الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخيار أو لا؟ الجواب: في ذلك تفصيل إن كان عالمًا بالحكم فلا خيار له على أنه مستهتر أو متهاون، وإن كان غير عالم فله الخيار.
ففي هذا الحديث: لو أن رجلًا باع عبدًا واشترط على المشتري أنه إن أعتقه فالولاء له فوافق المشتري، من المعلوم أن القيمة سوف تنقص، البائع إذا كان بيعه بلا شرط بمائة، يبيعه بشرط تسعين فينقص من أجل الشرط، هذا رجل باعه فقلنا: إن هذا الشرط باطل ولا يمكن الوفاء به، فهل نقول للبائع: الخيار إن شاء أمضى البيع بتسعين وإن شاء ردّه، فيه التفصيل الذي ذكرنا، إن كان يعلم أن هذا الشرط فاسد فإنه لا خيار له؛ لأنه دخل على بصيرة، وإن كان لا يعلم لظنه أنه شرط صحيح فله الخيار هذا هو القول الراجح، وقال بعض العلماء: لا خيار له مطلقًا؛ لأنه فرَّط، ولأن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يجعل لهؤلاء خيارًا -لأهل بريرة-؛ لأن من المعلوم أن بريرة عتقت تحت ملك عائشة، ولكن الصحيح أن له الخيار إذا كان جاهلًا، وظاهر الحديث أن أهل بريرة كانوا قد علموا ذلك لكنهم تجرءوا بدليل قوله: "خذيها
…
إلخ"، وبدليل أن الرسول خطب واستنكر هذا الشيء، ومثل هذا الأمر لا يكون إلا يعد أن يعلم أن الأمر متقرر عندهم.
ثم قال وعند مسلم قال: "اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء"، هذه الأوامر الثلاثة ليست للوجوب ولا للاستحباب ولكن للإباحة، يعني: لا بأس أن تشتريها ولو كانت مكاتبة، ويستفاد من هذا اللفظ: أن المكاتب يجوز بيعه وأنه يجوز عتقه وهو كذلك، فيجوز بيع المكاتب ويقوم مشتريه مقام مكاتبه، وإذا أعتق فالولاء للمشتري، وإذا شاء المشتري أن يعجل عتقه فله ذلك.
حكم أمهات الأولاد:
758 -
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: "نهى عمر عن بيع أمَّهات الأولاد فقال: لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، يستمتع بها ما بدا له، فإذا مات فهي حرَّةٌ". رواه مالكٌ والبيهقيُّ، وقال: رفعه بعض الرُّواة، فوهم.
النَّهي سبق لنا أنه طلب الكف على وجه الاستعلاء.
فإن قال قائل: وهل لعمر أن ينهى ويأمر في شرع الله؟
قلنا: له ذلك بمقتضى خلافته، لا على أنه تشريع كما سيأتي -إن شاء الله- في بحث المسألة، فالنهي هنا؛ لأنه ذو سلطان، والسلطان له حق الأمر والنهي فيما تقتضيه السياسة والمصلحة لقوله
تعالى: {ياأيُّها الَّذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول وأولى الأمر منكم} [النِّساء: 59]. ومن المعلوم أن ما أمرنا به من طاعة ولاة الأمور ليس هو ما أمر به في الأصل؛ لأن ما أمر به في الأصل نحن مطيعون له سواء أمروا أم لم يأمروا، ولو قيل -كما قال بعض الناس-: إذا أمرونا بشيء لا نطيعهم؛ لأن هذا خلاف الشرع، إذن لماذا تطيعهم؟ قال: أطيعهم فيما أمر الله به إذا قالوا: صلِّ، قلت: سمعًا وطاعة، وإذا قالوا: زكَّ، قلت: سمعًا وطاعةً، وإذا قالوا: حجَّ سواء أمروك أم لم يأمروك، لكن لو قال: المسير من اليسار دائمًا أو من اليمين دائمًا، قال: لا {هو الَّذى جعل لكم الأرض ذلولًا فامشوا فى مناكبها} [الملك: 15]. أنا أمشي [في أي جهة] ماذا نقول؟ نقول: عصيت الله؛ لأن الله يقول: {أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول وأولى الأمر منكم} [النِّساء: 59]. إذا خالفوا الشرع مثل أن قالوا: اليوم لا تصلّ مع الجماعة؛ لأنه يوجد شغل هو شغل لا يحتاج لترك الجماعة ماذا نقول؟ لا سمع ولا طاعة.
