الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الأول: القرآن حرم الخمر
.
الدليل الأول: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} (المائدة: 90).
قال القنوجي: وفي هذه الآية دليل على تحريم الخمر لما تضمنه الأمر بالاجتناب من الوجوب وتحريم الصد ولما تقرر في الشريعة من تحريم قربان الرجس فضلًا عن جعله شرابًا يشرب (1).
قال الزمخشري: أكد تحريم الخمر والميسر وجوهًا من التأكيد منها:
1 -
تصدير الجملة بإنما.
2 -
ومنها أنه قرنهما بعبادة الأصنام.
3 -
ومنها أنه جعلهما رجسًا، قال تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} (الحج: 30).
4 -
ومنها أنه جعلهما من عمل الشيطان، والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت.
5 -
ومنها أنه أمر بالاجتناب.
6 -
ومنها أنه جعل الاجتناب من الفلاح، وإذا كان الاجتناب فلاحًا، كان الارتكاب خيبة ومحقة.
7 -
ومنها أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال، وهو وقوع التعادي والتباغض من أصحاب الخمر والقُمَار، وما يؤدّيان إليه من الصدّ عن ذكر اللَّه، وعن مراعاة أوقات الصلاة.
8 -
وقوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} من أبلغ ما ينهى عنه، كأنه قيل: قد تلي عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون؟ أم أنتم على ما كنتم عليه، كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟ فإن قلت: الأم يرجع الضمير في {فَاجْتَنِبُوهُ} ؟ قلت: إلى المضاف المحذوف، كأنه قيل: إنما شأن الخمر والميسر أو تعاطيهما أو ما أشبه ذلك. ولذلك قال: {
(1) فتح البيان في مقاصد القرآن (4/ 46).
رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}. فإن قلت: لم جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام أولًا ثم أفردهما آخرًا؟ قلت: لأن الخطاب مع المؤمنين. وإنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب بالميسر، وذكر الأنصاب والأزلام لتأكيد تحريم الخمر والميسر، وإظهار أنّ ذلك جميعًا من أعمال الجاهلية وأهل الشرك، فوجب اجتنابه بأسره، وكأنه لا مباينة بين من عبد صنمًا وأشرك باللَّه في علم الغيب، وبين من شرب خمرًا أو قامر (1).
قال الطبري: يا أيها الذين صدّقوا اللَّه ورسوله، إن الخمر التي تشربونها، والميسِرَ الذي تَتَياسرونه، والأنصاب التي تذبحُون عندها، والأزلام التي تستقسمون بها {رِجْسٌ} يقول: إثم ونَتْنٌ سَخِطه اللَّه وكرهه لكم {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} يقول: شربكم الخمر، وقماركم على الجُزُر، وذبحكم للأنصاب، واستقسامكم بالأزلام، من تزيين الشيطانِ لكم، ودعائه إياكم إليه، وتحسينه لكم، لا من الأعمال التي ندبكم إليها ربُّكم، ولا مما يرضاه لكم، بل هو مما يسخطه لكم {فَاجْتَنِبُوهُ} يقول: فاتركوه وارفضوه ولا تعملوه {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} يقول: لكي تنجَحُوا فتدركوا الفلاحَ عند ربكم بترككم ذلك (2).
قال الشيخ محمد رشيد رضا: ولما بين جل جلاله علة تحريم الخمر والميسر وحكمته أكده بقوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} ، فهذا استفهام يتضمن الأمر بالانتهاء ثم ذكر كلام الكشاف.
ثم قال وتبعه في ذلك الرازي وغيره ونحن نبين المؤكدات بأوضح مما بينوها به وأوسع فنقول: أحدها: أن اللَّه تعالى جعل الخمر والميسر رجسًا، وكلمة الرجس تدل على منتهى القبح والخبث، ولذلك أطلقت على الأوثان كما تقدم، فهي أسوأ مفهومًا من كلمة الخبيث وقد علم من عدة آيات أن اللَّه أحل الطيبات وحرم الخبائث.
(1) الكشاف للزمخشري (1/ 674، 675).
(2)
تفسير الطبري (7/ 32)، وفتح القدير للشوكاني (2/ 80).
ثانيها: أنه صدر الجملة بإنما الدالة على الحصر للمبالغة في ذمهما كأنه قال ليست الخمر وليس الميسر إلا رجسًا فلا خير فيهما البتة.
ثالثها: أنه قرنها بالأنصاب والأزلام التي هي من أعمال الوثنية وخرافات الشرك.
رابعها: أنه جعلها من عمل الشيطان لما ينشأ عنها من الشرور والطغيان، وهل عمل الشيطان إلا موجبًا لسخط الرحمن؟
خامسها: أنه جعل الأمر بتركهما من مادة الاجتناب، وهو أبلغ من الترك لأنه يفيد الأمر بالترك مع البعد عن المتروك بأن يكون التارك في جانب بعيد عن المتروك.
سادسها: أنه جعل اجتنابهما معدًا للفلاح ومرجاة له، فدل ذلك على أن ارتكابهما من الخسران والخيبة في الدنيا والآخرة.
سابعها وثامنها: أنه جعلهما مثارًا للعداوة والبغضاء، وهما شر المفاسد الدنيوية المتعدية إلى أنواع من المعاصي في الأموال والأعراض والأنفس ولذلك سميت الخمر بأم الخبائث وأم الفواحش.
تاسعها وعاشرها: أنه جعلهما صَادَّيْنِ عن ذكر اللَّه وعن الصلاة وهما روح الدين وعماده.
الحادي عشر: الأمر بالانتهاء عنهما بصيغة الاستفهام المقرون بفاء السببية، وهل يصح الفصل بين السبب والمسبب. وفي الآية التالية ثلاثة مؤكدات أخرى نوردها معدودة مع ما قبلها.
الثاني عشر: قوله عز وجل: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} (المائدة: 92). أي: أطيعوا اللَّه فيما أمركم به من اجتناب الخمر والميسر وغيرهما كما تجتنبون الأنصاب والأزلام أو أشد اجتنابًا وفي كل شيء، وأطيعوا الرسول فيما بَيَّنَهُ لكم مما نزله اللَّه عليكم ومنه قوله:"كل مسكر خمر وكل خمر حرام".
الثالث عشر: قوله عز وجل: {وَاحْذَرُوا} أي: احذروا عصيانهما أو ما يصيبكم إذا خالفتم أمرهما من فتنة الدنيا وعذاب الآخرة فإنه ما حرم عليكم إلا ما يضركم في دنياكم وآخرتكم قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور: 63).