الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يومًا، بعكس الإنسان الذي يصحَّ أن نَصِفَهُ بأنه حيوان مستور. وهذه الفطرة الحيوانية لا يميل الإنسان إليها إلا وهو يرتكس إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان.
إن رؤية العُرْي والتكشف جمالًا هو انتكاس في الذوق البشري قطعًا، ومؤشر واضح يبين انتشار التخلف في المجتمع البشري.
وحتى هؤلاء الذين يتشدقون بالتقدم المزعوم، يقولون:
إن الإنسان بدأ حياته على طريقة الحيوان عاريًا من كل ستر إلا شعره، ثم رأى أن يستر جسمه بأوراق الشجر، ثم بجلود الحيوانات، ثم جعل يترقى في مدارج الحضارة حتى اكتشف الإبرة، وابتدع وسيلة الحياكة، فاستكمل ستر جسمه.
وهكذا كانت نزعة التستر وليدة التقدم المدني، فكل زيادة في هذا التقدم كانت مؤدية إلى زيادة في توكيد الحشمة، وكل خلل في كمال الستر عنوان التخلف والرجعية.
وآية ذلك أن المتخلفين في أواسط أفريقيا عراة، وحين تشرق حضارة الإسلام في هذه المناطق، يكون أول مظاهر هذه الحضارة اكتساء العراة، وانتشالهم من وهدة التخلف، والتسامي بهم إلى مستوى الحضارة بمفهومها الإسلامي الذي يستهدف استنفاذ خصائص الإنسان وإبرازها.
الشبهة الثانية: الحجاب فيه كبت للطاقة الجنسية عند الشباب
.
تقول هذه الشبهة: بأن الطاقة الجنسية في الإنسان طاقة كبيرة وخطيرة، وخطورتها تكمن في كبتها، وزيادة الضغط تولد الانفجار، وحجاب المرأة يغطي جمالها وبالتالي فإن الشباب يظلون في كبت جنسي يكاد أن ينفجر؛ أو ينفجر أحيانًا على شكل حوادث اغتصاب وغيرها، والعلاج لهذه المشكلة إنما يكمن في المرأة من هذا الحجاب؛ لكي ينفس الشباب الكبت الذي فيهم، وبالتالي يحدث التشبع لهذه الحاجة، فيقل طبقًا لذلك خطورة الانفجار بسبب الكبت والاختناق.
والرد على هذه الشبهة من هذه الوجوه:
الوجه الأول: حال المجتمع الذي نادى بالتبرج لإخراج الكبت النفسي عند الشباب
.
لو أن الحجاب يسبب الكبت الجنسي عند الشباب لكانت أمريكا والدول الأوربية وما شاكلها هي أقلّ الدول في العالم في حوادث الاغتصاب والتحرش في النساء وما شاكلها من الجرائم الأخلاقية.
ذلك لأن أمريكا والدول الأوربية قد أعطت هذا الجانب عناية كبيرة جدًّا بحجة الحرية الشخصية إلى درجة أنك ترى المجلات الخليعة تباع في كل مكان، وبرامج التلفزيون مليئة بالبرامج الخليعة والمثيرة جنسيًا، والمرأة هناك إذا ما أقبل الصيف فإنها تخلع ثيابها وتبقى بالمايوه؛ لتستحم على شاطئ البحر، فماذا كانت النتائج التي ترتبت على هذا الانفلات والإباحية، هل قلت حوادث الاغتصاب؟ وهل حدث التشبع الذي يتحدثون عنه؟ ! وهل حُميت المرأة من هذه الخطورة؟ !
في كتاب تصدره الفيدرالية في أمريكا يقول الكتاب: إنه تتم جريمة اغتصاب بالقوة، كل ستة دقائق في أمريكا، وهو يتحدث في سنة (1988) ويعني بالقوة، أي تحت تأثير السلاح.
وفي نفس الكتاب يعرض لنا الإحصائية التالية:
في سنة 1978 كانت عدد حالات الاغتصاب في أمريكا (389.147) ألف حالة.
في سنة 1979 كانت عدد حالات الاغتصاب في أمريكا (134.168) ألف حالة.
في سنة 1981 كانت عدد حالات الاغتصاب في أمريكا (45.189) ألف حالة.
في سنة 1983 كانت عدد حالات الاغتصاب في أمريكا (691.211) ألف حالة.
في سنة 1987 كانت عدد حالات الاغتصاب في أمريكا (764.221) ألف حالة. (1)
وهذه الإحصائية وما يشابهها من أخبار موثقة تدل على ازدياد معدل الجريمة الجنسية في تلك البلاد ما هي إلا بمثابة تفسير عملي لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} (الأحزاب: 59).
(1) الجريمة في أمريكا Crime in U.S.A ص 6. وهذا يعني أن إحصائيات الكتاب موثقة من قبل الحكومة، وليس من قبل شركات الإحصاء.
وهذه إحصائيات قديمة ونحن اليوم في عصر الانفتاح الإعلامي وانتشار شبكة الإنترنت في البيوت.