على كل حال: نحن نقول: إن عمر نهى باعتباره حاكمًا لا مشرِّعًا؛ لأنه خليفة رضي الله عنه، ثم هو أيضًا أحد الخلفاء الذين أمرنا باتباعهم، قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين"، وقال:"اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر"، وقال -فيما ثبت في صحيح مسلم-:"إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا"، هذه مزية ليست لغيرهم.
"أمهات الأولاد" من هن؟ قال العلماء: أمُّ الولد من أتت من سيدها بما تبيّن فيه خلق الإنسان، يعني: السرية التي جامعها سيدها وحملت منه ووضعت ما تبين فيه خلق الإنسان، فإن وضعت كاملا حيًّا هذه أيضًا أمُّ ولد، فإذن هي التي أتت من سيدها تبين فيه خلق الإنسان، وأقل ما يتبين فيه خلق الإنسان أربعون يومًا لا تبين قبل هذا لقوله:"إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك -كم هذه؟ ثمانون يومًا- ثم يكون مضغة"، يتكامل مضغة عند تمام الأربعين وهو قبل أن يكون مضغة لا يمكن أن يتبين فيه خلق الإنسان، يعني: أن تتباين أعضاؤه، وإن كان يوجد في المضغة خطوط تدل على مكان
العظام، يعني: يتكون شيئًا فشيئًا حتى يكون متميزًا، لكن المراد بخلق الإنسان الذي يتميز بحيث يرى الرأس واليد والرجل الأعضاء ترى كاملة هذا نقول: هي أمُّ ولد، فإن وضعت قبل ذلك فليست أم ولد.
يقول: "نهى عن بيع أمهات الأولاد"، والذي يبيعها هو سيدها لا يجوز أن يبيعها، قال:"لا تباع"، فسر النهي فقال:"لا تباع ولا توهب"، لو أننا رجعنا إلى قواعد اللغة العربية لوجدنا أن "لا تباع" ليس فيها نهي، لماذا؟ لأنها لو كانت "لا" ناهية لجزم الفعل ولو جزم الفعل لقيل:"لا تبع" لكنه نفي بمعنى النهي، "لا تباع ولا توهب"، "ولا تورث" هنا فسّر الشيء بما هو أعّم منه يقول:"نهى عن بيع أمهات الأولاد فقال: لا تباع"، فإن اقتصر على هذا لكان المفسّر مطابقًا للمفسّر، لكنه زاد قال:"ولا توهب"، والهبة: هي التبرع بالمال بلا عوض، يعني: ولا يعطيها أحدًا بلا عوض، "ولا تورث"، يعني: لا تنتقل بالموت إلى الورثة، ماذا تكون بعد الموت؟ قال:"إذا مات فهي حرة"، فيكون هذا السيد يستمتع بها في حياته كما يستمتع بالزوجة تمامًا؛ لأنها ملك يمين، فإذا مات فهي حرة حتى وإن لم يخلف غيرها، يعني: ليست كالمدبَّر تكون من الثلث هذه تكون من رأس المال، بمعنى: أنه لو لم يخلِّف غيرها لعتقت، مثال ذلك: رجل تسرّى بأمته ثم أتت منه بالولد ثم مات فتكون هي حرة، قال الورثة: لا يمكن أن تكون حرة؛ لأنه ليس له سواها، قلنا: بلى؛ لأن سبب العتق سابق على سبب الإرث وهو الإيلاد، سبب الإرث متأخر وهو الموت، فانعقاد سبب الحرية بها سابق على الموت، وحينئذٍ تعتق كلها، فإن لم يخلف سواها.
