الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- وهل له نظير في اللغة العربية؟
- يقال: شرى واشترى، أيهما البائع؟
- ما هي البينة؟
- ما هو ربُّ السلعة في الحديث، وهل هناك قول آخر؟
وقبل أن نبدأ شرح حديث جديد أحب أن أنبه على وهم وقع لنا في المثال السابق في حديث ابن مسعود لعلكم انتبهتم له، المشتري والبائع اختلفا في قدر الثمن، فقال البائع: إنه مائة، وقال المشتري: إنه ثمانون، من الذي يدعي الزيادة؟ البائع، وعلى هذا فهو المدعي، وأظن أننا ذكرنا أن الذي يدعي الزيادة هو المشتري.
ونكمل أيضًا فوائده -أي: الحديث الماضي نقول-: إنه إذا اختلف المتبايعان وكان لأحدهما بينة، فالقول قول من معه البينة لقوله:"وليس بينهما بينة".
ومن فوائد الحديث: أن جميع الاختلافات يرجع فيها إلى قول البائع، فإن رضي بذلك المشتري وإلا فسخ البيع، هذا هو ظاهر الحديث، ولكن هذا الحديث ليس على ظاهره بالإجماع. ففيه مسائل لا يكون فيها القول قول البائع بالاتفاق، وعلى هذا فيكون عموم الحديث مخصوصًا بالأدلة الأخرى، والضابط: أن كل من ادعى خلاف الأصل فهو مدعٍ يحتاج إلى بينة، وكل من تمسك بالأصل فهو منكر وعليه اليمين، هذا هو الضابط، وينزل هذا الحديث مع حديث: "البينة على المدعي
…
إلخ" ينزل على هذا الأصل، وهذا الأصل أصل عظيم دلت عليه نصوص كثيرة من الكتاب والسُّنة.
النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن:
751 -
وعن أبي مسعودٍ رضي الله عنه: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغيِّ، وحلوان الكاهن". متَّفقٌ عليه.
النهي: هو طلب الكف على وجه الاستعلاء بلفظ المضارع المقرون بـ"لا"، فلا بد أن نقيد؛ لأننا لو لم نقيد لكان قول القائل: اجتنب كذا نهيًا مع أنه ليس بنهي، بل هو أمر بالاجتناب، لكن لو قلت: لا تفعل كذا هذا هو النهي، وعلى هذا فنقول في التعريف: طلب الكف على وجه الاستعلاء بصيغة مخصوصة هي المضارع المقرون بلا الناهية، وإنما قيدناه بذلك لئلا يدخل فيه الأمر بالترك أو بالاجتناب، فإن هذا لا يسمى نهيًا في الاصطلاح، وإن كان يقتضي معناه.
قال: "نهى عن ثمن الكلب"، يقال: ثمن، ويقال قيمة فهل بينهما فرق؟ الجواب: نعم،
الثمن ما وقع عليه العقد، والقيمة ما يقوم به الشيء في عامة أوصاف الناس مثال ذلك: اشتريت منك هذا الكتاب بعشرة، يسمى هذا ثمنًا، لو رجعنا إلى الكتاب في السوق وجدناه يساوي ثمن القيمة تمامًا، لو رجعنا إليه فوجدناه باثني عشر فتكون القيمة اثني عشر، فما كانت قيمته في عامة الناس يسمى قيمة، وما يقع عليه العقد يسمى ثمنًا.
إذن "نهى عن ثمن الكلب"، أي: عن عقد البيع عليه المتضمن للثمن، ونحن قلنا هذا لفائدة نذكرها -إن شاء الله تعالى- في الفوائد، وهي ما إذا أتلف الكلب هل يضمن بقيمة أو لا.
وقوله: "الكلب" هو حيوان معروف سبع يفترس، وهو أخبث الحيوانات وأنجسها؛ لأن نجاسته لا بد فيها من سبع غسلات إحداها بالتراب، والخنزير كغيرة من الحيوانات الأخرى يغسل حتى تزول النجاسة بدون تسبيع وبدون تراب، وقوله:"الكلب"، "أل" هنا للعموم فيشمل كلَّ كلب سواء كان أسود أم غير أسود معلَّمًا أم غير معلم، يجوز اقتناؤه أو لا يجوز اقتناؤه؛ لأن الحديث عام:"ثمن الكلب" عام لكل كلب.
