الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زكاة المال؛ لأنه جعلها في مقابلة الربا المشتمل على الظلم، والزكاة: بذل مشتمل على الإحسان فهذا مقابل لهذا؛ إذن لا بد أن نعرف الزكاة التي هي زكاة النفس بالمال، فما تعريفها؟
تعريف الزكاة: هي التعبد لله- سبحانه وتعالى بدفع جزء معين شرعًا من مال معين لجهة معينة، هذا التعريف فيه إبهام، حيث إنه هو مجمل يحتاج إلى شرح، فقولنا: بدفع جزء معين شرعًا هو المال الذي يجب إخراجه في الزكاة، ويختلف نوعه، فمثلًا في الذهب والفضة وعروض التجارة ربع العشر، يعني: واحد من أربعين، وذلك بأن تقسم المال الذي عندك كله على أربعين فما خرج فهو الزكاة، فإذا كان عندك أربعون ألفًا أقسمها على أربعين فيكون الذي يخرج ألفًا، عندك أربعون مليون زكاتها مليون، عندك ثمانمائة ريال أقسمها على أربعين يساوي عشرين ريال، ألف ريال تخرج خمسة وعشرين
…
وهكذا، أما زكاة الحبوب والثمار فهي إما نصف العشر وإما العشر، يعني: إما واحد من عشرة، وإما واحد من عشرين، فلو كان عندك مائة صاع- على فرض أنها يخرج فيها الزكاة- فتخرج عشرة أصواع إن كانت نصف العشر وإلا فعشرون صاعًا.
أما زكاة السائمة ففي الواقع لا مجال للاجتهاد فيها ولا للعقل؛ لأنها مطلوبة معينة لا باعتبار سهم معين كما سيأتي- إن شاء الله- فمثلًا خمس من الإبل فيها شاة، وخمس وعشرون فيها بنت مخاض من الإبل، في مائتين وواحد من الغنم ثلاث شياه، في ثلاثمائة وتسع وتسعين من الغنم ثلاث شياه، انظر الفرق مائتين وواحدة إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين كله واحد ثلاث شياه، ولهذا تقدير الزكاة في الماشية أمر تعبدي؛ لأن مسائل البهيمة زكاتها غير معقولة، يعني: ما ثبت بالعقل نسلم فيها للنص تسليمًا تامًّا، إذا عددت مائتين وواحد ففي كل مائة شاة، ففي ثلاثمائة ثلاث شياه، في ثلاثمائة وتسع وتسعين ثلاث شياه، في أربعمائة أربع شياه، إذن من (201) إلى (399) كله واحد.
فائدة الزكاة:
الزكاة فائدتها ظاهرة، فهي فيها فائدة للمخرج منه وللمُخرج إليه، أما المخرج فقد قال الله تعالى:{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103]. فهي تطهير من الذنوب لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار"، وإذا كان الرجل تصدق بدرهم صدقة تطوع فإنها تطفئ الخطيئة فإن أثرها إذا كان ذاك زكاة أعظم، ودليل ذلك قول الله تعالى
في الحديث القدسي: "ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضته عليه"، فلو سألك سائل: رجلان أحدهما تصدق بدرهم صدقة تطوع، والثاني تصدق به زكاة واجبة أيهما أفضل؟ الثاني أفضل؛ لأنه واجب، والواجب أحبُّ إلى الله تعالى من التطوع من جنسه، إذن هي تطهر من الذنوب، {وتُزكيهم بها} أي: تزكي إيمانهم وأعمالهم وأخلاقهم، أي: تزكي الإيمان؛ لأن بذل الإنسان ما يجب ابتغاء لرضا الله عز وجل لا شك أن إيمانه يزداد به، وتزكي الأعمال؛ لأن الأعمال الصالحة يزيد بها الإيمان كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، وتزكي الأخلاق، لأنه يلتحق ببذل المال بصفوف الكرماء، والكرم خلق محمود فحينئذٍ يزكو خلقه أيضًا.
أما المال فإن فائدتها- أعني: الزكاة- للمال فائدة عظيمة؛ لأنك إذا أخرجت زكاة المال بارك الله لك فيما أبقى، وإذا منعت فإنه قد تسحق الزكاة مالك وتسلَّط عليه الآفات حتى ينفد. ففيها إذن فائدة للمخرج وللمخرج منه، وللمخرج إليه، كيف المخرج إليه؟ هذا معلوم، حيث إن هذه الزكاة يستفيد منها الفقير ويجد نفقة بها، ويستفيد منها أيضًا المجاهدون في سبيل الله فيجدون معونة، والمؤلفة قلوبهم يجدون ما يؤلفهم على الإيمان، ففيها فوائد عظيمة.
ثم إن في إيجاب الزكاة على عباد الله بيان لحكمة الله تعالى في التشريع؛ لأنك إذا تأملت الشرائع وجدت أنها كف وبذل، كف عن محبوب وبذل لمحبوب، فبذل المحبوب مثل الزكاة والحج في غالب الأحيان، وكف عن محبوب مثل الصيام والصلاة، فإن الإنسان في حال صلاته لا يأكل ولا يشرب ولا يتمتع بأهله ولا يلتفت إلى شيء غير صلاته، وفي الصيام يمسك عن الأكل والشُّرب والنكاح ومتع الدنيا التي تتعلق بالصيام، فتجد أن العبادات كف وبذل، ثم مع ذلك العبادات كف وبذل، إما بالبدن، وإما بالمال لأجل أن يتبين صدق العبودية؛ لأن من الناس من يهون عليه بذل البدن ويتعب ولا يهمه، لكن لو قيل له: أخرج قرشًا واحدًا من دراهمك، احمرَّ وجهه، وبعض الناس يهون عليه المال، ولكن يشق عليه التعب البدني، ويذكر أن بعض العلماء- غفر الله لنا ولهم- وجب على أحد الملوك عتق رقبة في بعض الكفارات، وأفتاه بأن يصوم بدل من العتق مع أن مرتبة الصيام بالنسبة للكفارات أنه يلي العتق، وما حجة هذا العالم الذي أفتى؟ ! قال: لأن عتق الرقبة للملك بسيط سيعتق عشر رقاب، لكن صيام يوم واحد أشق عليه من مائة رقبة! فقال: نؤذيه بالصيام هل هذا الاستحسان صحيح؟ لا، غير صحيح؛ لأن الاستحسان المضاد للشرع لا شك أنه سوء وليس بخير.
فالحاصل: أن الله حكيم في تنويع العبادات لأجل أن يمتحن العبد هل هو عبد لله حقًّا أو هو عبد لهواه، فمن مشى مع الشرع فهو عبد الله.