون العقد وسيلة؛ لأن الخطبة وسيلة للعقد؛ فهي وسيلة بالدرجة الأولى فلا تساوي الوسيلة بالدرجة الثانية، فكانت الخطبة مكروهة، وهذا الثاني هو المشهور من المذهب، ولكن القول بأنها حرام هو الأقرب؛ لأن الحديث سياقه واحد والتفريق بين شيئين سياقهما واحد والنهي فيهما واحد، لمجرد علة قد تكون هي العلة الملحوظة للشارع، وقد لا تكون هذا أمر لا ينبغي، فنقول: لا تخطب وأنت محرم، بل أصبر حتى، تحل؛ لأنك لو خطبت الآن لست تعقد.
هل على النكاح والإنكاح والخطبة للمحرم فدية؟
الآن نقول: هذه الأشياء حرام هل فيها فدية؟ يقول أهل العلم: إنه لا فدية فيها حتى المشهور من المذهب أن لا فدية فيها، يقولون: لأنه إنما ورد النهي عنها ولم يرد فيها إيجاب الفدية براءة للذمة، وهذا التعليل واضح، لكن يجب أن ينسحب هذا التعليل على جميع المخطورات التي لم ترد فيها فدية حتى لا تتناقض، أما أن نتناقض نقول: هذا فيه فدية وهذا ليس فيه فدية فهذا غير صحيح.
قد يقول قائل: عقد النكاح ليس فيه ترفه.
نقول: كيف ليس فيه ترفه، هذا الإنسان إذا عقد له النكاح يتضاحك ويسر وهذا من أكبر الترفه، على كل حال يعني: هذا يدلنا على أن الأصل في كل المحظورات إذا لم تقرن بوجوب الفدية من جهة الشارع فما الأصل؟ براءة الذمة.
لكن لو قال لك قائل: ألا يمكن أن نعامل الناس بالتربية، ونقول: لنفرض أن المشرع لم يدل على وجوب الفدية، إلا يليق بنا أن نعامل الناس بالتربية، ونقول: ما دام هذا قول جمهور العلماء فلنفت به الناس لئلا يتساهلوا؛ لأنك لو قلت لواحد مثلًا: عليك أن تستغفر الله لما فعلت من المكروه ولا عليك شيء لرأيت كثيرًا من الناس يتساهلون ويقولون: ما دام الأمر "استغفر الله وأتوب إليه" فليس بضار، فلو أن أحدًا سلك هذا المسلك كما سلكه بعض أهل العلم حيث أراد أن يفتي ابنه بشيء فقال: إما أن تفعل وإلا أفتيتك بقول فلان وهو أشد مما أفتاه به.
أقول: لو أننا سلكنا هذا المسلك وهو الذي أن أسلكه لكان هذا جيدًا لكن نحن نتكلم فيه باعتبار أن الذين أمامنا طلبة علم، ويجب أن نبين للإنسان ما يراه أنه الحق والفتوى شيء والعلم شيء آخر.
إذن من محظورات الإحرام: عقد النكاح وخطبة النكاح، خطبة النكاح تكره أيضًا لكن الأصل