الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن القيم: أَنَّهُ حَرَّمَ الشِّيَاعَ، وَهُوَ المُفَاخَرَةُ بِالجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى تَحْرِيكِ النُّفُوسِ وَالتَّشَبُّهِ وَقَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ مَنْ يُغْنِيه مِنْ الحَلَالِ فَيَتَخَطَّى إلَى الْحَرَامِ، وَمِنْ هَذَا كَانَ المُجَاهِرُونَ خَارِجِينَ مِنْ عَافِيَةِ اللَّه، وَهُمْ المُتَحَدِّثُونَ بِمَا فَعَلُوهُ مِنْ المَعَاصِي؛ فَإِنَّ السَّامِعَ تَتَحَرَّكُ نَفْسُهُ إلَى التَّشَبُّهِ، وِفي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ المُنْتَشِرِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّه (1).
16 - إبطال أنواع من الأنكحة يتراضاها الزوجان:
قال ابن القيم: أَنَّهُ أَبْطَلَ أَنْوَاعًا مِنْ النِّكِاحِ الَّذِي يَتَرَاضَى بِهِ الزَّوْجَانِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الزِّنَا؛ فَمِنْهَا النِّكَاحُ بِلَا وَلِيٍّ؛ فَإِنَّهُ أَبْطَلَهُ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الزِّنَا؛ فَإِنَّ الزَّانِيَ لَا يَعْجَزُ أَنْ يَقُولُ لِلْمَرْأَةِ: "أَنْكِحِينِي نَفْسَك بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ" وَيُشْهِدُ عَلَيْهَا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ، فَمَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الزِّنَا، وَمِنْ هَذَا تَحْرِيمُ نِكَاحِ التَّحْلِيلِ الَّذِي لَا رَغْبَةَ لِلنَّفْسِ فِيهِ فِي إمْسَاكِ الْمَرْأَةِ وَإتِّخَاذِهَا زَوْجَةً بَلْ لَهُ وَطَرٌ فِيمَا يَقْضِيه بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الصُّورَةُ، وَمنْ ذَلِكَ تَحْرِيمُ نِكَاحِ المُتْعَةِ الَّذِي يَعْقِدُ فِيهِ المُتَمَتِّعُ عَلَى الْمَرْأَةِ مُدَّةً يَقْضِي وَطَرَهُ مِنْهَا فِيهَا؛ فَحَرَّمَ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ كُلَّهَا سَدًّا لِذَرِيعَةِ السِّفَاحِ، وَلَمْ يُبِحْ إلَّا عَقْدًا مُؤَبَّدًا يَقْصِدُ فِيهِ كُلُّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ المَقَامَ مَعَ صَاحِبِهِ وَيَكُونُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَحُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنْ الْإِعْلَانِ؛ فَإِذَا تَدَبَّرْت حِكْمَةَ الشَّرِيعَةِ وَتَأَمَّلْتهَا حَقَّ التَّأَمُّلِ رَأَيْت تَحْرِيمَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ، هِيَ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَكَمَالِهَا (2).
فهذه جملة من النواهي التي وردت في الشريعة الإسلامية سدًا لإثارة الغرائز وتهييج الشهوات حمايةً للمجتمع وصيانةً له من الوقوع في جريمة الزنا، فهذا باب في الشريعة مطرد، إذا حرم اللَّه شيئًا سد الأبواب الموصلة إليه، واللَّه أعلم (3).
8 - مخالفة الفطرة والحصاد المر
.
(1) إعلام الموقعين 3/ 126.
(2)
إعلام الموقعين 3/ 128.
(3)
الحدود والتعزيرات، بكر أبو زيد (114).
