الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - شبهة: تحريم زواج المسلمة بغير المسلم
.
نص الشبهة:
هل تحريم زواج المسلمة بغير السلم يُعد نزعة عنصرية؟
والرد على تلك الشبهة من وجوه:
الوجه الأول: الآية التي حرمت ذلك ومعناها
.
الوجه الثاني: أقوال فقهاء المذاهب في زواج المسلمة بالكافر.
الوجه الثالث: حكمة منع المسلمات من نكاح الكفار.
الوجه الرابع: منع زواج الأجنبيات عند أهل الكتاب.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: الآية التي حرمت ذلك ومعناها.
قال الطبري: يعني تعالى ذكره بذلك: أن اللَّه قد حرَّم على المؤمنات أن ينكحن مشركًا كائنًا من كان المشرك، ومن أيّ أصناف الشرك كان، فلا تنكحوهنَّ أيها المؤمنون منكم؛ فإنّ ذلك حرام عليكم، ولأن تزوجوهن من عبدٍ مؤمن مصدق باللَّه وبرسوله وبما جاء به من عند اللَّه، خير لكم من أن تزوجوهن من حر مشرك، ولو شرُف نسبه وكرُم أصله، وإن أعجبكم حسبه ونسبه (1).
وقال ابن جزي: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ} أي: لا تزوّجوهم نساءكم، وانعقد الإجماع على أن الكافر لا يتزوّج مسلمة سواء كان كتابيًا أو غيره (2).
(1) تفسير الطبري (2/ 388).
(2)
التسهيل لعلوم التنزيل (1/ 111)، وانظر: تفسير البغوي (1/ 256).
وقال ابن عطية: أجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على دين الإسلام (1).
وقال أبو السعود: ولا تنكحوا المشركين من الإنكاح، والمراد بهم الكفار على الإطلاق لما مر أي: لا تزوجوا منهم المؤمنات سواءً كن حرائر أو إماء حتى يؤمنوا ويتركوا ما هم فيه من الكفر. {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ} مع ما به من ذل المملوكية {خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} مع ماله من عز المالكية ولو أعجبكم مما فيه من دواعي الرغبة فيه الراجعة إلى ذاته وصفاته، {أُولَئِكَ} استئناف مقرر لمضمون التعليلين المارين أي: أولئك المذكورون من المشركات والمشركين {يَدْعُونَ} من يقارنهم ويعاشرهم {إِلَى النَّارِ} أي: إلى ما يؤدي إليها من الكفر والفسوق، فلا بد من الاجتناب عن مقارنتهم ومقاربتهم. (2)
وقال الرازي: أما قوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} فلا خلاف ههنا أن المراد به الكل، وأن المؤمنة لا يحل تزويجها من الكافر البتة على اختلاف أنواع الكفر، أما قوله:{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} وففيه مسألتان:
المسألة الأولى: هذه الآية نظير قوله: {وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)} (غافر: 41).
فإن قيل: فكيف يدعون إلى النار وربما لم يؤمنوا بالنار أصلًا، فكيف يدعون إليها؟
وجوابه: أنهم ذكروا في تأويل هذه الآية وجوهًا:
أحدها: أنهم يدعون إلى ما يؤدي إلى النار، فإن الظاهر أن الزوجية مظنة الألفة والمحبة والمودة، وكل ذلك يوجب الموافقة في المطالب والأغراض، وربما يؤدي ذلك إلى انتقال المسلم عن الإسلام بسبب موافقة حبيبه فإن قيل: احتمال المحبة حاصل من الجانبين، فكما
(1) المحرر الوجيز (1/ 247)، وانظر تفسير القرطبي (3/ 72).
(2)
تفسير أبي السعود (1/ 221).
يحتمل أن يصير المسلم كافرًا بسبب الألفة والمحبة، يحتمل أيضًا أن يصير الكافر مسلمًا بسبب الألفة والمحبة، وإذا تعارض الاحتمالان وجب أن يتساقطا فيبقى أصل الجواز.
قلنا: إن الرجحان لهذا الجانب؛ لأن بتقدير أن ينتقل الكافر عن كفره يستوجب المسلم به مزيد ثواب ودرجة، وبتقدير أن ينتقل المسلم عن إسلامه يستوجب العقوبة العظيمة، والإقدام على هذا العمل دائر بين أن يلحقه مزيد نفع، وبين أن يلحقه ضرر عظيم، وفي مثل هذه الصورة يجب الاحتراز عن الضرر، فلهذا السبب رجح اللَّه تعالى جانب المنع على جانب الإطلاق.
التأويل الثاني: أن في الناس من حمل قوله: {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} أنهم يدعون إلى ترك المحاربة والقتال، وفي تركهما وجوب استحقاق النار والعذاب، وغرض هذا القائل من هذا التأويل أن يجعل هذا فرقًا بين الذمية وبين غيرها، فإن الذمية لا تحمل زوجها على المقاتلة فظهر الفرق.
التأويل الثالث: أن الولد الذي يحدث ربما دعاه الكافر إلى الكفر فيصير الولد من أهل النار، فهذا هو الدعوة إلى النار، {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ} حيث أمرنا بتزويج المسلمة حتى يكون الولد مسلمًا من أهل الجنة.
