الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواب: أن الحديث ضعيف كسابقه لا يُحتج به.
والسؤال الآن هل يجوز الوضوء بالنبيذ
؟
قال الطحاوي: وإن كان من طريق النظر، فإنا قد رأينا الأصل المتفق عليه، أنه لا يتوضأ بنبيذ الزبيب، ولا بالخل، فكان النظر على ذلك أن يكون نبيذ التمر أيضًا كذلك.
وقد أجمع العلماء أن نبيذ التمر إذا كان موجودًا في حال وجود الماء، أنه لا يتوضأ به لأنه ليس بماء. فلما كان خارجًا من حكم المياه في حال وجود الماء، كان كذلك هو في حال عدم الماء.
ثم قال: فثبت بذلك أنه لا يجوز التوضؤ به في حال من الأحوال، وهو قول أبي يوسف، وهو النظر عندنا. (1)
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: وإن الذي عندنا في النبيذ هذا القول: أنه لا يتوضأ به، ولا يكون طهورًا أبدًا؛ لأن اللَّه جل جلاله، اشترط للطهور شرطين ثم لم يجعل لهما ثالثًا. وهما: الماء والصعيد، وأن النبيذ ليس بواحد من هذين. (2)
قال النووي: أما النبيذ فلا يجوز الطهارة به عندنا على أي صفة كان من عسل أو تمر أو زبيب أو غيرها مطبوخًا كان أو غيره. وبه قال أحمد، وأبو يوسف، والجمهور، وعن أبي حنيفة أربع روايات:
إحداهن: يجوز الوضوء بنبيذ التمر المطبوخ إذا كان في سفر وعدم الماء.
والثانية: يجوز الجمع بينه وبين التيمم وبه قال صاحبه محمد بن الحسن.
= قلت: وقد أخرجه الدارقطني (238) من حديث عبد اللَّه بن محرر عن قتادة عن عكرمة موقوفًا على ابن عباس وهو ضعيف جدًّا فيه عبد اللَّه بن محرر متروك الحديث؛ (1/ 53)، وأخرجه الدارقطني (239)، ومن طريقه ابن الجوزي في العلل (592) من حديث مجاعة عن أبان عن عكرمة به مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو ضعيف جدًّا فيه أبان هو: ابن أبي عياش متروك الحديث ومجاعة: ضعيف. السنن للدارقطني (1/ 53). وبالجملة فالحديث لا يصح مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر المجموع (1/ 95)، والبيهقي في المعرفة (1/ 238).
(1)
معاني الآثار (1/ 96).
(2)
الطهور (14).
والثالثة: يستحب الجمع بينهما.
والرابعة: أنه رجع عن جواز الوضوء به، وقال: يتيمم، وهو الذي استقر عليه مذهبه كذا قاله العبدري قال: وروى أنه قال: الوضوء بنبيذ التمر منسوخ.
ثم قال: واستدل أصحابنا بالآية {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (المائدة: 6).
فمن توضأ بالنبيذ فقد ترك المأمور به، وبحديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين؛ فإذا وجد الماء فليمسه بشرته". (1)(حديث صحيح). . . والاستدلال منه كالاستدلال من الآية.
ومن القياس: كل شيء لا يجوز التطهر به حضرًا لم يجز سفرًا كماء الورد، ولأنه مائع لا يجوز الوضوء به مع وجود الماء فلم يجز مع عدمه كماء الباقلا: ولأنه شراب فيه شدة مطربة فأشبه الخمر، ولأنه مائع لا يطلق عليه اسم ماء كالخل.
ثم أجاب النووي رحمه الله عن الحجج التي استدل بها من أباح الوضوء بالنبيذ فقال:
وأجاب أصحابنا مع هذا بأربعة أجوبة:
أحدها: أنه حديث مخالف الأصول فلا يحتج به عند أبي حنيفة.
والثاني: أنهم شرطوا لصحة الوضوء بالنبيذ السفر، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم في شعاب مكة كما ذكرناه.
الثالث: أن المراد بقوله نبيذ أي: ماء نبذت فيه تمرات ليعذب، ولم يكن متغيرًا وهذا تأويل سائغ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تمرة طيبة وماء طهور"، فوصف النبي صلى الله عليه وسلم شيئين ليس النبيذ واحدًا منهما.
الرابع: أن النبيذ الذي زعم أنه كان مع ابن مسعود لا يجوز الطهارة به عندهم؛ لأنه نقيع لا مطبوخ، فإن العرب لا تطبخه، وإنما تلقى فيه حبات تمر حتى يحلو.
قال الإمام النووي: ولقد أحسن وأنصف الإمام ابن جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي إمام الحنفية في الحديث والمنتصر لهم حيث قال في أول كتابه: إنما ذهب أبو حنيفة ومحمد إلى الوضوء بالنبيذ اعتمادًا على حديث ابن مسعود ولا أصل له (2).
(1) أخرجه الترمذي (124)، والنسائي (1/ 171)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (311).
(2)
المجموع (1/ 93: 95)، ويراجع الأوسط لابن المنذر (1/ 253: 257)، والمحلى لابن حزم (1/ 202: 206)، وفتح الباري (1/ 421: 422).