قال: "ومهر البغي" البغي: فعيل بمعنى فاعل، والمراد بها: الزانية، وحذفت منها التاء؛ لأن الوصف خاص بها كما حذفت التاء من المرضع والحامل التي في بطنها الولد بخلاف الحاملة التي تحمل على رأسها شيئًا، ولهذا يفرق بين قول القائل: امرأتي حاملة وامرأتي حامل، إذا قال: امرأتي حامل، أي: في بطنها ولد معروف، أمَّا إذا قال: امرأتي حاملة فيقول القائل: ماذا تحمل؟
إذن البغي نقول: هي المرأة الزانية، وحذفت التاء لاختصاص الوصف بها، والبغاء: الزنا، قال الله تعالى:{ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} [النور: 33]. بمعنى: البغي، المراد بذلك: أجرة الزنا، وسمي مهرًا؛ لأنه يعطي الزانية عوضًا عن الاستمتاع بها، فأشبه المهر الذي يبذله الإنسان في النكاح الصحيح.
قال: "وحلوان الكاهن" يعني: عطيته، وهو: ما يعطاه الكاهن على كهانته، وسمي حلوانًا، مأخوذ من الحلو؛ لأنه يكسبه بدون تعب وبدون مشقة فهو حلوٌ في اكتسابه، والكاهن: من يتعاطى الكهانة، وهو الذي يخبر عن المغيبات هذا هو الكاهن، مثل أن يقول للشخص: سيأتيك ولد، ستربح اليوم كذا وكذا، سيحدث بعد أيام كذا وكذا، وما أشبه ذلك من علوم الغيب، وكان الكهان معروفين في الجاهلية يتحاكم الناس إليهم؛ لأنهم يأتون بعلوم غيبية يطابقها الواقع، فإن كل واحد منهم له رئيٌ من الجن يصعد إلى السماء ويستمع أخبار السماء ثم ينزل بها إلى صاحبه في الأرض فيأخذ منها ما يأخذ ويضيف إليها ما يضيف ويحدث الناس، فإذا صدق في كلمة من عشر كلمات عظموه وجعلوه حكمًا بينهم. والرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالصدق مائة في المائة ومع ذلك نبذوه وكذبوه، وهؤلاء الكهان الذين تنزل إليهم الشياطين
معظمون عندهم يتحاكمون إليهم، فيعطونهم عند التحاكم ما يعطونهم من الأجرة، وتسمى حلوان الكاهن، فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن حلوان الكاهن، النهي هنا هل هو نهي للباذل أو للآخذ؟ يعني: نهى أن نعطي ثمنًا على الكلب أو أن نأخذه؟ من الذي سينتفع؟ كل منهما سينتفع لكن الذي سينتفع بالثمن هو الآخذ، فيكون النهي منصبًّا عليه بالذات، لكنه يشمل البائع؛ لأنه معين على الباطل، والمعين على الباطل مشارك لفعله، ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله فمثلًا: النهي في الأصل منصبٌّ على الآخذ وهو الذي يأخذ الثمن، لكن المعطي وهو البائع يدخل من باب أنه ساعد هذا وأعانه على الشيء المحرم.
وعلى كل حال: نحن الآن نقول: البائع هو الذي يأخذ الثمن، فيكون النهي هنا منصبًّا على البائع في الأصل، لكن المشتري يمنع من ذلك ويحرم عليه أو ينهى عن ذلك؛ لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، كذلك أيضًا مهر البغي من المنهي؟ كالأول، المهر من الذى ينتفع به؟ الجواب: الزانية فهي الآخذة، إذن ننهى عنه في الأصل ويكون ذلك بالتعاون والتبعية، "حلوان الكاهن"، الكاهن هو الذي سينتفع به، ويكون لذلك من باب التبعية والمعاونة.
وفي هذا الحديث عدة فوائد: الأولى: تحريم ثمن الكلب، ويؤخذ من قوله:"نهى عن ثمن الكلب"، والأصل في النهي التحريم.