يقول الأستاذ محمد رشيد العويد: (1)
حين هاجم الداعون إلى التحرر -بل التحلل- من خلق العفة، قالوا: إنها -أي العفة- تسبب الكبت، والكبت يسبب العقد النفسية.
وحين يحاربون هذا الكبت، لينقذوا المجتمع منه، دفعوا المرأة إلى الخروج من بيتها سافرة بزينتها، ودعوا إلى الاختلاط، قالوا إن الاختلاط يجعل الأمور عادية، فلا ينظر الرجل إلى المرأة نظرة شهوة، فهي معه في كل مكان، في الشارع والعمل، وسيارة المواصلات العامة.
وصدق من صدق، فبعد أن كان من يدعو إلى هذا واحدًا أو اثنين، صاروا خمسة وستة، ثم صارت لهم مجلات وصحف وجمعيات، تحمل دعوتهم وتروج لها.
وتصدى لهم أهل الصلاح والتقوى، من الشيوخ والعلماء، حذروا من مغبة هذه الدعوات، وذكروهم بأنها تخالف شرع اللَّه، وكل ما خالف شرع اللَّه فهو باطل. . ولا يأتي بخير.
ومضى أهل الباطل في دعواتهم الفاسدة، يمدهم شياطين الإنس والجن، يمدونهم بما يعينهم على ما مضوا فيه، وذهبوا إليه، حتى مكنوهم مما أرادوا. . وكان ما كان من نتائج مفزعة، أيقظت من كان غافلًا، ونبهت من كان سادرًا، فبدأت دعوات الخير تقوى، وأصوات الحق ترتفع، وعادت ملايين المسلمات إلى دينهن، وحجابهن، قبل فوات الأوان. والصحوة الإسلامية ماضية إن شاء اللَّه، حتى يقوم المجتمع الإسلامي كما أراده اللَّه.
ونريد هنا، أن نبين لدعاة الباطل أي كارثة كانوا يسوقون إليها مجتمعاتنا، وأي غابية رهيبة كانت ستؤول إليها. . لولا لطف اللَّه وعنايته. سنجبلهم إلى المجتمع الغربي الذي انطلقت، أول ما انطلقت، دعواتهم فيه، فمنه صدرت نظريات فرويد في رد كل شيء إلى الجنس،
(1) رسالة إلى حواء (455 - 459).
والكبت الجنسي، ومنه -من الغرب- انطلقت دعوات الحرية الجنسية، والاختلاط، والتحلل. . فهل نجحوا في تهذيب المشاعر، وتلطيف الغريزة الجنسية، كما كانوا يزعمون؟ ! .
الاختلاط عندهم في المدارس والجامعات، في المؤسسات والشركات، في المحال والمنتديات. والمرأة عندهم تخرج كما تشاء، وتلبس ما تشاء، تستر ما تشاء وتكشف ما تشاء. والقانون لا يحاسبها إذا زنت ما دامت راضية، كما لا يحاسب الشاب كذلك. اليس هذا ما أرادوه؟
حسن. النتيجة التي أرادوها لهذا، وهي تلطيف المشاعر الجنسية، لم تتحقق! بل العكس، اكتسبت طبيعة حيوانية بشعة في صورة: الاغتصاب في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من نصف مليون عملية اغتصاب سنويًا.
وفي مدينة لوس أنجلوس -التي أصبحت تشتهر بأنها عاصمة حوادث الاغتصاب في العالم- تشير الإحصائيات إلى أن واحدة من كل ثلاث فتيات في سن 14 عامًا معرضة للاغتصاب في تلك المدينة. وفي عام واحد أدخل إلى غرف الطوارئ، في مستشفيات المدينة، 3646 ضحية اغتصاب أي: عشر حوادث اغتصاب كل يوم في مدينة واحدة!
لقد بلغت الحالة ذروتها من السوء إلى حد دفع لحاكم ولاية كاليفورنيا أن يعلن في حديث تلفزيوني حربًا لمدة عشر سنوات بكلفة خمسة مليارات دولار لمكافحة الجريمة.
وقال: إن مستوى الخوف، ودرجة العنف البشعة ضد الصغار والكبار على حد سواء، أوجدت جوًا من شأنه تعويض حقنا الأساسي في أن نكون أحرارًا في مجتمعنا.
وتأملوا عبارته الأخيرة: (أن نكون أحرارًا في مجتمعنا)، فهذا هو المفهوم الحقيقي للحرية، فحين أكون آمنًا فأنا على قدرٍ كبيرٍ من الحرية، أما حين تكون زوجتي وابنتي وأختي مهددات بالاغتصاب، فأي حرية هذه؟ !
ولننتقل إلى أوروبا، لنقرأ في ملفات الأمن عن بعض حوادث الاغتصاب، إنهم يقولون: إن مرتكبي جرائم الاغتصاب كثيرًا ما يكونون أناسًا عاديين سنحت لهم الفرصة فلجؤوا إلى الاغتصاب، أي: أنهم لم يكونوا ليغتصبوا لو لم تكن المرأة قريبة منهم.
