الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها، فإذا اتصلت ذراع بجسم لم يعرف أصلها. ولم يكتف الفرسان الصليبيون الأتقياء! ! ! بذلك، فعقدوا مؤتمرًا أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود وخوارج النصارى الذين كان عددهم ستين ألفًا، فأفنوهم عن بكرة أبيهم في ثمانية أيام، ولم يستبقوا منهم امرأة ولا ولدًا ولا شيخًا.
ويقول أيضًا: وعمل الصليبيون مثل ذلك في مدن المسلمين التي اجتاحوها. ففي المعرة قتلوا جميع من كان فيها من المسلمين اللاجئين في الجوامع والمختبئين في السراديب، فأهلكوا في صبرا ما يزيد على مائة ألف إنسان في أكثر الروايات، وكانت المعرة من أعظم مدن الشام بعدد السكان بعد أن فر إليها الناس بعد سقوط أنطاكية وغيرها بيد الصليبيين. فأي إنسانية يتغنى بمثلها هؤلاء؟ هل فعلًا يديرون الخد الأيسر لمن يصفعهم على خدهم الأيمن؟ تاريخهم يجيب عن ذلك! . (1)
2 - وهذه وثائق إبادة هنود القارة الأمريكية على أيدي المسيحيين الأسبان
هذا الكتاب من تأليف المطران برتولومي دي لاس كازاس. ترجمة سميرة عزمي الزين. من منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية. لمن أراد أن يستزيد فالكتاب ملئ بالفضائح التي تقشعر لها الأبدان واسمحوا لي هنا أقوم بعرض موجز لبعض ما جاء في هذا الكتاب، من مقدمة الكتاب:
قول المؤرخ الفرنسي الشهير (مارسيل باتييون) أن مؤلف كتابنا (برتولومي دي لاس كازاس) أهم شخصية في تاريخ القارة الأمريكية بعد مكتشفها (كريستوف كولومبوس)، وأنه ربما كان الشخصية التاريخية التي تستحق الاهتمام في عصر اجتياح المسيحيين الأسبان لهذه البلاد. ولولا هذا المطران الكاهن الثائر على مسيحية عصره، وما ارتكبه من فظائع، ومذابح في القارة الأمريكية لضاع جزء كبير من تاريخ البشرية. فإذا كان كولومبوس قد اكتشف لنا القارة؛ فإن برتولومي هو الشاهد الوحيد الباقي على أنه كانت في هذه القارة
(1) المجموع في الرد على النصارى/ الجزء الأول المسيحية، والسيف.
عشرات الملايين من البشر الذين أفناهم الغزاة بوحشية لا يستطيع أن يقف أمامها لا مستنكرًا لها شاكًا في إنسانية البشر الذين ارتكبوها.
ولد ((برتولومي دي لاس كازاس)) عام 1474 م في قشتالة الأسبانية من أسرة اشتهرت بالتجارة البحرية، وكان والده قد رافق كولومبوس في رحلته الثانية إلى العالم الجديد عام 1493 م أي في السنة التالية لسقوط غرناطة، وسقوط الأقنعة عن وجوه الملوك الأسبان، والكنيسة الغربية. كذلك فقد عاد أبوه مع كولومبوس بصحبة عبد هندي فتعرف برتولومي على هذا العبد القادم من بلاد الهند الجديدة. بذلك بدأت قصته مع بلاد الهند، وأهلها، وهو ما يزال صبيًا في قشتاله يشاهد ما يرتكبه الأسبان من فظائع بالمسلمين، وما يريقونه من دمهم، وإنسانيتهم في العالم الجديد. لقد جرى الدميان بالخبر اليقين أمام عيني هذا الراهب الثائر على أخلاق أمته، ورجال كنيستها، وبعثات تبشيرها: دم المسلمين، ودم الهنود سكان القارة الأمريكية.
كانوا يسمون المجازر عقابًا، وتأديبًا لبسط الهيبة، وترويع الناس كانت سياسة الاجتياح المسيحي: أول ما يفعلونه عندما يدخلون قرية، أو مدينة هو ارتكاب مجزرة مخيفة فيها. . مجزرة ترتجف منها أوصال هذه الفعاج المرهفة)).
وأنه كثيرًا ما كان يصف لك القاتل، والمبشر في مشهد واحد فلا تعرف من تحزن: أمن مشهد القاتل، وهو يذبح ضحيته، أو يحرقها، أو يطعمها للكلاب أم من مشهد المبشر الذي تراه خائفًا من أن تلفظ الضحية أنفاسها قبل أن يتكرم عليها بالعماد فيركض إليها لاهثًا يجرجر أذيال جبته، وغلاظته، وثقل دمه لينصرها بعد أن نضج جسدها بالنار، أو اغتسلت بدمها، أو التهمت الكلاب نصف أحشائها.
إن العقل الجسور والخيال الجموح ليعجزان عن الفهم، والإحاطة فإبادة عشرات الملايين من البشر في فترة لا تتجاوز الخمسين سنة هول لم تأت به كوارث الطبيعة. ثم إن كوارث الطبيعة تقتل بطريقة واحدة. أما المسيحيون الأسبان فكانوا يتفننون، ويبتدعون، ويتسلون بعذاب البشر، وقتلهم. كانوا يجرون الرضيع من بين يدي أمه ويلوحون به في
الهواء، ثم يخبطون رأسه بالصخر، أو بجذوع الشجر، أو يقذفون به إلى أبعد ما يستطيعون. وإذا جاعت كلابهم قطعوا لها أطراف أول طفل هندي يلقونه، ورموه إلى أشداقها ثم أتبعوها بباقي الجسد، وكانوا يقتلون الطفل، ويشوونه من أجل أن يأكلوا لحم كفيه، وقدميه قائلين: إنها أشهى لحم الإنسان.
