الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- وحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن أبي بردة قال: (قدم على أبي موسى؛ معاذ بن جبل باليمن، فإذا رجل عنده، قال: ما هذا؟ قال: رجل كان يهوديًا فأسلم، ثم تهود، ونحن نريده على الإِسلام منذ قال: أحسبه شهرين؛ فقال: واللَّه لا أقعد حتى تضربوا عنقه فضربت عنقه، فقال: قضى اللَّه ورسوله "أن من رجع عن دينه فاقتلوه" أو قال "من بدل دينه فاقتلوه" (1).
الوجه الثالث: لم ينفرد عكرمة بالحديث، فقد تابعه أنس عن ابن عباس به
(2).
فالحديث ثابت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا مجال للطعن بعدما أوردنا شواهد لهذا الحديث من غير طريق ابن عباس رضي الله عنه، وكما ذكرنا لم ينفرد عكرمة بالحديث، هذا من جانب ومن جانب آخر هذا الحديث في أعلى كتب الصحيح ألا وهو صحيح البخاري، فيكفينا في ذلك سندًا ومتنًا.
الشبهة الخامسة: حول حديث "من بدل دينه فاقتلوه
".
قالوا: عموم الحديث يفيد شموله لكل من غير دينه، ومن ثم فإن اليهودي الذي يتنصر أو المسيحي الذي يعتنق الإِسلام يدخل تحت حكم الحديث فيجب قتله.
الرد على الشبهة:
قال تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران: 19).
قال ابن كثير: وهو إخبار من اللَّه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإِسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم اللَّه به في كل حين، حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لقي اللَّه بعد بعثته محمد صلى الله عليه وسلم بدين غير شريعته، فليس بمتقبل، كما قال تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (آل
(1) مسند أحمد (5/ 231)، وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين وهو عندهما بنحوه دون قوله "أن من رجع. . .) انظر الإرواء (المصدر السابق).
(2)
صحيح ابن حبان (10/ 327) رقم (4475)، السنن الكبرى للبيهقي (8/ 205)، والنسائي (3527)، صحيح سنن النسائي (3789) للألباني.
عمران: 85)، وقال في هذه الآية مخبرًا بانحصار الدين المتقبل عنده في الإِسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (1).
قال البغوي: قال قتادة في قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} قال: شهادة أن لا إله إلا اللَّه، والإقرار بما جاء من عند اللَّه تعالى، وهو دين اللَّه الذي شرع لنفسه، وبعث به رسله، ودل عليه أولياءه، فلا يقبل غيره، ولا يجزى إلا به. (2)
وقال ابن القيم: يعني الذي جاء به محمد، وهو دين الأنبياء من أولهم إلى آخرهم ليس للَّه دين سواه {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} (آل عمران: 85). وقد دل قوله {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} على أنه دين أنبيائه ورسله وأتباعهم من أولهم إلى آخرهم، وأنه لم يكن للَّه قط ولا يكون له دين سواه؛ قال أول الرسل {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (يونس: 72)، وقال إبراهيم وإسماعيل {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً} (البقرة: 128)، {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (البقرة: 132) وقال يعقوب لبنيه عند الموت {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة: 133)، وقال موسى لقومه {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} (يونس: 84)، وقال تعالى {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 52)، وقالت ملكة سبأ {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (النمل: 44).
(1) تفسير ابن كثير (2/ 30) ط. دار الراية - آية (19) آل عمران.
(2)
تفسير البغوي (1/ 286) نفس الآية.
فالإِسلام دين أهل السماوات ودين أهل التوحيد من أهل الأرض، لا يقبل اللَّه من أحد دينًا سواه فأديان أهل الأرض ستة: واحد للرحمن، وخمسة للشيطان، فدين الرحمن هو الإِسلام، والتي للشيطان: اليهودية والنصرانية والمجوسية والصابئة ودين المشركين. (1)
قال النووي: قال الشافعي: فلم يزل ما حرم اللَّه تعالى علي بني إسرائيل من اليهود وغيرهم محرمًا من حين حرمه حتى بعث اللَّه عز وجل محمدًا صلى الله عليه وسلم، ففرض الإيمان به، وأعلم خلقه أن دينه الإِسلام، الذي نسخ به كل دين قبله، فقال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} ، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، وقال تعالى:{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} (آل عمران: 64)، وأمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية إن لم يسلموا، وأنزل فيهم {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (الأعراف: 157).
قال الشافعي: فلم يبق خلق يعقل منذ بعث اللَّه عز وجل محمدًا صلى الله عليه وسلم من جن ولا إنس بلغته دعوته إلا قامت عليه حجة اللَّه تعالى باتباع دينه (2).
فإن الدين هو الإِسلام، وهو ناسخ لكل دين، ولقد توالى رسل اللَّه جميعًا يدعون الناس إلى هذه الحقيقة الخالدة، وبهذا نفهم أن كل ما عداه من دين فهو باطل، لا يعتد به ولا ينظر إليه، وأن الإِسلام هو الأصل والذي يعتد به، ويكون من الأحكام والمعاملات، فعندما يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "من بدل دينه فاقتلوه" فنفهم من ذلك أنه دين الأنبياء والمرسلين، دين الفطرة، دين رب العالمين، دين الإِسلام.
(1) التفسير القيم للإمام ابن القيم (201 - 202).
(2)
المجموع (9/ 70، 71).