يقول: "رفعه بعض الرواة فوهم"، "رفعه"، يعني: إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجعله من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه واهم، والوهم هو أن يتخيل الإنسان الشيء على خلاف ما هو عليه فينطق به بلسانه أو يفعل بأركانه ما يقتضيه في ذلك الوصف هذا الوهم.
إذن حكم أمهات الأولاد على ما قاله عمر أنه لا ينقل فيها الملك لا ببيع ولا هبة ولا ميراث، مع أن الميراث ملك قهري، والحقيقة أننا ينبغي أن نقف على هذه الأمثلة: البيع عقد معاوضة اختياري، الهبة عقد تبرع اختياري، الميراث انتقال ملك قهري، فذكر الأشياء كلها، يعني: لا ينقل ملكها لا بمعاوضة ولا بتبرع ولا بملك صحيح.
من فوائد الحديث: جواز ذكر الإنسان والده باسمه العلم لقول ابن عمر: "نهى عمر"، وابن عمر رضي الله عنه من أشد الناس ورعًا قاله رضي الله عنه من تسمية أبيه باسمه فإنه صحيح، أي: أنه جائز ولا مانع منه، لكن كره بعض العلماء أن ينادى الإنسان أباه باسمه، يعني: لا تقول لأبيك إذا كان اسمه عبد العزيز، لا تقول: يا عبد العزيز، بل تقول: يا أبت، ولا على لغتنا القصيمية (يبت).
على كل حال: ما تقول باسمه، هل هناك مستند؟ قالوا: نعم، إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال لأبيه:{ياأبت} مع أن أباه كان كافرًا، قال: يا أبت أضافه إلى نفسه، والله عز وجل يقول للأمة:{لَّا تجعلوا دعاء الرَّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} [النُّور: 63]. يعني: لا تنادوا محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، قولوا: يا رسول الله بالوصف، إذن فالمناداة باللقب أبلغ في الإكرام من المناداة بالاسم العلم، فلهذا تخبر عن أبيك بأنه قال كذا، لكن لا تناديه باسمه العلم؛ لأن هذه طريقة الأنبياء، إبراهيم يقول:{ياأبت} ، ولأن هذا أبلغ في الإكرام.
ومن فوائد الحديث: أن سنة عمر رضي الله عنه المنع من بيع أمهات الأولاد أو نقل ملكهن بهبة أو بميراث، وهو كذلك، ولكنه رضي الله عنه نهى عن هذا بمقتضى السلطة والخلافة لا بمقتضى الشرع؛ لأنه لا يشرع خلاف ما كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيع أمهات الأولاد كان جائزًا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وأول خلافة عمر، لكن لما رأى الناس قد انتهكوا حرمة هؤلاء الأمهات فصاروا يبيعونهن وصبيانهن يجرون خلفهن يبكون عليهن؛ لأن أولاد أمهات الأولاد أحرار لا يمكن أن يباعوا، فإذا باع الأم بقي الأولاد مساكين ليس عندهم أم تروح بهم، فلما رأى عمر ذلك رضي الله عنه رأى من السياسة أن يمنع من بيعهن، إذن النهي عن بيع أمهات الأولاد ليس لمعنى في الأم، لكن لما يترتب عليه من التفريق بين الوالدة وولدها ويحصل بذلك من كسر قلب الأم وضياع الأولاد ما تقتضي السياسة الشرعية أن يمنع منه، ومن المعلوم أن الإنسان قد يمنع من التصرف في ماله لحق الغير، أليس قد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حجر على معاذ في ماله؟ نعم، قد مرّ علينا أن الرسول حجر عليه منعه من التصرف فيه، فما فعله عمر رضي الله عنه نوع من الحجر ليس تشريعًا عامًّا، وبناء على ذلك فلو مات ولدها يجوز بيعها؟ يجوز بيعها، وبناء على ذلك نقول: إذا مات ولدها جاز بيعها؛ لأن المنع من البيع ليس لمعنى يتعلق بالأم، ولكن لمعنى يتعلق بالأولاد مع الأم، وهذا المعنى إذا مات الأولاد زال فجاز بيعهن.
