الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون قوله: "فهل عليَّ من جناح؟ " في الفطر.
ومنها: إثبات الرُّخص في الشريعة الإسلامية، لقوله:"هي رخصة من الله" ولكن هذه الرخص لا يمكن أن ترد إلا لسبب، وإلا كان الشرع متناقضًا، فكل رخصة رخَّصها الله فإنها لسبب وإلا كان الشرع غير حزم.
ومن فوائد الحديث: أن الأخذ بالرخصة ليس بواجب لقوله: "فحسن"، ولم يقل: فواجب، وزيادة على ذلك قال:"ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه" وهو يؤكد أن الأخذ بالرخصة ليس بواجب.
ومن فوائد الحديث: الردُّ على الجبرية لقوله: "أخذ بها" و"أحب أن يصوم".
ومن فوائد الحديث: الردُّ على من يقول: إنه لا يجوز صوم رمضان في السفر وهم الظاهرية لقوله: "من أحب أن يصوم فلا جناح عليه" وهذا صريح.
ومنها: أنه يجوز إضمار ما دلَّ السياق عليه، ولا يعد ذلك إلغازًا في الكلام، وذلك من الآية وليس من الحديث:{فمن كان منكم مريضًا أو على سفرٍ فعدَّةٌ} [البقرة: 184]. والمحذوف فأفطر، أي على سفر فأفطر.
جواز فطر الكبير والمريض:
642 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "رخِّص للشيخ الكبير أن يفطر، ويطعم عن كلِّ يومٍ مسكينًا، ولا قضاء عليه". رواه الدارقطنيُّ، والحاكم، وصحَّحاه.
قوله رضي الله عنه: "رخِّص"، إذ قال الصحابي هكذا بالبناء المجهول، فإن الفاعل هو النبي صلى الله عليه وسلم، وإذ قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك بالبناء المجهول فإن الفاعل هو الله عز وجل، وعلى هذا فيكون مثل هذا الحديث من باب المرفوع حكمًا، لا نجعله صريحًا؛ لأنه لم يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي رخص ولم نجعله موقوفًا؛ لأنه لم يقله من عند نفسه بل قال:"رخص".
فإن قال قائل: أفلا يجوز أن يكون ابن عباس رضي الله عنهما فهم ذلك اجتهادًا وحينئذٍ يكون موقوفًا لا مرفوعًا؟ الجواب: أن مثل هذا لا يقع بهذا الجزم، بمعنى: أن الاجتهاد لا يقع بهذا الجزم فيقول: "رخص" إلا مقرونًا بالدليل في الغالب، على أنه روي عنه رضي الله عنه أن قوله تعالى:{كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أيامًا معدودات فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين} [البقرة: 183 - 184].
قال: إنها ليست بمنسوخة، إنما هي في الشيخ والشيخة لا يستطيعان يفطران ويطعمان عن كل
يوم مسكينًا، لكن هذا الاجتهاد منه رضي الله عنه ليس في محله، لأنه ثبت من حديث سلمة بن الأكوع في الصحيحين أنها منسوخة، وأن أول ما فرض الصوم كان الناس بالخيار ثم تعين الصوم، لكن قد يقال: إن لكلام بن عباس وجهًا وهو أن الله تعالى جعل الإطعام بديلًا للصوم والإنسان مخير بينهما، فإذا تعذر الصوم حل محله بديله وهو الإطعام، فيكون هذا من الاجتهاد الموافق للصواب.
وقوله: "رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم من كل يوم مسكينًا" تقدم أنا لرخصة: السهولة في الأمر، وأن الشرع موافق للغة في ذلك، وقوله:"يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا"، فإذا كان الشهر ثلاثين يومًا أطعم ثلاثين مسكينًا، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين أطعن تسعة وعشرين مسكينًا.
وقوله: "ولا قضاء عليه" لأن القضاء في حقه متعذر أو متعسر، وحينئذٍ يكون الإطعام بدلًا عن الصوم.
وقوله: "مسكينًا" هل يعني ذلك: فقيرًا أو مسكينًا؟ يشملهما جميعًا؛ لأنه سبق لنا أن "مسكينًا" إذا قرنت بما يماثلها أو إذا قرنت بالفقير فالمراد بها: من دون الفقير، وإذا انفردت عمّت، فيكون هذا من باب الكلمتين إذا أفرقنا اتفقتا، وإذا اجتمعنا افترقتا.
وقوله: "يطعم عن كل يوم مسكينًا" لم يقدِّر الإطعام، فيشمل كل ما يسمى إطعامًا، وكان أنس بن مالك رضي الله عنه لما كبر يضع طعامًا ويدعو إليه ثلاثين فقيرًا يأكلون، فعليه إذا غدَّى المساكين أو عشاهم أجزأه؛ لأنه يصدق عليه أنه أطعم عن كل يوم مسكينًا.
يستفاد من هذا الحديث أولًا: أن الشيخ الكبير إذا لم يستطع الصوم سقط عنه ووجب عليه بدله، وهو أن يطعم عن كل يوم مسكينًا.
ثانيا: يقاس عليه من يشبهه من ذوي الأعذار التي لا يرجى زوالها؛ لأن العلة الواحدة وهي العجز عن الصوم عجزًا مستمرًا مثل أصحاب الضعف المنهك الذي لا يرجى قوته فيما بعد، وكأصحاب داء السكر الذين يحتاجون إلى الشرب دائمًا، وكذلك أصحاب أمراض الكلى الذين يحتاجون إلى الشرب دائمًا، وكذلك من به مرض يحتاج إلى تناول الدواء كل يوم كل ست ساعات مثلًا، وكذلك أصحاب أمراض السرطان وشبهها مما لا يرجى زواله فحكمهم