الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه راضيًا غير مكره ثم خرج منه؟ .
ما أخرجه إلا اقتناع بعدم صلاحيته أو بأفضلية غيره عليه، فإذا كان المرتد ممن كانت لهم مكانة وموضع مرموق في الجماعة قويت الشبه واشتد التشكيك؟ . (1)
الشبهة الثانية:
يقولون: الإنسان لم يختر بإرادته أن يصبح مسلمًا، ليس إلا أنه وُلد في بيئة مسلمة، فلماذا يُطبَّق عليه حدّ الردة، أليس هذا تناقض مع حرية الاعتقاد المديني؟ .
والرد على هذه الشبهة بالآتي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ"، يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه واقرءوا إن شئتم:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (الروم: 30). (2)
قال ابن حجر: وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإِسلام، قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف، وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الإِسلام، واحتجوا بقول أبي هريرة في آخر حديث الباب: اقرؤوا إن شئتم {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} ، وبحديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه "إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم"(3).
وقد رواه غيره فزاد فيه (حنفاء مسلمين)(4)، ورجحه بعض المتأخرين بقوله تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} لأنها إضافة مدح، وقد أمر نبيه بلزومها، فعلم أنها الإِسلام (5).
(1) بحوث في علوم التفسير (458، 459) محمد حسين الذهبي.
(2)
أخرجه البخاري (1359)، مسلم (2658).
(3)
جزء من حديث في مسلم (2865).
(4)
إسناده صحيح، أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (3261) والطبراني في الكبير (14816).
(5)
فتح الباري (3/ 292، 293).
وقال النووي: وقيل معناه كل مولود يولد على معرفة اللَّه والإقرار به، فليس أحد يولد إلا وهو يقر بأن له صانعًا، وإن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره والأصح أن معناه أن كل مولود يولد متهيئًا للإسلام، فمن كان أبواه أو أحدهما مسلمًا؛ استمر على الإِسلام في أحكام الآخرة والدنيا، وإن كان أبواه كافرين جرى عليه حكمهما في أحكام الدنيا وهذا معنى (يهودانه وينصرانه ويمجسانه) أي يحكم له بحكمهما في الدنيا، فإن بلغ استمر عليه حكم الكفر ودينهما، فإن كانت سبقت له سعادة أسلم، وإلا مات على كفره (1).
وأيضًا يهودانه: أي يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة تشبهًا بالبهيمة التي جُدعت بعد أن خلقت سليمة (2).
وقيل: معناه (أي الحديث) أن كل مولود يولد في مبدأ الخلقة على الفطرة؛ أي الجبلة السليمة، والطبع المتهيئ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول، وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره لآفة من آفات النشوء والتقليد، فلو سلم من تلك الآفات لم يعتقد غيره. . .، ثم يتمثل بأولاد اليهود والنصارى واتباعهم لآبائهم، والميل إلى أديانهم فيزلون بذلك عن الفطرة السليمة والمحجة المستقيمة (3).
وقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)} (الروم: 30).
يقول ابن كثير: يقول تعالى: فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه اللَّه لك من الحنيفية ملة إبراهيم، التي هداك اللَّه لها، وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم
(1) مسلم بشرح النووي (8/ 463).
(2)
فتح الباري (3/ 294).
(3)
البغوي (تفسير آية 30 من سورة الروم).
فطرتك السليمة، التي فطر اللَّه الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره (1).
ثم قال في قوله تعالى: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} معناه: أنه تعالى ساوى بين خلقه، كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، لا يولد أحد إلا على ذلك، ولا تفاوت بين الناس في ذلك، ولهذا قال ابن عباس، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، وابن زيد في قوله:{لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} أي: لدين اللَّه. (2)
وقال البخاري: باب: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} : لدين اللَّه، {خُلُقُ الْأَوَّلِينَ}: دين الأولين والفطرة: الإسلام. (3)
وأهل التأويل قد أجمعوا في تأويل قوله عز وجل: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} على أن قالوا: فطرة اللَّه دين الإِسلام، واحتجوا بقول أبي هريرة في هذا الحديث:"اقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} "(4).
ومن هذا يتضح أن أي مولود يولد فإنما يولد على الفطرة، وهو دين رب العالمين، دين الإِسلام، فلا سبيل للطعن بأنّه من غير اختياره لأن هذا هو الفطرة، وكل ما دون هذه الفطرة فهو منتكس، ليس له حظ في هذا الأمر العظيم، فإرادته هي فطرته، وغير ذلك فهو تبديل وتغيير لهذه الفطرة.
وإذا نظرنا في دين النصارى؛ سنجد هذا التغيير واضحًا جليًّا بما يسمونه بالمعمودية، وهم يوجبون تعميد الأطفال، وذلك على حد قولهم أنها ضرورية للخلاص طبقًا لوضع
(1) تفسير ابن كثير الآية (30) سورة الروم.
(2)
المصدر السابق.
(3)
تبويب على حديث رقم (4775) البخاري "كل مولود يولد. . .".
(4)
أحكام أهل الذمة (2/ 32).