الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعدود، وكل ما بيِّن نوع المعدود فهو تمييز، و"الخريف" السَّنة وهو أحد فصول السَّنة؛ لأن فصول السَّنة؛ لأن فصول السَّنة أربعة: ربيع، وصيف، وخريف، وشتاء. كم للربيع من برج؟ الحمل والثور والجوزاء هذا للربيع، السرطان والأسد والسنبلة هذه للصيف الذي نسميه القيظ، الميزان والعقرب والقوس هذه للخريف، الجدي والدلو والحوت للشتاء، هذه البروج، يعني: مصطلح عليها من قديم، يعني من قبل زمن الرسالة، كل برج له نصيب من مطالع النجوم وهي ثمانية وعشرون مطلعًا، ثمانية وعشرين كل يوم ينزل القمر منها منزلة ويبقى ليلتين، ليالي الاستفسار يكون دائرًا حتى يرتحل إلى المنزلة الثانية في أول الشهر، على كل حال الخريف هو أحد فصول السَّنة بين الصيف والشتاء.
قوله: "سبعين خريفًا" هل المراد بالسبعين حقيقتها أو المراد المبالغة؟ الظاهر: أن المراد حقيقتها؛ لأنه لا وجه للمبالغة هنا.
يستفاد من هذا الحديث: فضيلة الصوم في سبيل الله، وعلى الاحتمال الثاني فضيلة الإخلاص، وأن اليوم المخلص فيه يكون ثوابه أكبر.
وفي الحديث: إثبات النار لقوله: "باعد الله
…
" إلخ، وهل هي موجودة الآن؟ نعم، بدلالة الكتاب والسُّنة وإجماع السلف، أما الكتاب ففي قوله تعالى:{واتقوا النار التي أعدَّت للكافرين} [آل عمران: 131]. والإعداد بمعنى: التهيئة، ومن السُّنة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم عرضت عليه النار وهو يصلي صلاة الكسوف حتى تأخر مخافة أن يصيبه من لفحها، ورأى فيها الناس يعذبون رأى عمرو بن لحي الخزاعي، ورأى صاحب المحجن الذي يسرق الحجاج بمحجنه، ورأى صاحبة الهرة التي حبستها، وهل هي مؤبدة؟ نعم، هي مؤبدة أبد الآبدين لا تنقطع ولا ينقطع عذابها ولا يخرج منها أهلها، قال الله تعالى في آيات ثلاث من القرآن:{خالدين فيها أبدًا} .
فضل الصوم في شعبان:
649 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتَّى نقول: لا يفطر، ويفطر حتَّى نقول: لا يصوم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهرٍ قطُّ إلا رمضان، وما رأيته في شهرٍ في شهرٍ أكثر منه صيامًا في شعبان". متفق عليه، واللَّفظ لمسلمٍ.
عائشة رضي الله عنه وغيرها من أمهات المؤمنين، عندهن من العلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ما ليس عند غيرهم، ولهذا كان النفر الثلاثة الذين سألوا عن عمل النبي صلى الله عليه وسلم في السر، إنما سألوا
زوجاته لأنهن أعلم، وهذا من فوائد تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يحفظن من أعماله في السر ما لا يحفظه غيرهن.
تقول: "كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر" يعني: يصوم ويسرد الصوم، ويكثر الصوم، وعلى العكس من ذلك:"ويفطر حتى نقول: لا يصوم"، وهذا غير الصيام المعتاد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتاده كالإثنين والخميس مثلًا، أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر هو أحيانًا يصوم ويسرد الصوم، وأحيانًا يفطر حتى يقال: لا يصوم، وأقول: إن هذا في غير الصيام الذي كان يعتاده، لماذا ينوِّع؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يتعلق به مصالح كثرة؛ لأنه إمام الأمة وقائدها وتعتريه أشغال وأحوال يكون فيها بعض العبادات أفضل من بعض، فيراعي النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أفضل، ولهذا نحن نجزم أنه ما خرج مع كل جنازة، ولا صام كل يوم، ولا يومًا وأفطر يومًا، بل لما عرض على عبد الله بن عمرو أن يصوم يومين ويفطر يومًا قال:"نود لو أن قدرنا على ذلك"، فالرسول صلى الله عليه وسلم له أحوال وأعمال تقتضي أن يفطر، وله أحوال وأعمال تقتضي له أن يصوم، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون سائسًا لنفسه إذا رأى فيها إقبالًا على عمل ما -وهو عمل صالح-يفعل ما لم يشغلها عن فريضة، إذا رأى منها فتورًا على هذا العمل وإقبالًا على آخر فعل، حتى يكون دائمًا مع نفسه في عبادةٍ بدون أن يلحقها الملل والتعب.
