الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
وعن طلق بن قيس قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: إذا صمت فتحفظ ما استطعت، وكان طلق إذا كان يوم صومه في خل فلم يخرج إلَّا لصلاة. (1)
6 -
وعن أبي متوكل أن أبا هريرة رضي الله عنه أصحابه كانوا إذا صاموا جلسوا في المسجد. (2)
7 -
وعن عطاء قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (إذا كنت صائمًا فلا تجهل، ولا تساب، وإن جُهِل عليك فقل: إني صائم). (3)
8 -
وعن مجاهد قال: خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة والكذب. (4)
9 -
وعن أبي العالية قال: الصائم في عبادة ما لم يغتب. (5)
ومما سبق يعلم أن الصحابة الكرام يشتغلون ويجتهدون طوال العام بالذكر، وبالجهاد، وبقراءة القرآن، وبالصدقة، وبالتفكر في ملكوت السموات والأرض، لكن! إذا جاء هذا الشهر؛ ضاعفوا ذلك وغيَّروا طريقة حياتهم، واستقبلوه استقبال البصير العالم بقيمته وأهميته، دل ذلك أنهم ما ضعفوا وما استكانوا، وإنما بذلوا الطاقات للوصول إلى رضا رب البريات وما قلل الصيام منهم.
الوجه الربع: الجهاد الذي وقع في رمضان خير دليل على أن الصوم لا يضعف القوة ولا يقلل الإنتاج
.
إن المسلم يمتنع عن الطعام والشراب وعن كل الشهوات من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، وهذا يعني أن المسلم يقضي يومه كله وهو وقت العمل المعتاد وهو صائم على هذا النحو، ولعل هذا هو السبب الذي من أجله يتوهم البعض أن الصوم يقلل حركة الإنتاج لدى الفرد والمجتمع.
(1) المرجع السابق (3/ 3).
(2)
المرجع السابق (3/ 3).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7456).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 422).
(5)
المرجع السابق (3/ 4).
والصوم في الحقيقة بريء من التهمة، فالصوم يعمل على تصفية النفوس والتسامي بالأرواح، وهذا يمد الإنسان بالطاقة التي تجعله قادرًا على الإنتاج والعمل أكثر مما لو لم يكن صائمًا، -وأكبر دليل على ذلك- الغزوات التي حدثت في شهر رمضان المبارك، فقد وقعت أحداثٌ تاريخيةٌ فاصلةٌ كبرى في شهر رمضان تدل على أن الإسلام يقدر الأمور حق قدرها، وأن شعار الصوم هو الجهاد والقوة والعمل لا الضعف والهروب والفتور والكسل، فالمسلم يتفاعل مع الحياة، ولا يصح لمسلم أن يقول إن الصوم يعطل الأعمال ويؤخر المجتمعات، فسبيل الإسلام معروف وهو الجهاد ودين اللَّه وشرعه يسرٌ لا عسرٌ، ودليل ذلك الكلام هذه الأحداث الكبرى التي وقعت في رمضان، ونكتفي بذكر أشهرها:
1 -
معركة بدر الكبرى: في السابع عشر من شهر رمضان (2 هـ) وهي يوم الفرقان، فرق اللَّه فيه بين الحق والباطل، وانتصر فيه الإسلام واندحر الشرك والوثنية، قال تعالى:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)} (آل عمران: 123)، وفيها قُتل فرعون الأمة أبو جهل أكبر أعداء الإسلام.
2 -
فتح مكة: وهو الفتح الأكبر {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (الفتح: 1)، حدث في 10 رمضان (8 هـ)، وقد تم فيه القضاء على فلول الوثنية، وتم فيه تحطيم الأصنام حول الكعبة.
3 -
وقعت بعض أحداث غزوة تبوك: في رمضان سنة 9 هـ.
4 -
انتشر الإسلام في اليمن في السنة العاشرة في رمضان.
5 -
هدم خالد بن الوليد رضي الله عنه لخمس بقين من رمضان في السنة الثامنة- البيت الذي كانت تُعبد فيه العزى في نخلة وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: تلك العزى ولا تُعبد أبدًا (1).
6 -
قدم في السنة التاسعة من رمضان وفد ثقيف من الطائف إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يريدون الإسلام، وهُدم فيها صنم اللات الذي كانت تعبده ثقيف.
(1) البداية والنهاية لابن كثير (4/ 316).
7 -
في صبيحة يوم الجمعة في 25 رمضان 479 هـ حدثت موقعة الزلاقة (سهل يقع على مقربة من البرتغال الحالية)، وانتصر فيها جيش المرابطين المسلمين في الأندلس بقيادة يوسف بن تاشفين على جيش الفرنجة البالغ ثمانين ألف مقاتل بقيادة الفرنس.
8 -
موقعة عين جالوت (قرية بين بيسان ونابلس) حدثت في صبيحة يوم الجمعة في الخامس عشر من رمضان 658 هـ الموافق 3 أيلول (سبتمبر) 1260 م، بقيادة السلطان قطز سلطان المماليك في مصر.
9 -
فتح الأندلس: في 28 رمضان 92 هـ/ 19 يوليو (تموذ) 711 م بقيادة طارق بن زياد بعد أن هزم ذريق قائد القوط في موقعة البحيرة، بعد أن استولى على مضيق جبل طارق. (1)
10 -
وحارب الجنود المصريون عام 1973 م وهم صائمون، حيث كان ذلك في شهر رمضان، وانتصروا، ولم يقلل الصوم من نشاطهم.
كل ذلك يثبت أن الصوم لا يقلل حركة الإنساج، بل يزيد في الإنتاج والنشاط والعمل، أما ما نراه في بعض الدول الإسلامية من قلة الإنتاج في شهر الصوم يرجع إلى أسباب أخرى غير الصوم من أعظمها:
1 -
ضعف جانب التقوى: قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأعراف: 96).
2 -
من عادة الكثيرين أن يظلوا مستيقظين في شهر الصوم معظم الليل ولا ينامون، فنجدهم متعبين أثناء النهار، ومن هنا يقل إنتاجهم ويعتذرون بأنهم صائمون، حجتهم داحضة عند ربهم، ومن هنا نعلم أن دعوى أن الصيام يقلل حركة الإنتاج دعوى غير صحيحة.
وكذلك من الأدلة والبراهين على بطلان هذه الدعوى أيضًا ما كان يقوم به العلماء والمصنفون في تأليفهم للكتب، وتصانيفهم المشهورة وبذل المجهود والطاقة في ذلك، فقد
(1) انظر البداية والنهاية (4/ 85، 362 - و 5/ 5، 35، 13 و 13/ 14، 255)، وزاد المعاد (3/ 101، 361، 436)، والفقه الإسلامي وأدلته (2/ 575 - 576).