الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المقاتلين للمرتدين في جميع الزمن، ثم وصف سبحانه هؤلاء القوم بهذه الأوصاف العظيمة المشتملة على غاية المدح ونهاية الثناء من كونهم يحبون اللَّه وهو يحبهم (1).
وتفسير الآية يوضح هذا المعنى، وليس بحكم خاطئ قتل المرتد بهذه الآية، إنما هي دليل على الشروع في أحكام المرتدين، الذي جاءت به السنة ووضحت هذه الأحكام وبينت ذلك، وتفسير الآية بعيدٌ عن هذه الشبهة، بل عندما تنظر إلى كتب المفسرين نجد أن بعض المفسرين أتى وبين أن هناك طوائف ارتدت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد موته صلى الله عليه وسلم، فتولى أبو بكر وغيره من الصحابة قتالهم وتوالي المسلمون على ذلك، حتى يحفظوا شوكة الدين من دنس المعتدين والمارقين (2).
الشبهة الرابعة: يقولون بتضعيف حديث "من بدل دينه فاقتلوه
".
تدور الشبهة حول تضعيف حديث "من بدل دينه فاقتلوه"، قالوا: فيه عكرمة مولى ابن عباس، وأنه متهم بالكذب على ابن عباس، وأنه كان من دعاة الخوارج والحرورية والإباضية ولا يحتج بحديثه.
الرد على الشبهة من وجوه:
الوجه الأول: ترجمة عكرمة وأقوال العلماء فيه
.
الوجه الثاني: ويشهد لحديث عكرمة شواهد وهي:
الوجه الثالث: لم ينفرد عكرمة بالحديث، فقد تابعه أنس عن ابن عباس به.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: ترجمة عكرمة وأقوال العلماء فيه.
عكرمة البربري، أبو عبد اللَّه المدني مولى ابن عباس أصله من البربر، كان لحصين بن أبي الحر العنبري، فوهبه لابن عباس لما ولى البصرة لعلي. (3)
(1) فتح القدير (المائدة: 54).
(2)
الكشاف (المائدة/ 54)، القاسمي (الآية). في بيان الطوائف التي ارتدت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
تهذيب التهذيب (5/ 630) ترجمة رقم (4812).
قال ابن حجر: ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: كان من علماء زمانه بالفقه والقرآن. . .، وقال: وعكرمة حمل عنا أهل العلم الحديث، والفقه في الأقاليم كلها ما أعلم أحدًا ذمه بشيء إلا بدعابة كانت فيه. (1)
وقال ابن منده في صحيحه: أما حال عكرمة في نفسه فقد عدله أمة من نبلاء التابعين فمن بعدهم، وحدثوا عنه واحتجوا بمفاريده في الصفات والسنن والأحكام.
روى عنه زهاء ثلاثمائة رجل من البلدان منهم زيادة على سبعين رجلًا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد لكثير أحد من التابعين على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك من الرواية عنه، ولم يستغنوا عن حديثه، وكان يتلقى حديثه بالقبول، ويحتج به قرنًا بعد قرن، وإمامًا بعد إمام إلى وقت الأئمة الأربعة الذين أخرجوا الصحيح وميزوا ثابته من سقيمة وخطأه من صوابه، وهم: البخاري ومسلم، وأبو داود، والنسائي، فأجمعوا على إخراج حديثه واحتجوا به على أن مسلمًا كان أسوأهم رأيًا فيه، وقد أخرج عنه مقرونًا وعدله بعدما جرحه.
وقال أبو عبد اللَّه محمد بن نصر المروزي: قد أجمع عامة أهل العلم بالحديث على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا منهم: أحمد بن حنبل، وابن راهوية، ويحيى بن معين، وأبو ثور، ولقد سألت إسحاق بن راهوية عن الاحتجاج بحديثه، فقال عكرمة عندنا إمام الدنيا تعجب من سؤالي إياه، وحدثنا غير واحد أنهم شهدوا يحيى بن معين، وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بعكرمة، فأظهر التعجب.
قال أبو عبد اللَّه: وعكرمة قد ثبتت عدالته بصحبة ابن عباس وملازمته إياه، وبأن غير واحد من العلماء قد رووا عنه وعدلوه قال: وكل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد
(1) هكذا في تهذيب التهذيب (المصدر السابق 637)، ثقات ابن حبان (5/ 229، 230)، وورد فيه (أما عكرمة فحمل أهل العلم عنه الحديث والفقه في الأقاليم كلها. . .).
حتى يبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه، وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وأبو عبد اللَّه الحاكم، وأبو عمر بن عبد البر: فيه نحوًا مما تقدم عن محمد بن نصر. (1)
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عكرمة فقال ثقة قلت يحتج بحديثه قال نعم إذا روى عنه الثقات، والذي أنكر عليه مالك إنما هو بسبب رأيه على أنه لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك، وإنما كان يوافق في بعض المسائل فنسبوه إليهم، وقد برأه أحمد والعجلي من ذلك، فقال في كتابه الثقات له (عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهم مكي تابعي ثقة برئ مما يرميه الناس به من الحرورية)(2)، وقال ابن جرير لو كان كل من ادعى عليه مذهبًا من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعى به، وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك؛ للزم ترك أكثر محدثي الأمصار لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه (3).
وقال ابن حجر أيضًا: وإذ فرغنا من الجواب عما طعن عليه به، فلنذكر ثناء الناس عليه من أهل عصره وهلم جرا، قال محمد بن فضيل: عن عثمان بن حكيم كنت جالسًا مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف إذ جاء عكرمة، فقال: يا أبا أمامة أذكرك اللَّه هل سمعت ابن عباس يقول ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه، فإنه لم يكذب علي؟ ، فقال أبو أمامة: نعم، وهذا إسناد صحيح، وقال يزيد النحوي: عن عكرمة قال لي ابن عباس انطلق، فأفت الناس، وحكى البخاري عن عمرو بن دينار قال: أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل عن عكرمة فجعلت كأني أتباطأ، فانتزعها من يدي، وقال: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس، وقال الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب اللَّه من عكرمة (4).
وقال جرير عن مغيرة: قيل لسعيد بن جبير تعلم أحدًا أعلم منك قال: نعم، عكرمة (5).
(1) المرجع السابق، تهذيب التهذيب (637، 638).
(2)
تاريخ الثقات للعجلي (339).
(3)
مقدمة الفتح لابن حجر (449).
(4)
مقدمة الفتح لابن حجر (449، 450)، تذكرة الحفاظ (1/ 96) قريبًا من ذلك.
(5)
تذكرة الحفاظ، المصدر السابق.