قاعدة مهمَّةٌ:
ومن هنا أخذ العلماء تلك القاعدة المشهورة وهي: "قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل"، كل ذلك باعتبار المصالح، ويجب أن نستثنى الفرائض فهي ليس عنها بديل، لكن التفاضل إنما هو في أعمال التطوع، قد يكون هذا الشخص يصوم ونقول: الصوم لك أفضل، وهذا الشخص يفطر ونقول: الفطر لك أفضل، وقد يكون نفس الواحد منا نقول في هذه الأيام: الصوم لك أفضل، وفي هذه الأيام الفطر لك أفضل حسب الحال، حتى قال العلماء: لو أن طالب العلم إذا صام حصل له الكسل والتعب ولم يجد نشاطه في طلب العلم، قالوا: فالأفضل له أن يفطر؛ لأن العلم أفضل من الصوم، وكذلك أيضًا لو أن الإنسان رأى أنه تعب أو ملَّ من الصلاة ويجب أن ينام؛ فنقول له: نم فالنوم أفضل، كذلك رجل تعب من الصلاة وأحبَّ أن يقرأ نقول: القراءة أفضل لك، رجل تعب من القراءة وأحب أن يصلي نقول: الصلاة أفضل لك، ولهذا لو سألنا سائل ينتظر صلاة الجمعة وقد أتى مبكرًا، ما تقولون؟ هل
الأفضل لي أن أصلي أو أقرأ القرآن؟ فنقول: أما بالنظر للعمل من حيث هو عمل فالصلاة أفضل، ولكن بالنسبة لحالك انظر ما هو أصلح لك، قد تكون إذا قمت تصلي يفوتك التدبر والتأمل والخشوع، ويشغلك الشيطان بالوساوس، وإذا جلست تقرأ حصل لك من التأمل والتدبر والتأمل والخشوع ما لم يحصل لك وأنت تصلي، فنقول هنا: القراءة أفضل.
وتقول رضي الله عنها: "وما رأيته استكمل صيام شهر قط إلا رمضان"، إذا الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصوم شهر المحرم، مع أنه قال لما سئل: أيُّ الصوم أفضل؟ قال: "شهر الله المحرم"، وهو صلى الله عليه وسلم وإن صام في المحرم لا يستكمله قطعًا؛ لأنها تقول:"ما استكمل صيام شهر قط إلا رمضان".
قالت: "وما رأيته في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان"، وظاهر كلامها حتى في المحرم أنه يصوم في شعبان أكثر من صيامه في المحرم، لماذا؟ قيل: لأن هذا الشهر شهر يغفل فيه الناس بين رجب ورمضان، فأحب صلى الله عليه وسلم أن يكون فيه متعبدًا قائمًا، وقيل: بل لأن شعبان في مقدمة يدي رمضان فالصيام فيه بمنزلة الراتبة للصلوات، وقيل: من أجل أن يمرن نفسه على الصوم ليستقبل رمضان، وقد تمرن على الصوم، ولو قال قائل: لأنه يصوم من أجل هذه العلل ولغيرها مما لا نعلمه، لكان له وجه؛ لأن تعدد العلل غير ممتنع، بل تعدد العلل مما يزيد الحكم قوة.
من فوائد الحديث: أن عمل النبي صلى الله عليه وسلم بحسب المصالح، يؤخذ من قولها:"كان يصوم حتى .... " إلخ.
ومن فوائده: أنه ينبغي للإنسان أن يسوس نفسه في العمل الصالح ويرودها على العمل ويتبع ما هو أنفع.
فإن قلت: كيف نجمع بين هذا الحديث وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل"؟
فالجواب أن يقال: لا تعارض؛ لأننا لا نقول: اترك العمل هكذا، بل نقول: اتركه لعمل آخر لمصلحة لغيره، وأنت إذا تركت العمل الذي تداوم عليه لمصلحة أو لعذر، فكأنك لم تتركه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا" كأنما فعله، وحينئذٍ لا منافاة بين الحديث.
ومن فوائد الحديث: فضيلة الصوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر منه حتى يقال: لا يفطر، ومن فضيلته: أن للصوم تطوعًا مقيدًا وتطوعًا مطلقًا، ما معنى مقيد؟ يعني: مخصوص بيوم معين وصوم غير مخصوص بيوم معين، لكن سيأتينا -إن شاء الله- أن بعض الأيام يحرم صومه مفردًا
ومجموعًا، وبعض الأيام ينهى عن صومه مفردًا ولا مجموعًا.
ومن فوائد الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم شهرًا كاملًا قط إلا رمضان.
هل يؤخذ من الحديث: أن تحريم الزوجة ليس بظهار؟ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى من نسائه شهرًا وأتمَّ الشهر وحرَّم العسل، وأمر بأن يكفر كفارة يمين، وقلنا: إن الصواب: أن التحريم يشمل الزوجة وغير الزوجة، وكفارة تحريم المرأة -الزوجة- كفارة يمين، المهم: أن الواقع أنه لا يمكن أن يؤخذ من هذا الحديث: أن تحريم المرأة ليس بظهار، وجه ذلك: أن يقال: إن من خصال كفارة الظهار صوم شهرين متتابعين، وهذا أيضًا لا يصح، لماذا؟ قد يقال: لو فرض أن تحريم الزوجة ظهار فإن الرسول قد يعتق، ولا يلزم أن يصوم شهرين متتابعين.