أما قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} ففيه قولان:
القول الأول: أن المعنى وأولياء اللَّه يدعون إلى الجنة، فكأنه قيل: أعداء اللَّه يدعون إلى النار وأولياء اللَّه يدعون إلى الجنة والمغفرة فلا جرم يجب على العاقل أن لا يدور حول المشركات اللواتي هن أعداء اللَّه تعالى، وأن ينكح المؤمنات؛ فإنهن يدعون إلى الجنة والمغفرة.
والثاني: أنه سبحانه لما بين هذه الأحكام وأباح بعضها وحرم بعضها، قال:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ} ؛ لأن من تمسك بها استحق الجنة والمغفرة، أما قوله:{بِإِذْنِهِ} فالمعنى بتيسير اللَّه وتوفيقه للعمل الذي يستحق به الجنة والمغفرة (1).
وقال ابن كثير: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} أي: لا تُزَوّجوا الرجال المشركين النساء المؤمنات كما قال تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (الممتحنة: 10)، ثم ذكر قول عمر رضي الله عنه:(المسلم يتزوج النصرانية ولا يتزوج النصراني المسلمة)، قال: وهذا أصح إسنادًا من الأول. (2)
وعن عكرمة: في اليهودية والنصرانية تكون تحت النصراني أو اليهودي فتسلم هي؟ قال: يفرق بينهما، الإسلام يعلو ولا يعلى. (3)
وقال ابن عادل: هذا بالإِجماع المراد منه الكُلّ، وأَنَّ المُؤْمِنة لا يحلُّ تزويجها بكافرٍ البَتَّة على اختلاف أنواع الكُفر. (4)
وقال الآلوسي: فإن قيل: كما أن الكفار يدعون المؤمنين إلى النار، كذلك المؤمنون يدعونهم إلى الجنة بأحد الأمرين؟
أجيب: بأنّ المقصود من الآية: أنّ المؤمن يجب أن يكون حذرًا عما يضره في الآخرة، وأن لا يحوم حول حمى ذلك، ويجتنب عما فيه الاحتمال مع أن النفس والشيطان يعاونان على ما يؤدّي إلى النار، وقد ألفت الطباع في الجاهلية ذلك؟
قاله بعض المحققين: والجملة. . . الخ معللة لخيرية المؤمنين والمؤمنات من المشركين والمشركات، {وَاللَّهُ يَدْعُو} بواسطة المؤمنين من يقاربهم {إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} أي: إلى
(1) تفسير الرازي (3/ 295).
(2)
تفسير ابن كثير (1/ 583 - 584).
(3)
أخرجه الطحاوي (4869)، وقال الالباني: إسناده موقوف صحيح؛ الإرواء (5/ 109).
(4)
تفسير اللباب (3/ 62).
الاعتقاد الحق والعمل الصالح الموصلين إليهما، وتقديم الجنة على المغفرة مع قولهم: التخلية أولى بالتقديم على التحلية لرعاية مقابلة النار ابتداءً {بِإِذْنِهِ} متعلق بـ {يَدْعُوا} أي: يدعو إلى ذلك متلبسًا بتوفيقه الذي من جملته إرشاد المؤمنين لمقاربيهم إلى الخير فهم أحقاء بالمواصلة.
قوله تعالى: {وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكي يتعظوا أو يستحضروا معلوماتهم بناءً على أنّ معرفة اللَّه تعالى مركوزة في العقول، والجملة تذييل للنصح والإرشاد، والواو اعتراضية أو عاطفة، وفصلت الآية السابقة بـ {تَتَفَكَّرُونَ} (البقرة: 219)؛ لأنها كانت لبيان الأحكام والمصالح والمنافع، والرغبة فيها التي هي محل تصرف العقل والتبيين للمؤمنين فناسب التفكر، وهذه الآية بـ {يَتَذَكَرُونَ} ؛ لأنها تذييل للإخبار بالدعوة إلى الجنة والنار التي لا سبيل إلى معرفتها إلا النقل والتبيين لجميع الناس فناسب التذكر (1).
وقال القاسمي: أن الزوجيه مظنة الألفة والمحبة والمودة، وكل ذلك يوجب الموافقة في المطالب والأغراض، فحقهم أن لا يوالوا ولا يصاهروا (2).
وقال ابن عاشور: وقوله: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} تحريم لتزويج المسلمة من المشرك، فإن كان المشرك محمولًا على ظاهره في لسان الشرع، فالآية لم تتعرض لحكم تزويج المسلمة من الكافر الكتابي، فيكون دليل تحريم ذلك الإجماع؛ وهو إما مستند إلى دليل تلقاه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم وتواتر بينهم، وإما مستند إلى تضافر الأدلة الشرعية كقوله تعالى:{فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} ، فعلق النهي بالكفر وهو أعم من الشرك وإن كان المراد حينئذ المشركين، وكقوله تعالى هنا:{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} كما سنبينه، وقوله:{حَتَّى يُؤْمِنُوا} غاية للنهي، وأُخذ منه أن الكافر إذا أسلمت زوجته يفسخ النكاح بينهما، ثم إذا أسلم هو كان أحق بها ما دامت في العدة، وقوله:
(1) روح المعاني (2/ 218).
(2)
تفسير القاسمي (3/ 219).