رأى لاس كازاس كل ذلك بعينيه، وأرسل الرسائل المتعددة إلى ملك أسبانيا يستعطفه، ويسترحمه ويطالبه بوقف عذاب هؤلاء البشر. وكانت آذان الملك الأسباني لا تسمع إلا رنين الذهب. ولماذا يشفق الملك على بشر تفصله عنهم آلاف الأميال من بحر الظلمات ما دامت جرائم عسكره، ورهبانه في داخل أسبانيا لا تقل فظاعة عن جرائم عسكره ورهبانه في العالم الجديد؟ كان الأسبان باسم الدين المسيحي الذي يبرأ منه المسيح عليه السلام يسفكون دم الأندلسيين المسلمين الذين ألقوا سلاحهم، وتجردوا من وسائل الدفاع عن حياتهم، وحرماتهم. وكان تنكيلهم بهم لا يقل، وحشية عن تنكيلهم بهنود العالم الجديد. لقد ظلوا يسومون المسلمين أنواع العذاب، والتنكيل، والقهر، والفتك طوال مائة سنة فلم يبق من الملايين الثلاثة والثلاثين (حسبما ذكر الكتاب) مسلم واحد كما ساموا الهنود تعذيبًا، وفتكًا، واستأصلوهم من الوجود. كانت محاكم التفتيش التي تطارد المسلمين، وتفتك بهم، ورجال التبشير الذين يطاردون الهنود، ويفتكون بهم من طينة واحدة.
إن أحدًا لا يعلم كم عدد الهنود الذين أبادهم الأسبان المسيحيون ثمة من يقول إنهم مائتا مليون، ومنهم من يقول إنهم أكثر. أما لاس كازاس فيعتقد أنهم مليار من البشر، ومهما كان الرقم فقد كانت تنبض بحياتهم قارة أكبر من أوروبا بسبعة عشر مرة، وها قد صاروا الآن أثرًا بعد عين.
أما المسيحيون فعاقبوهم بمذابح لم تعرف في تاريخ الشعوب. كانوا يدخلون على القرى فلا يتركون طفلًا، أو حاملًا، أو امرأة تلد إلا ويبقرون بطونهم، ويقطعون أوصالهم
كما يقطعون الخراف في الحظيرة، وكانوا يراهنون على من يشق رجلًا بطعنة سكين، أو يقطع رأسه، أو يدلق أحشاءه بضربة سيف.
كانوا ينتزعون الرضع من أمهاتهم، ويمسكونهم من أقدامهم، ويرطمون رؤوسهم بالصخور. أو يلقون بهم في الأنهار ضاحكين ساخرين. وحين يسقط في الماء يقولون:(عجبا انه يختلج). كانوا يسفدون الطفل، وأمه بالسيف، وينصبون مشانق طويلة ينظمونها مجموعة مجموعة كل مجموعة ثلاث عشر مشنوقًا، ثم يشعلون النار، ويحرقونهم أحياء. وهناك من كان يربط الأجساد بالقش اليابس، ويشعل فيها النار.
كانت فنون التعذيب لديهم أنواعًا منوعة. بعضهم كان يلتقط الأحياء فيقطع أيديهم قطعًا ناقصًا لتبدو كأنها معلقة بأجسادهم ثم يقول لهم: (هيا احملوا الرسائل) أي: هيا أذيعوا الخبر بين أولئك الذين هربوا إلى الغابات. أما أسياد الهنود، ونبلاؤهم فكانوا يقتلون بأن تصنع لهم مشواة من القضبان يضعون فوقها المذراة ثم يربط هؤلاء المساكين بها وتوقد تحتهم نار هادئة من أجل أن يحتضروا ببطء وسط العذاب، والألم، والأنين.
ولقد شاهدت مرة أربعة من هؤلاء الأسياد فوق المشواة. وبما أنهم يصرخون صراخًا شديدًا أزعج مفوض الشرطة الأسبانية الذي كان نائمًا (أعرف اسمه بل أعرف أسرته في قشتاله) فقد وضعوا في حلوقهم قطعًا من الخشب أخرستهم ثم أضرموا النار الهادئة تحتهم.
رأيت ذلك بنفسي، ورأيت فظائع ارتكبها المسيحيون أبشع منها. أما الذين هربوا إلى الغابات، وذرى الجبال بعيدًا عن هذه الوحوش الضارية فقد روض لهم المسيحيون كلابًا سلوقية شرسة لحقت بهم، وكانت كلما رأت واحدًا منهم انقضت عليه، ومزقته، وافترسته كما تفترس الخنزير، وحين كان الهنود يقتلون مسيحيًا دفاعًا عن أنفسهم كان المسيحيون يبيدون مائة منهم، لأنهم يعتقدون أن حياة المسيحي بحياة مائة هندي أحمر (1).
(1) نفس المصدر تحت عنوان -إبادة هنود القارة الأمريكية على أيدي المسيحين الأسبان-.