ومن فوائد الحديث أيضًا: بيان فقه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه؛ لأن منع الإنسان من التصرف في ماله أمر جاءت به الشريعة، وهذا من تمام فقهه ودقة فهمه، ونظير ذلك من بعض الوجوه منعه المطلق ثلاثًا من مراجعة زوجته من أجل أن يحجر على الناس هذا النوع من الطلاق؛ لأن الإنسان إذا علم أنه إذا طلق ثلاثًا بانت منه الزوجة سوف يمسك، لكن إذا علم أنه إذا طلق قيل له: هي واحدة راجع، ما يهمه أن يطلق ثلاثًا ولا يبالي، لكن إذا منع امتنع من الطلاق الثلاث.
ومن فوائد الحديث: حسن سياسة أمير المؤمنين عمر؛ لأنه نهى عن بيع أمهات الأولاد.
ومن فوائد الحديث أيضًا: أن أم الولد يجوز لسيدها أن يستمتع بها ما بدا له؛ لأنها ملكه.
ومن فوائده أيضًا: أن أم الولد لا تعتق بمجرد الولادة؛ لقوله: "فإذا مات فهي حرة".
ومن فوائد الحديث: أن أم الولد تعتق بموت السيد، وإن لم يخلّف سواها فيكون عتقها من رأس المال لا من الإيلاد لعموم قوله:"فإذا مات فهي حرة".
ومن فوائد الحديث: جواز هبة الرقيق وبيعه؛ لأنه نهى عن بيع أم الولد وهبتها، فدلّ ذلك على أن الأصل في الرقيق أن يباع ويوهب وهو كذلك.
فإن قال قائل: أليس في هذا ظلم للإنسان وهضم لحقوقه؛ لأن الإنسان بشر كيف تضع القلادة في عنقه وتقول: من يسوم، فما الجواب؟
نقول: هذا الإنسان هو الذي أذل نفسه وأذل عائلته، لماذا؟ بالكفر؛ لأن سبب الرّق هو الكفر، فلما كفر صار ذليلًا، يعني: هو ذهب يتحرر من رق عبادة الله فوقع في رق عباد الله، كما أن أصل تحرره أنه تحرر من عبادة الرحمن إلى الرق في عبادة الشيطان:{ألم أعهد إليكم يابنى ءادم أن لَّا تعبدوا الشَّيطان إنَّه لكم عدوٌّ مُّبينٌ (60) وأن اعبدوني} [يس: 61]. الكفار الذين لم يعبدوا الله عبدوا الشياطين فهم مساكين ذهبوا من عبادة الخالق إلى عبادة المخلوق، ذهبوا من عبادة ولي الذين آمنوا إلى عبادة عدو الذين آمنو وهو الشيطان.
ومن الفوائد: فيما ساقه المؤلف أن بعض الرواة يقع منهم الوهم، ولهذا مرّ علينا في مصطلح الحديث من أسباب ردّ الحديث الطعن في الراوي، الراوي قد يهم؛ لأن الإنسان بشر قد ينقلب عليه الحديث قد يقدم فيه ويؤخر، قد يزيد فيه قد ينقص، قد يجعله مرفوعًا وهو موقوف أو موقوفًا وهو مرفوع.
