الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثالث: الفطرة السليمة التي خلق اللَّه عليها العباد تجعلهم يواروا عوراتهم
إن اللَّه عز وجل خلق الناس على الفطرة، والفطرة السليمة تجعل الإنسان يواري عورته من غير حاجة إلى آيات أو أحاديث وبدون أوامر أو نواهٍ مثلما حدث مع أبينا آدم وأمُّنا حواء، حيث يقول اللَّه عز وجل:{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} (طه: 120) فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما. حينما عصى سيدنا آدم وزوجته ربهما ظهر شؤم المعصية فظهرت عوراتهما فماذا صنعا بفطرتهما عليهما السلام؟ يقول سبحانه وتعالى بعد الآيات السابقة موضحًا الإجابة على هذا السؤال: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ
= ويتغزل الحطيئة في قوام محبوبته ووجهها، ويكني عن وجهها بأنه موضع النقاب:
طافت أمامة بالركبان آونة
…
يا حسنه من قوام ما ومنتقبا
ويعجب الشنفري بحبيبته وهي منتقبة لا تكشف وجهها:
فقد أعجبني لا سقوط قناعها
…
إذا ما مشت ولا بذات تلفت
وتحرض أم عمرو بنت وقدان قومها على الثأر بأنهم إن لم يثأروا فعليهم أن يدعوا السلاح ويتكحلوا وينتقبوا كالنساء:
إن أنتم لم تطلبوا بأخيكم
…
فذروا السلاح ووحشوا بالأبرق
وخذوا المكاحل والمجاسد وألبسوا
…
نقب النساء فبئس رهط المرهق
ولقد يتمثل الحجاب في أن تتخدر المرأة، فلا يراها إلا الأقربون، ولا تبرز إلا في الفواجع. يدل على ذلك قول زهير:
وما أدرى وسوف إخال أدرى
…
أقوم آل حصن أم نساء
فإن تكن النساء مخبآت
…
فحق لكل محصنة هداء
وفي قول مهلهل يرثى كليبًا
على أن ليس عدلًا من كليب
…
إذا برزت مخبأة الخدور
وفي قول عدى بن زيد:
يسارقن من الأستار طرفا مفترا
…
ويبرزت من فتق الخدور الأصابعا
انظر المرأة في الشعر الجاهلي للدكتور أحمد الحوفي، وظاهرة حجاب المرأة في الأدب الجاهلي للدكتور زينب محمد جكلي بمجلة الأحمدية العدد الأول (351).
عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (الأعراف: 22).
أخذ كل منهما من ورق الجنة؛ ليستر به ما ظهر من عورته، وهكذا تكون الفطرة.
ويقول سبحانه: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} (الأعراف: 27).
فما حدث لآدم عليه السلام مع عدوه إبليس نرى أن الحياء من التعري وانكشاف السوءة شيء مركوز في طبع الإنسان وفطرته، ويحكي اللَّه عن قصة بلقيس مع سيدنا سليمان عليه السلام حينما دخلت الصرح وظنت أن به ماء ولم تكن تعرف أنه زجاج، فماذا فعلت قال تعالى:{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} (النمل: 44) والكشف عن الساق يدل على أن بلقيس كانت ترتدي ملابس طويلة وكانت محجبة، هذا على الرغم من أنها لم تسمع آيات ولا أحاديث، بل كانت كافرة، ولكن كانت ذات فطرة سليمة.
وكل هذه الآيات توحي بأهمية هذه المسألة وعمقها في الفطرة البشرية، فاللباس، وستر العورة: زينة للإنسان، وستر لعوراته الجسدية، كما أن التقوى لباس وستر لعوراته النفسية.
والفطرة السليمة تنفر من انكشاف سوءاخهما الجسدية والنفسية، وتحرص على سترها ومواراتها، والذين يحاولون تعرية الجسم من اللباس، وتعرية النفس من التقوى ومن الحياء من اللَّه، ثم من الناس. والذين يطلقون ألسنتهم، وأقلامهم، وأجهزة التوجيه والإعلام كلها لتأصيل هذه المحاولة -في شتى الصور والأساليب الخبيثة- هم الذين يريدون سلب الإنسان خصائص فطرته، وخصائص إنسانيته، التي بها صار إنسانًا متميزًا عن الحيوان.
قال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} (الإسراء: 70).
إن العري فطرة حيوانية، ولم تزل الحيوانات في انكشاف منذ خلقت، لم يتغير حالها