الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - شبهة: حد السرقة
.
نص الشبهة:
دارت هذه الشبهة على بعض الاعتراضات من القرآن والسنة، وأيضًا بعض الاعتراضات العقلية ستذكر في محلها عند الجواب عليها، وقبل إبداء هذه الشبه نجيب بجواب مجمل فنقول:
حماية رب العالمين الأموال والأعراض من انتهاب المعتدين:
لما كان المال سلطانًا قويًا في نفوس الناس، وكان له منهم جهد مبذول في جمعه، ثم لما كان وجود الناس في هذه الحياة رهن بما يملكون فيها من مال ومتاع، حيث لا تقوم حياتهم إلا على الطعام، والشراب، والكساء، والمسكن ونحو هذا، لما كان ذلك كذلك؛ فقد اقتضت حكمة اللَّه تعالى أن يقيم الناس على شريعة ذات سلطان وازع، يأمنون به على ما يملكون من عدوان أهل البغي والعدوان، وفي ظل هذا الأمن يعمل العاملون، ويجنون ثمرات ما يعملون.
فإذا كانت شريعة الإِسلام قد حذرت من طغيان المال وفتنته؛ فإن ذلك لا يعني أن الشريعة عدو المال، وإنما هي عدو له حين يصبح في يد أصحابه سلطانًا طاغيًا، وشيطانًا مريدًا تستباح به الحرمات، ويذهل أصحابه عن الحقوق المتعلقة في هذا المال لذوي القربى، واليتامى والمساكين وابن السبيل، وللجهاد في سبيل اللَّه بالنفس، وبالسلاح، والمؤن، والعتاد، للمجاهدين. . .، . . .، وإنه ما أكثر أن تتحول النعم إلى نقم في أيدي كثير من الناس. . .، وما أكثر الذين آتاهم اللَّه تعالى من المال ووسع عليهم من الرزق، فطغوا، وبغوا، ونسوا فضل اللَّه، وكفروا به، فساقهم هذا النسيان وذلك الكفر إلى محاربة اللَّه تعالى بالمعاصي والعدوان على غيرهم بالسرقة، أو الغصب، أو النهب، ثم إنه ما أكثر أولئك الذين فترت هممهم وخارت عزائمهم، فناموا في ظل الكسل والعجز، وزين لهم الشيطان أن يتربصوا بالعاملين وما وقع لأيديهم من ثمرات العمل من مال، فتسلطوا عليهم بالسرقة وسلب ما يقع لأيديهم من مال الناس ومتاعهم، ولهذا رصد اللَّه تعالى لمن
يعتدون على أموال الناس عقوبة رادعة، يلقاهم الناس بها في هذه الحياة الدنيا، ولهم عذاب أليم من اللَّه في الآخرة، وفي هذا يقول اللَّه تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (المائدة: 38)(1).
أي: مجازاة على صنيعهما السيئ في أخذهما أموال الناس بأيديهم فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك {نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} أي: تنكيلًا من اللَّه بهما على ارتكاب ذلك {وَاللَّهُ عَزِيزٌ} ، أي: في انتقامه {حَكِيمٌ} أي: في أمره ونهيه وشرعه وقدره (2).
ومعناها أيضًا: لا ترثوا لهم أن تقيموا فيهم الحدود، فإنه واللَّه ما أمر اللَّه بأمر قط إلا وهو صلاح، ولا نهى عن أمر قط إلا وهو فساد، وكان عمر بن الخطاب يقول: اشتدوا على السُّراق فاقطعوهم يدًا يدًا، ورجلًا رجلًا، وقوله {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} يقول -جل ثناؤه-: واللَّه عزيز في انتقامه من هذا السارق والسارقة وغيرهما من أهل معاصيه، حكيم في حكمه فيهم وقضائه عليهم، يقول: فلا تفرطوا أيها المؤمنون في إقامة حكمي على السراق وغيرهم من أهل الجرائم الذين أوجبت عليهم حدودًا في الدنيا عقوبة لهم، فإني بحكمي قضيت ذلك عليهم، وعلمي بصلاح ذلك لهم ولكم (3).
فوضع عقوبة قطع اليد للسارق تعتبر بحق رادعة زاجرة، تقتلع الشر من جذوره، وتقضي على الكريمة في مهدها وتجعل الناس في أمن، وطمأنينة، واستقرار.
وأعداء الإنسانية يستعظمون قتل القاتل، وقطع يد السارق، ويزعمون أن هؤلاء المجرمين ينبغي أن يحظوا بعطف المجتمع؛ لأنهم مرضى بمرض نفساني، وأن هذه العقوبات الصارمة لا تليق بمجتمع متحضر يسعى لحياة سعيدة كريمة، إنهم يرحمون المجرم من
(1) الحدود في الإِسلام. عبد الكريم الخطيب (62 - 63).
(2)
تفسير ابن كثير (5/ 214).
(3)
تفسير الطبري (4/ 229 - 230).
المجتمع، ولا يرحمون المجتمع من المجرم الأثيم الذي سلب الناس أمنهم واستقرارهم، وأقلق مضاجعهم وجعلهم مهددين بين كل لحظة ولحظة في الأنفس والأموال والأرواح، وقد كان من أثر هذه النظريات التي لا تستند على عقل ولا منطق سليم أن أصبح في كثير من البلاد (عصابات) للقتل وسفك الدماء وسلب الأموال، وزادت الجرائم واختل الأمن، وفسد المجتمع وأصبحت السجون ممتلئة بالمجرمين وقطاع الطريق (1). فحكمة مشروعية القطع الجزاء على السرقة جزاء يقصد منه الردع وعدم العودة، أي: جزاء ليس بانتقام، ولكنه استصلاح وضل من حسب القطع تعويضًا عن المسروق (2).
ومن وجهة النظر أن الأموال خلقت مهيأة للانتفاع بها للخلق أجمعين، ثم الحكمة الأولية حكمت فيها بالاختصاص الذي هو الملك شرعًا، وبقيت الأطماع متعلقة بها، والآمال محومة عليها، فتكفها المروءة والديانة في أقل الخلق، ويكفها الصون والحرز عن أكثرهم، فإذا أحرزها مالكها فقد اجتمع فيها الصون والحرز الذي هو غاية الإمكان للإنسان؛ فإذا هُتكا فَحُشت الجريمة فعظمت العقوبة، وإذا هتك أحد الصونين وهو الملك وجب الضمان والأدب (3).
وهذه اليد الخبيثة الخائنة التي خلقها اللَّه لتبطش وتكتسب في كل ما يرضيه من امتثال أوامره واجتناب نهيه، والمشاركة في بناء المجتمع الإنساني، فمدت أصابعها الخائنة إلى مال الغير لتأخذه بغير حق، واستعملت قوة البطش المودعة فيها في الخيانة والغدر، وأخذ أموال الناس على هذا الوجه القبيح، يد نجسة قذرة، ساعية في الإخلال بنظام المجتمع، إذ لا نظام له بغير المال، فعاقبها خالقها بالقطع والإزالة، كالعضو الفاسد الذي يجر الداء بسائر البدن، فإنه
(1) تفسير آيات الأحكام للصابوني (1/ 557) بتصرف يسير.
(2)
التحرير والتنوير لابن عاشور (6/ 193).
(3)
القرطبي (6/ 160).