ولكن ما الميزان الذي نزن به أوهام الرواة وعدم أوهام الرواة هذا مشكل؟ نقول: الشريعة -ولله الحمد- فيها قواعد ثابتة ونصوص قوية واضحة، فما جاء مخالفًا لهذه النصوص القوية الواضحة فنحن نحكم عليه بالوهم والشذوذ مثل ما قال أهل العلم يشترط لصحة الحديث ألا يكون معللًا ولا شاذًّا، فإذا جاءنا راوٍ ثقة لكن مخالف لمن هو أرجح منه إما بالعدد، وإما للحفظ وإما في العدالة نقول في حديث هذا الرجل: إنه شاذ إذا جاء الحديث من رجل أوله وآخره متناقضان عرفنا أن الراوي لم يضبط ومنه -على ما اختاره ابن القيم وأنا اختاره أيضًا وإن كان لا نسبة بيني وبينه- حديث: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه"، فإن هذا الحديث متناقض أوله وآخره على هذه
الصورة؛ لأن أوله: "إذا سجد فلا يبرك كما يبرك البعير"، والبعير إذا برك يقدم يديه لا شك، فإذا قال:"وليضع يديه قبل ركبتيه" صار متناقضًا للأول نعرف أنه وهم، لماذا لا نجعل الوهم في الأول ونقول:"وليضع يديه قبل ركبتيه" هذا هو المحفوظ؟ نقول: لأن الشارع جرت عادته بالنهي عن التشبه بالحيوان، قال:"لا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب"، "لا يلتفت كالتفات الثعلب"، "لا ينقر كنقر الغراب"، فإذن عرفنا أن الأول هو الثابت والثاني منقلب وأن صوابه:"وليضع ركبتيه قبل يديه"، لكن يأتينا رجل من أجهلكم بلغتك فيقول: ركبة البعير في يديه، فإذا قال:"لا يبرك كما يبرك البعير" معناه: لا يبرك على ركبتيه فيكون أنتم جاهلون بلغتكم، ثم إذا حملنا الحديث على هذا المعنى ما صار فيه تناقض اتفق أوله وآخره فليكن هذا هو الحق، قلنا: هذا صحيح نحن معك في أن ركبتي البعير في يديه ولا أحد ينكر هذا، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم وفصاحة اللسان ونصاعة البيان قال:"فلا يبرك كما يبرك"، ولم يقل: فلا يبرك على ما يبرك، لو قال: لا يبرك على ما يبرك عليه البعير، لقلنا: هذا صحيح لا يبرك على الركبتين، لكن قال:"كما يبرك" والكاف للتشبيه، فالمراد: أن تكون هيئته عند السجود كهيئة البعير عند البروك، أما نفس العضو المبروك عليه فهذا ما تعرض إليه الحديث، أنا أقول هذا من أجل أن الإنسان عندما تأتيه مثل هذه الأحاديث عليه أن يقيسها بالأحاديث الأخرى الثابتة التي تعتبر في السُّنة إبانًا، لو جاءنا حديث رواه أبو داود يخالف ما رواه البخاري ومسلم مخالفة لا يمكن الجمع فيه فنقدم ما رواه البخاري ومسلم، فلهذا المؤلف رحمه الله يقول:"رفعه فوهم"، إذن الوهم يجري على الرواة ولا شك ونحن ننظره في أنفسنا دائمًا، نتوهم بما ندركه بالسمع وبما ندركه بالبصر وبما ندركه بالقلب، الوهم جارٍ على ابن آدم في كل الحواس.
759 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: "كنَّا نبيع سرارينا، أمَّهات الأولاد، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حيٌّ لا يرى بذلك بأسًا". رواه النَّسائيُّ، وابن ماجه والدَّارقطنيُّ، وصحَّحه ابن حبَّان.
"السراري" جمع سريَّة، وهي الأمة التي يطأها سيدها، قد تلد منه وقد لا تلد، قد تلد كما حصل لمارية القبطية رضي الله عنها حيث تسرَّاها النبي صلى الله عليه وسلم فأتت منه بولد وهو إبراهيم، وقد لا تلد، ولكنَّ جابرًا رضي الله عنه يقول:"أمهات الأولاد"، فصرّح بأنها أم ولد، وأنهم كانوا يبيعونها والنبي صلى الله عليه وسلم حيٌّ لا يرى بذلك بأسًا، وهذا إقرار من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان قد علم بذلك، أو من الله إن كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم؛ لأن الله إذا لم ينزل الإنكار على عمل عمل في عهد نزول الوحي دلّ هذا على الجواز فيه.