الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثاني: أدلة تحريم نكاح المتعة
.
لقد حرم اللَّه نكاح المتعة، وقد ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع والقياس والمعقول.
أولًا: أدلة التحريم من القرآن
الدليل الأول: قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} (المؤمنون: 5 - 7).
قال الجصاص: فَقَصَرَ إبَاحَةَ الْوَطْءِ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَحَظَرَ مَا عَدَاهُمَا بِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} ، وَالمتعَةُ خَارِجَةٌ عَنْهُمَا فَهِيَ إذًا مُحَرَّمَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا أَنْكَرْت أَنْ تَكُونَ المُرْأَةُ الْمُسْتَمْتَعُ بِهَا زَوْجَةً، وَأَنَّ الْمُتعَةَ غَيْرُ خَارِجَةٍ عَنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ قُصِرَ الْإِبَاحَةُ عَلَيْهِمَا؟ قِيلَ لَهُ: هَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ الزَّوْجَةِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهَا وَيَتَنَاوَلُهَا إذَا كَانَتْ مَنْكُوحَةً بِعَقْدِ نِكَاحٍ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْمُتعَةُ نِكَاحًا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ زَوْجَةً.
فَإِنْ قِيلَ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ المُتْعَةَ لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ؟ قِيلَ لَهُ: الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النِّكَاحَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: وَهُوَ الْوَطْءُ وَالْعَقْدُ، -وَقَدْ بَيَّنَا فِيمَا سَلَفَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ-، وَإِذَا كَانَ الاسْمُ مَقْصُورًا فِي إطْلَاقِهِ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ المُعْنيَيْنِ وَكَانَ إطْلَاقُهُ فِي الْعَقْدِ مَجَازًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَوَجَدْنَاهُمْ أَطْلَقُوا الِاسْمَ عَلَى عَقْدِ تَزْوِيجٍ مُطْلَقٍ أَنَّهُ نِكَاحٌ وَلَمْ نَجِدِهِمْ أَطْلَقُوا اسْمَ النِّكَاحِ عَلَى الْمُتعَةِ فَلَا يَقُولونَ إنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ إذَا شَرَطَ التَّمَتُّعَ بِهَا، لَمْ يَجُزْ لَنَا إطْلَاقُ اسْمِ النِّكَاحِ عَلَى الْمُتْعَةِ؛ إذْ الْمَجَازُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْمُوعًا مِنْ الْعَرَبِ أَوْ يَرِدُ بِهِ الشَّرْعُ، فَلَمّا عَدِمْنَا إطْلَاقَ اسْمِ النِّكَاحِ عَلَى الْمُتْعَةِ فِي الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ جَمِيعًا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْمُتْعَةُ مَا عَدَا مَا أَبَاحَهُ اللَّه وَأَنْ يَكُونَ فَاعِلُهَا عَادِيًا ظَالمًا لنَفْسِهِ مُرْتَكِبًا لمِا حَرَّمَهُ اللَّه.
ومن الوجوهَ أَيْضًا:
أنَّ النِّكَاحَ لَهُ شَرَائِطُ قَدْ اخْتُصَّ بِهَا مَتَى فُقِدَتْ لَمْ يَكُنْ نِكَاحًا؛ مِنْهَا: أَنَّ مُضِيَّ الْوَقْتِ لَا يُؤَثِّرُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَلَا يُوجِبُ رَفْعَهُ، وَالْمُتعَةُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا تُوجِبُ رَفْعَ النِّكَاحِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ.
وَمنْهَا: أَنَّ النِّكَاحَ فِرَاشٌ يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ، بَلْ لَا يَنْتَفِي الْوَلَدُ المَوْلودُ عَلَى فِرَاشِ النِّكَاحِ إلَّا بِاللِّعَانِ؛ وَالْقَائِلُونَ بِالْمُتْعَةِ لَا يُثْبِتُونَ النَّسَبَ مِنْهُ، فَعَلِمْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ وَلَا فِرَاشٍ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الدُّخُولَ بِهَا عَلَى النِّكَاحِ يُوجِبُ الْعِدَّةَ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، وَالمَوْتُ يُوجِبُ الْعِدَّةَ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، قَالَ اللَّه سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} وَالْمُتْعَةُ لَا تُوجِبُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَقَالَ سبحانه وتعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} وَلَا تَوَارُثَ عِنْدَهُمْ فِي المُتْعَةِ.
فَهَذِهِ هِيَ أَحْكَامُ النِّكَاحِ الَّتِي يُخَصُّ بِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ رِقٌّ أَوْ كُفْرٌ يَمْنَعُ التَّوَارُثَ، فَلَمّا لَمْ يَكُنْ فِي الْمُتْعَةِ مَانِعٌ مِنْ المِيْرَاثِ مِنْ أَحَدِهِمَا بِكُفْرٍ أَوْ رِقٍّ وَلَا سَبَبَ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ وَلَا مَانِعَ مِن ثُبُوتِ النَّسَبِ مَعَ كَوْنِ الرَّجُلِ مِمَّنْ يَسْتَفْرِشُ وَيَلْحَقُهُ الْأَنْسَابُ لفِرَاشِهِ، ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ؛ فَإِذَا خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ نِكَاحًا أَوْ مِلْكَ يَمِينٍ كَانَتْ مُحَرَمَّةً بِتَحْرِيمِ اللَّه إيَّاهَا فِي قَوْلِهِ:{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} . (1)
عن الزهري عن القاسم بن محمد قال: إني لأرى تحريمها في القرآن، قال: فقلت: أين؟ قال: فقرأ علي هذه الآية: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} (المؤمنون: 5 - 6)(2).
الدليل الثاني: قال عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ. . . .} (النساء: 25).
(1) أحكام القرآن للجصاص (2/ 150: 149)، وانظر بدائع الصنائع للكاساني (2/ 273: 272)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (32/ 107)، وأضواء البيان (1/ 285).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (14036).