الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن مساعدة الجد أن اللفظ كان زنته زنة العربي، فلم يحتاجوا في تعريبه إلى كبير مؤنة، بعد ما أبدل كافها جيمًا صارت كأنها عربي الأصل والنجار. (1)
وشرعًا: عقد تأمين، ومعاوضة، وتأبيد من الإمام، أو نائبه على مال مقدر يؤخذ من الكفار كل سنة برضاهم في مقابلة سكنى دار الإسلام. (2)
ورد الجويني قوله: (في مقابلة سكنى دار الإسلام) بقوله:
وهذا غير سديد؛ لأن المرأة تقيم في دار الإسلام، ولا جزية عليها. (3)
والأصح هو أنها خلف عن النصرة. (4)
وقال ابن القيم: فالجزية هي الخراج المضروب على رؤوس الكفار إذلالًا، وصغارًا، والمعنى: حتى يعطوا الخراج عن رقابهم. (5)
وقال ابن قدامة: هي الوظيفة المأخوذة من الكافر لإقامته بدار الإسلام في كل عام، وهي فعلة من جزى يجزي إذا قضى قال اللَّه تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)} (البقرة: 48) تقول العرب: جزيت ديني إذا قضيته (6).
وقال الجصاص: وَالجِزْيَةُ وَالْجَزَاءُ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَخْذُ الْمَالِ مِنْهُمْ عُقُوبَةً وَجَزَاءً عَلَى إقَامَتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ. (7)
2 - أول من سن الجزية
.
(1) مجلة المنار السنة الأولى العدد (44) رسالة لشمس العلماء الشيخ شبلي النعماني.
(2)
التعاريف (243).
(3)
نهاية المطلب (18/ 7).
(4)
المبسوط للسرخسي (12/ 159).
(5)
أحكام أهل الذمة (28).
(6)
المغني (12/ 756).
(7)
أحكام القرآن للجصاص (4/ 286).
قال الطبري: وكان ملوك فارس يأخذون من كور من كورهم قبل ملك كسرى أنوشروان في خراجها الثلث ومن كور الربع، ومن كور الخمس، ومن كور السدس على قدر شربها، وعمارتها، ومن جزية الجماجم شيئًا معلومًا فأمر الملك (قباذ بن فيروز) في آخر ملكه بمسح الأرض سهلها وجبلها ليصح الخراج عليها فمسحت غير أن (قباذ) هلك قبل أن يستحكم له أمر تلك المساحة حتى إذا ملك ابنه كسرى أمر باستتمامها وإحصاء النخل والزيتون والجماجم، ثم أمر كتابه فاستخرجوا جمل ذلك وأذن للناس إذنًا عامًا، وأمر كاتب خراجه أن يقرأ عليهم الجمل التي استخرجت من أصناف غلات الأرض وعدد النخل والزيتون والجماجم، فقرأ ذلك عليهم، ثم قال لهم كسرى: إنا قد رأينا أن نضع على ما أحصي من جربان هذه المساحة من النخل والزيتون والجماجم وضائع، ونأمر بإنجامها في السنة في ثلاثة أنجم ونجمع في بيوت أموالنا من الأموال ما لو أتانا عن ثغر من ثغورنا أو طرف من أطرافنا فتق أو شيء نكرهه، واحتجنا إلى تداركه أو حسمه ببذلنا فيه مالًا كانت الأموال عندنا معدة موجودة، ولم نرد استئناف اجتبائها على تلك الحال، في ترون فيما رأينا من ذلك وأجمعنا عليه؟ .
فلم يشر عليه أحد منهم فيه بمشورة، ولم ينبس بكلمة، فكرر كسرى هذا القول عليهم ثلاث مرات، فقام رجل من عرضهم وقال لكسرى: أتضع أيها الملك عمرك اللَّه الخالد من هذا الخراج على الفاني من كرم يموت، وزرع يهيج، ونهر يغور، وعين أو قناة ينقطع ماؤها، فقال له كسرى: يا ذا الكلفة المشؤوم، من أي طبقات الناس أنت؟ قال: أنا رجل من الكتاب، فقال كسرى: اضربوه بالدوي حتى يموت، فضربه بها الكتاب خاصة تبرؤا منهم إلى كسرى من رأيه وما جاء منه حتى قتلوه، وقال الناس: نحن راضون أيها الملك بما أنت ملزمنا من خراج، وإن كسرى اختار رجالًا من أهل الرأي والنصيحة فأمرهم بالنظر في أصناف ما ارتفع إليه من المساحة، وعدة النخل، والزيتون، ورؤوس أهل الجزية، ووضع الوضائع على ذلك بقدر ما يرون أن فيه صلاح رعيته ورفاعة معاشهم، ورفعه إليه فتكلم كل امرئ منهم بمبلغ
رأيه في ذلك من تلك الوضائع، وأداروا الأمر بينهم، فاجتمعت كلمتهم على وضع الخراج على ما يعصم الناس والبهائم، وهو الحنطة، والشعير، والأرز، والكرم، والرطاب، والنخل، والزيتون، وكان الذي وضعوا على كل جريب أرض من مزارع الحنطة والشعير درهمًا، وعلى كل جريب أرض كرم ثمانية دراهم، وعلى كل جريب أرض رطاب سبعة دراهم، وعلى كل أربع نخلات فارسية درهمًا، وعلى كل ست نخلات دقل مثل ذلك، وعلى كل ستة أصول زيتون مثل ذلك، ولم يضعوا إلا على كل نخل في حديقة أو مجتمع غير شاذ، وتركوا ما سوى ذلك من الغلات السبع فقوي الناس في معاشهم، وألزموا الناس الجزية ما خلا أهل البيوتات، والعظماء، والمقاتلة، والهرابذة، والكتاب، ومن كان في خدمة الملك، وصيروها على طبقات اثني عشر درهمًا وثمانية وستة وأربعة كقدر إكثار الرجل وإقلاله، ولم يلزموا الجزية من كان أتي له من السن دون العشرين أو فوق الخمسين، ورفعوا وضائعهم إلى كسرى فرضيها وأمر بإمضائها والاجتباء عليها في السنة في ثلاثة أنجم كل نجم أربعة أشهر وسماها أبراسيار وتأويله: الأمر المتراضي، وهي الوضائع التي اقتدى بها عمر بن الخطاب حين افتتح بلاد الفرس وأمر باجتباء أهل الذمة عليها؛ إلا أنه وضع على كل جريب أرض عامر على قدر احتماله مثل الذي وضع على الأرض المزروعة وزاد على كل جريب أرض مزارع حنطة أو شعيرًا قفيزًا من حنطة إلى القفيزين ورزق منه الجند، ولم يخالف عمر بالعراق خاصة وضائع كسرى على جربان الأرض، وعلى النخل، والزيتون، والجماجم، وألغى ما كان كسرى ألغاه من معايش الناس، وأمر كسرى فدونت وضائعه نسخًا، فاتخذت نسخة منها في ديوانه قبله، ودفعت نسخة إلى عمال الخراج ليجتبوا خراجهم عليها، ونسخة إلى قضاة الكور، وأمر القضاة أن يحولوا بين عمال الكور والزيادة على أهل الخراج فوق ما في الديوان الذي دفعت إليه نسخته، وأن يرفعوا الخراج عن كل من أصاب زرعه أو شيئًا من غلاته آفة بقدر مبلغ تلك آلافة وعمن هلك من أهل الجزية أو جاوز خمسين سنة ويكتبوا إليه بما يرفعون من ذلك ليأمر بحسبه للعمال، وألا يخلوا بين العمال وبين اجتباء من أتي له دون عشرين سنة.