ومن فوائده أيضًا: أن ظاهر الحديث شمول النهي عن ثمن الكلب ولو كان معلَّمًا يصاد به؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستثن، بل لو قال قائل: إن دخول كلب الصيد والحرث والماشية يدخل في الحديث دخولًا أوليًّا، لو قال قائل هكذا لقلنا: هذا هو الصواب، لماذا؟ لأن غير هذه الكلاب لا تباع ولا تشترى، وبهذا نعرف أن استثناء كلب الصيد والحرث والماشية لا وجه له؛ لأنه كيف نأخذه من العموم والظاهر أنه هو المراد، فإن وجدنا شخصًا عنده كلب ماشية وأبى أن يعطيه أحدًا يحتاج إليه إلا بثمن، قلنا: هنا يجوز أخذه منه استنقاذًا، والإثم على الآخذ البائع الذي باع الكلب، مع أن البائع الذي باع الكلب إذا كان مستغنيًا عنه لا يحتاج إليه حرم عليه اقتناؤه فضلًا عن بيعه.
ومن فوائد الحديث: أن الكلب غير متقوَّم؛ يعني: لو أتلف كلب الصيد أو الحرث أو الماشية فلا قيمة له شرعًا؛ لأنه لو كان له قيمة لجاز له الثمن، إذ إن القيمة عوض عن العين المتلفة، والثمن عوض عن العين الفائتة عن صاحبها، وفي كلٍّ منهما حرمان لصاحب الكلب من منفعته، وهذا القول هو الراجح أنه لا قيمة له وأن إتلافه هدر، فإن قال صاحب الكلب الذي أتلف كلبه: كلبي غالٍ عندي، أحيانًا يقول البدوي: كلبي يساوي ولدي غالٍ عندي جدًّا
ما أتركك إلا برقبة هذا الرجل -نعوذ بالله- فماذا نقول؟ مثل هذه الحال يعطى إن وجد كلب مثل كلبه، وإلا فيعطى ما يهوّن غضبه دفعًا للشر والفتنة.
ومن فوائد الحديث: خبث الكلب، ولهذا حرم ثمنه حتى مع جواز الانتفاع به، أما الحمار يشترى ويباع؛ لأنه حرام هو بعينه، لكن منفعته ليست بحرام، وحينئذٍ يرد علينا إشكال فيقال: ما الفرق بين الحمار والكلب؟ لماذا جاز شراء الحمار مع تحريم عينه ونجاسته من أجل الانتفاع به في الركوب وغيره ولم يجز شراء الكلب للمنفعة المباحة من الصيد والحرث والماشية؟ الجواب أن يقال: شدة خبث الكلب هذه واحدة.
ثانيًا: أن المنفعة المباحة في الكلب ليست منفعة مباحة على سبيل الإطلاق، بل هي منفعة مباحة مقيدة بالحاجة، وأما الحمار فالمنفعة فيه مباحة على سبيل الإطلاق، يجوز أن تقتنيه وإن لم تنتفع به، لكن الكلب لا يجوز اقتناؤه ولا الانتفاع به إلا عند الحاجة، فظهر الفرق بينهما من وجهين.
ومن فوائد الحديث: تحريم مهر البغي للنهي عنه، وهو حرام على الزانية، وحرام على الزاني أن يعطيها، والحكمة من ذلك: أن هذا عوض عن فعل محرم، والقاعدة التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه"، وهذا الزنا محرم بالنص والإجماع، فما كان عوضًا عنه فهو محرم، هذا وجه.
الوجه الثاني: لو أجزنا ذلك لكان فتح باب للبغاء؛ لأن كل امرأة تحتاج إلى مال تبذل فرجها -والعياذ بالله- للبغاء للحصول على المال.
ومن فوائد الحديث: أن حفظ العرض أولى من حفظ المال، وأنه يجب المحافظة عليه أكثر، ولهذا لو رأيت إنسانًا على زوجتك يزني بها جاز لك قتله فورًا بدون إنذار، ولو رأيت شخصًا يأكل على قدرك طعامك فإنه لا يجوز لك أن تقتله مع أن هذا عشاءك ليس عندك غيره، ولكن لا يجوز قتله فتدفعه بالأسهل فالأسهل، بخلاف العرض فإنه أعظم حرمة.
ومن فوائد الحديث: تحريم البغاء، وجه الدلالة: لأنه لما حرم عوضه صار ذلك دليلًا على تحريمه، وتحريمه معلوم بنصوص أخرى، لكن نريد أن نأخذه من هذا الحديث.
