الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجبورًا بشيء من المنافع فوجب بقاؤه على أصل المنع والحجر، فثبت بما ذكرنا أن العقول السليمة تقضي على الزنا بالقبح. (1)
فالواقع يشهد للشريعة وخاصةً في حد الزنا، ولعل ما حدث في أوربا والبلاد الغربية عامة يؤيد نظرية الشريعة، فقد تحللت الجماعات الأوربية وتصدعت وحدتهم وذهب ريحها وما لذلك من سبب إلا شيوع الفاحشة والفساد الخلقي والإباحية التي لا تعرف حدًا تنتهي إليه، وما أشاع الفاحشة وأفسد الأخلاق ونشر الإباحية إلا إباحة الزنا وترك الأفراد لشهواتهم واعتبار الزنا من الأمور الشخصية التي لا تمس صالح الجماعة. (2)
حكمة التشريع في تحريم الزنا وتغليظ حده:
تناول ابن القيم حكمة التشريع في تحريم الزنا، وتتبع أسرار التشريع في ذلك مبينًا آثار الزنا من مفاسد للبلاد والعباد، ونجملها في العناصر التالية:
1 - الزنا يجمع خلال الشر كلها:
قال ابن القيم: والزنا يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة المغيرة فلا تجد زانيًا معه ورع ولا وفاء بعهد ولا صدق في حديث ولا محافظة على صديق ولا غيرة تامة على أهله فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب المغيرة من القلب من شعبه وموجباته، ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة ومنها سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين ومنها ظلمة القلب وطمس نوره وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له ومنها الفقر اللازم (3).
2 - مناقضة الزنا لصلاح العالم واختلاط الأنساب وانتهاك الأعراض:
(1) تفسير الرازي (الإسراء: 32).
(2)
التشريع الجنائي في الإسلام 3/ 378.
(3)
روضة المحبين (360).
ومفسدة الزنا مناقضة لصلاح العالم فإن المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقاربها، ونكست رؤوسهم بين الناس وإن حملت من الزنا فإن قتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل وإن حملته الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبيا ليس منهم فورثهم وليس منهم ورآهم وخلا بهم وانتسب إليهم وليس منهم إلى غير ذلك من مفاسد زناها وأما زنا الرجل فإنه يوجد اختلاط الإنساب أيضًا وإفساد المرأة المصونة وتعريضها للتلف والفساد ففي هذه الكبيرة خراب الدنيا والدين وإن عمرت القبور في البرزخ والنار في الآخرة فكم في الزنا من استحلال محرمات وفوات حقوق ووقوع مظالم (1).
ولما كانت مفسدة الزنا من أعظم المفاسد وهي منافية لمصلحة نظام العالم في حفظ الأنساب وحماية الفروج وصيانة الحرمات وتوقى ما يوقع أعظم العداوة والبغضاء بين الناس من إفساد كل منهم امرأة صاحبه وبنته وأخته وأمه وفي ذلك خراب العالم كانت تلي مفسدة القتل في الكبر ولهذا قرنها اللَّه سبحانه بها في كتابه ورسوله في سننه، قال الإِمام أحمد: ولا أعلم بعد قتل النفس شيئًا أعظم من الزنا، وقد أكد سبحانه حرمته بقوله:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)} (الفرقان: 68) فقرن الزنا بالشرك وقتل النفس وجعل جزاء ذلك الخلود في النار في العذاب المضاعف المهين ما لم يرفع العبد وجب ذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح وقد قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)} ، فأخبر عن فحشه في نفسه وهو القبيح الذي قد تناهى قبحه حتى استقر فحشه في العقول حتى عند كثير من الحيوانات كما ذكر البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون
(1) الداء والدواء (208).