واقرأوا هذه الأمثلة كما يوردها تقرير من البوليس الفرنسي:
(. . . المغتصبون ليسوا دائمًا من الشاذين أو المتخلفين عقليًا، ومن هنا يزداد حجم الرعب في أوساط النساء من كل الأعمار، حتى أولئك اللواتي تجاوزن سن الأربعين. وتزداد معه حيرة علماء النفس وعلماء الاجتماع أو خبراء الجريمة خصوصًا.
وهم يأخذون -كعينة- ذلك المواطن في مدينة غرينوبل (37 سنة) فهو أب لتسعة أولاد، ومع ذلك اشتهر في سجلات البوليس كمدمن على الاغتصاب فقد ارتكب في عام 1967 م أربعين حادث اغتصاب منها أربعة حوادث في يوم واحد، وجميع المغتصبين أناس عاديون لا يشكون أي مرض، ومع ذلك استطابوا الجنس القهري، وكأنه أصبح موضة العصر، تُرى هل هم كثير والعدد أولئك المجرمون بالمغامرة؟ .
تجيب كوليت دومار غريبة المحامية المتخصصة في جرائم الاغتصاب بقولها: لم يعد هناك حالات استثنائية. . إن الأمر يكاد يكون موجة واسعة الانتشار.
والبوليس الفرنسي يلاحق آلافًا من مرتكبي جرائم الاغتصاب كل عام، ولكنه لا يلقي القبض في النهاية إلا على نسبة ضئيلة، كذلك فإن ثماني فتيات من كل عشر فتيات يرفضن الادعاء المغتصب. وهناك تقرير مبدئي يقول: إن عدد النساء المغتصبات في فرنسا كل عام أكثر من مائة ألف امرأة.
وهناك أزمة غطاء أمني إزاء ترويع النساء وخطفهن والاعتداء عليهن. فقد تقدمت الفتاة الباريسية (سيلفي) إلى قسم البوليس في المنطقة السابعة من باريس بشكوى ضد مجهول اعتدى عليها بقوة السلاح، وبدلًا من أن يقول لها المفوض: أعطينا أوصافه ودعي الأمر لنا، إذا به يواجهها قائلًا: أنت السابعة منذ الصباح. . فتشي بنفسك عن مهاجمك. . وعندئذ نتدخل! !
هذا هو الاغتصاب في الغرب. . إحدى الثمار الفجة الرمة. . لخروج المرأة من بيتها، سافرة متبرجة، يراها كل الرجال.
فأين مزاعم الزاعمين بأن الاختلاط يخفف من حدة الغرائز الجنسية، أين دعاوى المدعين بأن خروج المرأة من بيتها يهذب الشهوات الجنسية. .؟ !
وهذا معناه أن المتبرجة التي أبدت مفاتنها وأبرزتها لكل غاد ورائح معرضة للأذى من قبل ذئاب البشر؛ لأنها بذلك تثير الشهوات الكامنة، أما المتحجبة فإنها تخفي تلك المفاتن والزينة فلا يرى منها إلا الكف والوجه في قول، وفي قول آخر: لا يرى منها شيء سوى العين، فأي شهوة تثيرها تلك المتحجبة، وأي غريزة تحركها تلك المتغطية. واللَّه شرع الحجاب ليكون حماية للمرأة من الأذى؛ لأنه يعلم سبحانه وتعالى بأن التبرج دعوة إلى زيادة الجرائم الجنسية بما يحرك من الغرائز الساكنة.
وأمام الذين يصرون بعد ذلك على تلك الشبهة، ويعتقدون صوابها أربع حقائق وهي:
الحقيقة الأولى: أن الإحصائيات تكذبهم.
الحقيقة الثانية: أن الغريزة الجنسية موجودة في الرجال والنساء، وهي سر إلهي أودعه اللَّه في الرجل والمرأة لحكم كثيرة منها: استمرار النسل، ولنا أن نتخيل لو لم توجد هذه الغريزة، ثم يطلب من الرجال أن يتصرفوا طبيعيًا أمام مناظر التكشف والتعري دونما اعتبار لوجود تلك الغريزة.
الحقيقة الثالثة: أن الذي يثير الرجل هو رؤيته لمفاتن المرأة سواء وجهها أو باقي مواضع الإثارة فيها، ولا يمكن أن يصادم الفطرة التي خلقه اللَّه عليها فتخبو شهوته عند رؤية ما يثير.
الحقيقة الرابعة: إن الذي يدَّعي أنه يمكن معالجة الكبت الجنسي بإشاعة مناظر التبرج والتعري ليحدث التشبع، فإنه بذلك يصل إلى نتيجتين:
الأولى: أن هؤلاء الرجال الذين لا تثيرهم الشهوات والعورات البادية، من فئة المخصيين، فانقطعت شهوتهم فما عادوا يشعرون بشيء من ذلك الأمر.