ومن فوائد الحديث أيضًا: تحريم الكهانة للنهي عن أخذ العوض عليها، وتحريم أخذ العوض عليها دليل على أنها حرام؛ إذ لو كانت حلالًا لجاز أخذ العوض عليها.
ومن فوائده أيضًا: تحريم إعطاء الكاهن أجرته على الكهانة؛ لأنه نهى عن حلوان الكاهن، وهل يجوز أن آتي الكاهن بدون أجرة؟ نقول: لا، لا يجوز؛ لأن إتيان الكاهن لا فائدة منه إلا أن تستفيد مما يخبرك به، وهذا حرام كما دلّ عليه الحديث، وعلى هذا فالحديث يدل
على تحريم إتيان الكاهن؛ لأنه لا فائدة من إتيان الكاهن إلا للسؤال الذي يخبرك به عن أخبار الغيب، وهذا حرام، وسبق لنا في كتاب التوحيد أن من أتى الكاهن فهو على ثلاثة أقسام:
أولًا: أن يأتيه ليمتحنه ويبين كذبه ولعبه بالناس وهذا جائز، بل قد يكون واجبًا.
ثانيًا: أن يأتيه فيسأله ولا يصدقه فهذا حرام، ومن فعل ذلك لم تقبل له صلاة أربعين ليلة؛ لأن في هذا إغراء للكاهن وإغراء لغيره أيضًا إذا رآك الناس تأتي إليه، لا سيما إذا كان لك قيمة في المجتمع، فإن هذا يغري الناس بالإتيان إلى الكاهن.
الثالث: أن يأتيه فيسأله ويصدقه؛ فهذا كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهنًا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد".
هذه الأشياء المحرمة: ثمن الكلب، وحلوان الكاهن، ومهر البغي، محرمة على الآخذ ومحرمة على المعطي؛ يعني: لا يجوز أن يعطيه. هذا رجل جاء إلى شخص عنده كلب صيد لا يخلص في الصيد فقال: بعه عليَّ، فقال: الكلب غالٍ عندي. قال: أنا أعطيك ما تريد. قال: أبيعه بعشرة آلاف. قال: قبلت، فأخذ الكلب، ثم قال: لا أعطيك عشرة آلاف؛ لماذا يا رجل؟ قال: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، فماذا نصنع؟ نقول لهذا الرجل: إما وأن ترجع الكلب إن كان باقيًا، وإن كان تالفًا لا يمكن ترجيعه، إما أن ترجع الكلب أو أعطني الدراهم لا بد فنأخذ الدراهم منه ونجعلها في بيت المسلمين ولا نعطيها لصاحب الكلب؛ لأن صاحب الكلب لا يستحق ذلك، فإن قال صاحب الكلب: ردوا عليّ كلبي، نظرنا إن كان يحتاج إلى ذلك رددناه عليه؛ لأن هذا خدعه، وإن كان لا يحتاج إليه قلنا: أنت لست في حاجة إليه ولا يحل لك أن تقتنيه ويبقى الكلب عند من له فيه حاجة ولا نجمع له بين العوض والمعوض.
هذا رجل أيضًا وقف على باب زانية وحاورها قالت له: أبدًا لا أقبل إلا كل ليلة بمائة ريال -نعوذ بالله- فوافق الرجل، وصار يأتي كل ليلة حتى عشر ليالٍ وجمع عليها ألف ريال، ولما خلص من عشر ليالٍ قالت: أعطني الألف قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغي، فهل نوافقه على ذلك؟ نقول: -الحمد لله- أولًا: سلم ألف ريال نجعلها في بيت المال، وثانيًا: إن كنت محصنًا فالرجم، وإن كنت غير محصن جلد مائة وتغريب عام، على كل حال: هذا إذا أقر بذلك؛ لأنه قد ينكر.
على كل حال: أنا قصدي أنه لا يمكن أن يجمع له بين العوض والمعوض، وأما من قال من أهل العلم رحمهم الله: إنه لا يعطيها شيئًا فهذا نظر إلى هذه المسألة من وجه واحد. ذكرنا أن الكلب لا يجوز ثمنه، وإذا أتلف قلنا: إنه لا قيمة له شرعًا، ولكنه يعزر بسبب تعديه على ما