الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال النووي: أجمع العلماء على قطع يد السارق، وقال جماهير العلماء لا تقطع إلا في نصاب. . .، وقال كثيرون أو الأكثرون، وهو قول عائشة، وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والليث وأبي ثور وإسحاق، وغيرهم، روى أيضًا عن داود، وقال مالك وأحمد وإسحاق في رواية: تقطع في ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته أحدهما، ولا تقطع فيما دون ذلك (1).
3 -
أن يكون المسروق محرزًا: اتفق الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار، وأتباعهم، على مراعاة الحرز في ما يسرقه السارق فقالوا: ما سرقه من غير حرزٍ (2) فلا قطع عليه، بلغ المقدار الذي يجب فيه القطع أم لم يبلغ (3).
والرد مفصلًا عن الشبه كما يلي:
الشبهة الأولى: (أن دية اليد خمسمائة دينار إذا جُني عليها، وإذا سرقت تقطع في ربع دينار) أو ما يعادلها من الدراهم
.
والجواب في كلام ابن القيم (4) كافٍ وشافٍ، فقال: وأما قطع اليد في ربع دينار وجعل ديتها خمسمائة دينار فمن أعظم المصالح والحكمة، فإنه احتاط في الموضوعين للأموال والأطراف، فقطعهما في ربع دينار حفظًا للأموال، وجعل ديتها خمسمائة دينار حفظًا لها وصيانة، وقد أورد بعض الزنادقة هذا السؤال وضمنه بيتين فقال:
يد بخمس مئين عسجد وديت
…
ما بالها قطعت في ربع دينار؟
تناقض مالنا إلا السكوت له
…
ونستجير بمولانا من العار
فأجابه بعض الفقهاء بأنها كانت ثمينة لما كانت أمينة، فلما خانت هانت، وضمنه الناظم قوله:
(1) مسلم بشرح النووي (6/ 199)، والاستذكار (25/ 159).
(2)
الحرز عند الفقهاء: ما لا يعد صاحبه مضيعًا له، أو ما لا يعد الواضع فيه مضيعًا عرفًا، أو ما قصد بما وضع فيه حفظه به إن استقل بحفظه أو بحافظ غيره إن لم يستقل، وهو بمعنى المكان المعد للإحراز كالبيوت والدور. .، والصندوق. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (1/ 562).
(3)
الاستذكار (24/ 179).
(4)
إعلام الموقعين (2/ 71، 72).
يد بخمس مئين من عسجد وديت
…
لكنها قطعت في ربع دينار
حماية الدم أغلاها، وأرخصها
…
خيانة المال، فانظر حكمة الباري
وروي أن الشافعي رحمه الله أجاب بقوله:
هناك مظلومة غالت بقيمتها
…
وههنا ظلمت هانت على الباري
وأجاب شمس الدين الكردي بقوله:
قل للمعري عار أيما عار جهل
…
الفتى وهو عن ثوب التقى عار
لا تقدحن زناد الشعر عن حكم
…
شعائر الشرع لم تقدح بأشعار
فقيمة اليد نصف الألف من
…
ذهب فإن تعدت فلا تسوى بدينار
وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله ردًا على ذلك فقال: قال المازري ومن تبعه: ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع منها بقدر ما يقطع فيه حماية لليد، ثم لما خانت هانت، وفي ذلك إشارة إلى الشبهة التي نسبت إلى أبي العلاء العربي في قوله:
يد بخمس مئين عسجد وديت
…
ما بالها قطعت في ربع دينار؟
فأجابه القاضي عبد الوهاب المالكي بقوله:
صيانة العضو أغلاها وأرخصها
…
صيانة المال فافهم حكمة الباري
وشرح ذلك: أن الدية لو كانت ربع دينار لكثرت الجنايات على الأيدي، ولو كان نصاب القطع خمسمائة دينار لكثرت الجنايات على الأموال، فظهرت الحكمة من الجانبين، وكان ذلك صيانة من الطرفين. (1)
ومنهم من قال: هذا تمام الحكمة والمصلحة وأسرار الشريعة العظيمة، فإنه في باب الجنايات ناسب أن تعظم قيمة اليد بخمسمائة دينار لئلا يجنى عليها، وفي باب السرقة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار لئلا يتسارع الناس في سرقة الأموال، فهذا
(1) فتح الباري (12/ 100).
هو عين الحكمة عند ذوي الألباب ولهذا قال تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (المائدة: 38)، أي: مجازاة على صنيعهما السيئ في أخذهما أموال الناس بأيديهم، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك (1)، ثم إن الشرع إنما قطع يده بسبب أنه تحمل الدناءة والخساسة في سرقة ذلك القدر القليل، فلا يبعد أن يعاقبه الشرع بسبب تلك الدناءة بهذه العقوبة العظيمة (2).
وقال أيضًا: وأما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم، وترك قطع المختلس والمنتهب والغاصب فمن تمام حكمة الشارع. . .، فإن السارق لا يمكن الاحتراز منه، فإنه ينقب الدور ويهتك الحرز ويكسر القفل، ولا يمكن صاحب المتاع الاحتراز بأكثر من ذلك، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضًا، وعظم الضرر، واشتدت المحنة بالسراق، بخلاف المنتهب والمختلس؛ فإن المنتهب هو الذي يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس، فيمكنهم أن يأخذوا على يديه، ويخلصوا حق المظلوم، أو يشهدوا له عند الحاكم، وأما المختلس فإنه إنما يأخذ المال على حين غفلة من مالكه وغيره، فلا يخلو من نوع تفريط يمكن به المختلس من اختلاسه، وإلا فمع كمال التحفظ والتيقظ لا يمكنه الاختلاس، فليس كالسارق، بل هو بالخائن أشبه، وأيضًا فالمختلس إنما يأخذ المال من غير حرز مثله غالبًا، فإنه الذي يغافلك ويختلس متاعك في حال تخليك عنه وغفلتك عن حفظه، وهذا يمكن الاحتراز منه غالبًا، فهو كالمنتهب، وأما الغاصب فالأمر فيه ظاهر، وهو أولى بعدم القطع من المنتهب، ولكن يسوغ كف عدوان هؤلاء بالضرب والنكال والسجن الطويل والعقوبة بأخذ المال. (3)
(1) تفسير ابن كثير (3/ 110).
(2)
تفسير الرازي (11/ 226).
(3)
إعلام الموقعين (2/ 70).