الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكذب. نزل فيه عدم لياقة الفعل منزلة عدمه وهو كثيرٌ في الكلام، ثم المراد اللياقة وعدم اللياقة من حيث الزنا فيكون فيه من تقبيح الزنا ما فيه. (1)
الوجه الخامس: توجيهات العلماء وتوفيقهم بين الحديث والآية:
بدايةً تكاد تتفق كلمة الفقهاء على أن الزاني المسلم والزانية المسلمة إذا تابا وأرادا الزواج جاز لهما ذلك، وأما إذا لم يتوبا فلا، أما المشرك فلا ينكح المسلمة بحال حتى ولو تاب من زناه ما دام باقيًا على كفره، وكذا المسلم لا ينكح المشركة بحالٍ حتى وإن تابت من زناها ما بقيت على شركها وهذا إجماع، وسيأتي توجيه ابن القيم للآية والحديث حيث خص الآية في ابتداء الزواج، وخص الحديث باستمراره فمنع الأول وأجاز الثاني، وقد اختلفوا هل الآية محكمةٌ أم منسوخةٌ؟ فمِن مؤيِّدٍ للأول ومن مؤيِّدٍ للثاني، وسيتضح ذلك من خلال نُقُول العلماء في التوفيق بين الآية والحديث.
أولًا: سبب الاختلاف:
قال ابن رشد الحفيد: وسبب اختلافهم: اختلافهم في مفهوم قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم؟ وهل الإشارة في قوله: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} إلى الزنا أو إلى النكاح؟ وإنما صار الجمهور لحمل الآية على الذم لا على التحريم لما جاء في الحديث: أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم في زوجته: إنها لا ترد يد لامس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "طلقها"، فقال له: إني أحبها، فقال له:"فأمسكها"، وقال قوم أيضًا: إن الزنا يفسخ النكاح بِناءً على هذا الأصل. وبه قال الحسن (2).
ثانيًا: توجيهات العلماء:
للعلماء في الآية عدة توجيهات:
(1) انظر تفسير الجلالين (6/ 305)، والظلال (5/ 249)، وروح المعاني (13/ 321).
(2)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 40).
1 -
أن الآية على معنى الخبر، أي: أن الزاني لا يزني إلا بزانية لا تستحل الزنا، أو مشركةٍ تستحل الزنا، والزانية لا يزني بها إلا زانٍ أو مشرك. وعلى هذا فمعنى النكاح في الآية: الوطء.
2 -
أن الزاني لا يليق به أن يتزوج إلا زانيةً مثله أو مشركةً، والزانية لا يليق بها أن تتزوج إلا بزانٍ مثلها أو مشركٍ -وهذا على سبيل الزجر والتقبيح، ولا يفهم منه جواز نكاح مسلمٍ أيًّا كان حاله بمشركةٍ، أو مسلمةٍ أيًّا كان حالها بمشركٍ.
3 -
أَنَّهَا مَخْصوصَةٌ فِي الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً مَحْدُودَةً، وَلَا يَنْكِحُ الزَّانِيَةَ المَحْدُودَةَ إلَّا زَانٍ.
4 -
أَنَّهُ عَامٌّ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ عَلَى الْعَفِيفِ، وَالْعَفِيفِ عَلَى الزَّانِيَةِ.
5 -
أن الآية منسوخةٌ بقول اللَّه تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} (النور: 32) فدخلت الزانية في أيامى المسلمين، وبقوله تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ. .} (النساء: 3).
وقد رجح أبو جعفر الطبري قول من عني بالنكاح الوطء فقال: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: عنى بالنكاح في هذا الموضع الوطء، وأن الآية نزلت في البغايا المشركات ذوات الرايات، وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على كل مشرك، وأن الزاني من المسلمين حرام عليه كل مشركة من عبدة الأوثان، فمعلوم إذ كان ذلك كذلك، أنه لم يُعْن بالآية أن الزاني من المؤمنين لا يعقد عقد نكاح على عفيفة من المسلمات، ولا ينكح إلا بزانية أو مشركة، وإذ كان ذلك كذلك، فبين أن معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية لا تستحلّ الزنا أو بمشركة تستحله. (1)
وارتضاه أيضًا ابن كثير فبين أن هذا خَبَر من اللَّه تعالى بأن الزاني لا يَطأ إلا زانية أو مشركة. أي: ولا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية أو مشركة، لا ترى حرمة ذلك، وكذلك:{وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ} أي: عاص بزناه، {أَوْ مُشْرِكٌ} لا يعتقد تحريمه.
(1) تفسير الطبري (19/ 101).