يؤخذ من هذا الحديث: ألَّا يصوم في التطوع شهرًا كاملًا، لكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم سنة وتركه سنة، لو أنه صام يومًا أو أفطر يومًا مدى الدهر فهذا أفضل الصيام، ولا يقال: إنك صمت شهرًا كاملًا.
ومن فوائد الحديث: مشروعية إكثار الصوم في شعبان لقولها: "وما رأيته في شهر
…
"إلخ، هل يؤخذ منه: بيان ضعف الحديث الذي رواه أبو هريرة: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"؟ نعم، كيف ذلك؟ لأنه كان يكثر الصيام في شعبان، وفيه مناقشة الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل" مع أن عائشة كانت تقول: "إنه كان يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم"، كيف الجمع؟ حتى لو ثبت عندنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم في شهر المحرم أكثر من شعبان؛ لقلنا: إن عائشة رضي الله عنها حكت ما رأت، ونفي هذه الرؤية لا يمنع رؤية غيرها، لكن لم يثبت عندنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم المحرم كاملًا، بل قال في آخر حياته: "لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع"، وهذا مما يرد قول النووي رحمه الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم علم بفضل المحرم قبل وفاته فلم يصمه. على كل حال: نقول كما قال ابن القيم وجماعة من أهل العلم: إن شهر المحرم أفضل الشهور في الصيام المطلق، وشهر شعبان صوم مقيد؛ لأنه لرمضان بمنزلة الراتبة؛ والرواتب للفرائض أفضل من النوافل المطلقة، وعلى هذا فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم في شعبان؛ لأنه كالمقدمة بين يدي رمضان فهو كالراتبة له، فيكون رمضان محفوفًا بصيامين: صيام شعبان، وستة أيام من شوال، وأيضًا للحديث هذا ألفاظ أخرى منها: "كان يصومه كله"، وفي لفظ: "كان يصومه إلا قليلًا"، هذا أيضًا يدل على ضعف حديث أبي هريرة المذكور، وأيضًا الإمام أحمد رحمه الله أعله بحديث: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين".
650 -
وَعَن أَبِي ذَرًّ رضي الله عنه قَالَ: "أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَن نَصُومَ مِنَ الشَّهر ثَلاثَةَ أَيَّامٍ: ثَلاثَ عَشرَةَ، وَأَربَعَ عَشرَةَ، وَخَمسَ عَشرَةً". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالتَّرمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ.
"أمرنا"، الأمر: هو طلب الفعل على وجه الاستعلاء؛ لأن الأمر إن كان من الأعلى إلى الأدنى فهو أمر، ومن الأدنى إلى الأعلى سؤال، ومن المماثل للمماثل التماس، الأمر هنا للإرشاد وليس للوجوب، والأيام الثلاثة نصف الشهر، يعني: في منتصف الشهر، وتُسمَّى أيام البيض، أي: أيام الليالي البيض؛ وسُميَّت الليالي فيها بيضًا لابيضاضها بنور القمر، واختير هذا- وسط الشهر- لأن فيه مصلحة طبية للبدن؛ لأن الدم في هذه المُدة يفور ويزداد، والصيام في هذه الأيام يقلل من مضرته، فإن الدم كما يُقال: يتبع القمر؛ يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، والقمر أكثر ما يكون امتلاء بالنور في هذه الأيام الثلاثة فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيامها.
ولكن صيام الأيام الثلاثة من كل شهر له جهتان.
الأولى: استحباب صيام الأيام الثلاثة مطلقًا.
الجهة الثانية: أن تكون في هذه الأيام، فاستحباب الأيام الثلاثة ثبتت من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فقد كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وقال:"صيام ثلاثة من كل شهر صيام الدهر كله"، ولكنها غير مُعيَّنة تصوم أول يوم، والحادي عشر، والتاسع والعشرين، فهذا يصح، تصوم الرابع، والخامس، والسادس، أو الخامس عشر، والسادس عشر، والسابع عشر، أو الخامس والعشرين، والسادس والعشرين، والسابع والعشرين، كل هذا يصح، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر لا يُبالي أفي أول الشهر صامها أو وسطه أو آخره".
إذن الوجه الثاني: أن تكون الثلاثة في هذه المدة المُعينة وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، ونظير ذلك الوتر سُنة من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، ولكن كونه في آخر الليل أفضل لمن يقوم آخر الليل، فهنا نقول في الأيام الثلاثة من كل شهر: هي سُنة مطلقًا وكونها في هذه الأيام الثلاثة أفضل، كما أن الصلاة في أول وقتها أفضل، والوتر في آخر الليل أفضل، فهذا اختيار وقت فقط، وإلا فهي مشروعة في أي وقت من الشهر.
يستفاد من هذا الحديث: أن الأمر قد يُراد به الإرشاد، وجه ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان