الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرمة التفريق بين الجارية وولدها:
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اللَّه بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(1).
بل يُسمح لها بالبحث عن ولدها إذا فقدته:
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَدِمَ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِى، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا وَهْيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ. فَقَالَ: "اللَّه أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا". (2)
بل ومن حقوقها الخاصة التسري بها، ولكن بضوابط. وهذا ما يدعونا أن نفصل الكلام عليه في الوجه القادم.
الوجه العاشر: التسري والحكمة منه
التسرِّي هو: اتخاذ مالك الأمة منها سُرِّيَّةِ يعاشرها معاشرة الأزواج في الشرع الإسلامي.
وكما لم يكن الرق والاسترقاق تشريعًا إسلاميًا مبتكرًا، ولا خاصية شرقية تميزت به الحضارات الشرقية عن غيرها من الحضارات، وإنما كان موروثًا اجتماعيًا واقتصاديًا إنسانيًا، ذاع وشاع في كل الحضارات الإنسانية عبر التاريخ. . فكذلك كان التسري الذي هو فرع من فروع الرق والاسترقاق نظامًا قديمًا ولقد جاء في المأثورات التاريخية المشهورة والمتواترة أن خليل اللَّه إبراهيم عليه السلام قد تسرى بهاجر المصرية، عندما وهبه إياها ملك مصر، ومنها وُلد له إسماعيل عليه السلام. . فمارس التسري أبو الأنبياء، وولد عن طريق التسري نبي ورسول. . وكذلك جاء في المأثورات التاريخية أن نبي اللَّه سليمان عليه السلام قد تسرى
(1) أخرجه الترمذي (1566)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1796).
(2)
أخرجه البخاري (5653)، ومسلم (2754).
بثلاثمائة سرية! . . وكما شاع التسري عند العرب قبل الإسلام، فلقد مارسه، في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، غير المسلمين مثل المسلمين.
وإذا كان التسري، هو اتخاذ مالك الأمة منها سريّه، أي جعله لها موضعًا للوطء، واختصاصها بميل قلبي ومعاشرة جنسية، وإحصان واستعفاف. . فلقد وضع الإسلام له ضوابط شرعية جعلت منه زواجًا حقيقيًا، تشترط فيه كل شروط الزواج، وذلك باستثناء عقد الزواج؛ لأن عقد الزواج هو أدنى من عقد الملك، إذ في الأول تمليك منفعة، بينما الثاني يفضى إلى ملك الرقبة، ومن ثم منفعتها.
ولقد سميت الأمة التي يختارها مالكها سرية له سُميت "سُرِّيَّةِ"؛ لأنها موضع سروره، ولأنه يجعلها في حالٍ تسُرها دون سواها، أو أكثر من سواها. . فالغرض من التسري ليس مجرد إشباع غرائز الرجل، وإنما أيضًا الارتفاع بالأَمة إلى ما يقرب كثيرًا من مرتبة الزوجة الحرة. .
ولأن التسري مثله مثل الزواج من الحرائر. . فلقد اشترط الإسلام براءة رحم الأمة قبل التسري بها، فإباحة التسري قد جاء في آية إباحة الزواج:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)} (النساء: 3). والتكليف الإسلامي بحفظ الفروج عام بالنسبة لمطلق الرجال والنساء، أحرارًا كانوا أم رقيقًا، مسلمين كانوا أم غير مسلمين:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} (المؤمنون: 5، 6). . ولقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في سبايا -أوطاس- أي حنين: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة. . "(1).
(1) أخرجه أبو داود (2157)، والدرامي (2295)، وأحمد (2/ 224)، وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود (1873)، وغيره.
وكذلك الحال مع المقاصد الشرعية والإنسانية من وراء التسري. . فهي ذات المقاصد الشرعية والإنسانية من وراء الزواج:
تحقيق الإحصان والاستعفاف للرجل والمرأة، وتحقيق ثبوت أنساب الأطفال لآبائهم الحقيقيين. . ففي هذا التسري كما يقول الفقهاء: استعفاف مالك الأمة. . وتحصين الإماء لكيلا يملن إلى الفجور، وثبوت نسب أولادهن. وأكاد ألمح في التشريع القرآني أمرًا إلهيًا بالإحصان العام للرجال والنساء، أحرارًا كانوا أو أرقاء. . ففي سياق التشريع لغض البصر، وحفظ الفروج، جاء التشريع للاستعفاف بالنكاح الزواج للجميع. . وجاء النهى عن إكراه الإماء على البغاء، لا بمعنى إجبارهن على الزنا فهذا داخل في تحريم الزنا، العام للجميع وإنما بمعنى تركهن دون إحصان واستعفاف بالزواج أو التسري أكاد ألمح هذا المعنى عندما أتأمل سياق هذه الآيات القرآنية:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النور: 30 - 33).
فالتشريع للاستعفاف، والإحصان بالنكاح الزواج، والتسري عام وشامل للجميع. .
بل لقد جعل الإسلام من نظام التسري سبيلًا لتحقيق المزيد من الحرية للأرقاء، وصولًا إلى تصفية نظام العبودية والاسترقاق. . فأولاد السرية في الشرع الإسلامي، يولدون أحرارًا بعد أن كانوا يظلون أرقاء في الشرائع والحضارات غير الإسلامية والسرية، بمجرد أن تلد، ترتفع إلى مرتبة أرقى هي مرتبة "أم الولد" ثم تصبح كاملة الحرية بعد وفاة والد أولادها. . (1)
أما أنه وسيلة من وسائل التحرير فلأن الأمة حينما تكون مملوكة لمسلم فيجوز له أن يعاشرها معاشرة الزوجات، فإذا ولدت له ولدًا واعترف بالولد أنه ابنه أصبحت في نظر الشرع (أم ولد)، وفي هذه الحالة يحرم على السيد أن يبيعها، وإذا مات ولم يعتقها في حياته فإنها تصبح حرة بعد مماته مباشرةً. وكم من إماء في العصور السالفة تحررن بهذه الوسيلة، وكم رقيقة نعمت بالحرية حين أصبحن أمهات أولاد.
وأما أنه مأثرة عظيمة من مآثر الإسلام في تكريم المرأة؛ فلأن المرأة التي كانت تسترق في الحروب في غير بلاد المسلمين كان عرضها نهبًا مباحًا لكل طالب على طريقة البغاء، بل كانت منهوكة الكرامة رخيصة العرض مهدرة الحقوق.
أما استرقاقها في ظل النظام الإسلامي فيختلف عما كانت تلقاه قبل الإسلام من ذل ومهانة واستهتار، فالإسلام قد حفظ لها حقها وصان لها عرضها وشرفها، فهي ملك يمين لصاحبها فقط لا يجوز لغير مالكها أن يدخل عليها، ويعاشرها معاشرة الزوجات اللهم إلا إذا أذن لها بالزواج تزوجت، فعندئذ لا يحل لمالكها أن يقربها ولا أن يخلو بها، وجعل من حقها نيل الحرية بالمكاتبة إن شاءت، وتُحرر بعد موت مالكها إن كانت أم ولد، ويُحرر معها ولدها، عدا عما يجب أن تتلقاه من السيد من حسن معاملة وكرم معاشرة كما أمرت
(1) حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين (622 - 625) بتصرف.