عندما نتأمل في مخلوقات اللَّه عز وجل سترى بكل وضوح أن بني الإنسان قد استحوذوا علي حُلل الكرامة من العقل والعلم والبيان والنطق والشكل والصورة الحسنة والهيئة الشريفة واكتساب العلوم وغيرها من الأشياء التي فيها كرامة الإنسان (1)، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} (الإسراء: 70)، ولما كان هذا التفضيل صارت خلافة الإنسان في الأرض لكن يعمرها ويشيدها ويتكاثر ويتناسل فيها، قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)} (البقرة: 30).
ولا شك أن الخلافة لا تتحقق ولا تزدهر إلا عن طريق النسل، ولا يكون النسل إلا إذا كان زوجان ذكر وأنثى ويكون بينهما سكن، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)} (الروم: 21)، ولا سكون للزوجين إلا إذا ارتبطا بعقد شرعي (2)، وفي هذه الآية الكريمة يضع القرآن الكريم الأساس السليم لبناء اللبنة الأولى في صرح المجتمع السوي، بل إنه ينبه الأذهان إلى نوع هام من الطب لم يفطن إليه العلماء إلا حديثًا عندما اتفقوا على ضرورة تعديل برامج التعليم الطبي في العالم عن طريق إدخال بعض العلوم المستحدثة في دراسة الطب وأهمها علم الطب الاجتماعي الذي يبحث عن بناء مجتمع صالح خال من الجهل والفقر والمرض والخوف والقلق (3).
(1) عجائب النظر والتأمل في عظمة اللَّه عز وجل (235) بتصرف.
(2)
الإعجاز الطبي في الكتاب والسنة (70).
(3)
رحيق العلم والإيمان (219).
ولما كان للأسرة أهمية بالغة في بناء المجتمع اهتم الإسلام بهذا الجانب اهتمامًا بالغًا ففتح باب الزواج على مصراعيه، وأغلق سائر الأبواب التي لا يأتي من ورائها إلا الخراب والدمار والضياع، فهناك ضحايا أبرياء من اللقطاء والأبناء غير الشرعيين لم يقترفوا ذنبًا سوى أنهم جاءوا إلى الحياة نتيجة الخطيئة ونظرة ملؤها الأحقاد والازدراء، ويعتبروا من المعوقين الذين تتولى الدولة رعايتهم، وقد يلجأ هؤلاء إلى الجريمة، وذلك كنتيجة محتمة لنفسيتهم المعقدة، ومن الصعب تقويم هؤلاء لأن إحساسهم بأنهم أتوا الحياة عن طريق البغاء يجعلهم ناقمين على المجتمع (1).
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الشهوة الجنسية ليست غاية، بل هي وسيلة فإن الحكمة من الفرج عند الإنسان هي لإقامة النسل وخروج الفضلات (2)، وقد شُرع الزواج لدفع غوائل الشهوة ولتحصين الفرج وإبقاء النسل، وفيه يحصل السكن بين الذكر والأنثى فصار في الزواج الكرامة والفطرة، فلما انخلع الإنسان من هذه الكرامة وهذه الفطرة كان الحصاد المر أن جعل اللَّه لمن يتخطى هذا الأمر من الإباحية والفجور أمراضًا عجز الأطباء أن يجدوا لها علاجًا، فتعتبر الأمراض الجنسية من أخطر الأمراض وأشدها فتكًا بالإنسان خصوصًا في هذا العصر، حيث تشير آخر التقارير لمنظمة الصحة العالمية أن الأمراض الجنسية هي أكثر الأمراض انتشارًا في العالم، وأنها أهم وأخطر المشاكل الصحية العاجلة التي تواجه دول الغرب، فعدد الإصابات في ارتفاع مستمر في كل الأعمار خصوصًا في مرحله الشباب.
يقول د/ جولد: لقد حُسب أن في كل ثانية يصاب أربعة أشخاص بالأمراض الجنسية في العالم، هذا وفق الإحصائيات المسجلة والتي يقول عنها الدكتور (جورج كوس) أن
(1) قضايا ومسائل طبية واجتماعية في ضوء الإسلام (العدد 207 ص- 28).
(2)
الحكمة في مخلوقات اللَّه عز وجل للغزالي (57).